قرأت اليوم مقال للدكتور عبد الله علي إبراهيم تحت عنوان (شائب العرب يرعوه البهم يتحدث عن المجايلة وعن استرذال العمر وكهول السودانيين في أمريكا وهم عليه الان واختم ما كتب فمَا يلي(يكبر الجيل عندنا بغير هذه الألفة مع الماضي لأنه أسير نزوة الحاضر وإغراءاته الجسام. ولذا يعيش الجيل اللاحق في مسغبة الروح والفكر والتاريخ.

فالمستقبل الذي يرنو إليه الحدث لا ينبني على الصدى: على جدل الماضي والحاضر) لهذا المفكر وضع وحضور بين الشباب السودانيين وعليه أن يتحري ما يكتب ولا تكون جزء من تعالي الفليسوف والأكاديمي والتخيل المحض فقط والبعد الحقيقي عن شباب لذلك وجدت نفسي ارد عليه بهذه الأسطر مع التبجيل الكامل له , ومن السفاهة أن تقلل من قدرت جيل بِرُمَّته ولتثمن قيمته الإنسانية من الناحية الفكرية وهم من حيث التجربة الإنسانية أكثر ثراء وعمق وتفهم لروح هذا العصر يا سيدي هذا العصر ليس عصر حمالة الدرجات العلمية العليا النظرية بل في علوم المستقبل الحواسيب والفضاء ولا لأصحاب الياقات البيضاء أنظر من حوالك وتأمل ما حققنا في بناء فكرة إنسانية عن الوطن والمواطنة وحقيقنا المقام الموضوعي للإنسان بالانتماء للوطن بيننا أوأسقطنا القبيلة والاتكاء إلي الصوفية وأذدوجية القيم ما بين العصري والمورث بل نتقن تقنيات عصرنا ونناقش كل مستجدات الحياة بتحرر كامل عن قيد غير العقلانية في التفكير وأعلنا أتجاهاتنا الفكرية بكل جراءة أين أنتم مما بلغنا أعلم أنها ليست الكمال للإنسان بمعايير العصر ولكن هي المعقولية التي تفتق بها العقل الجماعي لنا و البعيد عن ارثكم الفاشل تجاربكم منذ جيل الاستقلال إلي لحظة الاقتتال الحالية حتي في هذا الاقتتال انصرفنا للجانب خدمة للامة لا نناصر احد في هذا الصراع المسلح
شَهِدَ المجتمع السوداني بعد الحراك الثوري في ديسمبر الذي الآن يصارع في تحقيق شعاراتها و العديد من الظواهر التي تستحقّ الوقوف عندها باعتبارها تحوّلاتٍ شعبيّة الطابع غالبًا في كافة القضايا بدأ بالوعي الدينيّ ومجالاته المختلفة، و الابتعاد من الطفرة الجهاديّة التي استدعت هجرة عشرات من مؤيّدي الفكر الجهاديّ ، مرورًا بالدعاوى المعاصرة لتطوير مناهج دراسة الدين وتأويله، وليس انتهاءً بالتحولات المضادّة التي تعالت أصواتها بهدف الدعوة لإنكار فكرة الدين عامّة أو الإلحاد لقد أتنشرت زوايا الملحدين في الجامعات السودانية وذلك ليس استهداف الإسلام خاصّةً بل التفكير في التدين بمنهج عقلي ومن قبل شخصيّات ما بات يعرَف بظاهرة مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي بالتوازي مع تراجع فاعليّة المدارس والجماعات الدينيّة بمختلف مشاربها جرّاء عوامل داخليّة أو فكريّة تدفعها بعدم التمسّك بخطابٍ تقليديّ يُضعف من تأثيرها من الميدان العامّ أو لإقصائها وتدجينها لتكون موالية لها للسلطة
وحكوماتٍ مختلفة والتحولات في الرؤى الفكرية والسياسية لم يعد سؤال التديّن والعلمنة مثارًا للاستقطاب كما هو الحال سابقًا، وإنما بات هذا السؤال مساحة للتفكيك والبحث عن الإجابة لدى كثيرٍ من مثقفي شباب الحركة الإسلاميّة، وبالمقابل من ذلك، تتوجّه شرائح واسعة للتسليم بالواقع كما هو، ما يدفع السلطات والفاعلين ما دون الدولة - حالتا تنظيم ألإخوان المسلمين قبل انهيار سلطته وحالة حكومة الإنقاذ لتأميم منصّات الخطاب الدينيّ الإعلاميّة والشعائريّة بالتوازي مع عملها على إنتاج قوانين ضابطة لإدارة المشهد الدينيّ، ويمكن الاستشهاد، حيث تسعى الدولة لإنتاج تديّن شكليّ يتناقض مع دور الدين ذاته في تكوين المجال العام ويرسم مواصفات محدّدة للمتديّن بهدف التعايش مع تناقضات النظام من ناحيةٍ والدفعِ لدعمه من ناحية أخرى.
في هذا السياق تظهر على السطح جذور الاختلافات بين الجماعات الدينيّة لا لكونها اختلافات فكريّة في معظمها، وإنّما اختلافات إجرائيّة ترجّح التعامل مع جهة دون غيرها، إضافة إلى ذلك، تتصاعد نزعة العودة إلى العلوم التقليديّة، وتتكاثر المنصّات والقنوات التي توفّر دورات تكوينيّة في تلقّيها، سواءً كانت سنّيَّةً أو شيعيّة أو معتزليّة، في ظلّ تشكّل مجموعات أو شبكات شبابيّةٍ جديدة لإحيائها، بالتوازي مع تنامي اهتمام السلطات بتيّارات الجماعات المحلّيّة صوفيّةً كانت أو سلفيّة أو منتميةً إلى طوائف أخرى، فراغ الطرح الفكري للشباب وذلك لدورها في ضبط تناسق المشهد الديني مع توجه السلطة ولكننا بوعي كامل تجاوز هذه الحملات ومحاولات الاحتواء , ولا يقتصر الأمرُ على هذه المواضعات السريعةِ، بل نلحظُ في سياقٍ آخرَ ظهورَ توجّهٍ رسميٍّ جديدٍ لدى سلطات في الدولِة الآن لإرساء تديُّنٍ معاصرٍ يقطعُ علاقته بقواعدِ الموروثِ الفكريّ والفقهيّ السابق؛ بواسطة دعم برامج تجديد الخطاب الديني المتوافقة مع توجهات مراكزَ بحثيّةٍ معيّنةٍ والمتناغمة مع قراءاتِ شخصيّات ما بات يعرف بأصحاب نظريّة تجديد قراءة النصّ القرآنيّ لا تستغرب هؤلاء موجودين بيننا لديهم صوت وحضور نتساجل ونتصارع علي الحق في سلمية وانت أصحاب فكرة من النقابة إلي الغابة وانت القائل (الحياة السياسية تعسكرت، ونحن في كل عام نرذل بطغيان "بيض الصفائح" على حساب "سود الصحائف"
هذه الصور المتداخلة والمتناقضة على حدٍّ سواءٍ في مشهد التحوّلات الفكرية توازيها صورة أخرى تتمثّل في غياب الحراك السياسيّ للإسلاميّين، وانتشار حالة الإحباط والتذمّر في قواعده الاجتماعية، ممّا يدفع للاعتقاد بأنّ تفكّكات قريبة قد نشهدها داخل هذه الجماعات في ظل تراجعها وسعيها لمزيدٍ من الانغلاق على الذات والعزلة والانسحاب ولكن بعد هذه الحرب نري انحياز الشباب للحرب ضعيف وهذا بفعل الوعي , لا يمكن اعتبار التيّارات الجهاديّة تحوّلاً دينيًّا معاصرًا بشكلٍ مطلق، إلا أنّ ظهور نزعة كثافة العنف لدى شرائح مختلفة من الشباب والتعبير عنها بالانضمام إلى الجماعات المتطرفة يعدُّ مؤشرًا على توسّع الفوارق الفكريّة والسلوكيّة والعلميّة والجيليّة بين مجاميع الجهاديّين السابقين والأجيال الجديدة الصاعدة منهم، ولعلّ مسألة الضعف العلميّ والقدوم من خلفيّات لا متدينّة بالتوازي مع تنامي أساليب العنفِ لدى الجهاديين الشباب هي أبرز الفوارق بين الجيل الجديد وبين الجماعات القديمة , في ناحية أخرى يبرز تصاعُدٌ آخر لتديّنٍ معاصرٍ لا ينتمي لمقولات الآباء أو توجيهات المشايخ، إنه تديُّنٌ فردانيٌّ و يشكّل أفراده جديدة من نسبة المتدينين عمومًا، حيث تتوزّع هذه النسبة على شريحة الالتزام ببعض الشعائر دون أخرى، أو على أولئك المتوجّهين لتديّنهم الخاص , يبدو أنّ خلاصة التديّن تّحدديا بالسودان قبل الألفيّة الجديدة قد أصابها عَطَبُ السقوط بالتقادم في ظلّ تحوّلاتٍ متتاليةٍ في صلب الحالة الدينيّة العامّة من ناحية والتي ستكون لها آثار مباشرةٌ في إعادة تشكيل تصوّرات ومؤشّرات التديّن بيننا وتتشكّل هذه التحوّلات من زوايا مضادّة للدين عمومًا، وتندرج أخرى ضمن الاحيازات السياسيّة داخل قوي الإسلاميّة السياسي ، فيما تتجه التحوّلات الباقية إلى التشكّل من جديدٍ داخل البيئة وتخلق وضع جل العقل والتفكير
يمكن القول إنّ بعض التحوّلات هذه التحوّلات بعدُ معرفيًا وبحثيًّا على نطاق واسع وبصورة دقيقة بهدف بناءِ تصوّرات ومآلات معرفية واسعةٍ وسط الشباب , وتُبلور بعض التحوّلات المشار إليها جملةً من القناعات الجديدة كما أنّ ترسّخ مشهد التديّن الرسميّ والقراءات المعاصرة للنصوص الدينية يعيدُ إنتاج وتشكيل الوعي الديني للأجيال الصاعدة، وذلك بالتوازي مع جنوح مجموعات مختلفة من الشباب نحو التمرّد سواءً كان بالإلحاد أو العنف أو الخروج عن الجماعات المؤسسة للوعي والهُويّة
تجاوز الشباب السوداني الصعوبات التي واجهتهم بعد انهيار نظام الإسلامية وتمكنوا من تحقيق تطور فكري ملحوظ. بعد الإطاحة بالرئيس السوداني السابق عمر البشير في عام 2019، تم تشكيل مجلس سيادي مدني-عسكري لإدارة البلاد خلال فترة انتقالية. ومع ذلك، فإن العسكريين يسيطرون على السلطة الفعلية في البلاد، ويتمتعون بنفوذ كبير في الحكومة , تعتبر الثورة السودانية التي أدت إلى انهيار نظام الإسلامية في البلاد في عام 2019، نقطة تحول في تاريخ السودان. وقد أدت هذه الثورة إلى تحرير الشباب السوداني من القيود الفكرية والسياسية التي فرضها النظام السابق. ومنذ ذلك الحين، شهد السودان تطوراً فكرياً ملحوظاً، حيث بدأ الشباب يتحدثون بصراحة عن القضايا الاجتماعية والسياسية التي تؤثر على حياتهم
يعتبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي من أهم العوامل التي ساعدت في تحقيق هذا التطور الفكري. حيث يمكن للشباب السوداني الوصول إلى معلومات متنوعة ومتعددة عبر الإنترنت، والتواصل مع الآخرين وتبادل الأفكار والآراء. ومن خلال هذه الوسائل، يمكن للشباب السوداني التعرف على ثقافات وأفكار جديدة، وتوسيع آفاقهم الفكرية , اما انت القائل في لقاء صحفي هذه الاقاويل (الحياة السياسية تعسكرت، وفرض على المدني أن يكون تحت الخدمة، تأتي به وزيرا لكنه لا يعمل عمل الوزير، يعمل عمل "الهتيف"، يهتف للعسكري ويبارك ما يقوم به وهكذا. هناك حالة كساد
بالحديث عن نهاية السياسة، ما دور المثقف الآن؟ المثقف لم يعد يعتز بأي شيء، هو في محنة، والمحنة خلاصه منها أن يكسر هذا المناخ ويرى أين ينتمي، هل ينتمي لحزب أم نظام أم للجمهور.. يفترض أن ينتمي لـ"ناس غلابة مساكين ضعاف"، ويكون صوتهم.
أنظر لأول كتاب لي، سنة 1968، وأهديته لأبي وأمي، وقلت "أنا حنك البليد البوم". جدي لأمي وصف بهذه الصفة في قصيدة، أنت حنك أي صوت، صوت العاجز، والبوم الذي لا يعرف هذا من ذاك، فوصف جدي بأنه "صوت من لا صوت لهم".

بالإضافة إلى ذلك، فإن الشباب السوداني يعملون بجد لتحقيق التغيير في البلاد. وقد شهدت السودان العديد من الحركات الاحتجاجية والتظاهرات السلمية منذ انهيار نظام الإسلامية، والتي تطالب بالديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية. وقد أدت هذه الحركات إلى تحقيق تغييرات إيجابية في البلاد، وتحرير الشباب السوداني من القيود السياسية والفكرية التي فرضها النظام السابق , بشكل عام، يمكن القول أن الشباب السوداني تمكنوا من تحقيق تطور فكري ملحوظ بعد انهيار نظام الإسلاميين في البلاد. وقد أدت الثورة السودانية إلى تحرير الشباب السوداني من القيود الفكرية والسياسية، وتمكنوا تطوير فكرتهم عن الدولة المدنية والحقوق وكيفية ادارة الصراع بصورة سلمية , وفيما تيتعلق صراع المجايلة بين الشباب السوداني والتقليديين بالصراع الأجيالي الذي يحدث في العديد من الدول. ويتمثل هذا الصراع في الخلاف بين الأجيال الشابة والأجيال الأكبر سناً حول القيم والتقاليد والثقافة. ويمكن أن تتجلى مظاهر هذا الصراع في العديد من الأمور، مثل اللباس والموسيقى والتعليم والتكنولوجيا والسياسة , وفي السودان، يتمثل صراع المجايلة بين الشباب السوداني والتقليديين في الخلاف بين الشباب الذين يريدون تغيير النظام السياسي والاجتماعي في السودان والتقليديين الذين يريدون الحفاظ على النظام القائم. ويمكن أن تتجلى مظاهر هذا الصراع في العديد من الأمور، مثل اللباس والموسيقى والتعليم والتكنولوجيا والسياسة
وفي كتابات المفكرين السودانيين، يمكن الإشارة إلى كتاب (المجتمع السوداني والتحولات الحضارية) لأبو القاسم حاج حمد. ويتحدث هذا الكتاب عن التحولات الحضارية التي شهدها المجتمع السوداني والتي أدت إلى صراع المجايلة بين الشباب السوداني والتقليديين ولكننا تجاوزنا مرحلة النابه ابوالقاسم حاج علي وننقاش الان كيفية الاستفادة الارث الفكري للتاريخ السوداني منذ كوش الي المعاصرة وخاصة كتابات كل الطياف منها ما كتب الإمام الراحل الصادق عن مفهوم المهدية في السياسة والداكتور منصور خالد والواثق كمير وعطا البطحاني وما كتبه اهل اليسار في الدولة المدنية ولا سيما كُرّاسَة الراحل محمد ابراهيم نقد عن الدولة المدنية وهنالك ورش عقدت وكتابات كثيرة لم تر النور لأن النخب تسيطر علي الفضاء الثقافي وعليه أستاذي المفكر المبجل أسوق لك القليل من فيض عظيم وأني موكب لطلابي في مقاعد الدراسة في وطني العزيز عسي كنت المستبصر بما يجري وقدمت شرحا يفي بما غاب عنك لك كل الود

zuhairosman9@gmail.com
//////////////////  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: بالتوازی مع انهیار نظام السودانی من هذا الصراع فی البلاد العدید من ة التی

إقرأ أيضاً:

اليونسكو والفكر التنويري: تراث البشرية في دائرة الخطر

وافقت اليونسكو في اجتماعها الاستثنائي الذي عقدته في باريس يوم الإثنين في 18 نوفمبر، على حماية 34 موقعًا أثريًا لبنانيًا، استجابة لجهود مكثفة بذلتها وزارة الثقافة اللبنانية لإقناع المجتمع الدولي بأهمية حماية التراث الثقافي اللبناني بعد تعرضه للقصف الإسرائيلي المتعمد.حيث تعرضت مدينة بعلبك، التي تعد من أبرز مواقع التراث العالمي، لأضرار كبيرة نتيجة الغارات الجوية الإسرائيلية. فتضرر السور الخارجي للقلعة الأثرية، وسقطت أجزاء من بنيته، بينما تعرضت "قبة دورس"، المعلم الأيوبي الشهير، لأضرار جسيمة أدت إلى تساقط بعض أحجارها التاريخية. كما لحقت أضرار كبيرة بـ"المنشية" العثمانية، التي كانت تمثل مركزًا سياحيًا وثقافيًا هامًا، حيث دُمرت بشكل شبه كامل، مما يعكس خسائر مادية وثقافية فادحة.

أما مدينة صور، المعروفة بتاريخها الفينيقي العريق، فقد كانت هدفًا لسلسلة غارات جوية إسرائيلية دمرت أحياء كاملة تقع قرب مواقع أثرية بارزة مدرجة ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو. كما طال الدمار شارع صور البحري وبعض البيوت الأثرية بالقرب من مينائها العريق، مما أدى إلى تشويه جزء كبير من هويتها الثقافية والتاريخية. ناهيك عن خطر الانهيار الكامل لمواقعها الأثرية على المدى الطويل بحسب تقرير المجلس الدولي للآثار والمواقع (ICOMOS)، نتيجة الاهتزازات المتكررة العنيفة التي تتعرض لها المدينة جراء القصف الإسرائيلي العنيف.

الاعتداءات الإسرائيلية لم تقتصر على بعلبك وصور، بل امتدت لتشمل مواقع أثرية وتاريخية أخرى، مثل سوق النبطية، الذي دُمر بشكل شبه كامل، وهو سوق تاريخي يمتد عمره لأكثر من أربعة قرون، ويُعتبر رمزًا للحركة الاقتصادية والاجتماعية في الجنوب اللبناني. كما استُهدفت منازل تراثية وقُرى تاريخية، منها قرية "رسم الحدث" في سهل البقاع، التي شهدت تدمير بيوتها الحجرية القديمة وأشجارها المعمرة بفعل القصف.

كما طالت الاعتداءات دور العبادة التاريخية، مثل كنائس بعلبك القديمة، ومساجد عدة، منها مسجد "كفر تبنيت" ومسجد النبي شعيب في بليدا، التي تعود للعصر العثماني، وتعرضت مآذنها ومبانيها للتدمير الجزئي أو الكلي.

الهجمات الإسرائيلية على المواقع التراثية اللبنانية ليست مجرد أعمال عسكرية، بل هي انتهاك واضح لاتفاقية لاهاي لعام 1954 التي تنص على أن "أي ضرر يلحق بالممتلكات الثقافية هو ضرر للتراث الإنساني ككل". وهي استراتيجية إسرائيلية ممنهجة تهدف إلى طمس الهوية الثقافية والتاريخية للشعب اللبناني، تحت حجج مفتعلة مثل "الاستخدام العسكري" أو "الدروع البشرية" لتبرير استهداف هذه المواقع.

بعلبك وصور من قوائم الحماية إلى قوائم الاستهداف الأسرائيلي

بعلبك، مدينة الشمس، أقدم مدن العالم، ليست مجرد مدينة لبنانية، إنها شهادة حية على تعاقب الحضارات التي أسهمت في بناء الهوية الثقافية للبنان. تحولت بعلبك في العصور الرومانية، إلى مركز ديني ضخم، حيث شُيدت معابد مثل معبد جوبيتر وباخوس وفينوس، وهي رموز للهندسة المعمارية المتقدمة في ذلك العصر. لكنها قبل ذلك كانت مدينة فينيقية تجسد التفاعل الحضاري بين الشرق والغرب. احتضنت بعلبك التراث الإسلامي أيضًا، حيث أُضيفت اللمسات الإسلامية إلى معالمها الأثرية، مما جعلها رمزًا للتنوع والتعايش الثقافي. هذا المزج بين الحضارات يجعلها إرثًا إنسانيًا يتجاوز حدود لبنان ليصبح جزءًا من التراث العالمي.

صور: مهد الملاحة وعاصمة الأرجوان

أما صور، سيدة البحار وعروسة المتوسط، فتمتد جذورها إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد.شكلت نقطة التقاء للحضارات المختلفة، من خلال شبكة التجارة الواسعة التي أسسها الفينيقيون، التقت الثقافة الفينيقية بالثقافات المصرية والإغريقية والبابلية والرومانية. هذا التفاعل الثقافي لم يكن مقتصرًا على التجارة فقط، بل امتد إلى الفكر والفن والعلم. استطاع الفينيقيون تحويل مدينة صور، بمهاراتهم الملاحية وابتكاراتهم التجارية، إلى مركز تجاري عالمي. من هذه المدينة انطلقت السفن الأولى التي حملت البضائع والأفكار إلى شمال إفريقيا وجنوب أوروبا. اشتهرت عالميًا بإنتاج صبغة الأرجوان الفريدة، التي استقطبت الملوك والأباطرة من مختلف أنحاء العالم. من صور، أسست أليسار، الأميرة عليسة مدينة قرطاج (تونس اليوم)، التي أصبحت فيما بعد منافسًا تجاريًا وسياسياً للإمبراطورية الرومانية. هذا الامتداد لا يعكس القوة الاقتصادية لصور فحسب، بل قدرتها على التأثير الثقافي عالميًا. استثمرت الحضارة الرومانية في تراث صور وشيدت المعابد والمسارح ومعالم معمارية تاريخية ضخمة، مثل الأعمدة الرومانية والمدرجات التي لا تزال شاهدة على براعة الهندسة الرومانية.

العودة إلى عصور الفوضى

تاريخيًا، كانت هناك حالات عديدة لتدمير التراث الثقافي كوسيلة للسيطرة، حيث دُمرت حضارات كاملة، وتلاشت آثارها بسبب الحروب. في الحربين العالميتين، على سبيل المثال، تعرضت عدة مواقع ثقافية للدمار. والآن، ورغم أن الغرب كان رائدًا في تبني مفاهيم حماية التراث، فإن هذه المبادئ تتعرض للتهديد نتيجة تواطؤ بعض دوله الكبرى والتغاضي على هذه الانتهاكات. إن العودة إلى الأساليب التي تمحو الهوية الثقافية تعني نقضًا كاملًا للمبادئ التي دعمتها المجتمعات الحديثة لسنوات، وتراجعًا إلى عصور الفوضى حيث كانت القوة العسكرية هي المعيار الأساسي، مما يكشف عن بدايات عصر جديد من انعدام القانون تكرسه "الدول المارقة".

قصف التراث: هجوم على الهوية الجماعية

أشار إدوارد سعيد في كتاباته إلى أن تدمير التراث ليس مجرد تخريب مادي، بل جزء من استراتيجية استعمارية تهدف إلى فرض هيمنة ثقافية مفصولة تمامًا عن جذور الشعب الأصيلة. بيير بورديو من جانبه، يرى أن تدمير التراث ليس مجرد هدم للأبنية، بل هو عملية مدروسة تهدف إلى فصل الشعوب عن ماضيها، وإعادة تشكيل وعيها بما يخدم مصالح المستعمر. في الجزائر، استخدمت فرنسا تدمير التراث كوسيلة لكسر الروح الوطنية للشعب الجزائري. إلا أن هذه الممارسات لم تحقق غاياتها، بل شكلت أداة لتوحيد الجزائريين حول هويتهم الثقافية، مما ساهم في إشعال روح المقاومة.

في العصر الحديث، لجأت داعش إلى تدمير مواقع أثرية كجزء من مشروعها لتفكيك الهويات الثقافية. ومع ذلك، أعاد هذا التدمير تسليط الضوء على أهمية حماية التراث كجزء من الهوية الإنسانية. وفي فلسطين، يمثل تدمير المواقع التراثية جزءًا من سياسة أوسع تهدف إلى محو الذاكرة الفلسطينية.

تعرية الفكر التنويري أمام الحروب الحديثة

الفكر التنويري، الذي اشتغل لقرون على تطوير قيم العدالة والحماية الإنسانية والثقافية، يبدوعاريًا أمام إعتداءات إسرائيل التي تعرض نتاجه للدمار. هذا الفكر الذي أنتج منظمات عالمية كاليونسكو وسَنَّ قوانين لحماية التراث، يظهر عاجزًا عن التصدي للقوى العالمية الكبرى التي تعمد إلى تحويل المنظمات الدولية إلى منابر بروتوكولية معطلة الفعالية.

فاجتماعات اليونسكو والجهود المبذولة لتصنيف المواقع الأثرية وحمايتها تُعتبر إنجازات كبيرة في مجال الحفاظ على التراث. لكن في زمن الحروب، يستخدم العدو الإسرائيلي هذه القوائم كأدلة للقصف والتدمير. وأصبحت المواقع الأثرية التي تحمل تصنيفات الحماية أهدافًا مباشرة لإسرائيل. هذه الديناميكية لا تعكس فقط استضعاف الدول التي تُنتهك آثارها، بل تكشف عن أزمة حقيقيقة لدى الفكر الحضاري العالمي. تلك الحضارة الغربية التي عولت على مفاهيم مثل التراث والحداثة، تُظهر تناقضًا حين تُستخدم أدواتها لتدمير ما أنشأته من قيم ومعانٍ. فهذه الجهود التي استثمرت في حماية التراث تُنسف في لحظة، مما يطرح سؤالًا وجوديًا: كيف يمكن لنظام عالمي يروج للحداثة أن يكون عاجزًا عن حماية ما يدّعي الحفاظ عليه؟

المفكر ميشيل فوكو يرى أن سلطة الحداثة تُعيد تشكيل القوانين لتبريرانتهاكاتها، وهو ما يتجسد في حروب "الإبادة الانسانية والثقافية" الإسرائيلية على غزة ولبنان، ما يحرج فكرالتنوير الذي اعتُبر تقدمًا للبشرية، فيما هو يتحول إلى ذراع أخرى تُستخدم لتقويض القيم التي أُنشئ من أجل حمايتها.

بين التراث والإنسان: الحاجة إلى رؤية شاملة

الحفاظ على التراث الثقافي لا يمكن فصله عن حماية الأرواح التي تُنتجه. البشر هم صانعو الحضارة، وغياب الحماية لهم يجعل أي جهود للحفاظ على التراث مجرد قشرة خاوية. استهداف مواقع مثل بعلبك وصور لا يهدف فقط إلى تدمير الحجر، بل إلى ضرب الروح الإنسانية التي تشكلت عبر قرون من التاريخ. المناشدات الدولية، رغم أهميتها، يجب أن تتحول إلى أدوات فعالة تحمي البشر قبل الحجر. هذه اللحظة الحرجة تتطلب رؤية جديدة تُعيد التفكير في أولويات الفكر الحضاري وتؤكد أن التراث الحقيقي يبدأ بحماية الإنسان.

مقالات مشابهة

  • السيد القائد: الصمود العظيم لحزب الله نموذج مشرف أمام عدوان غير مسبوق
  • تامر كروان: مسلسل لعبة نيوتن خلاني أبعد عن التقليدية
  • اليونسكو والفكر التنويري: تراث البشرية في دائرة الخطر
  • محافظ الدقهلية يتفقد الإدارات الخدمية التي تقدم خدمات مباشره للمواطنين داخل الديوان العام
  • "الخطاب الديني وبناء الوعي لدى الشباب".. مفتي الجمهورية في ضيافة جامعة حلوان
  • توم بيرييلو: تأهل المنتخب السوداني لأمم إفريقيا مثال آخر على الروح السودانية التي لا تقهر في مواجهة الشدائد
  • المبعوث الأمريكي للسودان: الولايات المتحدة تؤيد إنهاء الحرب والجرائم التي ترتكب في حق الشعب السوداني
  • السوداني يدعو لعدم الالتفات إلى الشائعات التي تحاول إفشال التعداد بالعراق
  • بعد "أتاكمز".. أوكرانيا تأمل بضربات أبعد على روسيا
  • الطريق إلى الله مقيد بالذكر والفكر ... علي جمعة يوضح