لجريدة عمان:
2025-02-12@01:18:51 GMT

ويطول الانتظار..

تاريخ النشر: 4th, January 2024 GMT

ويطول الانتظار..

لم يكن المطار مكانا للسفر في العالم فحسب، بل صار هنا سفرا في النفوس. ولعله سفر مفاجئ لم يخطر على بال أحد، لا فيكتور ولا مجتمع المطار المقيم والطائر.

ندخل فيلما واقعيا فيه تشوّق للنهاية، لنواجه بمشاعر إنسانية عميقة، ووجودية جدا! حقق فيلم The Terminalأرباحًا بقيمة 77.9 مليون دولار في الولايات المتحدة، و141.

2 مليون دولار في بلاد أخرى، بإجمالي 219.4 مليون دولار في جميع أنحاء العالم. ترى، هل من تفسير لنجاح الفيلم، خاصة أن مدة الفيلم 128 دقيقة، أي طويل نسبيا إذا علمنا أن إنتاجه كان عام 2004.

يقرر فيكتور نافورسكي، الذي قام بدوره النجم الشهير توم هانكس تلبية رغبة والده بالحصول على توقيع عازف جاز شهير يقيم في نيويورك، لتكتمل تواقيع تلك الفرقة التي أحبها، وفيكتور يفعل ذلك كابن يود إسعاد والده بما يحب. قد يبدو ذلك غريبا بعض الشيء، وغير مقنع لكثيرين؛ لكن كأبناء فإن الأمر مختلف، فقد أجاب فيكتور على استغراب أحدهم، بأن والده كان سيفعل الفعل نفسه، لو كانت أمنيتي.

يعلق الأربعيني فكتور في المطار، وهو المسافر من دولة كراكوزيا، إلى مطار جون إف كينيدي الدولي في نيويورك، ليكتشف أن جواز سفره غير صالح، ولا تعترف الولايات المتحدة بحكومة كراكوزيا الجديدة بعد أن أغرق انقلاب عسكري البلاد في حرب أهلية، فبات قانونيا لا يُسمح لفيكتور بدخول الولايات المتحدة أو العودة إلى الوطن، لأن جواز سفره لم يعد صالحًا. لقد صادرت إدارة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية جواز سفره وتذكرة العودة في انتظار حل المشكلة، التي تستمر عدة أشهر، ويسمح له فقط بالإقامة في المطار.

صنّف فيلم The Terminalبأنه فيلم كوميدي رومانسي، وترجم إلى المحطة، علما أن الترجمة الأدق هو صالة، وهي الصالة المعروفة في المطار، والتي أصبحت مكان الفيلم، حيث جرت كل أحداثه فيه، باستثناء الدقائق الأخيرة حين يستطيع الخروج من المطار للوصول إلى شارع برود وي الشهير بنيويورك، للحصول على توقيع العازف الموسيقي كما يتمنى والده. وهو من إخراج ستيفن سبيلبرغ وبطولة توم هانكس وكاثرين زيتا جونز وستانلي توتشي.

أما دولة كاراكوزيا، فلا توجد دولة بهذا الاسم، ويبدو أنه اختير رمزيا، لكن سياق الفيلم يدل على أن كاراكوزيا إحدى جمهوريات الاتحاد السوفييتي سابقا، أو إحدى دول أوروبا الشرقية. لقد جاء التمويه، حتى يأخذ الفيلم منحى سياسيا، ليتم بذلك التركيز على مضمونه الإنساني.

والفيلم مستوحى جُزئيًا من القصة الحقيقية لإقامة الإيراني مهران كريمي ناصري لمدة 18 عاما في المبنى رقم 1 بمطار باريس شارل ديغول في فرنسا، من عام 1988 إلى عام 2006. ويمكن كذلك تذكر رحلات مشابهة لحالة فيكتور في العالم، وفي عالمنا العربي، وإن تمت في سياقات مختلفة، فلم يكن فيلم الحدود لدريد لحام مثلا بعيدا عن حالات حدثت بالفعل في المطارات العربية. ومنهم حالة الصديق السوري الشاعر د. مصطفى عبد الفتاح الذي جاء من تركيا، ولم يستطع العودة لأشهر متنقلا بين عدة عواصم، وعندما يستطيع العودة، يلاقي حتفه تحت أنقاض الزلزال الأخير.

في المطار حيث يعلق فيكتور منتظرا إما دخول الولايات المتحدة أو العودة إلى بلاده، يبدأ بالتكيّف مع وجوده هناك، فيجد مكانا للنوم، ثم ليكتشف استرجاع بعض الفلوس من إعادة العربات إلى مكانها قبل انتهاء فترة استخدامها، ثم بعد مبادرته لصيانة أحد المرافق، ليمضي وقته، يكتشف أحد المتعهدين مهاراته فيشغله في الساعة 19 دولارا، وهو مبلغ كبير، جعل مدير الجمارك في المطار يحسده عليه، قائلا إن دخل فيكتور أعلى منه.

إنسانيا، يُسهم فيكتور في تقريب العامل أنريكا كروز بموظفة الجوازات، دولوريس توريس التي يميل لها، عن طريق إبلاغ العاشق بما تحبه الموظفة بالحياة، لينقل لها رسائله، ثم أخيرا ليقدم لها خاتم الخطبة. ويصبح إنسانا ملهما لموظفي المطار والعاملين فيه، حين يستطيع حل مشكلة زائر يتحدث الروسية، ويصرّ على اصطحاب دواء لوالده، فيستل سكينا رافضا إعادة الدواء، فيطلب مدير الجمارك فرانك ديكسون مساعدته في التعامل معه، كونه يعرف لغته، وينجح بذلك، ويجد طريقة تسمح باصطحاب الدواء. كذلك يلهم الهندي كبير السن جوبتا راجان للعودة إلى وطنه، بالرغم مما سيلاقي إثر طعن أحد الموظفين الذي كان يستغله ماليا، من باب متابعته ضريبيا. كما يدخل الفرحة في قلب مضيفة الطيران أميليا وارن، حين يدعوها للغداء، بعد أن وجد طريقة لتناوله في مكان بالمطار، بمساعدة إنريكي الذي يعمل في مطعم، في حين يدخل الهندي عامل النظافة البهجة عليهما، حين يمارس مهاراته الحركية مع الصحون.

وهكذا يصور لنا الفيلم عالم المطار بما فيه من مواقف وهموم واهتمامات، وخلال ذلك نكتشف أن هناك الكثير من المنتظرين في الحياة، فلا يقتصر الانتظار على وجوده في المطار إلى حين عودته لوطنه أو دخوله نيويورك، بل أن نائب مدير الجمارك والأمن في المطار فرانك ديكسون الذي قام بدوره ستانلي توتشي، في حالة انتظار شغور وظيفة المدير، والذي لن يحصل عليها إلا بتقاعد المدير أو موته.

وهناك المنتظرون للحب والزواج: أميليا وارن التي قامت بدورها كاثرين زيتا جونز، ودولوريس توريس التي قامت بدور زوي سالدانا، ودييغو بدور الذي قام بدور إنريكي كروز. بالإضافة لانتظار الهندي جوبتا راجان الذي أدى دوره الفنان القدير كومار باللانا، وهو في عامه الـ 86 الذي يقرر مصيره أخيرا بعد عشرين عاما عاملا في المطار.

وربما كان من المنتظرين أحد رجال الأمن جو مولروي الذي قام بدوره تشي ماكبرايد، كونه يقرر ترك فيكتور يجتاز بوابة المطار بعد أن يستقر الحكم في وطنه ويصبح جوازه صالحا، ليدخل المدينة في ظل معارضة مدير المطار.

لم يعمل فيكتور عامل صيانة، غير رسمي بالطبع، لمرافق المطار، في انتظار حل مشكلة الانتظار فقط، بل من خلال سلوكه راح يعمل على صيانة النفوس وترميم القلوب، وتهذيب طباع الإنسان.

لكن نفاجأ بمفارقة أبدع الفيلم فيها، حين نرى، أنه وبعد كل هذا الانتظار لدخول نيويورك، وما واكبه من انتظار وألم، نجد أن فيكتور ما إن يشاهد فرقة الجاز، ويحظى بتوقيع الفنان الذي أحب والده اقتناء توقيعه، يجيب سائق السيارة، التي وقف ليستقلها، عن عنوان المكان: إلى الوطن.

ارتبط بهذه المفارقة، مفارقة الهندي جوبتا راجان، عامل النظافة غير القانوني الإقامة، حين قرر في لحظة مفاجأة للجميع، حين قرر العودة للهند، واقفا أمام الطائرة المغادرة، مبتهجا بالخلاص من هذا الحال. وهو الذي حين ذكّره فيكتور بأنه معرض للترحيل، قال: ما دامت أرض المطار نظيفة، وأنا مطأطئ الرأس، فلا أحد سيفعل ذلك، في دلالة نقدية للمجتمع الأمريكي، الذي يستوعب العمال غير الرسميين لحاجته لهم، دون تقديم حقوق اجتماعية.

هكذا هتف فيكتور وجوبتا: إلى الوطن، لأنه فعلا الخلاص العملي والواقعي والوجودي للإنسان. وأن الإنسان يستطيع أن يحقق ما يتمنى في وطنه حين يحيا بأمان دون الاضطرار ليعيش حذر المهاجر من سلطات الحدود ختاما، هل كانت الـ 18 عاما في المطار التي قضاها الإيراني مهران كريمي ناصري منتظرا في مطار شارل ديغول في باريس ضرورية ومبررة؟ ترى، هل ضاقت فرنسا به؟ هل ضاقت أوروبا به؟ وبلاده؟ وهل بعد آلاف السنوات ما زال العالم بحاجة للمزيد من السنوات لينضج إنسانيا، ليسمح لإنسان بالتنقل في هذا العالم الكبير!

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی المطار الذی قام

إقرأ أيضاً:

إجراءات تفتيش مشددة للطائرات القادمة من العراق إلى بيروت

يفرض جهاز أمن المطار رفيق الحريري إجراءات أمنية مشددة على الرحلات القادمة من العراق إلى بيروت، وإخضاعها لتفتيش دقيق.
أفادت معلومات " الشرق الاوسط" بأن «كل الرحلات الجوية القادمة من العراق ستخضع لتفتيش دقيق لدى وصولها إلى المطار، تحسباً لإدخال أموال أو أرصدة لصالح (حزب الله)»، مشيرة إلى أن «هذه الإجراءات التي تطال الطائرات القادمة من العراق باتت شبيهة بتلك التي تحصل مع الرحلات القادمة من إيران».
وقال رئيس مطار رفيق الحريري الدولي المهندس فادي الحسن لـ«الشرق الأوسط» إن «عمليات التفتيش التي تخضع لها الطائرات المدنية، سواء القادمة من العراق أو من إيران روتينية، وشبيهة بالإجراءات المعتمدة على الرحلات القادمة من كلّ دول العالم». إلّا أن مصدراً أمنياً داخل المطار كشف عن «تدابير استثنائية تطال الرحلات الآتية من بغداد أسوة بالتدابير التي تخضع لها الطائرات الآتية من إيران».
وأكد المصدر أن «هذه الرحلات تخضع لتدابير استثنائية، وتشمل كلّ الأشخاص والحقائب والطرود الآتية على متن هذه الرحلات». وقال: «ما يحصل ليس تضييقاً على المسافرين أو إساءة لهم، بل إجراءات تفرضها ظروف استجدّت بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان، والتزام لبنان بالمعايير الأمنية التي اتفقت عليها الدولة اللبنانية مع الأميركيين لاعتمادها، حتى لا يكون مطار بيروت عرضة للاستهداف الإسرائيلي وإقفاله»، مشيراً إلى أن «ما يقوم به جهاز أمن المطار يأتي ترجمة للقرار السياسي الذي سبق أن اتخذته الحكومة (السابقة) وشكّل ضمانة لاستمرار عمل المطار بشكل طبيعي».
وإبان الحرب الأخيرة على لبنان، أوقفت شركات الطيران المدني العالمية رحلاتها من مطار رفيق الحريري الدولي وإليه لأسباب أمنية، وبقيت الخطوط الجوية اللبنانية (طيران الشرق الأوسط) والخطوط الإيرانية والعراقية تعمل بشكل طبيعي، غير أن إسرائيل بعثت بتهديدات مباشرة إلى الطائرات الإيرانية والعراقية وحذرتها من الهبوط في مطار بيروت، بذريعة حظر نقل السلاح والأموال من إيران إلى «حزب الله»، وقد امتثلت لهذه التهديدات، قبل أن تعود وتستأنف رحلاتها بعد دخول قرار وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني الماضي حيّز التنفيذ.

وقال المصدر الأمني إن «أمن المطار يتبع إجراءات أمنية ومراقبة للحقائب والأمتعة وتمريرها على أجهزة (سكانر)، غير أن الرحلات القادمة من العراق تخضع لإجراءات مشددة، أسوة بالإجراءات التي تحصل خلال هبوط طائرات قادمة من إيران، في ظلّ ما يترد من معلومات عن أن الإيرانيين وبعد إخضاع طائراتهم لتفتيش استثنائي، قد يلجأون إلى نقل الأموال إلى (حزب الله) عن طريق العراق».
ولم يخف المصدر أن مطار بيروت «يقع تحت رقابة دولية مشددة خصوصاً من الأميركيين».
وأظهر جدول الرحلات في مطار بيروت إلغاء الخطوط الجوية العراقية الاثنين إحدى رحلاتها القادمة من بغداد، ورجحت مصادر في المطار أن يكون السبب «إما اعتراضاً على الإجراءات المشددة أو لأسباب لوجستية».

مقالات مشابهة

  • إعلام أمريكي: مقتل شخص وإصابة 4 آخرين في حادث تصادم طائرتين بولاية أريزونا
  • الشباب يقطع نصف الطريق .. والسيب وصحم والنصر في محطة الانتظار!
  • «قصر العيني»: إجراء 50 ألفا و429 عملية جراحية ضمن مبادرة إنهاء قوائم الانتظار
  • ترامب يهدد: يجب أن يعود الرهائن..وإلا فإن اتفاق وقف اطلاق النار سيُلغى
  • إجراءات تفتيش مشددة للطائرات القادمة من العراق إلى بيروت
  • مصرع شخص في تحطم طائرة بمطار أريزونا
  • خطوة تاريخية في الانتظار.. هل يطلب أوجلان من حزبه إلقاء السلاح؟
  • ميكالي يرحب بتدريب الزمالك.. ولبيب يطلب الانتظار خوفا من الشرط الجزائي
  • الكشف عن أبرز البنود التي تحوي المشروع الوطني الذي قدمته القوى السياسية
  • الذكاء الاصطناعي يُحدث ثورة للكشف المبكّر عن سرطان الثدي ويقلص قوائم الانتظار الطبية