تعثر تجارة النفط الإيراني مع الصين بعد رفع طهران للأسعار
تاريخ النشر: 5th, January 2024 GMT
قالت مصادر في التجارة والمصافي لوكالة رويترز، إن تجارة النفط بين الصين وإيران تعثرت، مع امتناع طهران عن الشحن ومطالبتها لأكبر عملائها بزيادة الأسعار، مما يقلص الإمدادات الرخيصة لأكبر مستورد للخام في العالم.
وقد يؤدي انخفاض إمدادات النفط الإيراني الذي يمثل نحو عشرة بالمئة من واردات الصين من الخام والذي بلغ مستوى قياسيا في أكتوبر، إلى دعم الأسعار العالمية وتقليص أرباح مصافي التكرير الصينية.
هذه الخطوة المفاجئة التي وصفها أحد المسؤولين التنفيذيين في الصناعة بأنها "تقصير"، أو تخلف عن الوفاء بالإمدادات، ربما تكون رد فعل على رفع الولايات المتحدة في أكتوبر للعقوبات المفروضة على النفط الفنزويلي مما أدى إلى ذهاب شحنات المنتج الجنوب أميركي إلى الولايات المتحدة والهند، الأمر الذي ترتب عليه ارتفاع الأسعار بالنسبة للصين مع تقلص الشحنات.
وقال خمسة تجار يتعاملون في النفط أو على دراية بالمعاملات لرويترز، إن البائعين الإيرانيين أبلغوا المشترين الصينيين في وقت مبكر من الشهر الماضي أنهم سيقلصون الخصم على تسليم ديسمبر ويناير من الخام الإيراني الخفيف إلى ما بين خمسة وستة دولارات للبرميل عن سعر التداول لخام برنت.
وقال التجار إن الصفقات التي أبرمت في نوفمبر بلغت قيمة الخصم فيها نحو عشرة دولارات للبرميل.
وقال مسؤول تنفيذي في التجارة مقيم في الصين "يعتبر هذا تخلفا كبيرا عن الوفاء بالإمدادات، ويبدو أن الأمر برفع الأسعار جاء من المقر الرئيسي في طهران، حيث إنهم يحجبون الإمدادات أيضا عن الوسطاء".
وقال مسؤول تنفيذي في شركة وسيطة صينية تشتري مباشرة من إيران، إن الدولة العضو في أوبك "تحجب بعض الشحنات"، مما يؤدي إلى "مأزق" بين المشترين الصينيين والموردين الإيرانيين.
وقال هذا المسؤول التنفيذي "ليس من الواضح كيف ستنتهي الأمور... دعونا ننتظر قليلا وننظر لمدى استعداد المصافي لقبول السعر الجديد".
ووفرت الصين مليارات الدولارات من شراء نفط بخصم كبير من منتجين خاضعين لعقوبات مثل إيران وفنزويلا، ثم روسيا في الآونة الأخيرة، وتزود هذه الدول الصين بنحو 30 بالمئة من وارداتها من النفط الخام.
تأثر المصافي الخاصة
لم يتضح بعد حجم التخفيضات التي طرأت على الإمدادات الإيرانية إلى الصين.
وقال تاجران إن مشتريا واحدا على الأقل قبل أسعارا أعلى، وأوضحا أن شركة تكرير مقرها شاندونغ، اشترت شحنة في أواخر الشهر الماضي بخصومات تتراوح بين 5.50 دولار و6.50 دولار على أساس التسليم في الميناء المتفق عليه في بلد الوصول.
وأضاف التاجران أن الخصومات قد تتقلص أكثر لأن أحدث عرض تم سماعه كان 4.50 دولار.
ويقول التاجران إن متوسط الخصم في العام الماضي على الخام الإيراني الخفيف، وهو نوع رئيسي تشتريه الصين ويتمتع بإنتاجية عالية من نواتج التقطير المتوسطة، بلغ نحو 13 دولارا.
وقال مشتر من شاندونغ "لا يزال المشترون يواجهون صعوبة في إيجاد حل لأن الأسعار الجديدة مرتفعة للغاية... لكن بما أن الخيارات المتاحة أمامهم باتت محدودة والجانب الإيراني متعنت للغاية، فإن المجال أمام التفاوض في الأسعار صعب وليس في صالح المشترين الصينيين".
وأصبحت المصافي الخاصة الأصغر حجما في الصين، من كبار عملاء طهران منذ شراء النفط الإيراني لأول مرة في أواخر عام 2019.
وقد حلت هذه المصافي محل المصافي الحكومية التي توقفت عن التعامل مع إيران بسبب مخاوف من مخالفة العقوبات الأميركية.
وتقول مصادر تجارية، إن المصافي الخاصة الصينية تجتذب نحو 90 بالمئة من إجمالي صادرات النفط الإيرانية.
وفي خضم الصراع حول الأسعار، انخفض إجمالي صادرات إيران وواردات الصين من طهران.
وذكرت شركة فورتكسا أناليتكس لتتبع ناقلات النفط، إن الصين استوردت نحو 1.18 مليون برميل يوميا من النفط الإيراني الشهر الماضي مقارنة مع 1.22 مليون برميل يوميا في نوفمبر، وبانخفاض قدره 23 بالمئة عن الرقم القياسي المسجل في أكتوبر البالغ 1.53 مليون برميل يوميا.
ويمثل ذلك الجزء الأكبر من صادرات إيران العالمية من النفط الخام المنقول بحرا، والتي قدرتها شركة كبلر بنحو 1.23 مليون برميل يوميا في ديسمبر، انخفاضا من 1.52 مليون برميل يوميا في نوفمبر.
وتقول كبلر إن المخزون العائم قبالة إيران والمياه القريبة منها ارتفع بنحو مليوني برميل إلى 15.5 مليون برميل خلال الأسبوع الماضي.
وقال مدير تجاري في مصفاة مستقلة "الإيرانيون يريدون اللحاق بأسعار خام إسبو (الروسي). لكنهم لا يدركون تماما مدى اختلاف العقوبات المفروضة على النفط الإيراني عن تلك المفروضة على النفط الروسي".
وفرضت واشنطن عقوبات على أكثر من 180 شخصا وكيانا مرتبطين بقطاعي النفط والبتروكيماويات في إيران منذ عام 2021، وحددت 40 سفينة على أنها ممتلكات محظور التعامل معها لكونها مملوكة لكيانات خاضعة لعقوبات.
وتتمثل القيود الرئيسية المفروضة على النفط الروسي في وضع الولايات المتحدة وحلفائها حدا أقصى لسعر البرميل عند 60 دولارا في ديسمبر2022 بهدف معاقبة موسكو على حرب أوكرانيا.
وتدفع الهند، وهي مشتر رئيسي للنفط الروسي، في الغالب أكثر من 60 دولارا للنفط، ووصل الرقم إلى 85.42 دولار في نوفمبر، وهو أعلى مستوى منذ أن وضعت مجموعة الدول الصناعية السبع الحد الأقصى.
المصدر: سكاي نيوز عربية
كلمات دلالية: ملفات ملفات ملفات النفط الإيراني الصين الولايات المتحدة شاندونغ ناقلة النفط الإيراني الصين إيران الصين وإيران النفط الإيراني الصين الولايات المتحدة شاندونغ نفط المفروضة على النفط ملیون برمیل یومیا النفط الإیرانی فی نوفمبر
إقرأ أيضاً:
FA: كيف تستعد إيران للمواجهة مع ترامب.. وهل ستنقذ نفسها؟
ناقش الباحث في جامعة هارفارد محمد آية الله تبار فيما إن كانت إيران ستصمد أمام ضغوط واشنطن.
وفي مقال نشرته مجلة "فورين أفيرز" قال فيه إن إيران واجهت العام الماضي سلسلة من النكسات، حيث تم إضعاف حليفيها حماس وحزب الله في الحرب مع "إسرائيل"، ثم انهار نظام بشار الأسد فجأة وبشكل مذهل. كما أن عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة يعيد منظور إحياء استراتيجية أقصى ضغط والتي صمدت أمامها الجمهورية الإسلامية بداية عام 2018 وحتى نهاية فترة ترامب الأولى.
وقادت هذه التراجعات الإيرانية عددا من المسؤولين الأمريكيين والمحللين للجدال بأن الجمهورية الإسلامية تواجه هزيمة استراتيجية. ففي مقال كتبه ريتشارد هاس بـ "فورين أفيرز" بكانون الثاني/ يناير، قال فيه إن "إيران ضعيفة وأكثر عرضة للخطر مما كانت عليه قبل عقود، وعلى الأرجح منذ الحرب التي استمرت عقدا مع العراق وربما منذ الثورة الإسلامية في 1979".
وبحسب هذا الرأي، فقد قدمت إيران لمعارضيها فرصة لاستهداف منشآتها النووية أو الحصول منها على تنازلات كبرى في صفقة نووية. وعليه، فالرأي السائد اليوم وهو أن إيران باتت عرضة للضغط الأمريكي أو ضربة عسكرية إسرائيلية، لا يجد صدى في طهران. فالجمهورية الإسلامية تتعامل مع هذه التحديات باعتبارها مؤقتة ونكسات وليست إشارات عن هزيمة.
ومن وجهة نظر إيران، فرغم ما تعرضت له حماس وحزب الله من ضربات، فقد خرجتا رابحتين، نظرا لصمودهما أمام قوة تقليدية مدعومة من الولايات المتحدة. كما واحتفظت حماس ببعض الشعبية بين الفلسطينيين، ولا يزال حزب الله يتمتع بدعم الشيعة في لبنان. وفي اليمن، عزز الحوثيون المتحالفون مع إيران دورهم كداعم ثابت للقضية الفلسطينية وعضو رئيسي في ما يسمى بمحور المقاومة الذي تقوده طهران من خلال مهاجمة "إسرائيل" وتعطيل حركة الملاحة في البحر الأحمر.
لكن إيران تعترف بأن شبكة الشركاء التي عملت على بنائهم لم تعد قوية اليوم، مثلما كانت قبل هجوم حماس على "إسرائيل" في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
ولهذا بدأت باتخاذ خطوات لتقوية الدعم الداخلي من خلال تقديم تنازلات داخلية محدودة لشعب سئم من الحكم الاستبدادي الديني.
فقد خفف النظام من تطبيق قواعد اللباس الإلزامي للنساء، وخفف القيود على منصات التواصل الاجتماعي، مما أتاح نقاشات انتقادية متزايدة لسياسات الحكومة. وتأمل الجمهورية الإسلامية من خلال هذا أن تقلل خطر الاضطرابات الداخلية وأن تعزز ثقة الجمهور بها.
ولكن، علينا ألا ننظر إلى هذه التحولات الداخلية كمقدمة لانفتاح كبير على الغرب. وفي الحقيقة، يهدف الإصلاح الاجتماعي المدروس، والذي يمكن أن يتراجع عنه النظام إلى تعزيز الدعم الداخلي لمواجهة الضغوط الخارجية.
وقد أشار ترامب إلى انفتاحه على التفاوض مع طهران، ولكنه أبدى أيضا استعداده لمهاجمة الجمهورية الإسلامية. ومع تأييد الشعب لطهران، أو تخفيف معارضته لها، تأمل الحكومة أن تتمكن من الصمود في وجه ما يحضره لها الرئيس الأمريكي.
وربما احتفلت "إسرائيل" بانتصارها العسكري على حماس وحزب الله. فرغم الخسائر الفادحة التي تكبدتها الحركتين، تتوقع طهران أن تعيد حماس وحزب الله بناء نفسيهما، مدعومين بدعم شعبي وكراهية لـ"إسرائيل". بل إنها تتوقع أن يعزز مقتل زعيم حماس يحيى السنوار وزعيم حزب الله حسن نصر الله في ساحة المعركة الالتزامات الأيديولوجية للتنظيمين، وأن يتردد صداه وسط جمهور متعاطف لسنوات قادمة.
وفي المقابل، فمن الصعب على إيران التخلص من صدمة سقوط الأسد، ورغم أن عدم شعبية الأخير كانت معروفة للجميع، إلا أن انهيار الجيش السوري السريع، فاجأ الراعية إيران.
ووفقا لوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، فإن أجهزة الاستخبارات في الجمهورية الإسلامية كانت "على وعي تام" بالتهديد الأمني الوشيك ضد الأسد. ومع ذلك، فوجئت طهران بعجز الجيش السوري التام عن مواجهة قوات المعارضة المسلحة. ويعزو المسؤولون الإيرانيون تفكك جيش الأسد جزئيا إلى "الحرب النفسية" التي شنتها قوى خارجية، بما في ذلك "إسرائيل" وتركيا والولايات المتحدة. لكن عراقجي ألقى أيضا ببعض اللوم على تجاهل الأسد للرأي العام.
وزعم عراقجي أن إيران نصحت الأسد "باستمرار" أن يقوم برفع الروح المعنوية للجيش و"التفاعل بشكل أكبر مع الشعب، لأن ما يضمن في النهاية الحكومة هو الشعب"، لكن الأسد، كما أشار عراقجي، فشل في هذا.
وكان انهيار الأسد المفاجئ مدعاة لقلق العام داخل إيران، حيث أدت سياسات الحكومة القمعية والفساد إلى خلق فجوة مع الشعب، تماما كما فعل الحكم العلماني للشاه. وفي كانون الثاني/ يناير، أقرّ عباس صالحي، وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي الإيراني، علنا بأن طهران تواجه عجزا حادا في "رأس المال الاجتماعي"، وذلك بسبب تراجع ثقة الجمهور بالحكومة. وحذر الرئيس السابق محمد خاتمي من أن الجمهورية الإسلامية تخاطر بـ"التخريب الذاتي" بتجاهلها الحنق الشعبي.
وبشكل متزايد، تتفق النخب السياسية وبكل أطيافها على الحاجة الملحة لإظهار النظام مرونة داخلية. وعليه، خففت الحكومة الإيرانية بعض القيود.
ففي كانون الأول/ ديسمبر 2024، أوقف المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني فعلًا تطبيق قانون الحجاب الجديد المثير للجدل، والذي كان من شأنه فرض عقوبات مالية وأحكام بالسجن وعقوبات أخرى، مثل حظر السفر، على النساء اللاتي ظهرن في الأماكن العامة دون حجاب أو ارتدين ملابس "غير لائقة".
ورغم دعوات بعض المحافظين المتشددين لتطبيق صارم لقواعد اللباس في البلاد وحملات القمع الحكومية الموجهة أحيانا لتهدئة قاعدتها الدينية، أصبح بإمكان النساء الآن الظهور دون حجاب في الأماكن العامة مع خوف أقل من الانتقام القاسي. وظهر المتشددون منقسمين على أنفسهم في معارضة الإجراءات، ففي 15 آذار/ مارس، أقر النائب المحافظ محمود نبويان بأن المخاوف من "سورنة" إيران هي الدافع وراء تعليق القانون، واتفق على وجوب "تجاهله إذا كان يقوض النظام".
ويعكس هذا التطور اعترافا ضمنيا من الدولة بعدم شعبية فرض الحجاب وعدم فعاليته، على الأقل في الوقت الحالي. ويأتي أيضا بعد ثلاث سنوات من وفاة مهسا أميني، البالغة من العمر 22 عاما، أثناء احتجازها لدى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عقب اعتقالها لعدم ارتدائها الحجاب بشكل صحيح. وقد أثارت وفاة أميني احتجاجات شعبية حاشدة في الشوارع عام 2022، تصدت لها إيران بعنف مفرط.
وفي نهاية المطاف، جمدت الجمهورية الإسلامية هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مؤقتا ومنعت ظهورها في الشوارع لتخفيف حدة التوترات.
والآن، يبدو أن طهران مستعدة بشكل متزايد لقبول تطبيق قوانين الحجاب بشكل متساهل، شريطة ألا يتحول إلى حركة سياسية أوسع نطاقا تتحدى النظام نفسه.
وإضافة إلى هذا التجميد سعى النظام إلى كسب ود الشعب من خلال السماح بنقاشات مفتوحة وصريحة نسبيا على وسائل الإعلام المحلية.
وباتت منصات التواصل في إيران الآن تستضيف مجموعة متنوعة من المعلقين، بمن فيهم أصوات مستقلة ومعارضة، داخل البلاد وخارجها.
تواصل الحكومة الترويج بهدوء لمنصات مرتبطة بالدولة، وهناك الكثير من المدافعين المستقلين عن النظام. لكن النقاشات عبر الإنترنت حول قانون الحجاب وسقوط الأسد والقضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الأوسع، تتسم بصراحة ودقة مفاجئتين. فقد وصف بعض المعلقين القيادة الإيرانية صراحة بأنها كارثة على البلاد. وللوهلة الأولى، ربما بدا غريبا أن تسمح إيران لأصوات كهذه التعبير عن مواقفها من أجل الحفاظ على الاستقرار.
لكن طهران تأمل أن يقدم فتح المجال الداخلي صمام أمان للإحباط العام، ويقلل من جاذبية وسائل الإعلام الدولية والفضائية مثل هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) التي تعتبر من أكثر الأصوات انتقادا لإيران.
وقد لجأ النظام إلى هذه الاستراتيجية في أوقات حرجة سابقة. ففي ذروة احتجاجات عام 2022، شجع النظام شخصيات كانت محظورة سابقا على الظهور على التلفزيون، على أمل أن تمتص انتقاداتهم السخط العام وتحوله بعيدا عن الشارع. وفي هذه المرة، تعتقد طهران أن التدفق الحر نسبيا للمعلومات، إذا أُدير بعناية يمكن أن يعزز سردية النظام بشأن الأمن القومي على المدى الطويل.
ويأمل قادة إيران هذه المرة أن تعمل الإصلاحات المحلية التدريجية على خلق مناخ ملائم لنقاش وطني حول قضايا السياسة الخارجية الرئيسية، مثل الأزمة النووية، وهو نقاش تعتقد إيران أنه سيفضي إلى وحدة وطنية.
وتعتقد النخب، على الأقل، أن مثل هذا النقاش سيعزز موقف الحكومة التفاوضي في سعيها للتوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحد يعالج مخاوف واشنطن بشأن تسليح البرنامج النووي الإيراني، ولكنه لا ينهي تخصيب اليورانيوم، أو يقيد إنتاج الأسلحة التقليدية أو يضعف محور المقاومة.
فالاحتجاجات الداخلية، في نهاية المطاف، لا تقدم إلا فرصا للخصوم، مثل الولايات المتحدة، التي ترى في التصدعات في المجتمع الإيراني علامات ضعف. كما ويعتقد قادة إيران أن بناء الصلة الوثيقة مع الشعب مهمة وبخاصة لمواجهة واشنطن. ففي أثناء إدارة بايدن، اعتقدت واشنطن أنها قادرة على تأمين صفقة جديدة بناء على الضرر الاقتصادي الذي سببته استراتيجية ترامب "أقصى ضغط"، لكن إيران، استطاعت وبقدر من التماسك الداخلي لمواجهة التهديد الخارجي من الولايات المتحدة، تبني موقف تفاوضي أكثر صرامة من ذي قبل.
وفي ضوء اعتقاد إدارة ترامب الآن بأن إيران باتت أضعف بعد هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر وأنه قادر على تأمين صفقة مع طهران تكون أكثر ملاءمة للولايات المتحدة. وإذا لم يستطع، فقد طرح ترامب خيار استخدام القوة. ويزعم ترامب أنه قال للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي في آذار/ مارس: "هناك طريقتان للتعامل مع إيران: عسكريا، أو إبرام صفقة". كما قال ترامب إن إدارته "في اللحظات الأخيرة مع إيران".
وبالنسبة لإيران، فإن وجود جمهور داعم أمر ضروري لتجاوز هذه العاصفة. وربما كانت تهديدات ترامب كافية لبناء الانسجام الداخلي والمقاومة. إلا أن مثال الأسد علم قادة إيران عدم ترك أي شيء للصدفة.
وبالمحصلة، طهران عازمة على منع الانقسامات الداخلية من إضعاف قدرة البلاد على تحمّل الضغوط. وتشكل الانفتاحات الاجتماعية والسياسية المحدودة استراتيجية محسوبة لتهدئة الإحباط العام قبل أن يتفاقم إلى اضطرابات جماهيرية.
وإذا كان الماضي دليلا، فإن هذا النهج قد يسمح للجمهورية الإسلامية بتصوير أي صراع مع الولايات المتحدة ليس كصراعٍ من أجل بقاء النظام، بل كمقاومة من قبل دولة ذات سيادة ضد الإكراه الخارجي. لكن هذا لا ينذر بتغير في الاستراتيجية الجوهرية للنظام. وبعبارة أخرى، فإن طهران ليست على استعداد للتخلي عن عقود من التحدي.