بما أنه لا أحد لديه أي فكرة عما ستكون عليه صورة "اليوم التالي" في غزة لرفض الحكومة الإسرائيلية ورئيسها بنيامين نتنياهو منذ ثلاثة أشهر التعاطي مع الموضوع، يبدو من الأسهل أن نرسم صورة اليوم التالي بالنسبة لإسرائيل، إذ "سنكون مثل المصابين بالجذام، مكروهين ومضطهدين أكثر من أي وقت مضى".

هكذا افتتح أوري مسغاف عموده في صحيفة هآرتس، مصورا أن الإسرائيليين يعيشون الآن فيلما في فقاعة مغلقة صممها المراسل العسكري للقناة 12 نير دفوري والمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانييل هاغاري، وليست لديهم أدنى فكرة عما يحدث في غزة وما يقال عنا في العالم، حيث يتحدث القادة والجنود الذين يقاتلون في القطاع عن دمار غير مسبوق وعن غياب تام لضبط النفس الذي كانوا يعرفونه في الماضي.

فعلى سبيل المثال، عندما يتعرف الجنود على "إرهابي" يخرج من تحت الأرض ويهرب إلى منزله، فإنهم ببساطة يهدمون المنزل بمساعدة القوات الجوية، وبعد أن نغادر لن يساعدنا أن نعرض صور المجزرة في بئيري، وفقا للكاتب.

وينقل هنا قول ياروسلاف تروفيموف كبير مراسلي صحيفة "وول ستريت جورنال" إن كلمة "غزة" ستُذكر في سجلات التاريخ مثل كلمة "دريسدن"، في إشارة للقصف الأميركي البريطاني الذي دمر هذه المدينة الألمانية بشكل كلي -تقريبا- في الحرب العالمية الثانية.

ولا بد يوما من دفع الفاتورة، كما يقول الكاتب، إنها مسألة إستراتيجية بحتة وتتجاوز المسائل الأخلاقية والمعنوية، ولكن حتى على مستوى المصلحة الإسرائيلية البحتة، يبدو أنه لا يوجد أحد في المستوى السياسي أو العسكري يتمتع بالحكمة والشجاعة الكافية ليرى هل هذه القضية ستوضع في الميزان؟

تقرير مليء بالأدلة

ومن المثير للسخرية في هذا الصدد أن الدعوى الأولى المرفوعة على إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي كانت من جنوب أفريقيا، التي لا تزال تذكر كيف كانت الحال عندما كانت قوة إقليمية وحتى نووية غنية ومزدهرة مقارنة بجيرانها الفاشلين، وكيف كانت مع ذلك كالمصاب بالجذام في عزلة.

ونسب البيان التفصيلي للادعاء إلى إسرائيل احتمال "ارتكاب" إبادة جماعية في غزة "أو إغفالها"، وذلك في وثيقة مدهشة ومحبطة، تتعالى عن المراوغة والممارسة القانونية، لأنها تستشهد بالعشرات من الاقتباسات والتعليقات والأفعال لإسرائيليين معروفين، ويظهر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وهو يتحدث عن انقراض عماليق، إلى جانب إيال غولان الذي يعلن على القناة 14 "امسحوا غزة.. لا تتركوا أحدا هناك".

وتطرق التقرير إلى إسحاق هرتسوغ، الذي تم تصويره وهو يوقع قذيفة مدفعية، ثم إلى نجم البوب كوبي بيرتس الذي رقص مع الجنود وهم يغنون "دعوا قريتهم تحترق"، إضافة إلى وزير الزراعة آفي ديختر الذي أعلن أن إسرائيل تنفذ الآن النكبة في قطاع غزة وبجانبه المذيع ينون ماغال، وهما يعلنان أنه لا يوجد مدنيون أبرياء في غزة.

ويستمر التقرير على هذا النحو -كما يقول الكاتب- مشيرا إلى الوزير عميحاي إلياهو بقنبلته الذرية وتأملات عضو الكنيست نسيم طوري، والتغريدات المزعجة لعضو الكنيست تالي غوتليف، وأوهام الإبادة الجماعية لإلياهو يوسيان، وأحلام وزير المالية بتسلئيل سموتريش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، وأوهام عضو الكنيست بوعز بسموت وعضو الكنيست غاليت ديستال عطبريان.

وخلص الكاتب إلى أن هذه الصورة المرعبة للمجتمع المتوحش هي التي استقرت في الأذهان منذ ذلك السبت الملعون، حين وضع هجوم حماس، في إشارة إلى طوفان الأقصى، وما أعقبه من حشود النهب المتعطشة للدماء، إسرائيل أمام تحد صعب للغاية، وهو كيفية الرد بالقوة الإستراتيجية والرادعة المناسبة مع الحفاظ على ظل الإنسانية، أي كيف نهزم أعداءنا دون أن نصبح مثلهم، وهو ما فشلنا فيه وسيكون الثمن مؤلما.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: فی غزة

إقرأ أيضاً:

هآرتس: عندما يصبح الجيش الإسرائيلي نموذجا للوحشية

ربطت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية -في مقالين منفصلين- بين انتشار العنف والوحشية في جيش إسرائيل وخطاب الكراهية والانتقام الذي تنتهجه حكومتها، وشبهت ما يحدث في غزة بمعسكر الاعتقال النازي لليهود (أوشفيتز)، متأسفة على غياب رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو عن ذكرى المحرقة لأن دولته أصبحت منبوذة، ولأنه مطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية لارتكابه جرائم حرب.

في المقال الأول وصف الأستاذ الفخري يوئيل إليزور باعتباره طبيبا نفسيا، حالة أفراد الجيش الإسرائيلي النفسية في حربه الجارية، وقال إنه يشعر بالرعب من القتل الجماعي للمدنيين في غزة وبالانزعاج من تأثير الوحشية التي يمارسونها على الصحة العقلية للجنود الذين يتعرضون للخطر بسبب خطاب الحكومة التحريضي وإضعاف أنظمة العدالة المدنية والعسكرية.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2إنترسبت: هل ينكر مسؤولو أوروبا جرائم الحرب في غزة رغم الوثائق؟list 2 of 2نيويورك تايمز: الهند تشوه الحقيقة وهذا ما يحدث فعلا للهندوس ببنغلاديشend of list

وأوضح إليزور هدفه من هذا المقال بصفته جَدا وطبيبا نفسيا بحث في تجربة الجنود مع الوحشية، وقال إنه يريد أن يحمي حفيده وكل من يخدم في الجيش الإسرائيلي، ويريدهم أن يعرفوا مدى صعوبة الوقوف في وجه قائد قاس ومقاومة ضغوط الأقران التي تشجع على الوحشية.

وصنف الكاتب 5 مجموعات من الجنود بناء على سمات الشخصية، استنادا إلى دراسة قامت بها ضابطة الرعاية الاجتماعية نوفار إيشاي أثناء الانتفاضة الأولى تحت إشرافه، نُشرت لاحقا عام 2012، باعتبارها الفصل الأول من كتاب بعنوان "بقعة من ضوء.. الجنود الإسرائيليون والجيش والمجتمع في الانتفاضة".

إعلان

تأثير الضباط الصغار

المجموعة الأولى صغيرة وقاسية تتألف من جنود قساة، اعترف بعضهم بالعنف قبل التجنيد، وقد ارتكب هؤلاء معظم الفظائع الشديدة، ونظروا إلى الوحشية باعتبارها تعبيرا عن القوة والرجولة، أسكرتهم السلطة التي تلقوها في الجيش، يقول "إنها مثل المخدرات. تشعر وكأنك أنت القانون، أنت من يضع القواعد. وكأنك منذ اللحظة التي تغادر فيها إسرائيل وتدخل قطاع غزة تصبح إلهًا".

يقول أحد هؤلاء "ليس لدي مشكلة مع النساء. رمتني إحداهن بحذاء، فركلتها هنا (أشار إلى الفخذ)، وحطمت كل هذا هنا. لا يمكنها إنجاب أطفال اليوم"، وأطلق أحدهم النار على عربي 4 مرات في ظهره وأفلت بدعوى الدفاع عن النفس، و"تلقى شاب عربي فجأة رصاصة في بطنه وكان يحتضر على الرصيف وابتعدنا بالسيارة بلامبالاة"، كما يقول جندي.

المجموعة الثانية مجموعة صغيرة عنيفة أيديولوجيًا، أيدت الوحشية دون المشاركة، كان أفرادها يؤمنون بتفوق اليهود وكانوا ينتقدون العرب، ولم يتم الإبلاغ عن الإصابات الأخلاقية في هذه المجموعة.

المجموعة الثالثة صغيرة وغير قابلة للفساد، عارضت تأثير المجموعات القاسية والأيديولوجية على ثقافة الفرقة، تم ترهيبهم في البداية من قبل القادة الوحشيين، ثم اتخذوا موقفا أخلاقيا واستمروا في الإبلاغ عن الفظائع إلى قائد الفرقة، تعرض أحدهم للنبذ، وأصيب بصدمة نفسية واكتئاب وغادر البلاد بعد التسريح.

المجموعة الرابعة كبيرة وتتكون من جنود ليس لديهم ميل مسبق للعنف، ولكن سلوكهم كان متأثرا بشكل كبير بنماذج الضباط الصغار ومعايير الفرقة.

أما المجموعة الخامسة فكانت كبيرة، وتشكلت من الجنود الذين يوجهون أنفسهم داخليا والذين حافظوا على المعايير العسكرية ولم يتركبوا فظائع، وقد استجابوا للعنف الفلسطيني والمواقف التي تهدد الحياة بطرق متوازنة ومبررة قانونيا، ولم يبلغوا عن إصابات أخلاقية.

إعلان سلوك صادم

وفي سياق تأثير القادة الصغار والجنود المؤثرين، يقول أحدهم "جاء قائد جديد إلينا. خرجنا معه في أول دورية، لم يكن هناك أحد في الشوارع سوى طفل صغير (4 سنوات) يلعب في فِناء منزله. فجأة جرى القائد وأمسك بالطفل وكسر ذراعه وساقه وداس على بطنه ثلاث مرات وغادر. نظرنا إليه في حالة من الصدمة. سألت القائد "ما قصتك؟" قال يجب قتل هؤلاء الأطفال منذ اليوم الذي يولدون فيه. وعندما يفعل القائد ذلك يصبح الأمر شرعيا".

وذكر إليزور أن هناك أدلة كثيرة على جرائم الحرب المزعومة في الحرب الحالية، وقد قام المؤرخ الإسرائيلي لي مردخاي بجمع البيانات وتصنيفها وتحديثها بانتظام، وهي تشمل تقارير من مؤسسات مرموقة كالأمم المتحدة، وتقارير من وسائل الإعلام الرئيسية، وصورا ومقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي.

نموذج مصغر للوحشية

وهناك توثيق لإطلاق النار على المدنيين الذين يلوحون بالأعلام البيضاء، وإساءة معاملة الأسرى والجثث، وحرق المنازل دون موافقة قانونية، والتدمير الانتقامي للممتلكات والنهب، مقابل عدد ضئيل من التحقيقات، حسب لي مردخاي.

واستغرب الكاتب كلمات التأبين التي ألقيت في جنازة جندي احتياطي قُتل في لبنان، حيث أشار أحد المتحدثين إلى قتله لفلسطيني كان يحصد الزيتون مع أطفاله، وروى أفراد وحدته كيف نجح في رفع الروح المعنوية في غزة بإشعال النار في منزل دون موافقة، وأعلنوا التزامهم بمواصلة أعمال الحرق والانتقام في غزة ولبنان والضفة الغربية.

أما مركز الاحتجاز سدي تيمان فهو بالنسبة ليوئيل إليزور نموذج مصغر للوحشية في الحرب الحالية، وقد أصبح سيئ السمعة عندما أبلغ طبيب عن علامات إساءة جنسية شديدة لدى أحد المعتقلين، وقد أبلغت تقارير إعلامية عن 36 تحقيقا بشأن وفاة معتقلين كانوا محتجزين فيه، كما تشير شهادات فلسطينيين مفرج عنهم، جمعتها منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية غير الحكومية بتسيلم، إلى العنف القاسي والتعسفي بشكل متكرر والإذلال والإهانة والتجويع المتعمد وغير ذلك من الممارسات المسيئة.

إعلان الانتقام وخطاب الكراهية

وفي جو الانتقام هذا، ذكّر الكاتب بما كتبه اللواء (احتياط) يعقوب عميدرور قائلا "الحرب شيء قاس، والسؤال الحقيقي هو كيف نركز القسوة على أولئك الذين يريدون إيذاءنا لا على الآخرين الذين يصادف وجودهم في المنطقة".

وفي هذا السياق، أدى خطاب الكراهية والانتقام الذي تنتهجه حكومتنا والذي تعزز بسبب تقويضها المتعمد لنظام العدالة -كما يقول الأستاذ- إلى الانتقام المفرط والقتل الجماعي للمدنيين في غزة، كما وفّر ذلك رياحا مواتية للفظائع التي يرتكبها الجنود القساة والعنيفون إيديولوجيًا، وزاد من نفوذهم على الأتباع، وأزاح غير القابلين للفساد جانبا.

ويستمر إليزور قائلا إنه وفي هذا الوضع الصعب، تقع على عاتق القيادة العليا مسؤولية الحفاظ على القيم المدرجة في مدونة أخلاقيات الجيش، وعلينا نحن المواطنين الذين نرسل أطفالنا وأزواجنا وأحفادنا إلى الخدمة العسكرية، أن نجد طرق المقاومة ونتحدث بوضوح من أجل الحفاظ على حدود قسوة الحرب والحفاظ على مدونتنا الأخلاقية، وحماية الجنود من الأذى الأخلاقي وعواقبه الطويلة الأجل.

أوشفيتز وغزة ولاهاي

أما في المقال الثاني، فيتأسف جدعون ليفي على أن نتنياهو لن يسافر إلى بولندا الشهر المقبل لحضور الحفل الرئيسي بمناسبة الذكرى الثمانين لتحرير معسكر الموت في أوشفيتز بسبب المخاوف من احتمال اعتقاله على أساس مذكرة الاعتقال الصادرة ضده من قبل المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.

ورأى الكاتب في ذلك مفارقة مرَّة، أن من بين جميع الشخصيات والدول، يُمنع رئيس وزراء إسرائيل وحده من حضور النصب التذكاري لأفراد شعبه بسبب تهديد القانون الدولي الذي يلوح فوق رأسه، ويقبل حضور المستشار الألماني.

قبل 80 عاما، عندما تم تحرير أوشفيتز، مُنح اليهود الاختيار بين أمرين "لن يواجه اليهود أبدا خطرا مماثلا" و"لن يواجه أي شخص في العالم أبدا خطرا مماثلا"، ولكن إسرائيل اختارت الخيار الأول، مع إضافة قاتلة، بعد أوشفيتز يُسمح لليهود بفعل أي شيء.

إعلان

وقد طبقت إسرائيل هذه العقيدة في العام الماضي كما لم تفعل من قبل -حسب الكاتب- ولعل هروب رئيس الوزراء من حفل أوشفيتز هو المثال الأكثر فظاعة على ذلك، وحقيقة أن أوشفيتز هو أول مكان يخشى نتنياهو الذهاب إليه من بين جميع الأماكن في العالم، تصرخ بالرمزية فضلا عن العدالة التاريخية.

همس ودوي الهولوكوست

ومع أن المسافة بين أوشفيتز وغزة مع توقف في لاهاي، لا تزال هائلة -حسب الكاتب- فإن المقارنة بينهما لم تعد سخيفة، فعندما يكون هناك خط وهمي للموت في غزة المحتلة، وكل من يعبره محكوم عليه بالموت، حتى لو كان طفلا جائعا أو معوقا، تبدأ ذكريات الهولوكوست في الهمس، وعندما يتم تنفيذ التطهير العرقي في شمال غزة، مع علامات واضحة على الإبادة الجماعية في جميع أنحاء القطاع، فإن ذكرى الهولوكوست تدوي بالفعل.

ويبرز السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 كنقطة تحول مصيرية على غرار حرب عام 1967 حيث فقدت إسرائيل تواضعها، واليوم فقدت إنسانيتها، وفي كلتا الحالتين حصل ضرر لا رجعة فيه.

وخلص الكاتب إلى وجوب تأمل المناسبة التاريخية واستيعاب أهميتها، فالاحتفال بإحياء الذكرى الثمانين لتحرير أوشفيتز يسير فيه زعماء العالم في صمت ومعهم آخر الناجين الأحياء، ويصبح مكان رئيس وزراء الدولة التي نهضت من رماد الهولوكوست شاغرا، إذ لن يكون نتنياهو في أوشفيتز، لأنه مطلوب في لاهاي بتهمة ارتكاب جرائم حرب.

مقالات مشابهة

  • باحث: الأكراد في سوريا تعرضوا لإبادة ونظام البعث حظر لغتهم وملابسهم
  • هآرتس: عندما يصبح الجيش الإسرائيلي نموذجا للوحشية
  • معارضون في تل أبيب: يجب على إسرائيل أن تضرب إيران بشكل مباشر إذا كانت تريد وقف الحوثيين
  • هآرتس: الحرب مع إسرائيل تعزز قبضة الحوثيين على الداخل وتثير قلق دول الخليج (ترجمة خاصة)
  • تمديد حالة الطوارئ في إسرائيل.. لماذا وافق الكنيست الإسرائيلي عليه؟
  • زعيم إسرائيلي معارض: يجب على إسرائيل أن تضرب إيران بشكل مباشر إذا كانت تريد وقف الحوثيين
  • الكنيست الإسرائيلي يصادق على تمديد حالة الطوارئ حتى ديسمبر 2025
  • الكنيست يوافق على زيادة ميزانية 2024 لتغطية تكاليف الحرب
  • إسرائيل تنذر سكان «الشجاعية» بإخلاء منازلهم
  • اعتراضات في الكنيست على كلمة نتنياهو