قالت دار الإفتاء المصرية، إن المداومة على صلاة الضحى مستحبةٌ شرعًا على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء؛ وذلك لعموم الأدلة الواردة في فضلها وحث النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المحافظة عليها.
وقت صلاة الضحى
صلاة الضُّحى سمِّيت بذلك نسبةً لوقت الضُّحى، وتُشرع صلاة الضحى مِن وقت ارتفاع الشمس قدر رُمحٍ في عين الناظر إليها -وهو ما يقدر الآن بخمس وعشرين دقيقةً تقريبًا في مصر- بعد الشروق، وإلى ما قبل زوال الشمس عن وسط السماء، أي: قبل دخول وقت صلاة الظهر بقليل، وهو ما يقدر الآن في مصر بأربع دقائق تقريبًا قبل دخول وقت صلاة الظهر.
مِن فضائل صلاة الضحى: أنها مِن أسباب مغفرة الذنوب ولو كانت مثل زَبَدِ البحر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ حَافَظَ عَلَى شُفْعَةِ الضُّحَى غُفِرَ لَهُ ذُنُوبُهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْر» أخرجه الإمام الترمذي في "سننه".
ومِن فضائلها أيضًا: أنها مجزئةٌ عن جميع الصدقات المطلوبة على جميع سُلَامِيات بدن الإنسان -أي: عظامه- في كلِّ يومٍ شكرًا لله على نعمته وفضله، فعن أبي ذَرٍّ الغِفَارِي رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
وإظهارًا لأهمية صلاة الضحى، وتأكيدًا على بيان فضلها قد جعلها النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم وصيةً بين أصحابه رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثٍ، لَا أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ: صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلَاةِ الضُّحَى، وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ» أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه".
وعن أبي الدَّرْدَاء رضي الله عنه قال: «أَوْصَانِي حَبِيبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثٍ، لَنْ أَدَعَهُنَّ مَا عِشْتُ: بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلَاةِ الضُّحَى، وَبِأَنْ لَا أَنَامَ حَتَّى أُوتِرَ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
مذهب جمهور الفقهاء في حكم المداومة على صلاة الضحى
المواظبة على صلاة الضُّحى مستحبةٌ شرعًا على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء مِن الحنفية والمالكية والشافعية، والإمام الآجُرِّيُّ والإمام ابنُ عَقِيل والشيخ ابن تيمية مِن الحنابلة؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ» أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها.
ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ حَافَظَ عَلَى شُفْعَةِ الضُّحَى غُفِرَ لَهُ ذُنُوبُهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْر» أخرجه الإمام الترمذي في "سننه".
قال الإمام الطَّحْطَاوِي الحنفي في "حاشيته على مراقي الفلاح" (ص: 395، ط. دار الكتب العلمية): [واختلف العلماءُ هل الأفضلُ المواظبةُ عليها أو لا؟ والظاهرُ الأولُ] اهـ.
وقال الإمام شمس الدين الحَطَّاب المالكي في "مواهب الجليل" (2/ 67، ط. دار الفكر) في بيان حكم صلاة الضُّحى: [حُكمها حُكم سائر النوافل تُستحب المداومةُ عليها، ومَن تركها فلا إثم عليه ولا حرج] اهـ.
وقال الإمام أبو الحسن المَاوَرْدِي الشافعي في "الحاوي الكبير" (2/ 287، ط. دار الكتب العلمية) في ذكر أحكام صلاة الضحى: [والمداومة عليها أفضل] اهـ.
وقال الإمام علاء الدين أبو الحسن المَرْدَاوِي الحنبلي في "الإنصاف" (2/ 191، ط. دار إحياء التراث العربي): [اختار الآجُرِّيُّ وابنُ عَقِيلٍ استحبابَ المداومة عليها، ونَقَله موسى بنُ هارون عن أحمد.. ويُستحب المداومة عليها في أصحِّ الوجهين، قال المَجْدُ في "شرحه"، وصاحبُ "الحاوي الكبير": وهو الصحيح عندي] اهـ.
مذهب الحنابلة في حكم المداومة على صلاة الضحى
ذهب جمهور فقهاء الحنابلة إلى عدم استحباب المداومة على صلاة الضحى؛ لما جاء عن عبد الله بن شقيق، قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: أكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي الضحى؟ قالت: «لَا، إِلَّا أَن يَجِيءَ مِن مَغِيبِهِ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
وعن أبي سعيد الخُدْرِي رضي الله عنه قال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الضُّحَى حَتَّى نَقُولَ: لَا يَدَعُهَا، وَيَدَعُهَا حَتَّى نَقُولَ: لَا يُصَلِّيهَا» أخرجه الإمام أحمد في "مسنده".
قال الإمام علاء الدين أبو الحسن المَرْدَاوِي الحنبلي في "الإنصاف" (2/ 191): [الصحيح مِن المذهب: أنه لا يُستحب المداومةُ على فِعلِها، بل تُفعَل غِبًّا، نصَّ عليه في رواية المَرْوَذِي، وعليه جمهور الأصحاب] اهـ.
المختار للفتوى في حكم المداومة على صلاة الضحى
المختار للفتوى هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء مِن القول باستحباب المداومة على صلاة الضحى؛ لعموم الأدلة الواردة في فضلها وحث النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المحافظة عليها.
توجيه ما ورد في السنة النبوية من عدم مداومة النبي على صلاة الضحى
أمَّا ما ورد من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يداوم على صلاة الضحى؛ فلأنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يدع العمل وهو يحب أن يفعله خشية أن يداوم الناس عليه فيفرض عليهم ويثقل عليهم المحافظة عليه، وهذا ما ثبت عن السيدة عائشة رضي الله عنها وحرصها على المداومة على صلاة الضحى مع روايتها عدم مداومة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك، فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ، وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا، وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لَيَدَعُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ، خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ» أخرجه الشيخان في "صحيحيهما" واللفظ للإمام مسلم.
وأمَّا ما جاء مِن قول أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما كان يصلي الضحى، فمحمولٌ على أنها ما رأته صلى الله عليه وآله وسلم يصليها، كما جاء في الرواية السابقة، وسبب ذلك أنَّه صلى الله عليه وآله وسلم لَمْ يَعْتَدْ أن يكون في وقت الضحى عند أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها إلا نادرًا، ويرجع ذلك لكونه صلى الله عليه وآله وسلم مسافرًا، أو حاضرًا ولكنه في المسجد أو عند غيرها مِن زوجاته، فيَصِحُّ قولُها: "ما رأيتُه يصليها" في حقِّ ما عاينته بنَفْسها مِن حاله صلى الله عليه وآله وسلم، وتكون قد علمت بخبره أو خبر غيره أنه صَلَّاها؛ كما جاء في "شرح صحيح مسلم" للإمام النووي (5/ 230، ط. دار إحياء التراث العربي).
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: صلاة الضحى وقت صلاة الضحى دار الإفتاء النبی صلى الله علیه وآله وسلم ه صلى الله علیه وآله وسلم قال الإمام ى الله ع ما جاء
إقرأ أيضاً:
لماذا لم تحدث الإسراء والمعراج على أجنحة الملائكة؟.. اعرف السبب
لماذا لم تحدث الإسراء والمعراج على أجنحة الملائكة؟ سؤال يتبادر إلى الأذهان ونحن على أعتاب ليلة الإسراء والمعراج، والتي تحين مساء اليوم الأحد الموافق السادس والعشرين من شهر رجب المعظم.
لماذا لم تحدث الإسراء والمعراج على أجنحة الملائكة؟وورد في الإسراء والمعراج أحاديث كثيرة منها: ما ورد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «لَمَّا كَذَّبَتْنِى قُرَيْشٌ قُمْتُ في الْحِجْرِ فَجَلاَ اللهُ لي بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ»، هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.
أدلة حدوث رحلة الإسراء والمعراج .. معجزة حيَّرت العقول وطمأنت قلب النبيما سبب حدوث رحلة الإسراء والمعراج؟ .. اعرف السر الإلهيوللإجابة عن هذا السؤال المهم وشرحه للعامة، قالت دار الإفتاء المصرية، إن الحكمة في الإسراء بالنبي على البراق ولم يكن الإسراء على جناح الملائكة؛ كما كانت الأنبياء قبله، أو على الريح؛ كما كانت تحمل سيدنا سليمان عليه السلام، أو الخطوة؛ كطيّ الزمان والمكان؛ كما يقع من الأولياء، وكان على البراق؛ ليطلع صلى الله عليه وآله وسلم على الآيات التي مُثِّلَت له في الطريق.
وتابعت، دار الإفتاء في إجابتها عن سؤال: لماذا لم تحدث الإسراء والمعراج على أجنحة الملائكة؟: وليتضمن أمرًا عجيبًا، ولا عجب في حمل الملائكة أو الريح أو الخطوة بالنسبة إلى قطع هذه المسافة بخلاف قطعها على دابة صغيرة؛ كالبراق، خصوصًا وقد عَظَّمَتْهُ الملائكة بما هو أعظم من حمله على أجنحتها؛ إذ كان الآخذ بالركاب هو جبريل عليه السلام، والآخذ بالزمام ميكائيل عليه السلام وهما أكبر الملائكة، فاجتمع له صلى الله عليه وآله وسلم حمل البراق، وما هو كحمل البراق من الملائكة، وهذا أتم في الحفاوة وأبلغ في الشرف.
وأوضحت دار الإفتاء، أن الحكمة في صعوده صلى الله عليه وآله وسلم على المعراج لم يكن العروج على أجنحة الملائكة كغيره من الأنبياء وكان على المعراج؛ لتضمنه أمرًا عجيبًا وهو سقوط مراقيه الواحدة بعد الأخرى ليضع النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدمه عليها فترتفع به إلى محلّها، فيقطع تلك المسافة في أقرب من طرفة عين، ولقد رافقه في المعراج جبريل عليهما السلام؛ ليستأنس به، وليكون ذلك أتمّ وأبلغ في الحفاوة والشرف.
صيام الإسراء والمعراجعن حكم صيام الإسراء والمعراج، قال الدكتور عمرو الورداني، أمين الفتوى بدار الإفتاء، إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان كثير الصيام في شهري رجب وشعبان أو في الأشهر الحرم بصفة عامة، فإذا كان الشخص يصوم في هذه الأشهر من باب العادة فليصم ولا حرج عليه، فمن كان عادته الصيام في رجب ويريد صيام يوم الإسراء والمعراج فليصم.
وتابع في حكم صيام الإسراء والمعراج : أما الشرع فلم يخصص صيام ليلة الإسراء والمعراج بالتحديد وإنما صيامها وصيام يوم عاشوراء وصيام يوم وقفة عرفات وليلة النصف من شعبان، وغير ذلك من المناسبات الدينية هي نابع ديني من استطاع فليفعل وله الثواب ومن لم يستطع فلا إثم عليه.