بعد بندقية الغول والبندقية الصينية.. كيف يرجح قناصة القسام كفة المقاومة؟
تاريخ النشر: 4th, January 2024 GMT
تتواصل النجاحات الباهرة للمقاومة الفلسطينية في التصدي لقوات الاحتلال الإسرائيلي التي تحاول التوغل داخل قطاع غزة. في هذا السياق أصدرت كتائب "الشهيد عز الدين القسّام"، الجناح العسكري لحركة حماس، تقريرا (1) يوثق أهم أحداث اليوم الـ85 من القتال، الذي حوى حدثا من نوع خاص: تمكّن أحد قناصة المقاومة من الإجهاز على جندي إسرائيلي في حي "الشيخ عجلين" قرب الطريق الساحلي في غزة، وذلك باستخدام بندقية القنص صينية الصنع "زيجيانغ إم 99" (Zijiang M99).
وفي وقت سابق من شهر يوليو/تموز الماضي، نشر حساب "الصين بالعربية" على موقع "إكس" (تويتر سابقا) (2) صورة لأحد المقاتلين بينما يحمل في يده بندقية من الطراز ذاته. وزعم الحساب أن الصورة تعود لأحد مقاتلي المقاومة الفلسطينية، فيما افترض أن البندقية ربما أُعيد تصديرها إلى غزة عن طريق إيران.
وفق هذا تُعَدُّ "إم 99" أحدث الأسلحة المنضمة إلى منظومة القنص القسامية، بعد بندقية "الغول" المصنعة محليا، التي نشرت المقاومة مؤخرا مقطعا يوضح مراحل تصنيعها بأيدٍ فلسطينية في أحد المخابئ السرية في قطاع غزة، كما تضمن المقطع ذاته تدريبات لأفراد المقاومة على استعمال هذه البندقية.
"إم 99".. القاتل الصامتبندقية القنص "إم 99" دخلت إلى الخدمة عام 2005 (3) (4)، وكان استخدامها الأول من قِبل القوات البحرية التابعة لجيش التحرير الشعبي الصيني، فيما أبرزت تقارير عدة أن البندقية استُخدمت من قِبل فصائل المعارضة السورية خلال معاركها مع النظام إبان الثورة السورية. وتتميز البندقية ذات العيار الثقيل بالقدرة على اختراق المركبات المدرعة والمواد الصلبة (مثل أحجار الأبنية والسواتر الحديدية). أما عن مواصفاتها، فهي تزن 12 كيلوغراما، ويبلغ طولها مترا ونصف المتر، كما أنها مجهزة بحوامل قابلة للتعديل (حامل ثنائي أمامي وآخر أحادي في الخلف)، فيما يتميز مسند الكتف بسطح مبطن يوفر الراحة لمُطلق النار. وتتسع الخزانة لـ5 طلقات، أما التلقيم فهو نصف آلي (حيث تُدعَم الطلقات اللاحقة بواسطة المزلاج المفتوح).
يصل نطاق "إم 99" إلى نحو 1500 متر، فيما تبلغ سرعة الإطلاق 800 متر في الثانية (أكثر من ضِعْف سرعة الصوت)، مما يعني أن الرصاصة سوف تُصيب هدفها في غضون ثانيتين في أقصى الأحوال وقبل أن يصله صوتها. ميدانيا تُمثِّل تلك الخاصية أهمية كبيرة بالنسبة للقناص، حيث تسمح له بمباغتة الهدف دون أن تعطي الأخير الفرصة لأية ردة فعل، مثلما توفر للقناص القدرة على إصابة هدف آخر مجاور للهدف الأول تحت غطاء الصدمة والارتباك، كذلك تمنحه وقتا للتحرك وتغيير موقعه قبل أن تحدده القوات المعادية.
مزايا "إم 99" تمتد إلى وجود مكابح قوية متعددة المنافذ في نهاية الكمامة، تعمل على مواجهة تأثير الارتداد العنيف الناتج عن طلقاتها الكبيرة (عبر دفع جزء من غازات الاحتراق في اتجاه معاكس لاتجاه الارتداد)، وهي الميزة التي توفر الحماية للقناص من ردة السلاح في جسده، كما تعمل على تقليل الانحراف أثناء الإطلاق وبالتالي زيادة الدقة. كذلك فإن الجزء العلوي من البندقية مجهز بسكّة (مجرى) من طراز (Picatinny) لاستقبال أنواع مختلفة من التلسكوبات ومعدات الرؤية الليلية، ويتضمن إعداد الرؤية النموذجي تلسكوبا بطاقة تكبير ثابتة 10 X (عشرة أضعاف) أو تلسكوبا بطاقات متغيرة تتراوح ما بين 4-12 X أو 22- 27 X.
القناصة القسامية.. طلقة واحدة لإسقاط عدة صقور
انضمام "إم 99" إلى ترسانة القنص القسامية يكشف عن وعي المقاومة بطبيعة الحرب غير النظامية التي تخوضها أمام الاحتلال الإسرائيلي، حيث يعادل القناص كتيبة مشاة كاملة على مستوى نوعية الأهداف في مثل هذه الحروب، وهو أمر ضروري نظرا للفارق العددي بين قوات المقاومة وجنود الاحتلال، كذلك فإن سريّة القناصة تتطلب الحد الأدنى من الإنفاق فيما يتعلق بالمعدّات والأفراد، وهو الأمر الذي لا يُمثِّل عبئا ماديا مقارنة بالتكلفة التي يتحملها جيش الاحتلال في المقابل (5).
تشير مجلة "العلوم العسكرية والمعلومات" (6) إلى أن توظيف القناصة جيدا في الحروب الحديثة من شأنه أن يتسبب في أوقات عصيبة للقوات المعادية، وباعتبار القناصة عادة عناصر "غير مرئية" فهي تتسبب في قدر أكبر من القلق وتؤدي إلى تفشي حالة من عدم اليقين بين صفوف الأعداء (نظرا لوجود هذه الوحدات تحت تهديد دائم مجهول المصدر)، الأمر الذي ينعكس على المعنويات سلبيا، خاصة مع نجاح القناصة في إحداث إصابات نوعية.
في السياق ذاته، يشير رقيب مشاة البحرية الأميركية "أوغستو زاباتا" (7)، كبير المدربين في دورات تعزيز مهارات القناصة في البيئات الحضرية، إلى أن أدوار القناصة تشمل أيضا منع جنود العدو من التحرك بحرية في المنطقة المستهدفة بصورة تؤدي إلى تعطيل عملياتهم، كما يمكن للقناص في هذه الأثناء إجراء عمليات الاستطلاع والمراقبة وإبلاغ قيادته بالمستجدات. ويوفر التحرك الفردي للقناص قدرا كبيرا من المرونة والمبادرة الفعالة على خلاف تحركات الوحدات المعادية المقيدة بتكتيكات العمل الجماعي والتنسيق والتواصل أثناء الحروب الحضرية من أجل تلافي التهديدات أو لتجنب حوادث النيران الصديقة.
من هذا المنظور يتضح أن دور القناص يتعدى الإجهاز على جنود العدو إلى أدوار إستراتيجية ومعلوماتية أكثر شمولا. ومع وصول العدوان الإسرائيلي على غزة إلى شهره الرابع؛ تتزايد الضغوط الداخلية على الحكومة الإسرائيلية وتطفو أزمة انعدام الثقة من تحقيق نتائج ملموسة، الأمر الذي أوضحته صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية (8) حين دعت إلى خفض سقف التوقعات حيال هذه الحرب "لأن النصر بات غير متوقع". وفي ضوء ذلك يمكن أن نفهم أهمية القناصة القسامية، فهي تساهم في خفض المعنويات والإجهاز على ثقة العدو (المهتزة بعد ثلاثة أشهر من المعارك التي أثبتت أنها غير مجدية) تماما كما تعطّل عمليات تقدمه في غزة وترفع تكاليف الحرب بشكل لا يمكنه تحمله.
رصاص "الغول"هذا وقد كشفت المقاومة في وقت سابق عن بندقية القنص "الغول" محلية الصنع. ورغم أن "الغول" شاركت من قبل في التصدي لجيش الاحتلال أثناء "عملية العصف المأكول" عام 2014 (9)، فإن المقاومة سلطت عليها الضوء مجددا خلال عملية "طوفان الأقصى".
التسمية تأتي تيمُّنا بالشهيد "عدنان الغول" (واسمه الحقيقي يحيى جابر الغول)، المولود في مخيم الشاطئ غرب قطاع غزة عام 1958. ويُعَدُّ "الغول" أحد رواد التصنيع العسكري لدى المقاومة الفلسطينية، بما يشمل الصواريخ، مثل "القسام" و"البتار" و"البنا"، كذلك قذائف الهاون والقذائف المضادة للدروع. وقد استشهد "الغول" في أكتوبر/تشرين الأول 2004 في شارع "يافا" في غزة بعد استهداف سيارته بواسطة طائرة إسرائيلية (10).
كشْف المقاومة عن تصنيع "الغول" محليا فاجأ العديد من المراقبين على مستوى العالم، لدرجة أن شكك بعض داعمي دولة الاحتلال في مسألة التصنيع المحلي، وزعم هؤلاء أن "الغول" مجرد محاكاة للبندقية "شتاير" نمساوية الصنع، فيما تشير البيانات إلى أن "الغول" تتفوق على البندقية النمساوية المذكورة من حيث المدى والعيار المستخدم، حيث يصل مدى الغول إلى كيلومترين مع ذخيرة من عيار 14.5 مليمترا، وهي بذلك تُعَدُّ أشد فتكا من البندقية النمساوية ذات العيار 12.7 مليمترا التي لا يتجاوز مداها 1500 متر، كما تتفوق "الغول" أيضا على بندقية القنص روسية الصنع "دراغونوف" ذات العيار 7.62 مليمترات والمدى الذي يقتصر على 1200 متر، وتُعَدُّ "الغول" واحدة من أطول بنادق القنص حول العالم، إذ يتجاوز طولها مترا ونصف المتر، مقارنة بالروسية "دراغونوف" التي يبلغ طولها 120 سنتيمترا، و"شتاير" ذات الـ137 سنتيمترا.
وترى الكولومبية "ماريا أليخاندرا تروجيلو" (11)، المراسلة الدولية والخبيرة في المواجهات المسلحة والشؤون العالمية، أن "الغول" ليست مجرد سلاح قنص، بل تُعَدُّ كذلك رمزا قويا للمقاومة يحمل في طياته تكريما للقائد "عدنان الغول"، مؤكدة أن ظهور البندقية المنتجة محليا يغير من الديناميكيات الأمنية في المنطقة، ويحظى باهتمام كبير من قِبل المتابعين للتطورات العسكرية والجيوسياسية في الشرق الأوسط.
__________________________________________
المصادر:
1) اليوم الـ 85.. القسام يواصل التصدي للعدوان، موقع كتائب الشهيد عز الدين القسام. 2) حساب الصين بالعربية، موقع "إكس" (توتير سابقا)، يوليو/تموز 2023. 3) tvd.im, Zijiang M 99. 4) Modern firearms, M99 5) Enemy Inside the Gates: Snipers in Support of, Military Operations on Urbanized Terrain, Lieutenant Colonel Jeffery E. Dearolph. 6) The Journal of military and information science, The Employment of Sniper in Modern Battlefield, Erdem Barışık and Gökhan Baltacıoğlu, 7) Urban sniper course: the art and science of sniping, official website of U.S Marine, 9 June 2022. 8) يديعوت أحرونوت: النصر الكامل غير مرجح فلنخفض التوقعات – موقع الجزيرة – ديسمبر/ كانون أول 2023. 9) بندقية "غول" القسامية ترعب الجنود الإسرائيليين – موقع الجزيرة – أغسطس/آب 2014. 10) حماس ترد بالهاون على اغتيال "الغول" – موقع الجزيرة – أكتوبر/تشرين أول 2004. 11) Al-Qassam Brigades Unveils Locally Manufactured Al-Ghoul Rifle: A Shift in Gaza’s Military Capabilities, Maria Alejandra, BNN, Dec. 2023.المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: بندقیة القنص
إقرأ أيضاً:
كرنفال البندقية.. تقليد ساحر يجمع بين التاريخ والفن والغموض
كرنفال البندقية (Venice Carnival) يعتبر واحدا من أشهر وأقدم المهرجانات في العالم، حيث يعقد في مدينة البندقية الإيطالية الساحرة، ويجمع بين العراقة والغموض في أجواء من السحر والفخامة. وجذب الكرنفال بأقنعته الفريدة وأزيائه التاريخية المذهلة الزوار من مختلف أنحاء العالم للمشاركة في احتفالاته، التي تستمر لأيام في شوارع وساحات تلك المدينة العائمة. وقد يصل عدد الوافدين للمهرجان خلال اليوم الواحد حوالي 30 ألف زائر، بينما يحضر الكرنفال بأكمله حوالي 3 ملايين شخص خلال فترة إقامته.
ومنذ قرون، بدأت فكرة الكرنفال في العالم المسيحي، إذ كان أتباع المذهب الكاثوليكي في إيطاليا يرتدون أزياء زاهية للاحتفال بيوم واحد قبل أربعاء الرماد، وهو اليوم الذي يسبق بداية الصوم الكبير الذي يمتنعون خلاله عن تناول اللحوم. ومن هنا جاء تسمية الكرنفال من مصطلح "Carnevale" بالإيطالية، والذي يعني حرفيا "الابتعاد عن اللحم".
ومع مرور الوقت، تحول هذا التقليد إلى مهرجان شهير امتد ليشمل دولا كاثوليكية أخرى في أوروبا، ثم انتشر لاحقا في مختلف أنحاء العالم، خاصة في البلدان التي تأثرت بالثقافة الكاثوليكية نتيجة الاستعمار الأوروبي. أما اليوم، فقد أصبح الكرنفال احتفالا موسميا سنويا يبدأ عادة في الأحد الأخير قبل أربعاء الرماد، أو حتى قبل ذلك بعدة أيام وليال.
إعلانوتتنوع الفعاليات خلال هذا الوقت، من عروض الأزياء والمسابقات لاختيار أفضل لباس إلى الحفلات التنكرية الفاخرة والمواكب الضخمة في الساحات الشهيرة مثل ساحة ماركو بولو الشهيرة في وسط جزر البندقية. ويبدأ الكرنفال هذا العام تقريبا في 14 فبراير/شباط، ويستمر حوالي أسبوعين حتى الرابع من مارس/آذار، أي قبل حوالي أسبوعين من أربعاء الرماد في الديانة المسيحية الكاثوليكية، وينتهي يوم ثلاثاء الشرف، وهو اليوم الذي يسبق أربعاء الرماد.
جو الغموض والتمثيل المسرحي في كرنفال البندقية في إيطاليا يضفي طابعا دراميا وغامضا عليه (شترستوك) أهداف الكرنفاليهدف كرنفال البندقية إلى تحقيق عدة أهداف ثقافية واجتماعية، من أبرزها:
إحياء التراث: يعيد الكرنفال إحياء تقاليد مدينة البندقية القديمة، من الأزياء والأقنعة إلى الموسيقى والفنون. تعزيز السياحة: يُعد الكرنفال من أبرز عوامل الجذب السياحي في إيطاليا، حيث يساهم في تعزيز الاقتصاد المحلي. تحقيق الحرية الاجتماعية: كان الكرنفال تاريخيا مناسبة يتساوى فيها الجميع، حيث تخفي الأقنعة هوية مرتديها، مما يلغي الفوارق بين الطبقات الاجتماعية.يستعرض هذا الفيديو الخاص بالجزيرة نت هذا المهرجان وأبعاده المختلفة التاريخية والثقافية والرمزية. ويتضمن شهادات لمجموعة من الزوار، بل أيضا أحد أساتذة الأنثروبولوجيا، بالإضافة لفنانين، ومنظمي الحدث، مسلطا الضوء على عدة نقاط:
التاريخ والتطور: نشأة الكرنفال، حظره خلال فترة الاحتلال النابليوني، ثم إعادة إحيائه في السبعينيات كنتيجة لحركات ثقافية وإبداعية. البعد الثقافي والديني: العلاقة بين الكرنفال والتقويم المسيحي، وتأثيرات الطقوس القديمة على الاحتفالات الحديثة. الهوية العالمية: ارتباط الكرنفال بتاريخ التبادل التجاري والثقافي للبندقية مع الشرق، خاصة عبر شخصية ماركو بولو، مما يجعله رمزا للحوار بين الشعوب. البعد السياحي والاقتصادي: كيف أصبح الكرنفال حدثا عالميا يجذب السياح ويعزز المشهد الاقتصادي والثقافي في البندقية. الرمزية والأزياء: أهمية الأقنعة، مثل قناع طبيب الطاعون، وتأثيراتها التاريخية والاجتماعية، بالإضافة إلى تطور الأزياء الكرنفالية من تقليدية إلى عصرية. إعلاناستطاع الوثائقي المزج بين الجانب الترفيهي، والتاريخي، والأنثروبولوجي لهذا الحدث المهم، لتحقيق فهم أعمق لأحد أشهر المهرجانات في العالم.
تاريخ وتطور كرنفال البندقيةيعود تاريخ كرنفال البندقية إلى القرن الـ12، حيث أقيم لأول مرة عام 1162 احتفالا بانتصار جمهورية البندقية على مدينة أكويليا. وتعبيرا عن الفرح والفخر بالنصر، اجتمع سكان المدينة للاحتفال في أجواء فريدة مليئة بالبهجة.
وفي القرن الـ13، أصبح المهرجان حدثا سنويا رسميا، واستمر في التطور ليصبح واحدا من أهم الأحداث الثقافية والاجتماعية في أوروبا خلال عصر النهضة، وكان يجتمع به الناس ويرقصون، مرتدين أقنعة غامضة تُخفي وجوههم، تخليدا لذكرى هذا النصر في ميدان سان ماركو، الساحة العامة الرئيسية في البندقية بإيطاليا، والتي تُعرف أيضا باسم "الساحة" (la Piazza)، مكونا حدثا استثنائيا يجمع بين الترفيه والثقافة.
ورغم ازدهاره الكبير، واجه الكرنفال بعض التحديات، فبعدما أصبح المهرجان احتفالا رسميا في عصر النهضة، وكان في ذروته، فإنه ما لبث أن أُلغي خلال القرن الـ18، وهذا بعدما ارتبط بالمرح، والفنون المسرحية، والموسيقى. ففي عام 1797، أصدر نابليون بونابرت قرارا بإيقاف المهرجان، مما أدى إلى تراجع الاحتفالات لعقود طويلة. ومع ذلك، لم يختفِ الكرنفال تماما، فقد تم إحياؤه رسميا في عام 1979، بفضل جهود السلطات الإيطالية للحفاظ على التراث الثقافي للمدينة. ومنذ ذلك الحين، استعاد الكرنفال مكانته كأحد أروع المهرجانات العالمية، مستقطبا ملايين الزوار من جميع أنحاء العالم كل عام.
قناع الطبيب الطاعون هو عبارة عن قناع له أنف طويل، مستوحى من الأقنعة التي كان يرتديها أطباء الطاعون في العصور الوسطى (شترستوك) الرمزية والأزياء في كرنفال البندقيةيتميز كرنفال البندقية الفريدي بطابع متفرد يجمع بين التاريخ والفن والغموض، تلعب فيه الأقنعة والأزياء دورا أساسيا محوريا لإضفاء أجواء احتفالية خيالية على المهرجان.
إعلانفيمكننا ملاحظة الأقنعة الفينيسية، والتي تُعد من أبرز رموز الكرنفال، وتعود جذورها إلى العصور القديمة، حيث كان استخدامها يهدف إلى إخفاء الهوية والتخلص من الفوارق الاجتماعية، مما يسمح للجميع بالمشاركة بحرية دون تمييز. وتأتي هذه الأقنعة بتصاميم متنوعة، فنجد منها البسيط بالألوان المحايدة، ومنها المزخرف والمميز بتفاصيل فاخرة مثل الريش والأحجار الكريمة، مما يضفي لمسة من الفخامة والسحر على الزوار خلال المهرجان.
ولتوغل الكرنفال الفينيسي في القدم، يمكننا الانتباه كذا للأزياء التاريخية، التي تُستلهم من أزياء العصور الوسطى وعصر الباروك، فيرتدي المشاركون أزياء تعكس الأناقة والرقي، اللذين كانا يميزان تلك الفترات الزمنية. أما عن التفاصيل الدقيقة فتلك الأزياء كانت تصنع من الأقمشة الفاخرة المطرزة وبتصاميم تحاكي ملابس النبلاء والأرستقراطيين في أوروبا القديمة.
هذا الجو من الغموض والتمثيل المسرحي يضفي طابعا دراميا وغامضا على الكرنفال، ويجعل المشاركة فيه تجربة مميزة ومثيرة للزوار. فالمحتفلون يشعرون وكأنهم جزء من مشهد مسرحي كبير، يندمج فيه الواقع بالخيال في أجواء من السحر والاحتفال، في تجربة لا مثيل لها.
فعاليات الكرنفالكرنفال البندقية يمتد لأكثر من أسبوعين، وتتعدد فيه الفعاليات، وتشتمل على:
المواكب والعروض: يتم تنظيم مواكب رائعة تسير في شوارع البندقية، ويرتدي المشاركون فيها أزياء وملابس وأقنعة، يحيكونها في كثير من الأحيان بأنفسهم، ويستوحونها من أزياء العصور الوسطى وعصر النهضة. مسابقات الأزياء والأقنعة: ولأن هذا الكرنفال مرتبط بالملابس بشكل رئيسي، تُقام مسابقات لاختيار أجمل قناع وأفضل زي، ومن ثم تُمنح الجوائز لأكثر التصاميم إبداعا. ولهذا فإن مصنعي الأقنعة يتمتعون بمكانة خاصة في المجتمع الإيطالي، بل أكثر من ذلك، فلديهم قوانينهم الخاصة، وينسبون إلى نقابة خاصة بهم. حفلات القصور: ودلالة على ثراء هذا المهرجان وتاريخه الطويل، تُعقد حفلات تنكرية في القصور التاريخية، حتى يستمتع الضيوف بالموسيقى الكلاسيكية والرقصات الفينيسية التقليدية. العروض المسرحية والموسيقية: ارتبط الكرنفال بالفنون بأنواعها، ومنها التمثيل والمسرح، لذا تُقام عروض مسرحية وموسيقية في كثير من الساحات والشوارع، مما يعكس التراث الفني الغني لتلك المدينة العريقة "البندقية". الاحتفالات المائية: ونظرا لكون البندقية مدينة مائية، وهو ما يجعلها مدينة جذابة، تحظى بالكثير من المناظر الجميلة، فليس غريبا أن لا تقتصر الاحتفالات بها على اليابسة، بل تمتد إلى القنوات، حيث تقام عدة عروض للقوارب المزينة كذلك. استخدام الأقنعة بالكرنفال يهدف إلى إخفاء الهوية والتخلص من الفوارق الاجتماعية، مما يسمح للجميع بالمشاركة بحرية دون تمييز (شترستوك) الشخصيات الشهيرة في الكرنفالارتبط كرنفال البندقية، منذ قرون، بعدد من الشخصيات التقليدية، والتي تتكون الفعاليات المسرحية من خلالها، ومنها:
إعلان باوتا (Bauta): وهو عبارة عن قناع أبيض مع رداء أسود، وكان يُستخدم في الماضي للحفاظ على سرية هوية مرتديه. موريتي (Moretta): ويمثل قناعا أسود صغيرا كانت ترتديه النساء، إذ كان يُحمل بواسطة الفم ودون أربطة. الطبيب الطاعون (Medico della Peste): وهو من أشهر الأقنعة بالمهرجان، والذي يشير لرمزية مهمة بالقرون التي انتشر فيها الطاعون، وهو عبارة عن قناع له أنف طويل، مستوحى من الأقنعة التي كان يرتديها أطباء الطاعون في العصور الوسطى. أرليكينو (Arlecchino): وهو شخصية مهرج ملونة مستوحاة من المسرح الإيطالي التقليدي "كوميديا دي لارتي".هذا بالإضافة للعديد من الأقنعة الأخرى المميزة والفريدة.
التأثير والهوية العالمية للكرنفالارتبط كرنفال البندقية بالفنون المسرحية والموسيقية، ولعبت عروض "كوميديا مرتجلة" (كوميديا دي لارتي) دورا مهما به على مر العصور، لذا تأثر المسرح بالأزياء الملكية الأوروبية والاحتفالات الأرستقراطية، مما جعل منه مزيجا فريدا بين التراث والتقاليد العريقة.
ومثل كرنفال "ريو" في البرازيل وكرنفال "نيس" في فرنسا، أصبح كرنفال "البندقية" نموذجا للعديد من المهرجانات حول العالم. فلا يقتصر تأثيره على الاحتفالات، بل يمتد إلى السينما والأدب، إذ استُخدم كخلفية لأفلام وروايات مشهورة، مثل فيلم "قناع الفروسية" (The Mask of the Red Death) ورواية "الموت في البندقية" للأديب توماس مان، حيث كان كرنفال البندقية هو الإطار الذي يعكس التوترات الثقافية والاجتماعية بتلك الأعمال. كما أن الاحتفالات ذات الطابع التاريخي والغامض التي تميز الكرنفال ألهمت العديد من الفنانين والمخرجين، ليصبح رمزا في أعمالهم للتناقض بين الفخامة والهروب من الواقع، ومكانا للمسرح والمغامرة.
ويمثل الكرنفال أروع التقاليد الإيطالية التي تعكس تاريخ المدينة الغني وثقافتها الفنية. لذا سواء كنت من محبي الأزياء التاريخية، أو المسرح، أو الموسيقى، فإن زيارة البندقية خلال الكرنفال تمنحك تجربة لا تنسى وسط أجواء من السحر والغموض والاحتفال بالحياة.
إعلان