الإمبراطورية الأمريكية المنهكة
تاريخ النشر: 4th, January 2024 GMT
الإمبراطورية الأمريكية المنهكة
حتى لو عملت الصناعة العسكرية الأمريكية بكل طاقتها سيتطلب سد العجز في الذخيرة 6 أشهر على الأقل.
يعلمنا التاريخ أن انهيار الإمبراطوريات يتسارع متى توسعت فى مغامراتها العسكرية لحدود تفوق طاقتها.
بسبب الإمدادات الأمريكية المستمرة لإسرائيل وأوكرانيا تعاني ترسانة أمريكا من الذخيرة عجزًا يصل حد «الأزمة».
أدت إجراءات الإدارة لاستقالة مسؤول كبير بالخارجية الأمريكية كانت وظيفته متابعة الجوانب القانونية المتعلقة بتقديم السلاح للدول الأخرى.
كون الأسلحة الأمريكية موجودة أصلًا فى إسرائيل يتيح لها استخدامها بمجرد صدور قرار تنفيذى أمريكى بعيدًا عن الرقابة الشعبية ورقابة الكونجرس.
إسرائيل تستخدم الذخيرة «الغبية»، وهو ما يُكذّب الادعاءات الأمريكية والإسرائيلية التى تزعم أن إسرائيل «تفعل ما تستطيع» لتجنب قتل المدنيين.
تقفز إدارة بايدن على القواعد والإجراءات التى التزمت بها الإدارات المتعاقبة لتسمح لإسرائيل باستخدام مستودعات السلاح الأمريكية الموجودة بإسرائيل، وتحوى أسلحة وذخائر بمليارات الدولارات.
* * *
أخبار وتقارير متناثرة منشورة فى صحف ومواقع مختلفة تشير للمدى الذى وصلت إليه إدارة بايدن فى استعدادها لإمداد إسرائيل بالأسلحة والذخيرة خلال عدوانها على غزة.
فمن بين تلك التقارير تحقيق نشرته «الجارديان» البريطانية يكشف عن استعداد الإدارة للقفز على القواعد المرعية والإجراءات القانونية التى التزمت بها الإدارات المتعاقبة من أجل السماح لإسرائيل باستخدام مستودعات السلاح الأمريكية الموجودة أصلًا فى إسرائيل، والتى تحوى أسلحة وذخائر أمريكية بمليارات الدولارات.
فالثابت أن لأمريكا مستودعات عسكرية سرية فى إسرائيل وكوريا الجنوبية لا يتم الإفصاح عن مواقعها بالضبط. والمنطق وراء وجود تلك المستودعات خارج الأرض الأمريكية هو المساعدة على الإمداد الفورى للقوات الأمريكية بالسلاح والذخيرة متى اضطرت لخوض حرب فى أى من الإقليمين. ومخزون الأسلحة والذخائر الأمريكية بإسرائيل له أهداف إضافية.
صحيح أن تلك الترسانة مُخزنة من أجل الاستعمال الأمريكى إلا أنه فى أوقات «الطوارئ» يجوز لإسرائيل استخدامها طبعًا، مما يساعد على منحها التفوق العسكرى النوعى على العرب مجتمعين، وهى سياسة أمريكية ثابتة عبر عقود طويلة.
وكون الأسلحة موجودة أصلًا فى إسرائيل يسمح للأخيرة باستخدامها بمجرد صدور قرار تنفيذى أمريكى بعيدًا عن الرقابة الشعبية ورقابة الكونجرس.
أما ما فعلته إدارة بايدن، وفق «الجارديان»، فهو أنها سعت لتخفيف القيود على نوعية الأسلحة الممكن تخزينها بتلك المستودعات أصلًا، ورفع سقف التمويل اللازم للإحلال، بما يرفع سقف ما يجوز لإسرائيل سحبه من المستودعات، فضلًا عن منح المرونة لإجراءات البنتاجون عند السماح لإسرائيل باستخدامها.
وتلك الإجراءات من جانب الإدارة كانت المسؤولة، بالمناسبة، عن استقالة مسؤول كبير بالخارجية الأمريكية كانت وظيفته متابعة الجوانب القانونية المتعلقة بتقديم السلاح للدول الأخرى.
ويقول تحقيق «الجارديان» إن تلك المستودعات تحتوى على ما يُعرف بالذخيرة «الغبية»، أى تلك التى لا تمتلك آليات للاستهداف الدقيق، مما ينتج عنه تدمير هائل وضحايا بالجملة من المدنيين.
وكان تحقيق «الجارديان» قد نُشر بعد أسابيع من تصريح مصدر رسمى أمريكى أعرب عن «اعتقاده» أن إسرائيل تستخدم الذخيرة «الغبية»، وهو ما يُكذّب، فى ذاته بالمناسبة، كل الادعاءات الأمريكية والإسرائيلية التى تزعم أن إسرائيل «تفعل ما تستطيع» لتجنب قتل المدنيين.
أكثر من ذلك، بعد أسبوع من عملية طوفان الأقصى نشر موقع «أكسيوس» تقريرًا أوضح أن الولايات المتحدة كانت قد نقلت لأوكرانيا قبل شهور جزءًا من ذخائرها الموجودة فى مستودعاتها بإسرائيل، بعد موافقة الأخيرة، الأمر الذى ترتب عليه أن طالبت، وقت كانت تستعد للهجوم البرى على غزة، الولايات المتحدة بسرعة إحلالها.
وأكد تقرير «أكسيوس» موافقة أمريكا، مؤكدًا أن «عشرات الآلاف» من قذائف المدفعية، من طراز 155 مليمتر، سيتم نقلها لإسرائيل بدلًا من تلك التى تم سحبها لصالح أوكرانيا. وتلك القذائف تحديدًا تخلق جحيمًا مدمرًا للمدنيين وللبنى التحتية.
أما أخطر تلك التقارير فهو الذى نشرته مصادر أمريكية معنية بالدفاع والأمن أشارت صراحة إلى أنه بسبب الإمدادات الأمريكية المستمرة لإسرائيل وأوكرانيا صارت ترسانة أمريكا من الذخيرة تعانى عجزًا يصل لحد «الأزمة». وهو ما دفع عضو لجنة القوات المسلحة، السيناتور الجمهورية ديب فيشر، للمطالبة بضرورة الإسراع بسد ذلك العجز.
لكن التقرير نفسه يشير إلى أنه حتى لو عملت الصناعة العسكرية الأمريكية بكل طاقتها فإن سد ذلك العجز سيتطلب ستة أشهر على أقل تقدير. باختصار، يعلمنا التاريخ أن انهيار الإمبراطوريات يتسارع متى توسعت فى مغامراتها العسكرية لحدود تفوق طاقتها.
*د. منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية، باحثة في الشأن الأمريكي
المصدر | المصري اليومالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: أمريكا اسرائيل أوكرانيا الإمبراطورية الأمريكية فى إسرائیل
إقرأ أيضاً:
إيران اليوم ليست كما كانت
30 أبريل، 2025
بغداد/المسلة:
وليد الطائي
في عالم تحكمه موازين القوى لا المبادئ، تتجلى المفاوضات الأمريكية الإيرانية كصورة حيّة للصراع بين مشروعين: مشروع الهيمنة الغربية، ومشروع الاستقلال والسيادة الذي تمثله الجمهورية الإسلامية في إيران.
منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018، بدا واضحًا أن واشنطن لا تبحث عن حلول دبلوماسية حقيقية، بل تسعى لفرض شروطها عبر سياسة “الضغط الأقصى”، ظنًا منها أن الحصار الاقتصادي سيُجبر إيران على الركوع. لكن الجمهورية الإسلامية، بقيادتها الحكيمة وموقفها الشعبي الصلب، أثبتت أن الكرامة الوطنية لا تُشترى، وأن السيادة لا تُفاوض عليها.
إيران… ثبات في الموقف لا يُكسر
إيران لم ترفض التفاوض كمبدأ، بل رفضت أن تكون المفاوضات غطاءً للابتزاز. دخلت طاولة الحوار من موقع القوي، لا الخاضع، وأكدت مرارًا أن أي اتفاق لا يضمن مصالح الشعب الإيراني ويرفع العقوبات الجائرة بشكل فعلي ومضمون، فهو مرفوض.
لم تكن إيران يومًا الطرف المتعنت، بل الطرف الذي يلتزم بالاتفاقات، كما أثبتت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مرارًا. أما الطرف الذي نكث عهده وخرق القانون الدولي، فهو الولايات المتحدة، التي انسحبت من الاتفاق دون أي مبرر قانوني، متجاهلة كل التزاماتها الدولية.
أمريكا… سياسة ازدواجية في الرداء الدبلوماسي
تتناقض الولايات المتحدة في مواقفها: تفاوض من جهة، وتفرض عقوبات وتصعّد في المنطقة من جهة أخرى. تحاول واشنطن استخدام أدوات الحرب النفسية والإعلامية والمالية لإجبار إيران على تقديم تنازلات. لكن هذه الأساليب فشلت أمام “الصبر الاستراتيجي” الإيراني، الذي لم يكن خنوعًا، بل حسابًا دقيقًا للردع، والقدرة، والتوقيت المناسب.
المعادلة تغيّرت… وإيران لاعب إقليمي لا يُتجاوز
إيران اليوم ليست كما كانت قبل عشرين عامًا. أصبحت قوة إقليمية ذات نفوذ سياسي وأمني، وصاحبة حلفاء استراتيجيين في محور المقاومة من لبنان إلى اليمن. هذا العمق الجيوسياسي جعل من طهران رقماً صعبًا في أي معادلة تخص المنطقة، وجعل من واشنطن مجبرة على التفاوض، لا منّة منها بل اعترافًا بواقع جديد.
مفاوضات على قاعدة الندّية لا التبعية
إن الدعم لإيران اليوم، هو دعم لمشروع السيادة في وجه الغطرسة، ودعم لحق الشعوب في امتلاك قرارها ومقدّراتها. فكما رفضت إيران أن تتحول إلى دولة وظيفية خاضعة، أثبتت أن الكرامة قد تُحاصر، لكنها لا تُهزم.
المفاوضات ستستمر، لكن من موقع قوة متكافئة، لأن إيران أثبتت أن من يملك الإرادة… لا يساوم على كرامته.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post AuthorSee author's posts