حسن بيتماز رحمه الله.. عندما تكون فلسطين هي الحياة
تاريخ النشر: 4th, January 2024 GMT
"يَعْتَقِدُوْنَ أَنَّنَا إِذَا صَمَتْنَا لَنْ تَكُوْنَ هُنَاكَ مُشْكِلَةٌ، وَلَكِنْ.. إِذَا صَمَتْنَا فَلَنْ يَبْقَىْ التَّارِيْخُ صَامِتَاً، وَحَتَّى لَوْ صَمَتَ التَّارِيْخُ فَإِنّ الحَقِيْقَةَ لَنْ تَبْقَىْ صَامِتَةً.. يَعْتَقِدُوْنَ أَنَّهُمْ إِذَا تَخَلَّصُوْا مِنَّا فَلَنْ تَكُوْنَ هُنَاكَ مُشْكِلَةٌ، وَلَكِنْ.
كانت هذه هي آخر كلمات الرجل الكبير حسن بيتماز، نائب حزب السعادة التركي، وهو يخاطب الأمّة التركية من فوق منبر برلمانها، قبل أن يسقط، رحمه الله تعالى، متأثراً بما يحدث في فلسطين من قتل ودمار وجثث وأشلاء، وسط صمت حكومات العالم أو تواطؤها، ومن بينها الحكومة التركية التي تكتفي أحزابها الحاكمة بتنظيم الاعتصامات وإعلان دعوات المقاطعة لمطاعم كنتاكي ومحلات ستاربكس، فيما بواخر زعمائها وسفن أبنائهم تمخر العباب جيئة وذهاباً إلى "إسرائيل"! كما قال.
لقد بلغ جنون العدوان مداه، ووحشية الجرائم منتهاها، وحجم التآمر ومستوى الصّمت المريب حدّاً لا يطاق، ولم يكن أمام الرجل الذي يرى أمّته العظيمة عاجزة عن قطع العلاقات مع الكيان الغاصب، أو طرد سفير القتلة، أو إيقاف تصدير البضائع إلى جنود الاحتلال، مع رفض مجلس النّواب طلباً من كتلته البرلمانية بزيارة وفد برلماني إلى غزة، إلا أن يقول كلمته، بكلّ ما يمكن أن تحمله هذه الكلمة من صدق ووفاء، وصفع وإباء.
كان ذلك الرجل الذي يعيش لفكرة تحيا به ويحيا بها، رجل لم يسكت قلبه عن النبض حباً بفلسطين وهتافاً لها، حتى رحل وهو يعلن الولاء لفلسطين وأهلها، والبراء ممّن خذلها ولم يخذّل عنهاقالها، مختزناً بها كلّ مآسي أهل غزة وآهات السّنين، وكلّ تفاصيل الفكر والدّعوة، وخلاصات المؤتمرات والمخيمات وفعاليات الصّادقين، لتكون آخر أنفاسه في هذه الحياة، الفكرة التي طالما نبض بها قلبه ونطق بها لسانه، فألقى كلمته، كاملة دون نقصان، واضحة دون أيّ غموض أو لبس، ليموت، رحمه الله، على ما عاش عليه، ويلفظ أنفاسه بما أمدّه بالحياة طوال حياته، فكان ذلك الرجل الذي يعيش لفكرة تحيا به ويحيا بها، رجل لم يسكت قلبه عن النبض حباً بفلسطين وهتافاً لها، حتى رحل وهو يعلن الولاء لفلسطين وأهلها، والبراء ممّن خذلها ولم يخذّل عنها، رافعاً صوته بكلّ ثقة وكبرياء وعنفوان، حتى لكأنّي به في واحدة من تلك التجمّعات المليونية التي كان يقف فيها خطيباً أو مترجماً في ميادين يني كابي أو تقسيم ومئات الألوف تردّد خلفه: Filistin ve Türkiye kardeştir فكان موته شهادة حيّة عن صدق حياته وما عاش له: Canlarımız Filistin'e feda
لا أذكر أني التقيته يوماً إلا وفلسطين هي الحاضر الأكبر بيننا، فمنذ عام 1996، حين كنّا نلتقي، مع الأستاذ المجاهد نجم الدين أربكان رحمه الله تعالى أو من دونه، في مؤتمر عامّ أو مناسبة خاصّة، كانت البوصلة الهادية لتلك اللقاءات كلّها همّ الأمّة ووحدتها، والعالم الجديد وبناؤه، وكان القاسم المشترك بينها جميعاً الصهيونية العالمية ومكرها، وفلسطين الحبيبة وألم احتلالها.
وإنّي لأشهد أنّ الرجل بقي ثابتاً على الحقّ الذي آمن به، لم يغير ولم يبدّل، فما بين لقائنا الأول في تموز عام 1996 في أحد مقرّات حزب الرفاه بمدينة إسطنبول، ولقائنا الأخير في جلسة برلمانية لكتلة حزب السعادة في إحدى قاعات البرلمان التركي بمدينة أنقرة في شهر تشرين الثاني عام 2023 كان الخطاب نفسه والمضمون ذاته.
في اللقاء الأول دعا الشيخ يوسف القرضاوي رحمه الله تعالى ممثّلين لمنظمات طلابية عربية وإسلامية إلى الانتصار لفلسطين التي تعاني من مؤامرات الأعداء وتآمر الإخوة والأصدقاء، وفي اللقاء الأخير تحدّث رئيس الوزراء التركي السابق داوود أوغلو عن فلسطين التي يقصفها العدو الصهيوني بكلّ أنواع الحقد والبارود والنار، وواجب نصرتها والدفاع عن المستضعفين فيها. وما بين اللقاءين حياة طويلة كنّا نتواصل فيها عبر الهاتف، أو نلتقي في اجتماعات متنوّعة على مائدة فلسطين ومعاناة أهلها، والأمل الحادي بذلك الجيش الذي نراه في الأفق القريب قادماً لتحريرها.
التقينا في بورصة عام 2005 تحت مظلّة اتحاد المنظمات الطلابية ورعاية الأستاذ مصطفى الطحان رحمه الله تعالى، لتأسيس المنتدى الشبابي الدولي (آيفو) بحضور قيادت شبابية يمثّلون خمس حركات إسلامية عالمية هي حركة الإخوان المسلمين، وحزب الرفاه التركي أو حركة المللي غورش Millî Görüş، والجماعة الإسلامية في باكستان، والحزب الإسلامي الماليزي، والجماعة الإسلامية في أندونيسيا.
يومها تحدّث الأستاذ المجاهد نجم الدين أربكان رحمه الله تعالى عن الصهيونية العالمية التي تشكّل أكبر تحدّيات العالم الجديد والنّظام العادل الذي ينبغي أن يسود ليعلي قيمة السلام بدلاً من الحرب، والحوار بدلاً من الصراع، والعدالة بدلاً من المعايير المزدوجة، والتعاون بدلاً من الاستغلال، والمساواة بدل الاستعلاء، وحقوق الإنسان بدل القمع والهيمنة، وكان حسن بيتماز ذلك الشاب الذي يتّقد حركة وحيوية، ونشاطاً لا يهدأ وحماساً لا يفتر، وهو يدعو شباب الأمّة إلى تجسيد هذه الأفكار في حمل الهمّ، والتقدّم لإنقاذ العالم وإحياء المجد التليد.
توالت لقاءاتنا في ظلّ المنتدى الشبابي الدولي IYFO، ومركز البحوث الاقتصادية والاجتماعية ESAM، واحتفالات الفاتح في إستانبول، ثمّ لقاءات الاتحاد العالمي للمنظمات الطلابية الإسلامية (إيفسو) في إستانبول وجاكرتا والخرطوم ولبنان، وصولاً إلى لقاءات أنقرة في منزله كما في مركز حزب السعادة، وموضوع هذه اللقاءات كلّها أهمية التنسيق بين مكوّنات الحركة الإسلامية العالمية من أجل نهضة الأمّة الواحدة، واسترداد فلسطين السليبة، والقدس المحتلة، ومسجدها الأسير.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه فلسطين البرلمانية وفاة تركيا فلسطين تضامن برلماني مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة رحمه الله تعالى الأم ة
إقرأ أيضاً:
كيف تكون مسرورا؟.. علي جمعة يصحح مفاهيم خاطئة عن السعادة
قال الدكتور علي جمعة، مفتى الجمهورية السابق، وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ان سيدنا النبي ﷺ جعل من مكونات عقل المسلم السرور، والسعادة، والحُبور، والفرح، جزءًا لا يتجزأ من شخصيته ونفسيته وعقليته، بخلاف أولئك الذين ظنوا أن الكآبة جزءٌ من الإسلام، والإسلام بريءٌ من هذا.
وأشار إلى أن رسول الله ﷺ علمنا وعلَّم الناس والبشرية جمعاء كيف تكون مسرورًا فرحًا بنعمة الله سبحانه وتعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا}
ونوه جمعة عبر صفحته الرسمية على فيس بوك أن السرور والفرح جزءٌ لا يتجزأ من حياة المسلم.
ولفت إلى أننا نرى رسول الله ﷺ في هذا السرور وهذا الفرح يحب الطيب والرائحة الطيبة، ويحب الريحان، وتقول السيدة عائشة رضي الله عنها: «كنت أطيّب رسول الله ﷺ حتى أرى وبيص الطيب في جسده». أي لمعة الطيب في جسده الشريف ﷺ.
كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يفرح، وأن يضحك، وكان يحب أن يُدخل السرور والفرح على الآخرين: من الأطفال إلى الشباب، إلى الكبار، إلى النساء، إلى الرجال.
كان يحب من الإنسان أن يكون مسرورًا سعيدًا، راضيًا عن ربه، فيرضى الله سبحانه وتعالى عليه بهذا الفرح؛ فرحٌ لا يُفسد في الأرض،
وأوضح أن الله سبحانه وتعالى لا يحب الفرحين - بمعنى المفسدين في الأرض - ولكن يحب الزينة، ويحب السرور والسعادة.
وذكر انه كان للنبي شخصٌ، كما أخرجه البخاري، يُسمى عبد الله، يجلس مع الرسول ﷺ ويُدخل على قلبه السرور، وكان يُضحك رسول الله ﷺ.
فأُتي به مرةً وقد شرب الخمر، فأقام عليه العقوبة، ثم أُتي به مرةً ثانية، فأقام عليه العقوبة،
فقال رجلٌ من القوم: «اللهم العنه، ما أكثر ما يُؤتى به».
فقال رسول الله ﷺ: «لا تلعنوه، فوالله ما علمتُ إلا أنه يحب الله ورسوله».
فرغم معصيته، كان يحب الله ورسوله، وكان يُدخل السرور على سيدنا ﷺ، ونهى النبي ﷺ الصحابة أن يصفوه بالمنافق، لأنه يحب الله ورسوله.
وكان من صحابته الكرام رجلٌ يُقال له نُعيمان، كان يذهب إلى البقال، يأخذ منه طعامًا، ويقول: "هذا لرسول الله ﷺ"، فيظن الرجل أن النبي ﷺ قد أرسله، فيأتي بالطعام، ويضعه بين يديه ﷺ، ويقول: "هذا من فلان".
فيظن النبي وأصحابه أنها هدية، وبعد قليل يأتي البقال يطلب الثمن، فينظر النبي ﷺ إلى نُعيمان، وهو يضحك خلف سارية المسجد، فلا يُؤنبه، ولا يلومه، بل يدفع ثمن الطعام، وهو يضحك، هو وأصحابه ونُعيمان.