ثمة تحديات كثيرة تنتظر مصر فى العام الجديد 2024. معظم هذه التحديات ترتبط بشكل رئيسى بالصراعات الإقليمية فى المنطقة ودور مصر فيها وقدرتها على تقديم مبادرات للحل بما يحول دون امتداد تداعياتها سلبًا للمصالح المصرية.

السد الإثيوبى

بالطبع يأتى على رأس قائمة التحديات أزمة ملف سد النهضة، فمنذ سنوات لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن قواعد الملء وتشغيل خزان السد.

وأعلنت مصر منذ أيام انتهاء الجولة الرابعة والأخيرة من مفاوضات سد النهضة مع السودان وإثيوبيا بدون الوصول إلى أى نتائج، قائلة إنها تحتفظ بحقها «فى الدفاع عن أمنها المائى والقومى فى حالة تعرضه للضرر»، بعد فشل الدول الثلاث فى التوصل إلى اتفاق.

وبالطبع سيشهد العام الجديد فاصلا «جديدا» لأزمة السد لا نعلم ما سيسفر عنه.

غزة

يعد ملف أزمات دول الجوار المصرى أحد المهددات الرئيسة للأمن القومى المصرى، وذلك فى ضوء اعتبارين رئيسين، الأول أن كافة الدول والمناطق المحاذية لمصر تشهد أزمات ممتدة ومتعددة الأبعاد، بدايةً من الحدود الجنوبية لمصر واستمرار الأزمة السودانية، مرورًا بالحدود الغربية وما تشهده من استمرار الأزمة الليبية، وصولًا للحدود الشرقية والحرب الإسرائيلية الغاشمة على قطاع غزة، ما جعل لها تداعيات على الدولة.

تأتى القضية الفلسطينية على رأس الأولويات والتحديات التى تواجه مصر فى العام الجديد حيث ينتهى عام ٢٠٢٣ وغزة تواجه حرباً شرسة أتت على الأخضر واليابس وتركت الدم الفلسطينى ينزف فى كل أنحاء القطاع، وأزمة إنسانية طاحنة يعانى منها نحو ٢ مليون فلسطينى.

الرئيس السيسى لخص أهمية ما يدور فى غزة فى كلمته عقب إعلان فوزه بفترة ولاية ثالثة حتى عام 2030، قائلا «إن الحرب الدائرة على حدودنا الشرقية تستدعى استنفار كل جهودنا للحيلولة دون استمرارها».

ومنذ السابع من أكتوبر أصبحت مصر، التى تشارك قطاع غزة وإسرائيل حدوداً، تقف فى وسط حرب إقليمية. وترددت الأقاويل حول محاولات إسرائيل للضغط على مصر لاستقبال أعداد كبيرة من مئات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين.

من جانبه أكد الرئيس السيسى على موقف مصر - مراراً وتكراراً - الرافض للتهجير القسرى للفلسطينيين ونزوحهم إلى الأراضى المصرية فى سيناء، معتبراً أن ذلك لن يكون إلا «تصفية نهائية للقضية الفلسطينية».

كما نفى وزير الخارجية، سامح شكرى وجود ضغوط إسرائيلية وأمريكية على بلاده لقبول تهجير الفلسطينيين إلى أراضيها مقابل إسقاط ديونها.

حتى الآن لا يمكن التكهن بما ستؤول إليه الأوضاع فى قطاع غزة فى ظل الموقف الدولى المتخاذل والموقف الأمريكى المتعنت والذى تسبب حتى الآن فى عدم صدور قرار من مجلس الأمن يلزم إسرائيل بوقف إطلاق النار وإنهاء حالة الحرب لذلك فإن الأزمة الفلسطينية ستكون هى الشغل الشاغل والهم الرئيسى الذى يواجه الدولة المصرية فى ٢٠٢٤.

السودان

وليست حرب غزة وحدها التى تشكل تحدياً إقليمياً لمصر، فجميع الجبهات (الحدودية) مشتعلة حول مصر فالسودان يشهد حالة من عدم الاستقرار غير مسبوقة بين مكونين فى الأصل عسكريين وهما الجيش السودانى وقوات الدعم السريع.

وبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين، أصبحت الجنسية السودانية هى الأكثر عدداً من حيث النزوح فى مصر، تليها الجنسية السورية، ثم بنسب أقل من مواطنى جنوب السودان وإريتريا وإثيوبيا، واليمن، والصومال، والعراق، بحسب إحصاء المفوضية حتى أكتوبر من عام 2023.

حتى الآن جميع المسارات محتملة للصراع فى السودان ولا تزال الصورة غير واضحة، لكن السيناريو الذى يمكن أن يصب فى صالح مصر هو الاستقرار والأمن والاستمرارية للسودانيين وهى عناصر تبدو بعيدة المنال على الأقل خلال الأشهر القادمة.

ليبيا

أما الملف الليبى فهو أيضاً يشكل أحد التحديات الإقليمية التى تواجه مصر منذ سنوات والمرجح أن يستمر الوضع على ما هو عليه حيث تعيش ليبيا حالة من عدم الاستقرار السياسى منذ سنوات، وفى هذا الإطار، تؤكد مصر موقفها الدائم والثابت فى الوقوف مع الشعب الليبى وإعادة الأمن الاستقرار للدولة الليبية، حيث أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى أنه لم ولن تدخر مصر جهدا فى دعم ليبيا بهدف إجراء المصالحة الوطنية، ولم الشمل مع البعد عن أى تجاذبات سياسية، وكذلك استعداد مصر لتقديم كافة أوجه الدعم اللازم فى هذا الصدد.

أمن البحر الأحمر:

ومع تنامى التصعيد فى غزة، بدأت جماعة أنصار الله الحوثية فى اليمن باستهداف السفن المتجهة إلى إسرائيل فى مضيق باب المندب، قبالة السواحل اليمنية فى البحر الأحمر. وبالطبع فإن تهديدات الملاحة فى باب المندب تؤثر بشكل مباشر على أحد مصادر الدخل القومى المصرى، وهو قناة السويس.

الحوثيون أيضاً أطلقوا مسيرات لاستهداف إسرائيل، بعضها سقط داخل جنوب سيناء. وهو ما يجعل حدود مصر ومياهها الإقليمية فى البحر الأحمر فى قلب أى تطورات أو امتدادات لهذا الوضع غير الآمن فى البحر الأحمر. ومع تصاعد الأحداث فى منطقة البحر الأحمر، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن تشكيل تحالف دولى متعدد الجنسيات لحماية التجارة فى المنطقة، وفى المقابل أكدت جماعة أنصار الله الحوثية على المضى فى عملياتها العسكرية تجاه السفن المتجهة نحو إسرائيل وهو ما سيجعل منطقة البحر الأحمر إحدى مناطق الصراع التى ممكن أن تشهد تصعيدا أكبر فى 2024.

وهو ما يزيد من صعوبة الأوضاع فى المنطقة بشكل عام ويلقى مزيدا من الأعباء على الدولة المصرية.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: السد الإثيوبي غزة الرئيس السيسي حرب غزة السودان ليبيا البحر الاحمر فى البحر الأحمر

إقرأ أيضاً:

الحصار في البحر الأحمر.. نقطة ضعف استراتيجية للعدو الإسرائيلي

يمانيون../
يشكل البحر الأحمر مصدر قلق دائم للكيان الصهيوني منذ وجوده على الأراضي الفلسطينية سنة 1948م.

ما يدل على ذلك هي التصريحات للمسؤولين الصهاينة عن أهمية الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، حيث تقول غولدا مائير “وزيرة خارجية” الكيان آنذاك في خطاب لها أمام الأمم المتحدة في 1 مارس 1957م: “إن حرية الملاحة البحرية لإسرائيل في البحر الأحمر هي مصلحة قومية حيوية بالنسبة لهم”.

في عام 1949م، تمكن “جيش” العدو الإسرائيلي من احتلال منطقة أم الرشراش، ليصبح للكيان بعد ذلك منفذ على البحر الأحمر، وأعطاه هذا مرونة التحرك التجاري والاقتصادي باتجاه البحر العربي والمحيط الهندي، لا سيما بعد توقيع اتفاقية السلام مع مصر والأردن، والاطمئنان الصهيوني من أن خليج العقبة ومضايق تيران وقناة السويس لم تعد تشكل للكيان أي عوائق.

وخلال تجارب سابقة، مثل إغلاق الملاحة البحرية الإسرائيلية في البحر الأحمر أهم النكبات لاقتصاد العدو، وظل مضيق باب المندب من أهم نقاط الضعف الاستراتيجية للعدو الإسرائيلي، والتي سببت له الكثير من الخسائر، وظل تعرض الخطوط الملاحية لـ”إسرائيل” في المياه الدولية في البحر الأحمر من أهم الهواجس التي تثير القلق لدى الإسرائيليين.

جاءت الصفعة غير المتوقعة لـ”إسرائيل” من خلال تفعيل مضيق باب المندب، وتم استخدامه لحصار السفن الإسرائيلية في مناسبات استثنائية، لكنها شكلت قلقاً وهاجساً للصهاينة، منها، قيام جبهة التحرير الفلسطينية بتنفيذ عملية فدائية في مضيق باب المندب، عندما ضرب زورق مسلح بمدفع بازوكا تابع لجبهة التحرير الفلسطينية ناقلة النفطة الليبيرية (كورال سي)، والمؤجرة لنقل النفط إلى “إسرائيل”، وأثارت هذه العملية قلق الكيان، لأن نصف احتياجات “إسرائيل” تقريبا من النفط كانت تصله بواسطة سفن قادمة من إيران عبر مضيق باب المندب إلى ميناء “ايلات”، وقد عمد الكيان الصهيوني بعد هذه الحادثة إلى تسليح ناقلات النفط العائدة إليه، وصرح قائد القوات البحرية الإسرائيلية آنذاك قائلاً: “إن سيطرة مصر على قناة السويس لا يضع بين يديها سوى مفتاح واحد فقط في البحر الأحمر، أما المفتاح الثاني (يقصد به مضيق باب المندب) والأكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية سيكون بين أيدينا” أي في يد “إسرائيل”.

عملية الحصار الثانية على الكيان الصهيوني كانت في حرب أكتوبر سنة 1973م، حيث تم منع وصول النفط إلى ميناء “ايلات” عبر مضيق باب المندب، وتسبب في حرمان “إسرائيل” من الاتصال بشرق أفريقيا وجنوبها وجنوب شرق آسيا، ما سبب لها أضراراً اقتصادية.

وخلال تلك الحرب القصيرة قال ما يسمى وزير الدفاع الإسرائيلي (موشي دايان) في حديث لصحيفة إسرائيلية: “كنا نتوقع المصريين في خليج العقبة، فإذا بهم يظهرون في باب المندب. بعد انتهاء الحرب سنعمل بكل قوتنا لتدويل هذا الممر أو احتلاله”.

وبالفعل تحرك الكيان الصهيوني، بكل ما يملك، محاولاً أن يكون له نفوذ في البحر الأحمر، والسيطرة على مضيق باب المندب، وحاول السيطرة على بعض الجزر التي تقع عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر سواء عن طريق الاحتلال أو الشراء أو الاستئجار، والتي من أهمها جزر الساحل الإرتيري (دهلك وحالب وفاطمة وسنشيان ودميرا) وجزر الساحل اليمني (زقر، وحنيش الصغرى والكبرى وبريم الواقعة في مدخل باب المندب).

كما أقام العدو الإسرائيلي نقاط مراقبة بحرية على الجزر التي يراها مناسبة للإشراف على حركة الملاحة في البحر الأحمر على طول الخط الملاحي الممتد من باب المندب إلى ميناء “إيلات”، وحاول كذلك إنشاء قواعد عسكرية جوية وبحرية في جنوب البحر الأحمر، ليستطيع الكيان الصهيوني الانطلاق منها وفرض سيادته على مياه البحر الأحمر وسمائه.

وظلت أطماع الكيان على مدى سنوات مضت في احتلال جزيرتي حنيش الكبرى والصغرى اليمنية، كما ينوي الكيان الصهيوني احتلال جزيرة زقر الشاهقة الارتفاع (650 متر فوق مستوى سطح البحر) لإقامة قاعدة للرادار عليها.

وظهرت المخاوف الإسرائيلية إلى العلن بعد انتصار ثورة 21 سبتمبر 2014م، إذ عبر الكثير من المسؤولين الصهاينة عن تخوفهم وقلقهم من هذه الثورة على حركة الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، ففي خطاب لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الكونجرس الأمريكي في 4 مارس 2015م قال: “حزب الله والحوثيون يمثلان تهديداً صارخاً لأمن واستقرار إسرائيل”، وقد جاء هذا التصريح قبل الإعلان عن تشكيل تحالف العدوان على اليمن بقيادة السعودية بـ 23 يوماً فقط.

وفي تصريح آخر لنتنياهو يقول: “نحن نشعر بقلق عميق لما يحدث في اليمن من سيطرة الحوثيين على مناطق واسعة من البلاد، واستمرار تقدمهم باتجاه مضيق باب المندب ذي الأهمية الاستراتيجية الكبرى من حيث التحكم بمرور نفط العالم”.

من خلال ما سبق، تتضح لنا أهمية البحر الأحمر بالنسبة للاستراتيجية الإسرائيلية، وأن إغلاق الملاحة البحرية الصهيونية في هذا الممر المائي المهم، يعني إشعال حرب، فالكيان المؤقت لا يتحمل الحصار، ولديه في هذا الجانب تجربة مريرة مع الحصار اليمني للكيان في معركة “طوفان الأقصى”، والذي كان الحصار الأكبر والأطول والأشد قساوة على الإسرائيليين، وفشلت أمريكا عن طريق “تحالف الازدهار” في رفع الحصار اليمني على العدو الإسرائيلي.

ولهذا، فإن إعلان السيد القائد عبد الملك الحوثي عن مهلة 4 أيام لرفع الحصار عن قطاع غزة، ما لم فسيتم استئناف عملياتنا في البحر الأحمر ضد العدو الإسرائيلي، يأتي من موقع قوة، وليس للاستعراض الإعلامي، أو لكسب المواقف السياسية، فالجميع يعرفون أن تهديدات اليمن واقعية وجادة.

ويأتي التهديد اليمني في الموقع الحساس للعدو الإسرائيلي، فالكيان يدرك جيداً ما معنى فرض حصار عليه في البحر الأحمر، وهو لا يطيق مثل هذا الإجراء، ولذلك من غير المستبعد أن يستجيب العدو لهذا التهديد، ويبادر إلى إدخال المساعدات تحت أي مبرر، لأن اليمن يمتلك ورقة ضغط قوية جداً ذات حساسية لدى العدو الإسرائيلي.

أما إذا فضل العدو الخيار الثاني، فإن التداعيات والعواقب ستكون وخيمة، وهي أيضاً ستمهد لحرب إقليمية ستكون أوسع وأشد ضراوة من ذي قبل، لا سيما وأن الإدارة الجديدة في البيت الأبيض تريد أن تسير الأحداث بهذا الاتجاه، وهي مغامرة ستكون مكلفة كثيراً على الأمريكيين والإسرائيليين.

أحمد داود

مقالات مشابهة

  • تداول 48 ألف طن بضائع عامة ومتنوعة بمواني البحر الأحمر
  • الخارجية تفتتح برنامجاً تدريبياً حول مكافحة التهديدات العابرة للحدود: نحو تعزيز الأمن البحري
  • الهلال الأحمر بشمال سيناء: نعمل بشكل تواصل لتمرير المساعدات للأشقاء الفلسطينيين
  • تهديدات الحوثيين لـ”إسرائيل”.. هل هي بداية لمرحلة جديدة من المواجهة الإقليمية؟
  • الحصار في البحر الأحمر.. نقطة ضعف استراتيجية للعدو الإسرائيلي
  • وزير الري: تنفيذ 561 منشأً متنوعًا للحماية من السيول بشمال وجنوب سيناء
  • وزير الري: تنفيذ 561 منشأ متنوع للحماية من السيول بشمال وجنوب سيناء
  • بعد العاصفة المطيرة.. وزير الري يتابع استقرار الأوضاع فى سيناء
  • عاجل: الحوثي يهدد بعودة العمليات العسكرية بالبحر الأحمر ويمهل إسرائيل 4 أيام
  • حشود جماهيرية في حمص دعماً لقوات وزارة الدفاع والأمن في عملية بسط الاستقرار بالساحل