ماذا ينوي الحوثيون فعله في باب اليمن؟ مصادر في صنعاء تكشف المخطط ومختصون يتحدثون عن ''كارثة'' على المدينة
تاريخ النشر: 4th, January 2024 GMT
ذكرت مصادر يمنية عاملة في قطاع الثقافة أن تدخلاً من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونيسكو» أوقف مخططاً لجماعة الحوثي لتغيير معالم منطقة باب اليمن المدخل الرئيسي لمدينة صنعاء القديمة.
لكن المصادر نبهت إلى أن هذا الموقف لا يعتد به لأن الجماعة الحوثية التي تدير العاصمة المختطفة صنعاء تسعى للتحايل على ذلك بالحديث عن وجود تصميم آخر غير الذي وزعته وطغى عليها الطابع الإيراني.
المصادر ذكرت لـ«الشرق الأوسط» أن «اليونيسكو» أبلغت فرع هيئة الحفاظ على المدن التاريخية في صنعاء باعتراضها الشديد على مخطط تغيير ملامح منطقة باب اليمن، باعتباره يخالف قواعد الحفاظ على مواقع التراث العالمي التي تعد صنعاء القديمة واحداً منه، وأن الهيئة وجهت بإيقاف المخطط الذي تنفذه أمانة العاصمة التي يديرها الحوثيون، وقالت إن التصاميم التي تم نشرها قديمة ولا تتوافق مع الطابع المعماري للمدينة.
وذكرت المصادر أن خلافاً كان قد نشب بين هيئة الحفاظ على المدن التاريخية وفرع الهيئة العامة للآثار وما تسمى الوحدة التنفيذية لمشاريع أمانة العاصمة التي تقف وراء معظم محاولات العبث بهذا الموقع التراثي المهم.
وبينت أن هيئة الحفاظ على المدن التاريخية تعهدت لـ«اليونيسكو» بالالتزام بالمعايير التي وضعتها المنظمة الأممية لترميم مواقع التراث الإنساني، وأنها ستلتزم بالحفاظ على الموقع كما هو، وأن عملية الترميم ستكون بنفس المواد التي بني بها، ولن يكون هناك أي نقوش أو تصاميم تتعارض مع الطراز المعماري للبوابة والمدينة القديمة.
محاولة للتلاعب
المصادر في صنعاء نبهت إلى أن هذا الموقف قد يكون محاولة للتلاعب وامتصاص الغضب الشعبي والرسمي تجاه المخطط، وأكدت أنه لا توجد أي ضمانات أو موافقات من سلطة أمانة العاصمة التي عينها الحوثيون، ولهذا فإن موقف هيئة الحفاظ على المدن التاريخية لا يعكس الموقف الرسمي للجماعة التي تهيمن على العاصمة منذ اقتحامها في النصف الثاني من عام 2014.
وأعادت المصادر التذكير بالمخالفات، سواء عند إعادة ترميم بعض المنازل التي تضررت بفعل الأمطار الغزيرة خلال العامين الماضيين، أو التغاضي عن عملية هدم لبعض المباني وإقامة مبان حديثة مكانها، لا صلة لها بالطابع المعماري للمدينة.
وطالبت بالتريث إلى حين اتضاح الصورة، خاصة أن الجهة المنفذة لم تقم بإزالة الحواجز التي قامت بإنشائها في محيط باب اليمن تمهيداً لبدء العمل.
ويؤكد المهندس منتظر الحساني أن التصميم المستحدث لباب اليمن «طمس لهويته الأثرية القديمة وضياع تفاصيله العبقة»، وجزم بأن أي تجديد أو استحداث في المعالم الأثرية يعد طمساً للهوية الأثرية لذات المكان، وهذه مخالفة كبيرة ستؤدي إلى استبعاد صنعاء القديمة من قائمة التراث العالمي.
وطالب الحساني بالاهتمام بالبيئة المحيطة في منطقة باب اليمن، وبما تحتاجه من ترميم وتجديد، ورفع البسيطات وتنظيم الأسواق العشوائية التي تشوه المكان.
أما بالنسبة للباب نفسه فيؤكد الحساني ضرورة الإبقاء عليه كما هو، ويتم ترميمه بنفس المواد، وبشرط أن تكون نفس المواد المستخدمة سابقاً، ويؤيده في ذلك المهندس عاصم مقبول، ويقول إنه بوصفه معمارياً يرفض رفضاً قاطعاً التصميمَ خارج نطاق المألوف، ويؤكد أن نجاح أي مشروع لن يكون إلا من خلال الحفاظ على تراث المدينة.
ويبين أن التصميم المعماري يمر بأكثر من مرحلة، أولاها دراسة التاريخ المعماري للمدينة، مروراً بالتحليل والتخطيط العمراني لها، وكذلك التراث المعماري؛ لأن الهوية المعمارية للبلد هي الركن الأساس، وحذر من أنه إذا تم المضي في المشروع فإن ذلك سيكون كارثياً بحق مدينة صنعاء القديمة.
نذر كارثية
من جهته، يؤكد أكرم الحاج أن ما يقوم به الحوثيون في صنعاء القديمة من تغيير المعالم التاريخية وتجريف للتراث واستبدال بناء حديث ونمط دخيل بها، تشويهٌ متعمد، ينذر بكارثة للمدينة، ويرى أنه مع هذه التغييرات يتم تغيير نمط الحياة والتفكير ليصبح المجتمع أكثر انقساماً.
ويقول إن نمط البناء كان واحداً داخل صنعاء القديمة، ولا يستطيع أحد مخالفته مهما كانت قوته ونفوذه وغناه، حيث التزم الجميع بذلك، ولم يخالفه أحد منذ عقود، وعندما كان تتم مخالفة ذلك النمط بالبناء أو إضافة شيء إليه سرعان ما تتم إزالته، ما خلق نوعاً من الثقافة لدى سكان المدينة بالالتزام، وعدم المخالفة، وضرورة المحافظة على ذلك النمط المتوارث جيلاً بعد جيل.
ولفت مهندسون يمنيون إلى أن المخطط المقترح غير مطور فكرياً ومهنياً وهندسياً، وكان يجب إضافة خيارات ودراسات صحيحة لعملية التطوير يدخل فيها تاريخ مدينة صنعاء، والحركة المرورية، وعلاوة على ذلك الحفاظ على الطابع المعماري من خلال المواد المستخدمة.
وذكر المهندسون أن الدراسات الحالية للمشروع غير مناسبة، وتحتاج إلى إعادة في التصميم ذات الطابع المعماري المرتبط بالهوية والنمط المعماري الذي يتناسب مع أهمية صنعاء القديمة، ونبه هؤلاء إلى الاشتراطات التي وضعتها المنظمة العالمية لتجديد المدن التاريخية والتابعة لـ«اليونيسكو».
ويقول المهندسون إن كل تصميم من شأنه إخفاء تفاصيل المعالم أو تغييرها يعد طمساً لهوية المعلم الأثري، ناهيك عن جمالية التصميم الأول الذي يبدو عليه باب اليمن، والذي لا يحتاج سوى إلى ترميم وتحسين المحيط المجاور له، دون إدخال أي تغيير على معالم المكان.
المصدر: مأرب برس
كلمات دلالية: صنعاء القدیمة باب الیمن فی صنعاء
إقرأ أيضاً:
ماذا يجري تحضيرًا لدخول صنعاء؟
برغم كثافة الحركة العسكرية والدبلوماسية حول الملف اليمني مؤخرا إلا أنه من النادر أن تلقى معلومة مكتملة، وتحولت العشر السنوات الماضية من الغموض السياسي والعسكري إلى حالة من العادات والتقاليد المألوفة في المشهد اليمني. وسط حالة من اللغط، والتيه، والشكوك، وأسئلة كثيرة حول حقيقة الاستعدادات لمعركة برية ضد الحوثي، أقدم هنا سردًا مبسطًا ومركزًا لما يجري وما استجد.
أولًا وهو المتغير الأهم: المستوى الدولي – التحول من التهدئة إلى التصعيد
التصعيد العسكري أصبح ضرورة ملحة لدى العديد من الفاعلين الدوليين، بمن فيهم أولئك الذين سعوا طيلة سنوات لتسوية سياسية في اليمن. جاء هذا التحول نتيجة تداعيات التصعيد في البحر الأحمر، ثم لإشباع رغبة أمريكية-إسرائيلية في هزيمة إيران وأذرعها، بهدف استعادة هيبة الردع- بالنسبة لهم- في المنطقة. لكنهم كثور هائج بلا رؤية أو معلومة او فهم كاف، أو تنسيق مع الحكومة اليمنية.
المشكلة اللي واجهوها أن التحالف بقيادة السعودية استنزف الأهداف السهلة خلال عشر سنوات من استئساد القصف الجوي. واليوم، بات النصر محصورا في استهداف قيادات الحوثي، مراكز تصنيع الصواريخ، وهي المهمة الأصعب.
بطبيعة الحال الأمريكان أكثر دقة وأكثر قدرة وإمكانية وهم في سعي حثيث لإثبات قدرتهم للداخل في حماية الملاحة أولا، ولتقديم عربون صداقة لأهم حلفائهم إسرائيل والسعودية وبقية دول الخليج في وقت يتهيأون فيه لصفقة ما مع إيران تناسب ترامب التاجر الذي يخشى من الخسائر الاقتصادية لقرار الحرب. بمعنى ان التضحية بالحوثي صار هدفا مشتركا وسهلا وأقل كلفة من حرب شاملة مع طهران (يعتقد ترامب انه لا يجب ان يجره نتنياهو لها)، وسيكون الحوثي فيما يبدو هدية طهران لترامب وشركائه.
واستهداف الحوثي مهمة أمريكية الآن بتنسيق يتيم وغير كامل أو ناضج بعد مع السعودية التي لا تثق كليا بعد بصمود الاستراتيجية الأمريكية وما زالت تدفع بحماس أقل باستمرار خارطة السلام. وتتركز الأهداف الامريكية على تجمعات الحوثي وتحالفاته، وخطوط الإمداد، وخطوط المواجهة، والعتاد والمخازن، والقيادات. ورغم ان هذا الاستهداف ليس حاسما كليا الا ان الحوثي لم يتعرض لضربة عسكرية مثل هذه منذ نشأته.
ومع ذلك، فإن هذا الحماس الأمريكي قد يتوقف فجأة لسببين:
– اتفاق أمريكي-إيراني محتمل.
– إحباط أمريكي إذا لم تحرز الملفات الأخرى تقدمًا، خصوصًا التحركات البرية من القوات المحلية المختلفة.
ثانيًا: المستوى العسكري:
منذ الهدنة الهشة عملت القيادات الميدانية في الثلاث الجبهات الرئيسية على إعداد أنفسهم بمعزل عن التطورات في المنطقة وإن كانوا يستفيدوا منها. وهنا شقين من الإعداد: الاستعداد القتالي والتنسيق. وتبدو الجاهزية كما يلي:
مأرب: بلغت مرحلة متقدمة جدًا من الاستعداد، مع استقطاب مقاتلين وكفاءات، وعتاد نوعي، وتنظيم قدرات وترتيب صفوف وغربلة، والأهم اكتفاء شبه ذاتي من دعم وتصنيع وتنظيم.
الساحل الغربي: جاهزية عالية وكتائب متمرسة غير منهكة، و وصلت إلى استقرار في العتاد والعدة والرجال.
تعز: كانت الهدنة هدية لمراجعة وإعادة تنظيم وتسليح شاملة، وأصبحت في أفضل حالاتها منذ بدء المقاومة.
اما بقية القوات مثل العمالقة ودرع الوطن فتبقى قوات إسناد وتأمين وإمداد.
من حيث التنسيق، أنجزت الجبهات الرئيسية عملًا كبيرًا في توحيد الروح والفهم المشترك وخطوط الاتصال، مع بقاء الحاجة إلى قرار سياسي موحد يترجم كل هذه الجهود إلى غرفة عمليات واحدة. وتقديري أن قرار المعركة القادمة كفيل باستكمال الخطوات المتبقية وقطف ثمرة التنسيق.
ثالثًا: على الصعيد السياسي: برز أمران رئيسيان:
ضعف المجلس الرئاسي: أثبت المجلس عجزه، خاصة بسبب ضعف شخصية رئيسه مقارنة بالتحديات الضخمة. وهنا أكثر الملفات إحباطا حيث تجري تداولات جدية حول ضرورة إجراء تغييرات تنقل صلاحيات القرار العسكري والأمني لشخصية واحده تقود المعركة.
التحولات الإقليمية والدولية:
الانفتاح الأمريكي الكبير على “الإصلاح”، مع دفع الشركاء الإقليميين باتجاه إعادة بناء الثقة معه، حيث يعتقد الامريكان ان تردد بعض دول الجوار في علاقتها مع الإصلاح غير صحي وسبب في تضخم الحوثي، ويدفعون حاليا نحو بلوره عهد جديد وزيادة ما يسمونها “حوافز” وزيادة الثقة. و لم تكن السعودية بعيده كثيرا عن فهم هذه النقطة مؤخرا. إلى جانب ذلك، تبين لكثير من الفاعلين خطيئة تفعيل قضايا الجنوب وغيرها قبل حسم مشكلة الحوثي باعتبار ان هذه القضايا باتت معرقلة كليا لأي تقدم في ملف الحوثي وجمدت العملية السياسية والعسكرية معا.
هذا الفهم الجديد يترجم حاليا في التصورات التي تطرح والنقاشات التي تتم بما في ذلك تصحيح وضع الشرعية، وهي نقاشات وان كانت متقدمة في الفهم إلى ان غياب اليمنيين منها محبط الى حد ما.
يبقى السؤال ماذا بعد؟
باكتمال الاستعداد العسكري في الجبهات الرئيسية (دون تنسيق امريكي كما يشاع، بل إرادة يمنية خالصة)، يمضي مستقبل المعركة على مسارين: نجاح نقل صلاحيات المعركة إلى قيادة موحدة وقوية، مما يزيد فرص إدارة الحرب بأقل خسائر ممكنة. المسار الثاني: تعقد الملف السياسي أكثر خصوصا مع استمرار تردد السعودية من خوض أي معركة عسكرية يكلفها حماية لأجوائها يفوق قدراتها، مما قد ينتج عن ذلك انفجار عسكري شبه فوضوي ربما يطيح بالحوثي ولكن أيضا بالشرعية وربما بعض المكتسبات او الاستحقاقات.
الشي الواضح والحاسم حاليا هو أن الحوثي فقد كثير من قوته، والتصنيفات بالإرهاب ستأكله من عصب بقاءه وهو المال، والجبهات المناهضة له باتت الآن أكثر استعدادها منه من كل النواحي ولأول مرة منذ بدء الصراع. من جهة أخرى: بقاء الشرعية بهذه الكيفية لن يستمر، فإما تغييرا بها او سيتحرك من يرى الان فرصة لا يمكن تعويضها.
نقلاً من صفحة الكاتب على فيسبوك