ما تأثير اغتيال العاروري على مسار الصراع مع إسرائيل؟
تاريخ النشر: 5th, January 2024 GMT
شيّعت بيروت وحركة حماس القادة الشهداء الشيخ صالح العاروري والقائد القسامي عزام الأقرع وعضو الحركة محمد الريّس، الذين استشهدوا في الغارة الإسرائيلية على مقرهم في الضاحية الجنوبية. وشارك الآلاف من الفلسطينيين واللبنانيين في التشيّع المهيب ولف نعش الشهيد العاروري ورفاقه بالعلم الفلسطيني وراية حماس، ووضعت فوق النعش بندقية في إشارة إلى أن الرد على عملية الاغتيال قادم لا محالة.
يأتي اغتيال الشيخ صالح في سياق فشل الحرب الإسرائيلية على غزة بعد مرور حوالي ثلاثة أشهر على الاعتداء، وهو امتداد لفشل مستمر في اغتيال كبار قادة القسام في القطاع والذي عنونه نتنياهو كأحد الأهداف الرئيسية للعملية البرية في قطاع غزة. ومع ازدياد القناعة العامة بالفشل الإسرائيلي في غزة سواء في الداخل الإسرائيلي أو بالنسبة للحلفاء في الولايات المتحدة والغرب، ومع تزايد الخلافات بين نتنياهو وقادة الجيش، يبدو أن نتنياهو بدأ يبحث عن صورة للنصر خارج الحدود الفلسطينية عبر عمليات الاغتيال، وهو قد بدأ هذه المرحلة عبر اغتيال الجنرال الإيراني "رضي موسوي" في دمشق، ومن ثم اغتيال القائد العاروري في بيروت، ومن ثم اغتيال قائد في حركة النجباء التابعة للحشد الشعبي في بغداد.
يعتبر العاروري من أهم القادة في حركة حماس، وعلى الرغم من عمله في المكتب السياسي لحركة حماس إلا أنه يعتبر من المخططين الرئيسيين لعملية طوفان الأقصى، ولكن أكثر ما كان يخيف إسرائيل من العاروري هو نفوذه الواسع في الضفة الغربية وقدرته على خلق نواة مقاومة مسلحة فيها عبر استنساخ التجربة في غزة ونقلها إلى الضفة الغربية.
على الرغم من أنّ إسرائيل تضفي على عمليتها طابع التعقيد والعمق الاستخباراتي، إلا أن تواجد القائد في أحد المكاتب المعروفة لحماس في الضاحية الجنوبية ينفي عنصر التعقيد عن هذه العملية إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن نتنياهو هدد منذ أسابيع بانه سيعمل على اغتيال قادة المقاومة في أي مكان في العالم. إلا أن لهذه العملية أهمية خاصة، إذ أنها تضع ما يسمى بمحور المقاومة في موقف صعب، فالإبقاء على قواعد الاشتباك بين إسرائيل وحزب الله على ما كانت عليه سوف يشجع إسرائيل على تنفيذ المزيد من الاغتيالات وانتهاك سيادة لبنان، ومن جهة أخرى فإن فتح الجبهة الجنوبية بشكل كامل ومفتوح سوف يهدد بنشوب حرب إقليمية قد تتسع لتشمل أطرافا إقليمية ودولية من الصعب السيطرة عليها.
وبناء على هذه المعادلة الصعبة في حالة الحرب المفتوحة أو تجاهل الرد، يأتي خطاب نصر الله غامضا دون أخذ موقف صريح سوى في نقطة وحدة هي أن الرد قادم، وذلك لأن حزب الله يدرك بأنّ أهداف اغتيال الشيخ صالح في بيروت تحديدا لا تقتصر على تحييد قائد ذي نفوذ وتأثير، بل تتعداه إلى محاولات لكسر عملية الصراع مع حزب الله وفرض قواعد جديدة للاشتباك.
لم تقتصر تداعيات اغتيال العاروري على فلسطين ولبنان بل تعدتهما إلى دول أخرى، حيث أظهرت عملية الاغتيال جانبا كانت بعض الدول العربية تحاول أن تخفيه، هذا الجانب الذي يتعلق برغبة بعض الدول العربية بتصفية حماس نهائيا. ويأتي هذا الاستنتاج عبر استقراء وسائل الإعلام العربية التي احتفت باغتيال القائد المهم في حماس.
فقد نشر موقع "ae.24" الإماراتي تقريرا بعنوان "بعد العاروري.. رؤوس كبيرة في حماس تخطط إسرائيل لقطفها"، شاركت فيه منشورا للمتحدث باسم جيش الاحتلال باللغة العربية، أفيخاي أدرعي. وقد أثيرت العديد من الانتقادات المحقة لنوع هذه التغطية، إذ أنها تتبنى المصطلحات والرواية الإسرائيلية المزيفة وتتعدى على حركة مقاومة قد تختلف معها ولكن هذا الاختلاف لا يسوغ للموقع أن يشكك بقضيتها وأهدافها. وعلينا أن نّكر بأنّ حركة حماس التزمت نهجا واضحا جدا وهو أن تقتصر مقاومتها لإسرائيل على الأراضي الفلسطينية ولا تزعزع استقرار الدول العربية ولا تتدخل في شؤونها. وعلى العكس من ذلك، فقد كانت إسرائيل مثلا من تعدت على السيادة الإماراتية واغتالت محمود المبحوح، أحد أعضاء كتائب عز الدين القسام، في دبي في 2010.
وذهب الشيخ السعودي إبراهيم المحيميد قبل اغتيال الشيخ صالح إلى أنّ ما تقوم به حركات المقاومة الفلسطينية ليس جهادا في سبيل الله بل هو جهاد في سبيل الشيطان. ويضيف المحيميد أن من يعتبر أن ما يحدث في فلسطين انتصار فعليه أن يراجع عقله وعلاجه من الخلل، وفق تعبيره، متسائلا: "على أي انتصار يتحدثون، ما الذي استفاده المسلمون من 7 أكتوبر؟". وتاتي تصريحات هذا الشيخ في وقت نقل فيه موقع "axios" أن بخلاف التصريحات الرسمية فإن المملكة ترغب بالقضاء على حركة حماس.
ختام القول هو أنه علينا الاعتراف بأنه من الصعب على حماس تعويض قائد كالشيخ صالح، ولكن هؤلاء المقاومين يعرفون أنفسهم بأنهم "مشاريع شهداء" وعليه فإن الحركة لا بد من أنها اتخذت كافة تدابيرها لاستمرار مشروع الشيخ صالح في الضفة الغربية وفي قطاع غزة، وعليه فإن هذا النهج سوف يستمر ولن ينقطع أبدا إلى لحظة تحقيق النصر.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه حماس العاروري الإسرائيلية الاغتيال حزب الله إسرائيل حماس اغتيال حزب الله العاروري مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشیخ صالح حرکة حماس
إقرأ أيضاً:
قراءة تفكيكية في كتاب “التصوف والسياسة في السودان” للدكتور عبد الجليل عبد الله صالح
حين أرسل إليّ الصديق العزيز، الأستاذ صلاح شعيب، هذه النسخة الإلكترونية من كتاب "التصوف والسياسة في السودان"، وجدت نفسي مأخوذًا منذ اللحظة الأولى بموضوعه. كنا قد خضنا نقاشًا مطولًا حول التصوف في السودان ودوره في السياسة، وعندما وصلني الكتاب، شرعتُ في قراءته بشغف عجيب، مدفوعًا برغبة في الغوص في هذا التداخل المعقد بين الروحي والسياسي في تاريخ السودان. ومنذ الصفحات الأولى، بدا لي أن الكاتب يطرح رؤى تتطلب قراءة تفكيكية تتجاوز السطح النصي إلى بنيته العميقة، محاولًا تحليل الخطاب الكامن وراءه.
يقدم الكتاب تحليلًا موسعًا للتفاعل بين التصوف والسياسة في السودان، بدءًا من دولة الفونج (1504) وحتى الفترة الانتقالية (2022). يعتمد المؤلف على سرد تاريخي يُظهر كيف شكلت الطرق الصوفية، مثل السمانية والختمية والقادرية، قوة اجتماعية وسياسية، لا سيما في مقاومة الاستعمار وبناء الهوية الإسلامية. لكن رغم شمولية الإطار الزمني، يمكن ملاحظة تركيز الكاتب على الفترات الإسلامية المبكرة دون التعمق الكافي في التحولات الحديثة، مثل دور الصوفية في مواجهة الأنظمة العسكرية، خاصة في عهد النميري وبعد انقلاب 1989. كما أن الكتاب لم يتوسع في تحليل تأثير العولمة والحركات السلفية على تراجع النفوذ الصوفي، وهي عوامل كان من شأنها أن تثري النقاش حول طبيعة التحولات الصوفية في العصر الحديث.
يُجادل الكتاب بأن الصوفية لم تكن "دمى في يد الأنظمة"، بل كانت ضمانة لحماية الدين من الاستغلال السياسي. ويستشهد المؤلف بمواقف شيوخ الصوفية الذين رفضوا الانخراط في الصراعات السياسية المباشرة، مع الحفاظ على دورهم كوسطاء اجتماعيين. لكن هنا يظهر التناقض في الطرح، حيث يناقش الكاتب أيضًا تحالف بعض الشيوخ مع الأنظمة العسكرية، مثل حكومة الإنقاذ، لكنه يفسر ذلك كـ"استثناء" ناتج عن استغلال السلطة لهم. غير أن هذا التفسير يبدو قاصرًا، إذ لم يتناول الكاتب آليات هذا الاستغلال بشكل معمق، كما لم يحلل كيف قاومت الطرق الصوفية هذا النفوذ السياسي، أو إن كانت بالفعل قد نجحت في تحييد نفسها عنه.
على مستوى المنهجية، يعتمد المؤلف على مزيج من المصادر الأولية، مثل المقابلات مع شيوخ الصوفية، والمصادر الثانوية كالأدبيات التاريخية. هذا الأسلوب يضفي طابعًا توثيقيًا على الكتاب، لكنه في ذات الوقت يطرح تساؤلات حول الحياد البحثي، إذ أن المقابلات مع الصوفيين قد تعكس تحيزًا ذاتيًا، بينما يغيب في الكتاب صوت المعارضين أو النقاد الخارجيين. كما أن غياب المراجع الأرشيفية الداعمة، مثل الوثائق الحكومية أو المراسلات التاريخية، يجعل بعض الاستنتاجات بحاجة إلى تدعيم إضافي.
يرى الكاتب أن التصوف يشجع التعددية ويرفض الإقصاء، مشيرًا إلى أن كل شيخ يمتلك طريقته الخاصة في التعبد والممارسة. ويذهب أبعد من ذلك بمقارنته مع الليبرالية، حيث يُصور المسيد أو الزاوية كنموذج مصغر لدولة المواطنة التي تذوب فيها الانقسامات القبلية. هذه المقاربة تفتح أفقًا جديدًا لفهم التصوف، لكنها قد تكون مبالغًا فيها. فبعض الطرق الصوفية تعاني من مركزية شديدة في السلطة الروحية للشيخ، وقد تكرس الانقسامات بين مريديها بدلًا من إذابتها. كما أن فكرة "التصوف الليبرالي" تتعارض مع الممارسات الصارمة لبعض الطرق، حيث لا يزال بعض الشيوخ يفرضون طقوسًا متشددة لا تترك مجالًا كبيرًا للفردانية أو التعددية الفكرية.
عند مناقشة علاقة الصوفية بالأنظمة العسكرية، يفند الكتاب الادعاء بأن الطرق الصوفية كانت دائمًا حليفة لهذه الأنظمة، مشيرًا إلى أن هذا الاستقطاب السياسي أضر بسمعتها في بعض الفترات. يوضح كيف استخدمت حكومة الإنقاذ الصوفية كأداة لتقويض الأحزاب التقليدية، مثل الأمة والاتحادي. لكن رغم أهمية هذه الإشارة، فإن التحليل يظل ناقصًا، إذ لم يناقش الكاتب الأسباب الهيكلية التي جعلت الصوفية عرضة للاستغلال، مثل ضعف التنظيم المؤسسي للطرق الصوفية واعتمادها على الزعامات الفردية، مما سهّل على الأنظمة السياسية استقطاب بعض رموزها.
على مستوى الإسهامات، يبرز الكتاب دور الصوفية في بناء السلام الاجتماعي، حيث استخدمت الطرق الصوفية كوسيط في حل النزاعات القبلية، وساهمت فيما يمكن وصفه بـ"الدبلوماسية الشعبية" من خلال نشر الإسلام بطريقة سلمية في مناطق متعددة. لكن في المقابل، يغيب عن الكتاب تحليل الصوفية في جنوب السودان، رغم وجود ممارسات صوفية هناك قبل انفصال الجنوب. كما أن البعد الاقتصادي لم يحظَ بالاهتمام الكافي، رغم أن بعض الطرق الصوفية كانت تسيطر على شبكات اقتصادية واسعة، مما أثر على علاقتها بالسلطة والمجتمع.
إعادة قراءة النص من زاوية تفكيكية تكشف أن الكتاب ليس مجرد سجل تاريخي محايد، بل هو خطاب يحمل رؤية ضمنية عن التصوف ودوره في السودان. ثمة تردد واضح بين تقديم التصوف كفاعل مستقل عن السياسة، وبين الاعتراف بأنه كان جزءًا من اللعبة السياسية في فترات متعددة. هذا التوتر بين الرؤيتين يعكس تناقضًا لم يُحسم بالكامل داخل النص، وهو ما يجعل القراءة النقدية ضرورية لفهم مآلاته الفكرية. لكن هذا ليس بالعيب أو النقصان من قيمة هذا السفر، بل هي ملاحظات وتأملات قارئ يحاول فهم دقائق الأشياء، ويبحث عن مقاربة نقدية تضيء النص من زوايا متعددة.
يبقى الكتاب، رغم هذه الملاحظات، إضافة مهمة للمكتبة السودانية، حيث يفتح بابًا واسعًا للنقاش حول علاقة الدين بالسياسة. لكنه في نهاية المطاف ليس نصًا مغلقًا، بل نص قابل لإعادة التأويل، وهو ما يجعله محفزًا لحوارات أعمق حول التصوف والسياسة، ليس فقط في السودان، بل في العالم الإسلامي عمومًا.
zuhair.osman@aol.com