محافظة كِرمان في الجمهورية الإسلامية الإيرانية محافظة عريقة يعود تأسيسها إلى القرون الميلادية الأولى، عاصمتها مدينة كِرمان. وتعد من بين أكبر المحافظات مساحة، ولها موقع جغرافي إستراتيجي مهم ومؤهلات طبيعية وسياحية متميزة.

أغلب سكانها من الشيعة، لكن بعض التقارير تشير إلى أن المحافظة كانت إلى عهد غير بعيد تؤوي أقليات غير مسلمة.

ورغم أن قاطني كِرمان من الفرس ويتحدثون اللغة الفارسية، فإن لهجتهم الكرمانية الخاصة تجعلهم يتميزون عن سكان باقي المحافظات الـ31 الموجودة بالجمهورية الإسلامية الإيرانية.

تتميز المحافظة بخصوصيات تاريخية واقتصادية جعلت منها قبلة للهجرة، وقد قدم إليها كثيرون من مناطق مجاورة من داخل وخارج إيران، وهو ما زادها تنوعا في اللهجات وغنى في العادات والتقاليد.

تشتهر كِرمان بإنتاج الفستق وبصناعة النحاس ونسج الزرابي والأقمشة وغيرها من الصناعات التقليدية والمهنية التي تميزها عن غيرها من باقي المحافظات الإيرانية. ومنحها تنوعها الطبيعي والثقافي والديني والتاريخي مكانة خاصة اقتصاديا وسياحيا وصناعيا.

آثار في مدينة بم إحدى المدن التاريخية العريقة في محافظة كرمان الإيرانية (غيتي) الموقع

تقع محافظة كِرمان في الجنوب الشرقي لإيران. تحدها شمالا المنطقة الجنوبية لخراسان وغربا محافظتا فارس ويزد، وشرقا محافظة سيستان وبلوشستان، وجنوبا هرمزكان.

تعد الثانية بعد أكبر محافظة في إيران من حيث المساحة التي تصل نحو 182 ألف كيلومتر مربع، تضم عددا من المدن، في مقدمتها كِرمان (البعيدة عن طهران نحو 450 كيلومترا)، وهي التي كانت في وقت سابق عاصمة البلاد برمتها.

جميع الأطراف الشمالية والشمالية الشرقية لمحافظة كِرمان متاخمة لجبال صاحب الزمان، فيما تقترب أطرافها الجنوبية والغربية من الصحراء، مما يجعل مناخها معتدلا، ويتميز بشتاء بارد وصيف دافئ غير حار، خلافا لباقي المدن الصحراوية الأخرى.

كما أن موقعها الجغرافي يجعل منها محافظة صحراوية وأعلى منطقة في إيران بارتفاع يقارب نحو 1755 مترا فوق مستوى سطح البحر، مع وجود عدد من الجبال العالية، أشهرها جبل "هزار"، الذي يفوق علوه 4400 متر، والمشهور بأنه غني بالنباتات الطبية، وفي المقابل، تحتضن كِرمان سهولا منخفضة مثل سهل "لوط".

تُعرف كِرمان بكونها منطقة زلزالية، شهدت عبر سنوات زلازل مأساوية، أخطرها "زلزال بام" القوي، الذي ضرب هذه المدينة التاريخية نهاية سنة 2003، وخلّف خسائر ضخمة في الأرواح والبنايات.

قلعة تاريخية في مدينة بم بمحافظة كرمان الإيرانية (شترستوك) السكان

تفيد عدة تقارير إخبارية بأن اسم كِرمان مشتق من اسم أحد الفروع العشرة الرئيسية للفرس الذين أتوا إلى جنوب إيران، من أمثال ماردي وداي وباسارجادي ومعرفي.. ويقال إن هذه المحافظة كانت خلال الفترة الأخمينية جزءا من مدينة "مرزبانية" ببلاد فارس.

وفي السبعينيات من القرن الـ20، أشارت بعض الدراسات إلى وجود أقليات غير مسلمة في محافظة كِرمان. وذكرت أن عددا من الذين يعتنقون الديانة المجوسية الزرادشتية يقطنون مدنا إيرانية عديدة، وأن عددهم حسب إحصاء السكان لعام 1966، في كِرمان وحدها تجاوز 2500 شخص.

وعموما حسب الإحصاء العام للسكان للجمهورية الإسلامية الإيرانية لعام 2016، بلغ عدد سكان محافظة كِرمان نحو 3 ملايين نسمة، يتوزعون على 23 مدينة توجد في المحافظة ذاتها، لكن العاصمة كرمان تبقى أكثر اكتظاظا وكثافة سكانية، مقارنة مع باقي مدن المحافظة.

التاريخ

تعتبر محافظة كِرمان من أقدم المحافظات في إيران، وما وجود حفريات في بعض المناطق إلا دليل على أن الوُجود البشري فيها يعود إلى آلاف السنين، ويجعل جذورها ضاربة في التاريخ.

تشير بعض التقارير التاريخية إلى أن كِرمان أسسها الإمبراطور الساساني، واتخذها موقعا دفاعيا في القرن الثالث الميلادي، وما زالت أطلال قلعتي دوختر وأردشير في كِرمان شاهدتين على العصر الساساني، ثم بعد ذلك، وقعت تحت حكم الأكاسرة إلى أن فتح المسلمون بلاد فارس. وتوالت النزاعات وتمت إقامة عدة دول في المنطقة.

ولم يكن غريبا أن مرّ من المنطقة عدد من الحكام والمسؤولين، وأنها خضعت لتغير في التسمية، فكان من أطلق عليها اسم كرمانيا وهناك من عرّفها بالجواشير أو غشير.

ومن بين أشهر الروايات التي تم تداولها أن هذه المنطقة تعرضت لهجوم محمد آغا خان قاجار، الذي كان له الفضل في توحيد بلاد فارس، إلا أن حكمه انتهى سنة 1925م، وسقطت المنطقة في يد الحكم البريطاني، وبقيام الثورة الإسلامية، أصبحت محافظة كِرمان تابعة لإيران.

الاقتصاد

تزخر محافظة كِرمان بثروة طبيعية متنوعة، وتشتهر بتوفرها على مناجم غنية، وبها أكبر منجم للنحاس في العالم، فضلا عن أن قربها من موانئ جنوبية للبلاد، أهلها لتصبح مركزا اقتصاديا وسياحيا.

كما ساعدها في ذلك توفرها على مطار دولي، وعلى بنيات أساسية للنقل البري والسككي تسهل تنقل المسافرين وعبور البضائع، وشجعت عددا من الشركات التجارية على التوطين والاستقرار فوق ترابها.

جميع المؤشرات التي تُعرف بها كِرمان من موقع جغرافي متميز ومؤهلات طبيعية متنوعة تجعل منها منطقة ذات حظوة اقتصادية. وقد ساعد الطقس المناسب وتعدد الثروات الزراعية ووفرة المعادن في بروز عدد من الصناعات والحرف التقليدية التي انعكست إيجابا على الصورة السياحية للمنطقة.

وتشتهر كِرمان بإنتاج الفستق، خصوصا بمدينة رفسنجان، وبزارعة الكمون والجوز والتمور، وحياكة الزرابي ونسج الحصير والصناعة اليدوية للسجاد، إضافة إلى تطريز الأقمشة والصناعات النحاسية.

وشكلت هذه العوامل قوة جذب للمستثمرين الذين فضلوا إقامة شركاتهم، واختاروا المحافطة مركزا لأنشطتهم التجارية والاقتصادية.

محافظة كرمان تتميز بمعالمها التاريخية ومبانيها المعمارية الجميلة (غيتي) معالم

تشتهر محافظة كِرمان بأنها قبلة للسياح وللباحثين عن التراث القديم. وبعد الثورة الإسلامية في إيران، تم تسليط الضوء على المحافظة باعتبارها من بين أهم المناطق في البلاد، فكان لها نصيب كبير في تشييد المساجد، أشهرها المسجد الجامع ومسجد الإمام.

وقد صُنفت عدد من مدنها ضمن قائمة مواقع التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، لما تزخر به من تراث غير مادي، خصوصا مدينتي "بام" (هناك من يطلق عليها اسم "بم") و"ميمند"، لقِدَم تاريخهما الذي يعود إلى ما بين القرنين الرابع والسادس قبل الميلاد، ولمحافظتهما على خصوصية المساكن القديمة التي تعتمد في بنائها على الطوب الطيني.

كما أُدرج ضمن التراث العالمي عدد من الحدائق الجميلة مثل حديقة الأمير بمدينة ماهان، وحديقة فتح أباد الكائنة في قرية، اختار أباد المجاورة لمدينة كِرمان، إضافة إلى وجود معالم سياحية أخرى مثل المجمع التاريخي كنج علي خان، الذي يتكون من بازار وحمام، ومكتبة كِرمان الوطنية الجذابة للسياح بسحر جمال هندستها المعمارية.

وهناك معالم تاريخية أخرى تم تحويلها لتصبح قبلة للزوار مثل حمام وكيل، الذي خضع للترميم ليلبس حُلة مقهى تقليدي ومطعم، ودار سك عملة جانج علي خان التي أصبحت متحفا للعملات المعدنية.

مشهد ليلي من مدينة كرمان الإيرانية (غيتي) أعلام

ارتبط اسم الرئيس الإيراني الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني -أحد مهندسي الثورة الإسلامية- بمحافظة كرمان حيث مسقط رأسه، وبالتحديد "برهمان"، إحدى القرى القديمة في منطقة رفسنجان.

ويقول رفسنجاني في كتاب "رفسنجاني، حياتي"، الذي حكى فيه سيرته الذاتية، إن جذور قريته "برهمان" تعود إلى ما قبل الإسلام، وإن معناها "الياقوت الأحمر"، وأن سبب تسميتها بهذا الاسم راجع إلى الامتيازات الطبيعية التي تزخر بها المنطقة من كثرة الماء العذب.

ومن بين أسماء الشخصيات الأخرى التي تنتمي إلى منطقة كِرمان قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، الذي اغتيل في بغداد منذ 4 سنوات، ونقل جثمانه ليدفن في مسقط رأسه كِرمان.

طبخ وأطعمة

بالنظر إلى الطبيعة الجغرافية لمحافظة كِرمان، يشكل لحم الماعز عددا من الأطباق التقليدية التي تشتهر بها المنطقة. فهناك جورمي الماعز الذي يحضر بلحم الماعز والبصل والثوم، إضافة إلى اللبن الرائب. ويوجد طبق تقليدي آخر يعرف باسم الباذنجان الحليم، علما أن جميع الأطباق المعروفة بكِرمان تتخذ من اللبن الرائب مادة أساسية لها، ولا تكاد تخلو منه.

أما الكولومبي، فتعد من أشهر الحلويات التي تعرف بها كِرمان، إلى جانب القفوت، مسحوق الشكل، و"قواتو" وغيرها من الأطعمة المحلية بالمنطقة.

وخلال شهر رمضان، تتزين موائد الصائمين في كِرمان بعدد من الأطعمة في مقدمتها شوربة القمح واللبن، ومرق البرقوق، ووجبات تقليدية خفيفة مثل القتيق.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: محافظة کرمان فی إیران عددا من من بین عدد من

إقرأ أيضاً:

قائد المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال سابقاً: لا تستخفوا بالتهديدات الإيرانية

الجديد برس:

حذر قائد “المنطقة الوسطى وفرقة غزة” في جيش الاحتلال الإسرائيلي سابقاً اللواء غادي شامني من التهديدات التي أطلقتها بعثة إيران لدى الأمم المتحدة بشأن أي عدوان عسكري إسرائيلي شامل على لبنان.

وفي حديثه مع إذاعة “103FM” الإسرائيلية قال شامني إنه “لا يمكن الاستخفاف بالتهديد الإيراني أو بأي إيراني”، مضيفاً أن “الجيش الإسرائيلي وحكومة إسرائيل يجب عليهما أخذ هذا الكلام بجدية”.

وأشار شامني في كلامه إلى ما سماه اتساع “الفجوات بين إسرائيل والولايات المتحدة”، في إشارة إلى زيادة اتكالية الاحتلال على واشنطن، مشدداً على أن الحرب كانت لتكون أصعب على “إسرائيل” لو لم تكن الولايات المتحدة حليفاً لها.

وقال: “لو لم تكن الولايات المتحدة معنا، من خلفنا، لكان الأمر صعباً علينا جداً. أيضاً الأمريكيون يفهمون ذلك”، مضيفاً :”جزء كبير من جرأتهم وتهديدنا بهذه الطريقة، لأنهم يدركون أن الفجوات بين إسرائيل والولايات المتحدة آخذة في الاتساع في السنوات الأخيرة”.

وكانت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة أكدت في بيان نشرته عبر منصة” إكس”، قبل يومين، أن “المشاركة الكاملة لمحور المقاومة هي أحد الخيارات المطروحة في حال اندلاع حرب شاملة ضد لبنان”.

وأشارت إلى أنه على الرغم من أن إيران تعد الأخبار التي يبثها الاحتلال حول عزمه شن هجوم واسع على لبنان، ليست أكثر من دعاية وحرب نفسية، فإنها في الوقت عينه تؤكد أنه إذا شرعت “إسرائيل” في عدوان عسكري شامل على لبنان فسوف تندلع حرب قاسية.

من جهتها أكدت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، أن “كابينت الحرب” الإسرائيلي (الذي حل بعد استقالة الوزيرين بيني غانتس وغادي آيزنكوت منه) يخشى حرباً شاملةً مع حزب الله، التي ستجلب كارثة رهيبة على “إسرائيل”.

مقالات مشابهة

  • الانتخابات الإيرانية والتنظيم المؤسسي والدستوري
  • إيران: رفع دعوى جنائية ضد من عطل إجراء الانتخابات الرئاسية في الخارج
  • إعلام إيراني نقلا عن خامنئي: نسبة المشاركة في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية كانت أقل من المتوقع
  • بلا حياء.. الحرس الثوري الإيراني: أيدينا مكبلة ولسنا في وضع يسمح باتخاذ إجراء ضد إسرائيل
  • الحرس الثوري الإيراني: لدينا القوة لكن أيدينا مكبلة عن الاحتلال
  • الحرس الثوري الإيراني: نتمنى فرصة لعملية الوعد الصادق 2 ضد إسرائيل
  • الحرس الثوري الإيراني: لا نستطيع نصرة غزة ومهاجمة إسرائيل لأن ”أيدينا مكبلة”
  • تراجع إيراني وتزايد روسي.. خارطة الوجود العسكري الأجنبي في سوريا
  • توكل كرمان من جورجيا : أدين الحرب الظالمة على غزة وأنضم إلى كل الأحرار في جميع أنحاء العالم في الدعوة إلى وقفها الفوري.
  • قائد المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال سابقاً: لا تستخفوا بالتهديدات الإيرانية