الفرق بين العام والسنة.. وأيهما أصح لغويا؟ اضبط لغتك
تاريخ النشر: 5th, January 2024 GMT
ما الفرق بين العام و السنة ؟ العام والسنة يطلقان على زمن واحد من حيث عدد الشهور، غير أن العرب تستعمل كلمة «العام» إذا كان عام رخاء في العين والحياة، وتطلقه كذلك في الزمن المستقبل المجهول على سبيل التفاؤل ليكون أيضاً عام رخاء.
وأما السنة فإن العرب كانوا يستعملونها في زمن القحط والمجاعة، بل توسعوا في ذلك حتى سمو القحط سنة، من باب إطلاق المحل وإرادة الحال، وعلى هذا إذا تأملت الحالين اللذين عاشهما نوح - عليه السلام - وهي زمن اللبث في قومه والزمن الآخر وجدت التمييز بلفظ سنة في حال الإنذار مناسباً لذلك المعنى، لأن نوحاً -عليه السلام - لقي من قومه الإيذاء والعناد والصلابة والسخرية، وصادف قلوباً ميتة قاسية لم يؤثر بها وابل الوحي ولم تحي بالإيمان، فكان كالأرض الهامدة الميتة التي أصابتها سنة بسبب انقطاع الغيث، والمدة التي لبثها في قومه تسعمائة وخمسون سنة، وأما الخمسون عاماً فلم تكن كذلك فقد عاشها نوح - عليه السلام - مع قومه المؤمنين بعد هلاك الكافرين، ويمكن أن تكون هذه الخمسون قبل الإنذار أو بعضها قبله وبعضها بعده.
الفرق بين العام والسنة
العام يطلق على والرّخاء أمّا السَّنَةُ فتطلق على الشدة والكرب والضيق، ومن ذلك قَوْلُهُ تَعَالَى: «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا» سورة العنكبوت: الآية 14.
فمدة دعوة نوح عليه السلام كانت مشقة وشدةً، لعناد قومه وسخريتهم واستهزائهم بنوح عليه السلام، وما استراح إلا بعد أن طهر الله تعالى الأرض من رجزهم.
وقال تعالى: «قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ، ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ، ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ». (سورة يوسف – 47: 49).
فوصف السنين بأنهن شِدَادٌ، ووصف العام بالرخاء وأنه: فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ أي يأتيهم الغوث وَفِيهِ يَعْصِرُونَ من الرخاء والخير والبركة.
الفرق بين السنة والعام في القرآن
تعدّدت أقوال المفسّرين في تفسير لفظَيْ: العام، والسَّنَة، وبيان أقوالهم فيما يأتي:
القول الأوّل: إنّ لفظَيْ سَنَة وعام في القرآن الكريم يحملان معنى واحداً، واختلاف اللفظ ما هو إلّا لبلاغة القرآن الكريم، وثراء ألفاظه، ودقّة وَصْفه، وذلك بالابتعاد عن تكرار كلمة واحدة بمواضع مختلفةٍ، ومن القائلين بذلك: الإمام الزمخشريّ، وصاحب التحرير والتنوير.
القول الثاني: اختلاف المعنى بين السَّنَة والعام؛ فلفظ السَّنَة يدلّ على الشقاء، ولفظ العام يدلّ على الرّخاء والخصب، ومثال ذلك: قَوْل الله -تعالى-: «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ».
فلفظ السَّنَة يدلّ على السِّنين التي أمضاها نبيّ الله نوح -عليه السلام- في دعوة قومه، وما كان فيها من التكذيب، والإعراض، والأذى، ثمّ بيان ما كان من عذاب الله بالمكذّبين؛ إذ أغرقهم، وأرسل عليهم الطُّوفان بسبب ظُلمهم وكُفرهم، ثمّ استُعمل لفظ عامٌّ للدلالة على ما كان بعد نجاة نوح -عليه السلام-، ومن آمن معه، ومن القائلين بذلك: الراغب الأصفهانيّ، إذ قال: "الْغَالِبُ اسْتِعْمَالُ السَّنَةِ فِي الْحَوْلِ الَّذِي فِيهِ الشِّدَّةُ وَالْجَدْبُ وَلِهَذَا يُعَبَّرُ عَنِ الْجَدْبِ بِالسَّنَةِ وَالْعَامُ مَا فِيهِ الرَّخَاءُ وَالْخِصْبُ"،
وكَثُرَ ذِكر لفظ عامٍ في القرآن الكريم بما يدلّ على أمور الخير؛ كقَوْله -تعالى- في سورة يُوسف: «ثُمَّ يَأتي مِن بَعدِ ذلِكَ عامٌ فيهِ يُغاثُ النّاسُ وَفيهِ يَعصِرونَ» وقَوْله -تعالى-: «وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ».
وقَوْله -تعالى-: «يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِنَّمَا المُشرِكونَ نَجَسٌ فَلا يَقرَبُوا المَسجِدَ الحَرامَ بَعدَ عامِهِم هـذا وَإِن خِفتُم عَيلَةً فَسَوفَ يُغنيكُمُ اللَّـهُ مِن فَضلِهِ إِن شاءَ إِنَّ اللَّـهَ عَليمٌ حَكيمٌ» وقَوْله -تعالى-: «إِنَّمَا النَّسيءُ زِيادَةٌ فِي الكُفرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذينَ كَفَروا يُحِلّونَهُ عامًا وَيُحَرِّمونَهُ عامًا».
القول الثالث: القَوْل بإطلاق لفظ عامٍ على السَّنَة؛ وذلك لعَوْم الشّمس؛ أي سباحتها في السماء، استدلالاً بقَوْله -تعالى-: «لَا الشَّمْسُل يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ».
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: العام السنة العام في القرآن الكريم السنة في القرآن الكريم علیه السلام الفرق بین
إقرأ أيضاً:
الزواج.. سكن واستقرار يُمهِّدان لطريق العبادة والصلاح
قال الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الجمهورية السابق أن الزواج هو أساس الحياة المستقرة التي تُهيِّئ الإنسان للعبادة والإقبال على الله سبحانه وتعالى، وقد أشار القرآن الكريم إلى أهمية هذا الرباط المقدس في قوله تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" [الروم: 21].
الزواج والإنجاب في حياة الأنبياءوأضاف جمعة أن الله سبحانه وتعالى قد أوضح في كتابه الكريم أن الزواج والإنجاب سنة الأنبياء، حيث خاطب نبيه محمدًا ﷺ بقوله: "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً" [الرعد: 38]. وهذا تأكيد على أن هذا الرباط ليس مجرد علاقة اجتماعية بل هو جزء من القيم الدينية وسنة الحياة التي تضمن استمرارية الإنسان في عبادة الله وإعمار الأرض.
الميثاق الغليظوتابع جمعة أنه سمى الله عز وجل الزواج بـ"الميثاق الغليظ" في قوله: "وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا" [النساء: 21]. فهذا التعبير يعكس قداسة هذه العلاقة وأهميتها في تحقيق السكينة والمودة بين الزوجين.
نعمة الأزواج والذريةووضح جمعة أنه قد امتن الله على عباده بأن جعل لهم الأزواج والذرية، فقال تعالى: "وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ" [النحل: 72]. فالذرية الصالحة هي امتداد لرسالة الإنسان في الحياة وأثرها لا ينقطع حتى بعد وفاته.
الولد الصالح.. امتداد للعمل الصالحيشير النبي ﷺ في حديثه الشريف إلى أن الولد الصالح هو من الأعمال التي يستمر أجرها حتى بعد الموت: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له". فالولد الصالح ينفع والديه بالدعاء والعمل الصالح، ويترك أثرًا طيبًا في المجتمع.
الأثر الإيجابي للزواج على المجتمعوأشار جمعة إلى أن صلاح الأبوين ينعكس على الأبناء، وهو ما يظهر جليًا في قصة الخضر مع موسى عليهما السلام عندما قال تعالى: "وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا" [الكهف: 82]، مشيرًا إلى أن صلاح الأب كان سببًا في حفظ كنز الأبناء ورعايتهم.
دعاء عباد الرحمن بصلاح الأزواج والذريةواختتم جمعة حديثة أنه من صفات عباد الرحمن التي ذكرها القرآن الكريم دعاؤهم الدائم بصلاح الأزواج والذرية، حيث يقول الله تعالى: "رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا" [الفرقان: 74]. فالدعاء بصلاح الأسرة ينعكس إيجابًا على استقرار المجتمع ونشر القيم الطيبة بين أفراده.
الزواج هو باب للسعادة والاستقرار إذا تأسس على القيم الإسلامية القائمة على المودة والرحمة. رزقنا الله وإياكم الأزواج الصالحين والذرية الطيبة، وأعاننا على بناء أسر تنشر الخير والصلاح في المجتمع.