قرأت اليوم مقال للدكتور عبد الله علي إبراهيم تحت عنوان (شائب العرب يرعوه البهم يتحدث عن المجايلة وعن استرذال العمر وكهول السودانيين في أمريكا وهم عليه الان واختم ما كتب فمَا يلي(يكبر الجيل عندنا بغير هذه الألفة مع الماضي لأنه أسير نزوة الحاضر وإغراءاته الجسام. ولذا يعيش الجيل اللاحق في مسغبة الروح والفكر والتاريخ.

فالمستقبل الذي يرنو إليه الحدث لا ينبني على الصدى: على جدل الماضي والحاضر) لهذا المفكر وضع وحضور بين الشباب السودانيين وعليه أن يتحري ما يكتب ولا تكون جزء من تعالي الفليسوف والأكاديمي والتخيل المحض فقط والبعد الحقيقي عن شباب لذلك وجدت نفسي ارد عليه بهذه الأسطر مع التبجيل الكامل له , ومن السفاهة أن تقلل من قدرت جيل بِرُمَّته ولتثمن قيمته الإنسانية من الناحية الفكرية وهم من حيث التجربة الإنسانية أكثر ثراء وعمق وتفهم لروح هذا العصر يا سيدي هذا العصر ليس عصر حمالة الدرجات العلمية العليا النظرية بل في علوم المستقبل الحواسيب والفضاء ولا لأصحاب الياقات البيضاء أنظر من حوالك وتأمل ما حققنا في بناء فكرة إنسانية عن الوطن والمواطنة وحقيقنا المقام الموضوعي للإنسان بالانتماء للوطن بيننا أوأسقطنا القبيلة والاتكاء إلي الصوفية وأذدوجية القيم ما بين العصري والمورث بل نتقن تقنيات عصرنا ونناقش كل مستجدات الحياة بتحرر كامل عن قيد غير العقلانية في التفكير وأعلنا أتجاهاتنا الفكرية بكل جراءة أين أنتم مما بلغنا أعلم أنها ليست الكمال للإنسان بمعايير العصر ولكن هي المعقولية التي تفتق بها العقل الجماعي لنا و البعيد عن ارثكم الفاشل تجاربكم منذ جيل الاستقلال إلي لحظة الاقتتال الحالية حتي في هذا الاقتتال انصرفنا للجانب خدمة للامة لا نناصر احد في هذا الصراع المسلح
شَهِدَ المجتمع السوداني بعد الحراك الثوري في ديسمبر الذي الآن يصارع في تحقيق شعاراتها و العديد من الظواهر التي تستحقّ الوقوف عندها باعتبارها تحوّلاتٍ شعبيّة الطابع غالبًا في كافة القضايا بدأ بالوعي الدينيّ ومجالاته المختلفة، و الابتعاد من الطفرة الجهاديّة التي استدعت هجرة عشرات من مؤيّدي الفكر الجهاديّ ، مرورًا بالدعاوى المعاصرة لتطوير مناهج دراسة الدين وتأويله، وليس انتهاءً بالتحولات المضادّة التي تعالت أصواتها بهدف الدعوة لإنكار فكرة الدين عامّة أو الإلحاد لقد أتنشرت زوايا الملحدين في الجامعات السودانية وذلك ليس استهداف الإسلام خاصّةً بل التفكير في التدين بمنهج عقلي ومن قبل شخصيّات ما بات يعرَف بظاهرة مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي بالتوازي مع تراجع فاعليّة المدارس والجماعات الدينيّة بمختلف مشاربها جرّاء عوامل داخليّة أو فكريّة تدفعها بعدم التمسّك بخطابٍ تقليديّ يُضعف من تأثيرها من الميدان العامّ أو لإقصائها وتدجينها لتكون موالية لها للسلطة
وحكوماتٍ مختلفة والتحولات في الرؤى الفكرية والسياسية لم يعد سؤال التديّن والعلمنة مثارًا للاستقطاب كما هو الحال سابقًا، وإنما بات هذا السؤال مساحة للتفكيك والبحث عن الإجابة لدى كثيرٍ من مثقفي شباب الحركة الإسلاميّة، وبالمقابل من ذلك، تتوجّه شرائح واسعة للتسليم بالواقع كما هو، ما يدفع السلطات والفاعلين ما دون الدولة - حالتا تنظيم ألإخوان المسلمين قبل انهيار سلطته وحالة حكومة الإنقاذ لتأميم منصّات الخطاب الدينيّ الإعلاميّة والشعائريّة بالتوازي مع عملها على إنتاج قوانين ضابطة لإدارة المشهد الدينيّ، ويمكن الاستشهاد، حيث تسعى الدولة لإنتاج تديّن شكليّ يتناقض مع دور الدين ذاته في تكوين المجال العام ويرسم مواصفات محدّدة للمتديّن بهدف التعايش مع تناقضات النظام من ناحيةٍ والدفعِ لدعمه من ناحية أخرى.
في هذا السياق تظهر على السطح جذور الاختلافات بين الجماعات الدينيّة لا لكونها اختلافات فكريّة في معظمها، وإنّما اختلافات إجرائيّة ترجّح التعامل مع جهة دون غيرها، إضافة إلى ذلك، تتصاعد نزعة العودة إلى العلوم التقليديّة، وتتكاثر المنصّات والقنوات التي توفّر دورات تكوينيّة في تلقّيها، سواءً كانت سنّيَّةً أو شيعيّة أو معتزليّة، في ظلّ تشكّل مجموعات أو شبكات شبابيّةٍ جديدة لإحيائها، بالتوازي مع تنامي اهتمام السلطات بتيّارات الجماعات المحلّيّة صوفيّةً كانت أو سلفيّة أو منتميةً إلى طوائف أخرى، فراغ الطرح الفكري للشباب وذلك لدورها في ضبط تناسق المشهد الديني مع توجه السلطة ولكننا بوعي كامل تجاوز هذه الحملات ومحاولات الاحتواء , ولا يقتصر الأمرُ على هذه المواضعات السريعةِ، بل نلحظُ في سياقٍ آخرَ ظهورَ توجّهٍ رسميٍّ جديدٍ لدى سلطات في الدولِة الآن لإرساء تديُّنٍ معاصرٍ يقطعُ علاقته بقواعدِ الموروثِ الفكريّ والفقهيّ السابق؛ بواسطة دعم برامج تجديد الخطاب الديني المتوافقة مع توجهات مراكزَ بحثيّةٍ معيّنةٍ والمتناغمة مع قراءاتِ شخصيّات ما بات يعرف بأصحاب نظريّة تجديد قراءة النصّ القرآنيّ لا تستغرب هؤلاء موجودين بيننا لديهم صوت وحضور نتساجل ونتصارع علي الحق في سلمية وانت أصحاب فكرة من النقابة إلي الغابة وانت القائل (الحياة السياسية تعسكرت، ونحن في كل عام نرذل بطغيان "بيض الصفائح" على حساب "سود الصحائف"
هذه الصور المتداخلة والمتناقضة على حدٍّ سواءٍ في مشهد التحوّلات الفكرية توازيها صورة أخرى تتمثّل في غياب الحراك السياسيّ للإسلاميّين، وانتشار حالة الإحباط والتذمّر في قواعده الاجتماعية، ممّا يدفع للاعتقاد بأنّ تفكّكات قريبة قد نشهدها داخل هذه الجماعات في ظل تراجعها وسعيها لمزيدٍ من الانغلاق على الذات والعزلة والانسحاب ولكن بعد هذه الحرب نري انحياز الشباب للحرب ضعيف وهذا بفعل الوعي , لا يمكن اعتبار التيّارات الجهاديّة تحوّلاً دينيًّا معاصرًا بشكلٍ مطلق، إلا أنّ ظهور نزعة كثافة العنف لدى شرائح مختلفة من الشباب والتعبير عنها بالانضمام إلى الجماعات المتطرفة يعدُّ مؤشرًا على توسّع الفوارق الفكريّة والسلوكيّة والعلميّة والجيليّة بين مجاميع الجهاديّين السابقين والأجيال الجديدة الصاعدة منهم، ولعلّ مسألة الضعف العلميّ والقدوم من خلفيّات لا متدينّة بالتوازي مع تنامي أساليب العنفِ لدى الجهاديين الشباب هي أبرز الفوارق بين الجيل الجديد وبين الجماعات القديمة , في ناحية أخرى يبرز تصاعُدٌ آخر لتديّنٍ معاصرٍ لا ينتمي لمقولات الآباء أو توجيهات المشايخ، إنه تديُّنٌ فردانيٌّ و يشكّل أفراده جديدة من نسبة المتدينين عمومًا، حيث تتوزّع هذه النسبة على شريحة الالتزام ببعض الشعائر دون أخرى، أو على أولئك المتوجّهين لتديّنهم الخاص , يبدو أنّ خلاصة التديّن تّحدديا بالسودان قبل الألفيّة الجديدة قد أصابها عَطَبُ السقوط بالتقادم في ظلّ تحوّلاتٍ متتاليةٍ في صلب الحالة الدينيّة العامّة من ناحية والتي ستكون لها آثار مباشرةٌ في إعادة تشكيل تصوّرات ومؤشّرات التديّن بيننا وتتشكّل هذه التحوّلات من زوايا مضادّة للدين عمومًا، وتندرج أخرى ضمن الاحيازات السياسيّة داخل قوي الإسلاميّة السياسي ، فيما تتجه التحوّلات الباقية إلى التشكّل من جديدٍ داخل البيئة وتخلق وضع جل العقل والتفكير
يمكن القول إنّ بعض التحوّلات هذه التحوّلات بعدُ معرفيًا وبحثيًّا على نطاق واسع وبصورة دقيقة بهدف بناءِ تصوّرات ومآلات معرفية واسعةٍ وسط الشباب , وتُبلور بعض التحوّلات المشار إليها جملةً من القناعات الجديدة كما أنّ ترسّخ مشهد التديّن الرسميّ والقراءات المعاصرة للنصوص الدينية يعيدُ إنتاج وتشكيل الوعي الديني للأجيال الصاعدة، وذلك بالتوازي مع جنوح مجموعات مختلفة من الشباب نحو التمرّد سواءً كان بالإلحاد أو العنف أو الخروج عن الجماعات المؤسسة للوعي والهُويّة
تجاوز الشباب السوداني الصعوبات التي واجهتهم بعد انهيار نظام الإسلامية وتمكنوا من تحقيق تطور فكري ملحوظ. بعد الإطاحة بالرئيس السوداني السابق عمر البشير في عام 2019، تم تشكيل مجلس سيادي مدني-عسكري لإدارة البلاد خلال فترة انتقالية. ومع ذلك، فإن العسكريين يسيطرون على السلطة الفعلية في البلاد، ويتمتعون بنفوذ كبير في الحكومة , تعتبر الثورة السودانية التي أدت إلى انهيار نظام الإسلامية في البلاد في عام 2019، نقطة تحول في تاريخ السودان. وقد أدت هذه الثورة إلى تحرير الشباب السوداني من القيود الفكرية والسياسية التي فرضها النظام السابق. ومنذ ذلك الحين، شهد السودان تطوراً فكرياً ملحوظاً، حيث بدأ الشباب يتحدثون بصراحة عن القضايا الاجتماعية والسياسية التي تؤثر على حياتهم
يعتبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي من أهم العوامل التي ساعدت في تحقيق هذا التطور الفكري. حيث يمكن للشباب السوداني الوصول إلى معلومات متنوعة ومتعددة عبر الإنترنت، والتواصل مع الآخرين وتبادل الأفكار والآراء. ومن خلال هذه الوسائل، يمكن للشباب السوداني التعرف على ثقافات وأفكار جديدة، وتوسيع آفاقهم الفكرية , اما انت القائل في لقاء صحفي هذه الاقاويل (الحياة السياسية تعسكرت، وفرض على المدني أن يكون تحت الخدمة، تأتي به وزيرا لكنه لا يعمل عمل الوزير، يعمل عمل "الهتيف"، يهتف للعسكري ويبارك ما يقوم به وهكذا. هناك حالة كساد
بالحديث عن نهاية السياسة، ما دور المثقف الآن؟ المثقف لم يعد يعتز بأي شيء، هو في محنة، والمحنة خلاصه منها أن يكسر هذا المناخ ويرى أين ينتمي، هل ينتمي لحزب أم نظام أم للجمهور.. يفترض أن ينتمي لـ"ناس غلابة مساكين ضعاف"، ويكون صوتهم.
أنظر لأول كتاب لي، سنة 1968، وأهديته لأبي وأمي، وقلت "أنا حنك البليد البوم". جدي لأمي وصف بهذه الصفة في قصيدة، أنت حنك أي صوت، صوت العاجز، والبوم الذي لا يعرف هذا من ذاك، فوصف جدي بأنه "صوت من لا صوت لهم".

بالإضافة إلى ذلك، فإن الشباب السوداني يعملون بجد لتحقيق التغيير في البلاد. وقد شهدت السودان العديد من الحركات الاحتجاجية والتظاهرات السلمية منذ انهيار نظام الإسلامية، والتي تطالب بالديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية. وقد أدت هذه الحركات إلى تحقيق تغييرات إيجابية في البلاد، وتحرير الشباب السوداني من القيود السياسية والفكرية التي فرضها النظام السابق , بشكل عام، يمكن القول أن الشباب السوداني تمكنوا من تحقيق تطور فكري ملحوظ بعد انهيار نظام الإسلاميين في البلاد. وقد أدت الثورة السودانية إلى تحرير الشباب السوداني من القيود الفكرية والسياسية، وتمكنوا تطوير فكرتهم عن الدولة المدنية والحقوق وكيفية ادارة الصراع بصورة سلمية , وفيما تيتعلق صراع المجايلة بين الشباب السوداني والتقليديين بالصراع الأجيالي الذي يحدث في العديد من الدول. ويتمثل هذا الصراع في الخلاف بين الأجيال الشابة والأجيال الأكبر سناً حول القيم والتقاليد والثقافة. ويمكن أن تتجلى مظاهر هذا الصراع في العديد من الأمور، مثل اللباس والموسيقى والتعليم والتكنولوجيا والسياسة , وفي السودان، يتمثل صراع المجايلة بين الشباب السوداني والتقليديين في الخلاف بين الشباب الذين يريدون تغيير النظام السياسي والاجتماعي في السودان والتقليديين الذين يريدون الحفاظ على النظام القائم. ويمكن أن تتجلى مظاهر هذا الصراع في العديد من الأمور، مثل اللباس والموسيقى والتعليم والتكنولوجيا والسياسة
وفي كتابات المفكرين السودانيين، يمكن الإشارة إلى كتاب (المجتمع السوداني والتحولات الحضارية) لأبو القاسم حاج حمد. ويتحدث هذا الكتاب عن التحولات الحضارية التي شهدها المجتمع السوداني والتي أدت إلى صراع المجايلة بين الشباب السوداني والتقليديين ولكننا تجاوزنا مرحلة النابه ابوالقاسم حاج علي وننقاش الان كيفية الاستفادة الارث الفكري للتاريخ السوداني منذ كوش الي المعاصرة وخاصة كتابات كل الطياف منها ما كتب الإمام الراحل الصادق عن مفهوم المهدية في السياسة والداكتور منصور خالد والواثق كمير وعطا البطحاني وما كتبه اهل اليسار في الدولة المدنية ولا سيما كُرّاسَة الراحل محمد ابراهيم نقد عن الدولة المدنية وهنالك ورش عقدت وكتابات كثيرة لم تر النور لأن النخب تسيطر علي الفضاء الثقافي وعليه أستاذي المفكر المبجل أسوق لك القليل من فيض عظيم وأني موكب لطلابي في مقاعد الدراسة في وطني العزيز عسي كنت المستبصر بما يجري وقدمت شرحا يفي بما غاب عنك لك كل الود

zuhairosman9@gmail.com
//////////////////  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: بالتوازی مع انهیار نظام السودانی من هذا الصراع فی البلاد العدید من ة التی

إقرأ أيضاً:

ميدل إيست آي: وقف إطلاق النار في غزة.. الروح الفلسطينية لن تنكسر أبدا

قالت الكاتبة التونسية٬ سمية الغنوشي في موقع ميدل إيست آي البريطاني٬ وسط هتافات مدوية من آلاف الأشخاص في ساحة غزة الرئيسية، تم تسليم ثلاث أسيرات إسرائيليات للصليب الأحمر الأحد الماضي، في لحظة تجاوزت التوقعات وأعادت كتابة قصة الحرب.

وتابعت "وقف مقاتلون من الجناح العسكري لحركة حماس، كتائب عز الدين القسام، بالزي العسكري الكامل، إلى جانب الأسيرات، وكان وجودهم إعلانًا جريئًا للتحدي".

أضافت "بعد 15 شهرًا من القصف المتواصل، والتهجير القسري الجماعي، والتدمير شبه الكامل، خرجت المقاومة الفلسطينية بمظهر المنتصر، مستنهضة معاني البقاء والصمود، بينما سادت في إسرائيل حالة من عدم التصديق والشعور بالإهانة".

وتابعت "أكد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لشعبه مراراً وتكرارًا أن شمال غزة قد "تم تطهيره"، وأن حركة حماس - التي تُصنف كجماعة إرهابية في المملكة المتحدة ودول أخرى - قد تم تدميرها، وأن المنطقة تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية بالكامل٬ لكن الأسرى، الذين فشل جيشه في إنقاذهم، تم الإفراج عنهم على يد المقاتلين الواثقين الذين ادعى نتنياهو أنه قد تم القضاء عليهم. كشفت تلك اللحظات مدى زيف ادعاءات نتنياهو".

وأضافت "بينما تعم الاحتفالات في قطاع غزة، تواجه إسرائيل عملية كشف حساب. ففي مقابلة تلفزيونية، وصف الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي غيورا آيلاند، مهندس "خطة الجنرالات" لتطهير شمال غزة عرقيًا، الحرب بأنها "فشل ذريع" لإسرائيل. وبسؤاله عما إذا كانت حماس قد انتصرت، لم تكن إجابته قابلة للتأويل: "بالتأكيد نعم. بالتأكيد. إنه فشل ذريع".


رفض الانحناء للمحتل
وصف ديفيد ك. ريس، الكاتب الإسرائيلي الأمريكي، هذا الزلزال بعبارات صارمة: "اضطرت إسرائيل لخوض حرب تلو الأخرى من أجل الدفاع عن نفسها. انتصرت في حروب 1948 و1967 و1973. قاتلت حزب الله وانتهت الحرب متعادلة في 2006. لكن ذلك قد تغير الآن، فمع الأسف الشديد، بدلًا من أن يُذكر في التاريخ باعتباره الرجل الذي استطاع الدفاع عن إسرائيل، سيُذكر نتنياهو كأول رئيس وزراء إسرائيلي يخسر حرباً".

لا يُقيم النصر في الحروب غير المتكافئة بقوة النيران، وإنما بالقدرة على سحق روح المقاومة لدى الطرف الأضعف. حسب هذا المعيار، فشلت حملة نتنياهو فشلًا كارثيًا.

خلّف نتنياهو دمارًا غير مسبوق، من خلال استخدام 70 ألف طن من المتفجرات على 360 كيلومتر مربع من أرض غزة في الأشهر الستة الأولى من الحرب، أي أكثر مما تم إلقاؤه على درسدن وهامبورغ ولندن مجتمعين خلال الحرب العالمية الثانية.

وقد كشفت صور الأقمار الاصطناعية أن ثلثي مباني غزة قد تضررت أو دُمرت، مع نسف أحياء كاملة. وقد شمل الحصار الإسرائيلي قطع إمدادات المياه والطعام والوقود، ما حوّل غزة إلى معسكر اعتقال ضخم.


اعتمدت استراتيجية نتنياهو على القضاء على قادة المقاومة، معتقدًا أن قتلهم سيؤدي إلى تفكيك الحركة وتمرد السكان عليها. عندما قُتل قائد حماس يحيى السنوار وهو يقاتل على الجبهة، أعلن نتنياهو أن النصر بات قريبًا. لكن حساباته كانت فاشلة وخاطئة، إذ لم يحدث التمرد الذي انتظره.

حتى عندما وعد بمبلغ 5 مليون دولار وممر آمن لأي فلسطيني مستعد للخيانة وتحرير الأسرى، لم يستجب أحد من السكان الذين يعانون الجوع والتشرد.

وأكدت الكاتبة "انهار معيار قياس النصر الذي لهث وراءه نتنياهو، أي كسر روح المقاومة في غزة. بدلًا من ذلك، فرضت حماس شروطها: سيتم إطلاق سراح الأسرى فقط عندما يتوقف إطلاق النار، مع انسحاب الجيش الإسرائيلي. هذا الواقع كشف عبثية حرب نتنياهو، وترك الإسرائيليين والعالم يعيدون تقييم الحسابات الخاطئة".

كلما تحطمت موجة من المقاومة، ظهرت موجة جديدة بعدها بوقت قصير. ذات مرة، تنبأ أبو إياد، القيادي السابق في منظمة التحرير الفلسطينية، والذي تم اغتياله في مسقط رأسي تونس عام 1991، قائلًا: "شعبنا سينجب ثورة جديدة، حركة أقوى من حركتنا، وقادة أكثر خبرة وأكثر خطرًا على الصهاينة. إن إرادة الفلسطينيين الثابتة في مواصلة المعركة هي حقيقة لا شك فيها ... نحن عازمون على البقاء كشعب، وفي يوم من الأيام سيكون لدينا وطن".

مازال صدى كلامه يتردد حتى اليوم، حيث يرفض الفلسطينيون في غزة -خلافًا لكل التوقعات- الانحناء للمحتل، ويواصلون مسيرتهم نحو الحرية.


رمزية العودة
وقالت الكاتبة "تحوّل ما تصور نتنياهو أنه سيكون نكبة ثانية إلى "مسيرة عودة". فالفلسطينيون المهجرون والجرحى يعودون الآن إلى منازلهم المدمرة، وأصبح صمودهم الأيقونة المميزة لهذه الحرب، وشهادة على قوة شعب يرفض أن يُمحى".

وتابعت "تستدعي هذه المعركة مقارنة تاريخية مؤلمة مع حرب فيتنام، كما صاغها تامير باردو، مدير الموساد السابق. يتذكر باردو كلمات ضابط أمريكي وهو يخاطب نظيره الفيتنامي الشمالي: "لم نخسر معركة واحدة".

وكان رد الضابط الفيتنامي الشمالي عميقًا ومدمرًا: "قد يكون ذلك صحيحًا، لكن في صباح الغد، ستغادرون، وسنبقى نحن".

لم تكن هذه الحرب أبدًا حرب حركة حماس وحدها، بل هي كفاح فلسطيني منذ قرن كامل من أجل الحرية. حماس التي تأسست في 1987، هي الفصل الأخير في قصة المقاومة التي بدأت مع وعد بلفور في 1917 واستيلاء الاستعمار على الأراضي الفلسطينية. وعلى مر الأجيال، ناضل الفلسطينيون بالإضرابات والاحتجاجات والثورات المسلحة.


اتخذ نضالهم أشكالاً عديدة - قومية ويسارية وإسلامية - لكن الجوهر بقي نفسه: رفض قاطع للخضوع للاحتلال، وعزم على استعادة الوطن.

احتفل حلفاء نتنياهو خلال الفترة الماضية بالتهجير القسري للفلسطينيين من غزة، متصورين أنه الفصل الأخير في النكبة. كانت زعيمة المستوطنين الصهاينة دانييلا فايس تحلم بتحويل غزة إلى مستوطنة، وتحدث وزير الأمن القومي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير، الذي استقال من الحكومة في أعقاب اتفاق وقف إطلاق النار، عن ترحيل الفلسطينيين إلى أسكتلندا.

واليوم، خلافًا لكل التوقعات، يعود الفلسطينيون إلى منازلهم، عازمين على عدم مغادرتها مرة أخرى. هذه العودة ليست مجرد فعل مادي، بل عمل رمزي أيضا، يؤكد حقهم في الوجود والعودة والمقاومة.

مقارنات مثيرة للقلق
بينما كان الفلسطينيون يحتفلون بنهاية الحرب، رد وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش بكلمات سامّة: "لا تنبهروا بفرحة عدوّنا المصطنعة. هذا مجتمع حيواني يقدس الموت. قريبًا جدًا، سنمحو ابتسامتهم مرة أخرى".

تجسد كلماته وحشية المشروع الاستعماري الإسرائيلي، الذي كشف عن همجيته للعالم على مدار 15 شهراً. وقد وثق الجنود الإسرائيليون العديد من مشاهد الدمار بأنفسهم، مما قد يشكل دليلاً يمكن استخدامه يومًا ما في المحاكم الدولية.


كتب الكاتب الصحفي جدعون ليفي، تعليقًا على سلوك إسرائيل حتى بعد الاتفاق على وقف إطلاق النار، قائلا إنه يشعر بـ"الانزعاج والحرج" جراء هذه الأحداث، وأضاف: "الأمر لا يتعلق فقط بالقتل... وإنما التفاخر بالتدمير. لا خجل، لا شيء. إسرائيل فخورة للغاية... وهذا أمر مقلق جدًا".

وعقد مؤرخا الهولوكوست دانيال بلاتمان وعاموس غولدبرغ مقارنات مثيرة للقلق في مقال بعنوان "رغم أن ما يحدث في غزة ليس أوشفيتس، إلا أنه يندرج تحت التصنيف ذاته - جريمة إبادة جماعية".

في واحدة من أكثر لحظات الحرب تأثيرًا، وبعد ساعات فقط من إعلان وقف إطلاق النار، قام المنقذون بسحب الطفل أسعد فاضل خليفة (ثلاث سنوات) من تحت الأنقاض في مدينة غزة. كان مغطى بالغبار ويعاني من صعوبة في التنفس، ويحاول إزالة الحصى من فمه بيديه الصغيرتين، ومن حوله أنقاض منزل عائلته، وأحباؤه الذين دُفنوا تحتها.

تلك اليد الممدودة، التي تعلو من بين الأنقاض، تجسد الروح التي لا تقهر للشعب الفلسطيني: الصامد والمتماسك وغير القابل للكسر. وخلافًا للتوقعات، ينهض الفلسطينيون في كل مرة رافضين الإبادة.

إن نجاة الطفل أسعد، ونجاة المقاومة في غزة، يرمزان للأمل والثبات والسعي الدؤوب نحو الحرية.

مقالات مشابهة

  • قصة مسلمة في مدرسة كاثوليكية بميلانو تثير نقاشات حول التعايش الديني
  • تصعيد طالبين بجامعة بني سويف للتصفيات النهائية في مجال الإنشاد الديني بـ"إبداع 13"
  • القاهرة الخديوية.. قصة عمارة غيرت مجرى النيل والتاريخ
  • بعد خروجه من المستشفى.. محمد عبد العظيم يشكر أشرف زكي
  • هل أشعلت الحرب عقول الشباب السوداني؟
  • عشت في رعب.. محمد عبد العظيم يتعرض لأزمة صحية
  • بين يدى الله!
  • ميدل إيست آي: وقف إطلاق النار في غزة.. الروح الفلسطينية لن تنكسر أبدا
  • أيهـا المبلولين، سوف يطالكم البل اينما حللتم ورحلتم – طالما تحكمكم عصابة القعدات والدواعش
  • رفقاً أيها «المطبلاتية»!