بعد الصين وروسيا، تمثل إيران التحدي الأكبر في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، والذي لطالما أربك الإدارات المتعاقبة في واشنطن لما يقرب من نصف قرن. 

وعلى مدار عقود استغلت إيران نقاط الضعف المزمنة في العالم العربي، وخاصة فيما يتعلق بإسرائيل، وعملت على بناء مجال واسع من النفوذ في الشرق الأوسط. 

ولا توجد أي دولة في المنطقة تمتلك القدرة على مواجهة إيران، التي وسعت قوس نفوذها من بحر العرب إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، وهو أبعد ما يمكن لها الوصول إليه.

 

لكن على الرغم من ذلك، رأي كامران بخاري، الأكاديمي المتخصص في شؤون الأمن القومي والسياسة الخارجية في جامعة أوتاوا، أن النفوذ الإيراني يقترب من حدوده الطبيعية. 

وأوضح بخاري في تحليل بمجلة جيوبوليتيكال فيوتشرز الأمريكية، ترجمه الخليج الجديد أن ثمة عوامل داخلية والخارجية سوف تضع حدود لتمدد النفوذ الإيراني بالمنطقة، وفي مقدمتها المطالب السياسية الداخلية، والتي تتطلب اهتمام الحكومة في الدولة الفارسية التي تقف على حافة تغيير تطوري في النظام. 

فقدان القدرة على المواجهة 

وبحسب بخاري، فإن العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين أول المنصرم، أظهر نفوذ إيران المتوسع، والذي تمثل في شن وكلائها في سوريا ولبنان والعراق هجمات على مصالح وأهداف أمريكية وإسرائيلية، نصرة لسكان غزة. 

وكان أبرز هذه الهجمات هي استهداف جماعة الحوثي اليمنية السفن التجارية التي تبحر عبر المنطقة، وظلت هذه التصرفات تجري دون عقاب، حتى ردت القوات البحرية الأمريكية في 31 ديسمبر/كانون الأول، بإغراق ثلاثة زوارق هجومية تابعة للجماعة اليمنية في البحر الأحمر. 

ونتيجة لذلك، حثت السعودية، الزعيم الفعلي للعالم العربي، واشنطن على ممارسة ضبط النفس ضد الحوثيين خوفاً من اندلاع حريق إقليمي أوسع نطاقاً. 

وذكر أن رد الفعل السعودي يمكن تفهمه بالنظر لبعض الاعتبارات، إذ تواجه المملكة ضغوطا داخلية لحملها على التدخل لإنهاء العدوان الإسرائيلي على غزة بطريقة أو بأخرى، كما أن العملية العسكرية التي شنتها المملكة على اليمن وتواصلت 7 سنوات لم يؤد إلا إلى ترسيخ موقف الحوثيين. 

وكان التدخل العسكري السعودي في اليمن مدفوعا بالأساس من إدراك أن الولايات المتحدة بعد حرب العراق لم تعد مهمة بالانخراط في حروب عابرة للحدود ضد الجماعات الجهادية، وتفضل عن ذلك التحضير لحربها القادمة مع الصين.  

اقرأ أيضاً

روسيا منشغلة وإيران مأزومة.. تركيا تعيد نفوذها في جنوب القوقاز من بوابة أذربيجان

 

وبعد سنوات من الحرب، توقفت الحرب بين السعودية والحوثيين في 2022، ومنذ ذلك الحين تحاول الرياض التوصل إلى تسوية مع الإيرانيين، وأدى ذلك في مرحلة لاحقة إلى استعادة العلاقات الدبلوماسية مع طهران بوساطة صينية في يونيو الماضي. 

وتعتقد الحكومة السعودية أن هذه الجهود تمكنها من إدارة الأمن الإقليمي بشكل أكثر فعالية. 

وتتكون استراتيجية الرياض لوقف إيران من مزيج من الرقابة الأمريكية، واستعادة العلاقات مع طهران وإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. 

لكن السعودية تدرك في الوقت ذاته، أن تلك الجهود لن تجبر إيران عن التخلي عن هدفها المتمثل بالهيمنة على الشرق الأوسط، وهذا ما يفسر لماذا كانت المملكة تعمل بشكل محموم على تطبيع العلاقات مع إسرائيل. 

لكن هذا الهدف وفقا لبخاري تم نسفه بعد هجوم طوفان الأقصى الذي شنته كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس الفلسطينية على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول. 

والمشكلة الأساسية التي تواجهها السعودية هي أنه في حين يتسم المعسكر الشيعي الذي تقوده إيران بالتماسك إلى حد كبير، فإن المعسكر السُنّي منقسم بشدة. 

فعلى سبيل المثال، يمكن لتركيا أن تشكل ثقلاً موازناً قوياً ضد إيران، لكن الدول العربية لا تريد هزيمة إيران ثم ينتهي بها الأمر إلى الخضوع لسيطرة الأتراك. 

في الوقت الحالي، هذه نقطة خلافية على أي حال؛ ولا يقتصر الأمر على أن أنقرة محاصرة من قبل إيران عبر كل من العراق وسوريا، ولكنها تمر أيضًا بأزمة مالية تتطلب الاستثمار العربي لحلها. 

حدود التوسع الإيراني 

ورغم عدم وجود دول إقليمية قادرة على مواجهة الجمهورية الإسلامية بشكل حاسم، إلا أن هناك عوامل أخرى مستوطنة في إيران ستمنعها من الهيمنة على المنطقة. 

فمن ناحية، تعد إيران فهي دولة فارسية عرقياً، وسوف تكافح من أجل فرض سيطرتها على الدول العربية. 

وقد تمكنت من التحايل على هذه العقبة من خلال دعم الجماعات الشيعية من حدودها إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، كما نجحت طهران من سد الفجوة الجيوطائفية من خلال تطوير بعض الوكلاء السنة، كما هو واضح في علاقتها بحماس. 

ومن خلال ذلك وضعت إيران نفسها كبطل للقضية الفلسطينية في وقت يُنظر فيه إلى الدول العربية على أنها متعاطفة مع إسرائيل. 

وفي الواقع، تدعم تركيا وقطر أيضًا حماس، لكن سلوكهما يعتمد على رد الفعل، وغالبًا ما يأتي ردًا على التصرفات الإيرانية. 

ولكن على الرغم من نجاح استراتيجية إيران في دعم الجماعات المسلحة وغيرها من بحر العرب إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، فقد وسعت قوس نفوذها إلى أبعد ما يمكن أن يصل إليه. 

ورأي بخاري أن العوامل الديموغرافية مثل حقيقة أن غير الفرس يشكلون أكثر من نصف سكان إيران، فضلاً عن الاستقرار النسبي للممالك العربية وقوة إسرائيل، تجعل من الصعب للغاية على إيران التوغل بشكل أكبر في المنطقة. 

ويشكل نظام العقوبات الضخمة عقبة رئيسية أخرى أمام أي تقدم خارجي آخر. 

أضف إلى ذلك الانتقال الوشيك إلى مرشد أعلى جديد في وقت تنقسم فيه النخبة الحاكمة بشكل مرير، وتترك إيران في لحظة محورية - ليس فقط في كيفية تطورها كدولة، ولكن أيضًا في كيفية الحفاظ على ممتلكاتها الجيوسياسية في المنطقة. 

اقرأ أيضاً

احتلال غزة.. هكذا سيضر إسرائيل وأمريكا ويزيد نفوذ إيران في 2024

 

 

المصدر | كامران بخاري/ جيوبوليتيكال فيوتشرز- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: حرب غزة التطبيع السعودي الإيراني التطبيع السعودي الإسرائيلي

إقرأ أيضاً:

"البحوث الزراعية" ضمن أفضل المراكز البحثية ويحتل المرتبة الثالثة بالشرق الأوسط وإفريقيا طبقا لتصنيف سيماجو

قدم علاء فاروق وزير الزراعة واستصلاح الأراضي التهنئة إلى د عادل عبدالعظيم رئيس مركز البحوث الزراعية وقيادات المركز والباحثين والعاملين فيه لحصول المركز على المرتبة الثالثة على مستوى الشرق الأوسط وأفريقيا طبقا لتصنيف SCImago الأسباني الدولي، حيث جاء ضمن أفضل 10 مراكز بحثية لعام 2024 ،"فاروق" أشاد بدور العلماء والباحثين في المراكز البحثية وطالبهم ببذل المزيد من الجهد لخدمة القطاع الزراعي، مشيرا إلى أن القيادة السياسية توفر كل الدعم للابحاث التطبيقية الجادة التي تسهم في تحقيق الأمن الغذائي للمواطنين .

 

محافظ البحيرة ووزيرا الزراعة في مصر والأردن يتفقدون  محطات ومزارع تصدير الموالح بالنوبارية وزيرا الزراعة بمصر والأردن ومحافظ البحيرة يتفقدون إحدى محطات ومزارع تصدير الموالح بالنوبارية

من ناحيته رئيس مركز البحوث الزراعية وجه الشكر إلى وزير الزراعة لدعمه الدائم للباحثين وإيمانه العميق بأهمية ودور البحث العلمي في النهضة الزراعية التي تشهدها مصر حاليا 

 

وكان وفد من وزارة الزراعة برئاسة د شرين عاصم نائب رئيس مركز البحوث الزراعية والدكتور محمد الخولي مدير معهد الاراضي والمياه والبيئة والدكتور مصطفى فاضل - مدير معهد التناسليات، شاركوا اليوم في اعلان وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لنتيجة تصنيف سيماجو لعام 2024 حيث أظهرت النتيجة تقدم مركز البحوث الزراعيه ليحتل المرتبة الثالثه على مستوى جميع المراكز البحثيه في الشرق الاوسط وشمال افريقيا من بين 233 مركز بحثي يمثلون 22 دولة، هذا ويعتبر مركز البحوث الزراعية في المرتبه الاولى بالنسبه للمراكز البحثية في تخصص الزراعه والعلوم البيولوجية. 

جدير بالذكر أن تصنيف SCImago (SIR) يهتم بتصنيف الجامعات والمراكز البحثية وفقاً لمؤشر مركب يجمع بين ثلاثة مؤشرات مختلفة تستند إلى أداء البحث (40%) ومخرجات الابتكار (40%) والتأثير المجتمعي (20%) ويتضمن كل مؤشر رئيسي على العديد من المؤشرات الفرعية، وبشرط أن تنشر المؤسسة ما لا يقل عن 100 بحث في قاعدة بيانات SCOPUS في عام التقييم.

مقالات مشابهة

  • تحليل عبري: هل تحارب إسرائيل الحوثيين أم دولة اليمن.. وما الصعوبات التي تواجه السعودية والإمارات؟ (ترجمة خاصة)
  • المركزي الإيراني: النمو الاقتصادي في إيران انخفض إلى النصف تقريبا
  • طبقا لتصنيف سيماجو.. البحوث الزراعية ضمن أفضل 10 مراكز بالشرق الأوسط وأفريقيا
  • البحوث الزراعية يحتل المرتبة الثالثة بالشرق الأوسط وأفريقيا في تصنيف سيماجو
  • أستاذ علوم سياسية: توسيع الصراع بالشرق الأوسط يؤدي لانتشار الفوضى وعدم الاستقرار وتقويض الأنظمة السياسية
  • «البحوث الزراعية» ثالث أفضل مركز بحثي بالشرق الأوسط وإفريقيا
  • تحديات وعقبات.. أطراف إقليمية ودولية تؤجج الصراعات لإطالة أمدها بالشرق الأوسط
  • مركز البحوث الزراعية يحصد المرتبة الثالثة بالشرق الأوسط وإفريقيا وفق لتصنيف SCImago 2024
  • "البحوث الزراعية" ضمن أفضل المراكز البحثية ويحتل المرتبة الثالثة بالشرق الأوسط وإفريقيا طبقا لتصنيف سيماجو
  • صحيفة إيرانية تهاجم “الجولاني”: مشارك في المشروع الأمريكي بالشرق الأوسط