ستراتيجيَّة الدفاع.. الأدب في الحرب
تاريخ النشر: 4th, January 2024 GMT
آخر تحديث: 4 يناير 2024 - 1:17 مضحى عبدالرؤوف المل يدخل الكاتب الحرب ذهنيا، فيقاوم عكس عقارب الساعة أو دوران الزمن كما يقال. إذ تصبح الكلمة بالنسبة له هي المدافع الشرس عن أفكاره رغم ضراوتها في نفسه، إلا أنه يتجه عقليا نحو الكلمة بعمق غير عاطفي أحيانا، إلا أنها أي الكلمة تعصف تاريخياً، فأغلب أعمال الكتاب في الأدب عن الحرب استمرت وما زالت تقرأ كلما وقعت الحروب في منطقة ما، وعلى أرض احترقت كما الحال عندما وقع خراب هيروشيما وما نتج عنه من كارثة إنسانية كبرى، فيتحرر من قيود قواعد الحرب العسكرية ليدخلها عبر خطته الذهنية الخاصة.
فاستراتيجية الحرب من خلال الأدب بالنسبة للكاتب هي واقع السرد الفعلي وقوته في التأثير عبر الزمن، والتفكير في المعنى المُخضب برؤية مستقبلية يستمدها من التحليلات العميقة والمعقدة فيه وفي القرارات التي أدت للحرب، وبجرأة مباشرة وأحيانا يستتر تحت رداء أبطاله أو خلف المعنى القصصي، والذي غالباً ما نكتشف من خلاله تأثير الحرب السىء على المدنيين، وقبل ذلك على المحاربين أنفسهم أثناء الحرب وبعد الانتهاء منها. فهل يحارب الكاتب ذهنياً طواحين الحرب الشرسة بشكل فردي أو بمعنى آخر بأحادية غير ثابتة قابلة للتطور عبر التاريخ مع صعوبة إبراز اخلاقيات الحروب من دون تشفير أو مساوئ تأثيراتها على المقاتل بعد انتهاء الحرب، وكيفية عودته إلى الحياة الطبيعية بعد ذلك دون اختلال نفسي أو حتى عصبي أو من خلال عودته للأنضمام إلى المجتمع بسلام؟ وهل الطب النفسي في أدب الحروب مارسه الكثير من الكتاب على مر التاريخ، ولو برؤية مصغرة منذ الحرب العالمية حتى الآن؟ أم أن روايات غسان كنفاني أصبحت تاريخاً لفلسطين أولا ومن ثم عربيًّا وغربيًّا حتى؟ وهل ما كتب عن الحرب اللبنانية كان قادراً على منح الصورة الشرسة لتلك الحرب كما جاء في كتابات الياس العطروني مثل عروس الخضر؟ أم أن روايات الحرب السورية في بعض منها أمسكت نفسيا بالخيوط كما يجب وبقيت على جسر الحقيقة المرة والدمار على الصعيد النفسي والاستراتيجي؟ وهل يمكن أن يتصالح كاتب العصر الحديث مع كاتب العصر القديم من خلال بناء ستراتيجية الدفاع في الحرب من خلال الأدب بشكل موحّد أو بمعنى آخر بشكل يركز نفسياً على وقائع سرد الحروب وتأثيرها على المدنيين والمحاربين معاً؟ وإن كثُرت تساؤلاتي هنا، إلا أن الحرب الذهنية من خلال الأدب هي الحرب التي تُزهق فيها الأرواح بشراسة وهمجية تنفلت فيها المعايير الإنسانية.
يتردد صدى الحروب روائياً في الزمن المعاصر، فنكتشف من خلال الأدب صدماتها المؤذية جداً والتي تصاحب المجتمعات على مر السنين، ولا تُشفى الجروح تماما كالذين تُبتر أطرافهم أو يخسرون الكثير من أملاكهم أو يخسرون عائلاتهم بكثير منهم في ذاكرة يفتحونها لإبراز الصراعات المختلفة، وبقوة دفاعية عن الإنسان بالمطلق بغض النظر عن انتمائه الطائفي أو المذهبي، فالحروب وإن كانت لتحقيق مكاسب لمن يشنها إلا أنها تدمر البنية الإنسانية، وفي يومنا هذا نرى الكثير مما يؤلم فوتوغرافياً وتشكيلياً وصحفياً، وحتى في قصص قصيرة تسجل الإحساس الإنساني القلق على مصير الحياة برمتها، ولا ننسى هنا سينمائيا أيضا لبث الوعي لجمهور يهتم سينمائيا بأفلام الحروب، كما هي الحال مع الكثير من الأفلام أبرزها فيلم القناص للمخرج أنطوان فوكوا وكتابة جوناثان ليمكين، واستناداً إلى رواية عام 1993 بعنوان “قطة التأثير” بقلم ستيفن هنتر. فهل تبقى هذه الأعمال الأدبية والفنية شاهداً عندما يضمحل الزمن ويرحل عنه آخر مقاتل من الحياة باعتباره الشاهد على مأساوية المعارك؟ وهل فيلم « the pianist « أرشف قوة الإنسانية وعظمتها في الحروب الأكثر دموية حدثت على الأرض؟ أم أن الكاتب صنع ذهنيا ستراتيجيَّة حربية بصرية قوية تستمر عبر الزمن؟ وهل من مصداقية في ذلك فعلا؟
ما بين الحقيقة والخيال خيوط بالجمع وليس بالمفرد تجعلنا نتمسك بستراتيجية الدفاع لكل كاتب ترك بصمته في الحروب وصدماتها، ونتابع ما كتبوا بأهمية قصوى عن عواقب الحروب قبل أسبابها، وبشكل كارثي يعيدنا إلى همجية غير محمودة تجرجرنا نحو الفناء. فهل ما قاله بول فاليري أصبح كعلم يرفرف في أجواء الحروب “نحن الحضارات الأخرى نعرف الآن أننا فانون”؟ أم أن الإرث الأدبي عن الحروب الوفير هو بمثابة تحذيرات للإنسانية من خطر الحروب بجميع سلبياتها؟ وهل هذه هي الحرب الحقيقية ذهنياً؟ وإذا كان الأمر كذلك ماذا عن رواية سارقة الكتب لماركوس زوساك، وهل الحرب في الأدب الروائي يستدعي شن الحروب الذهنية بقوة لتكون متعادلة بين الأطراف من حيث الفعل وردة الفعل؟ أم أن أدب آن فرانك في يومياتها تجعلنا نتمسك بمقولتها “لا أريد أن أعيش عبثاً مثل معظم الناس. أريد أن أكون مفيدة وأجلب المتعة لجميع الناس. حتى أولئك الذين لم أقابلهم من قبل. أريد الاستمرار في العيش حتى بعد موتي”. وهل في المذكرات عن الحروب لقادة من العسكريين تحديداً وتابعناهم ما يُشفي الصدور في الأدب؟
المصدر: شبكة اخبار العراق
كلمات دلالية: إلا أن
إقرأ أيضاً:
أمريكا وصناعة الحروب
قبل دخول أمريكا على مسرح السياسة العالمية كانت الإمبراطوريات الأوروبية هي المسيطرة لكنها لا تتحرك الا بعد إذن من الخلافة الإسلامية العثمانية ولذلك أجمعت على إسقاطها والاستيلاء على نفوذها في القارات الثلاث؛ أمريكا نهضت في بدايات القرن التاسع عشر ولكن بعد سقوط تلك الإمبراطوريات معتمدة على الأساطيل والقوات البحرية لتوسيع نفوذها ومستفيدة من الخبرات الاستعمارية.
خاضت حروب التدخلات في البلدان القريبة والبعيدة وسلم لها الجميع بعدما صنعت القنابل النووية وألقتها على اليابان .
الدبلوماسية العسكرية والتهديد والوعيد ثم إرسال البوارج وشن الحروب أساس لنهب ثروات الأمم وتسخيرها وتنصيب الحكومات والأنظمة وإزالتها، وحسب إحصائيات تاريخية فان 93 %من تاريخها حروب مباشرة والباقي تهديد وإنذار بها.
صناعة الحروب والاستثمار فيها أساس في السياسية الأمريكية، لأن كبريات شركات تصنيع السلاح في العالم جنسيتها أمريكية مملوكة لبارونات اليهود الذين يسعون في الأرض فسادا ويوقدون الحروب، قال تعالى ((والقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب اطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين)) المائدة-64-.
تفتيت المجتمعات المستهدفة أولا ثم تدميرها ثانيا وذلك باستغلال كل الاختلافات والتباينات. فمثلا عندما احتل الصليبيون القدس بدأوا بنشر الخلافات الدينية واستجمعوا قوتهم تحت عناوين دينية (حروب صليبية) فاجتمعت جيوش (النورمانديين وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإنجلترا) والمتحالفين معهم من نصارى العرب واليهود استولوا على القدس؛ ولا يختلف الحال عليه اليوم الا من حيث ان أمريكا هي الواجهة والبقية يريدون ان يقنعوا العالم انهم لا يرضون ولا يريدون وهم كاذبون .
الأموال والثروات والاستيلاء عليها وإخضاع الآخرين واستعبادهم وتسخيرهم هو هدف كل السياسات الاستعمارية، ولأن بريطانيا تتشابه في قدراتها مع أمريكا فقد سرى تقليد متبع ان اول زيارة خارجية-لرؤساء أمريكا بعد انتخابهم تكون إلى بريطانيا لأنها تمثل الأرشيف الاستعماري لمعظم الإمبراطوريات، لكن مخالفة ترامب لهذا التقليد بسبب الإغراء السعودي الذي يصل إلى تريليون دولار-ترامب- حسب تصريحه (أعطوني هذا المبلغ بسبب الانتخابات ؛ما هذا بحق الجحيم؛ المال لا يعني لهم شيئا؛ لقد حصلوا على هذه الأموال من الذهب السائل ، لديهم الكثير؛ هؤلاء مجانين وهناك العديد من الشركات تتطلع للاستثمار) ، ولا يختلف الأمر كثيرا في وصف السياسي البريطاني جورج جلوي فهو يصفهم بالسُذج (من يرسلون أبناءهم ليتعلموا في أمريكا؛ ومن يودعون ثرواتهم الشخصية والسيادية في أمريكا أو أوروبا ويتوقعون ان تكون في مأمن –ابنوا جامعاتكم وبنوككم الخاصة وكفوا عن عبادة الغرب وتحلوا ببعض الكرامة) نصحيه جلوي لن تقنع الإمارات والسعودية الذين يثقون في الغرب واليهود والنصارى اكثر من غيرهم حتى وإن وصفهم –ترامب بالمجانين؛ أو وصفهم اليهود بانهم بهائم خلقت لخدمتهم، أو انهم يحبونهم كحب الكلاب.
صهاينة العرب اصبحوا اليوم ينفذون مخططات اليهود والنصارى علناً بدون خجل ولا حياء يريدون تدمير دول وأقطار الأمة الواحدة، ينشرون الخراب والدمار ويقتلون ويشردون الأبرياء ويشعلون الحروب سعيا لإقامة الشرق الأوسط الجديد -حسب زعمهم- بإسقاط الأنظمة التي مازالت تعارض الاستعمار الاستيطاني اليهودي على ارض فلسطين وكل أجزاء الأمة العربية والإسلامية وتنصيب حكومات وأنظمة تقبل بالاستعمار الاستيطاني، وهذا هو أساس السلام الذي يسعون اليه لا الذي يحترم كرامة الشعوب ويحفظ استقلالها ويحقق حريتها ووجودها خاصة بعد السيطرة على الدول المؤثرة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا مثل-مصر والسعودية والإمارات والأردن والمغرب والبحرين وغيرها .
الأنظمة المعارضة سيتم القضاء عليها بواسطة الحروب وتنصيب غيرها تدين بالولاء للمشروع الاستيطاني الاستعماري.
الخبير الاقتصادي الأمريكي –جيفري ساكس -صرح بأن أمريكا وضعت برنامج الحروب بواسطة المخابرات الأمريكية وبعض الدول في المنطقة تحت مسمى (خشب الجميز) عام 2011م اشعال سبع حروب في خمس سنوات في سوريا والعراق وليبيا والصومال والسودان- وذلك من اجل تمكين وإقامة إسرائيل الكبرى التي تشمل غزة والضفة والقدس وسيناء والأردن وأجزاء من السعودية والعراق.
اليمن تم الاستعانة بالتحالف السعودي الإماراتي ومثل ذلك في ليبيا والسودان والصومال، لان العوائد سيحصل عليها الجميع.
ما يقوله جيفري ساكس-إن هذه الحروب السبع رسم خططها-البنتاجون-وبقيت واحدة الحرب مع إيران لإثارة ذعر -نتن ياهو-يتناقض تماما مع كشفته الصحافة العالمية عن خطة الشرق الأوسط التي كشفها الصحفي اليهودي عود يدينون ونشرها 1982م وهي خطة اعدها جنرالات الجيش الإسرائيلي وأحباره نهاية الأربعينيات واهم بنودها الاتي:
1 -اضعاف الدول العربية باستغلال الاختلافات الدينية والعرقية والمذهبية والطائفية؛ وتقسيمها لاحقا إلى دول صغيرة تعتمد على إسرائيل في بقائها وشرعيتها .
2 -الاستيطان في الضفة الغربية وقطاع غزة وطرد الفلسطينيين وضمهما لإسرائيل؛ وإقامة إسرائيل الكبرى التي تشمل أجزاء من سوريا ولبنان والأردن والعراق ومصر والسعودية .
3 -استكمال خطط الاستعمار البريطاني وتطبيق نظرية فرق تسد وإنشاء دول وكيلة تنفذ السياسة الاستعمارية وفقا لاستراتيجية –حدود الدم –فكل دولة تحارب الأخرى وكانت أول ثمار الاستراتيجية اشعال الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت لثماني سنوات.
4 -بلقنة الدول العربية بإشعال الحروب الطائفية والمذهبية؛ ويقابله القمع الشديد لأي محاولة تمرد وإبادة مدن وقرى بأكملها وتطبيق فكرة الفوضى الخلاقة من أجل إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد.
هذا ابرز ما اشتملت عليه الخطة. أمريكا وحلفاؤها سيتكفلون بالدول التي لاتصل اليها إسرائيل مثل أفغانستان والعراق والصومال؛ والدول الوكيلة ستتكفل بالقريبة منها مع الاستعانة بالتحالف الأمريكي الصهيوني؛ وإسرائيل ستتكفل بالدول المجاورة لها.
كان أحد الخيارات الاستراتيجية لمواجهة التوسع السوفيتي والمد الشيوعي اتفاق الأجندات الغربية مع العربية على تشكيل جماعات جهادية لمواجهة الاحتلال السوفيتي في أفغانستان. الأنظمة البترودولارية تكفلت بالدعم المالي وغيرها تكفلت بالرجال وبعد التحرير بدأ التوجس الغربي من هؤلاء المدربين على القتال لانهم يشكلون خطرا على المشروع الاستيطاني الاستعماري اليهودي في فلسطين؛ وتحول الأمر إلى إعدام من لا يتوافقون معهم لأنهم إرهابيون يجب تصفيتهم أينما وجدوا؛ ومن تعاون معهم يمهدون لهم أسباب التدخل وشن الحروب ومصادرة قرارات البلدان تحت ذريعة التعاون في مكافحة الإرهاب وفعلا تم اغتيال كثير من الأبرياء الذين لا علاقة لهم بالإرهاب لكنهم يعارضون الاستعمار والمشروع الصهيوني الاستيطاني.
العالم يعرف جيدا ان قوة كيان الاحتلال ليست ذاتية، لكنها خارجية بفعل دعم التحالف الصهيوني الصليبي (صهاينة العرب والغرب) ولذلك فقول –جيفري ساكس-واعترافه بأن إسرائيل لا تستطيع الصمود ليوم واحد في المواجهة والقتال مسألة معلومة، فقد كشف طوفان الأقصى كيف تقاطرت المساعدات العسكرية والمادية والمعنوية والاقتصادية والاستخباراتية لمواجهة مقاومة بسيطة تدافع عن نفسها وكرامتها ووجودها .
حروب التأسيس كانت بدعم وإسناد لامحدود من صهاينة العرب والغرب وحرب العاشر من رمضان، لم تتوقف الهزائم الا بعد وصول الجسور الجوية من أمريكا وغيرها ونكسة 1967م كانت كذلك أيضا والقضاء على الانتفاضات الأولى والثانية أيضا لأن الكفر والنفاق ملة واحدة لا فرق.
كيان الاحتلال والاستيطان لا يستطيع الصمود ليوم واحد، فالتحالف الصهيوني الصليبي يمده بكل (التمويلات والدعم العسكري والعمليات الاستخباراتية والدعم البحري وتوفير الذخائر) وحتى شركات التكنولوجيا تُسَخر لخدمة المشروع الإجرامي لأنها مملوكة لكبار المرابين من اليهود كما حدث في فضيحة- ميكروسوفت – وتزويدها الصهاينة بإحداثيات جرائم القتل والإبادة والتهجير القسري.
في عالم لا قيم فيه ولا مبادئ ولا أخلاق، القول الفصل فيه أولا وأخيراً للسلاح في تحديد كل الشؤون الداخلية والخارجية ومن العجيب أن يُطالب المعتدى عليه بنزع سلاحه ويتم تزويد القاتل والمجرم بكل أنواع الأسلحة، ولذلك سيظل الاستعمار يتحكم بكل خصوصيات الأمة العربية والإسلامية طالما انها لا تستطيع إنتاج بندقية أو رصاصة وكل ذلك بسبب سيطرته على الأنظمة، فهو من أوجدهم ومكنهم من رقاب شعوبهم .
باكستان كانت الاستثناء الوحيد في امتلاك سلاح الردع النووي ولم يُسمح لإيران وسُمح لكيان الاحتلال لأنهم لا يريدون قوة نووية على حدود مشروعهم الاستعماري الاستيطاني فقد دمروا كل القدرات العسكرية للوطن العربي وبتعاون وتمويل صهاينة العرب والغرب؛ واليوم يفاوضون من أجل نزع سلاح المقاومة ليكملوا جرائمهم في إبادة وتهجير الشعب الفلسطيني واستكمال إنشاء إسرائيل الكبرى.