4 يناير، 2024

بغداد/المسلة الحدث:

 خالد عليوي العرداوي

اصبح هذا السؤال الشغل الشاغل لجميع مراكز الأبحاث والدراسات ومؤسسات صنع القرار في المنطقة والعالم، وتطرح في الإجابة عليه سيناريوهات متعددة، تتراوح بين تلك الحذرة والمتفائلة بعدم ذهاب الأمور نحو الأسوء، وتلك المتشائمة التي ترى ان ما جرى في السابع من أكتوبر السنة الماضية، عندما قامت حركة حماسها بهجومها الدموي ضد المستوطنات والقواعد العسكرية الإسرائيلية الموجودة في غلاف غزة ما هو الا شرارة ستحرق الشرق الأوسط برمته، وبين هذا وذاك تعيش دول المنطقة حالة من التيه والحيرة واللا يقين مما هو قادم في الأسابيع والشهور القادمة من سنة 2024.

على أي حال، وبدون الدخول في كثير من التفاصيل، لابد من القول إن منطقة الشرق الأوسط لا يوازيها في أهميتها الجيواستراتيجية الدولية أي منطقة أخرى في العالم، فناهيك عن ثرواتها الطبيعية الضخمة المؤثرة على الاقتصاد الدولي، تجدها تمثل منطقة العقدة في سلاسل الامداد العالمية، اذ تلتقي فوقها وتتقاطع مصالح إقليمية ودولية عديدة، فهي: تمثل مركزا حيويا في استراتيجية الصين المعروفة بـ”مبادرة الحزام والطريق”، والمشروع الأمريكي المعروف بـ”الممر الاقتصادي الهند-أوربا”، فضلا عن المشاريع الإقليمية الطموحة، كمشروع ” طريق التنمية” العراقي، ومشروع “جنوب-شمال” الإيراني.

والمعروف تماما ان طرح هذه المشاريع وغيرها، لا يرتبط فقط برغبات أطرافها في تبادل المصالح والسلام فيما بينها، بل يرتبط كذلك في تنافسها وصراعها المحموم على الهيمنة الإقليمية والدولية، ولذا من التبسيط للأمور التصور بأن المنطقة كانت بعيدة عن الصراع الإقليمي والدولي قبل هجوم حماس في السابع من أكتوبر، ثم وقفت على حافته بعد هذا التاريخ، فعلى العكس تماما كانت مؤخرا مركزا لصراع ملحمي منذ أن ادرك الكثير أن الولايات المتحدة لم تعد تسطيع لعب دور شرطي العالم، وان زمان القطبية الأحادية اصبح على وشك الافول مع ظهور تحديات دولية عديدة لا تستطيع واشنطن لوحدها مواجهتها، وظهور قوى طامحة ومقتدرة راغبة في ان يكون لها دور فعال في القيادة العالمية، بل وتغيير معادلاتها بشكل كبير.

وعليه، إذا كان الشرق الأوسط يمر واقعا بصراع إقليمي ودولي شديد، فلماذا تتصاعد المخاوف في الوقت الحاضر من هذا الصراع، لا سيما بعد حرب غزة؟

حقيقة أن ما حصل في السابع من أكتوبر يفتح صفحة جديدة في الصراع القائم، فهو يعجل بالصدام بين الأطراف الرئيسية التي اكتفت فيما مضى بإدارته عبر الوكلاء المحليين او من خلال عمليات نوعية مسيطر عليها عبر الاغتيالات، والهجمات المحدودة، واثارة البلابل هنا وهناك لبعضها البعض.

ان الخطأ الذي يقع فيه الكثير من المهتمين يكمن في اعتقادهم بعودة عقارب الساعة الى ما قبل هجوم حماس المميت، واستمرار اللعب وفقا لقواعد اللعبة السائدة آنذاك، في الوقت الذي أصبحت فيه هذه القواعد بالية ومجرد شيء من الماضي، اذ لا يمكن مقارنة الحرب الحالية في غزة بأي صراع عربي-إسرائيلي جرى منذ اتفاق أوسلو الى الوقت الحاضر، بل ان هذه الحرب تشبه من حيث التأثيرات الإقليمية والدولية حربي سنة 1948 وسنة 1967، كونها ستنهي مرحلة زمنية معينة من حيث التوازنات والمواقف والتحالفات والقوى المتزعمة للمشهد السياسي في المنطقة، وتفتح صفحة جديدة مختلفة تماما، ولذا وصف نتنياهو هذه الحرب بـ “حرب الاستقلال الثانية”، وهذا ما تدركه تماما القيادات السياسية بعيدة النظر في المنطقة والعالم، ولذا هي تترقب وتتخذ مواقف حذرة مما سيأتي به اليوم التالي.

ومع إدراك هذه الحقيقة، ربما لا يكون السؤال الأنسب هو هل وصل الشرق الأوسط الى حافة صراع إقليمي ودولي واسع، بل هل سيتصاعد هذا الصراع مستقبلا، وما تداعياته؟

والاجابة على ذلك، هي نعم سيتصاعد الصراع وهذا أمر مفروغ منه، ومن المؤشرات على تصاعده أمرين مهمين:

الامر الأول-ظهور ملامح تبدل واضحة في استراتيجية الامن القومي الإسرائيلي مدعومة بمزاج شعبي داخلي داعم للقتال بنسبة 99%. لقد بنت إسرائيل استراتيجيتها لردع خصومها في المنطقة على مرتكزين أساسيين هما: تفوق عسكري تقليدي وغير تقليدي غير قابل للهزيمة، وتفوق استخباراتي غير قابل للشك، وقد أمنت تفوقها هذا بالجدران الآمنة، والقبة الحديدية وغيرها، مما جعلها تقبل بوجود خصم قريب او بعيد منها تخوض معه صراعا وفقا لقواعد اشتباك مسيطر عليها، معتقدة بعدم قدرته في النهاية على الحاق الأذى بها…ولكن كل ذلك الردع انهار مرة واحدة والى الابد في ساعات محدودة فجر السابع من أكتوبر، وهذا الامر جعل القيادة والشعب في إسرائيل يستيقظ فجأة على حقيقة ان كل مرتكزات الردع لديه لم تمنع خصما عنيدا مستعدا للمخاطرة كحماس من مهاجمة إسرائيل وتكبيدها خسائر فادحة لم تكن متوقعة، بل جعل وجود إسرائيل نفسها محل شك، وهذا الادراك يمكن تلمسه في وصف القيادات الإسرائيلية السياسية والعسكرية للحرب الدائرة اليوم انها حرب وجودية.

لقد غيرت هذه الحقيقة المزعجة نظرة الإسرائيليين لأنفسهم ولخصومهم، ولذا هم بدأوا تحولا شاملا من استراتيجية القبول بوجود خصوم يهددونهم ويتعاملون معهم وفقا لقواعد اشتباك متفق عليها الى استراتيجية جديدة ستتضح معالمها بشكل واضح قريبا تقوم على تدمير الخصوم وعدم انتظار قيامهم بأفعال مميتة مماثلة لفعل حماس، وما هذا التشدد الإسرائيلي في المواقف، والسقف العالي للحرب الذي لا يقبل الا بتدمير حماس عسكريا وسياسيا الا مظاهر جلية للاستراتيجية الجديدة، والتي سوف لن تتوقف ابعادها عند حدود حماس، بل سيتسع مداها بالتتابع فيما بعد لتشمل حزب الله في لبنان، ومن تعتقدهم تل ابيب وكلاء ايران في سوريا والعراق واليمن، وربما يتطور الصراع لاحقا ليشمل ايران نفسها عندما تتوفر الظروف والدوافع المناسبة لذلك، وقد ظهرت ملامح هذا التصعيد في نوعية عمليات تل ابيب في المنطقة مثل اغتيال رضى موسوي القائد البارز في الحرس الثوري الإيراني في سوريا، واغتيال صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في الضاحية الجنوبية للبنان.

هذه الاحداث وغيرها تمثل خروجا عن الخطوط الحمراء في اللعب بين إسرائيل وخصومها، وتعكس رغبة مؤكدة لدى قيادتها السياسية في توسيع الصراع وتوريط مزيد من الخصوم فيه تمهيدا لسحقهم والخلاص من تهديدهم، وقطعا لن يبقى هؤلاء الخصوم بلا رد، بل ستأتي لحظة ما مخطط لها بعناية لتجعلهم يخرجون عن صبرهم الاستراتيجي، لتأخذ حلقة النار بالخروج من غزة والتمدد إقليميا، فإسرائيل وخصومها اليوم ينطلقون من عقليات مختلفة في التفكير بالمصالح والمواقف والتصورات لمستقبل وجودهم في المنطقة، ومثل هذا الاختلاف والتقاطع لن يعطيهم فرصة للتفاوض وبناء السلام المستدام، بل كل ما جرى في الماضي او ما سيجري في المستقبل مبني على ترحيل الصدام لمرحلة لاحقة، ولكن يبدو ان تل ابيب لم تعد تقبل بهذه اللعبة، فهي تعلمت من درس حماس ان كل ترحيل يقود الى اكتساب خصومها المزيد من القوة على حسابها، مما يعني ان ما تدفعه من الثمن في المستقبل سيبلغ اضعاف ما يمكن ان تدفعه في الوقت الحاضر.

الامر الثاني-تهديد الممر الملاحي الدولي في مضيق باب المندب وخليج عدن من قبل جماعة أنصار الله الحوثيين. بداية ليس عجبا ان تذهب بعض التحليلات الى ان من بين الدوافع التي دفعت الرئيس الأمريكي بايدن في اجتماع مجموعة العشرين المنعقد في الهند في شهر أيلول-سبتمبر السنة الماضية الى الإعلان عن مشروع ” الممر الاقتصادي الهند-أوروبا” هو إيجاد ممر بديل لممر الامدادات التقليدي في البحر الأحمر وقناة السويس في حال حصول تهديدات تعرقل الملاحة الدولية عبر الممر الأخير، وهذا يعني ان عواصم صنع القرار الدولي تدرك تماما ان استقرار الملاحة في البحر الأحمر لن يستمر طويلا، وان هذه المنطقة مقبلة على مرحلة حساسة من الصراع تحتم عليها إيجاد ممرات بديلة حتى لو كانت عالية الكلفة. ولكن مع عدم اكتمال مشاريع الممرات الأخرى، يبقى ممر البحر الأحمر ممرا أساسيا لاستقرار الاقتصاد الدولي، ويشكل أي تهديد له تهديدا مباشرا وغير مقبول لهذا الاقتصاد.

وعليه، فان هجمات الحوثيين على سفن الشحن الدولية بذريعة دعم حماس والضغط على إسرائيل جاء في وقت غير مناسب بالنسبة لحسابات واشنطن وحلفائها الغربيين والشرق اوسطيين، ومهما تذرع الحوثيون بالالتزام العقائدي والأخلاقي للوقوف الى جانب الفلسطينيين، فان تهديدهم للاقتصاد العالمي لن يتم مغفرته لهم، وهذا سيجعلهم في مرمى النيران، بل وفي قلب المشاريع الدولية المتصارعة، ولذا سارعت واشنطن ومعها اكثر من عشرين دولة الى تشكيل تحالف “حارس الازدهار” لحماية الملاحة في البحر الأحمر، وقد بدأ هذا التحالف بالفعل اعمالا قتالية صغيرة ضد الحوثيين عندما قامت واشنطن يوم الاحد الموافق 31 سبتمبر الماضي بضرب ثلاثة زوارق قتالية صغيرة للحوثيين اسفرت عن مقتل عشرة منهم، وتأهب لندن وواشنطن لتوجيه انذار أخير لهم لمنعهم من القيام بأفعال معادية اخرى …وفي حال عدم انصياعهم للتحذير، مع توجيه اتهامات غربية مباشرة لطهران بتشجيعهم للقيام بهذه الأفعال، فهذا يعني ان الصراع سيتصاعد لا محالة.

إضافة الى هذين الامرين الحاسمين في تصاعد حدة الصراع الإقليمي والدولي، فان استمرار عمليات الفصائل المسلحة في المنطقة ضد القواعد والمصالح الغربية، والأمريكية على وجه الخصوص، لن ينظر له بارتياح وستكون عواقبه وخيمة اذا ما ترتب عليه سقوط ضحايا غربيين، فما قد تقع فيه الفصائل من خطأ في الحسابات هو الاعتقاد بانها ستفرض أمرا واقعا على واشنطن وحلفائها يدفعها الى الانسحاب من المنطقة، وهذا أمر من غير المتوقع حصوله، فواشنطن اليوم تخوض صراعا متعدد الجبهات على المستوى العالمي، وهي تدرك أن انسحابها من أي بقعة في العالم يعني خلق منطقة فراغ ستملئ من قبل خصومها الإقليميين والدوليين، لذا هي لا تريد منح خصومها هذه الهبات المجانية، وعلى قدر تعلق الامر بالشرق الأوسط، لا يبدو انها راغبة بتكرار تجربة انسحابها من العراق سنة 2011، فتمنح المزيد من مناطق الفراغ لتملئ من قبل طهران وحلفائها، واذا ما وجدت نفسها مضطرة لذلك في بعض الأحيان فلن يكون ذلك بدون ثمن يدفعه خصومها.

من خلال ما تقدم، فان الشرق الأوسط في سنة 2024 لن يكون اقل سخونة من سنة 2023، بل على العكس قد تكون سخونة الشهور الأخيرة من سنة 2023 مجرد احماء لما هو قادم في السنة الجديدة، فكل الأطراف تشحذ سيوفها، وطبول الصراع تقرع بأعلى اصواتها، ولن ينجوا مما هو قادم الا الدول القوية التي تتصف بقيادات حكيمة فعالة تمتلك الثقة والاحترام من قبل شعوبها، ولديها القدرة على التكيف الإيجابي مع تطورات الاحداث، اما الضعفاء والحمقى فمصيرهم السحق والاذلال.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

المصدر: المسلة

كلمات دلالية: السابع من أکتوبر الشرق الأوسط فی المنطقة من قبل

إقرأ أيضاً:

داليا عبد الرحيم: الجماعات الإرهابية تُعيد هيكلة خارطة الصراعات العالمية.. باحث: الشرق الأوسط يُعاد تشكيله من قبل أطراف غير عربية.. وصراع المنطقة يؤثر على العالم أجمع

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

قالت الإعلامية داليا عبد الرحيم، رئيس تحرير جريدة “البوابة نيوز”، ومساعد رئيس قطاع القنوات الإخبارية بالشركة المتحدة للخدمات الإعلامية لملف الإسلام السياسي، إنه في عالم يشهد تحولات أمنية معقدة وتحديات متسارعة تواصل الجماعات الإرهابية إعادة تشكيل خارطة الصراعات العالمية بأساليب أكثر تطورًا ودموية، وبينما يتطلع المجتمع الدولي إلى إيجاد حلول جذرية لمكافحة هذا الخطر المتنامي، نجد أن هذه الجماعات تُطور استراتيجياتها لتواكب العصر الرقمي وتستغل النزاعات الإقليمية لتحقيق أهدافها.

وأضافت “عبدالرحيم”، خلال تقديم برنامج "الضفة الأخرى"، المذاع عبر فضائية "القاهرة الإخبارية"، أننا سنُسلط الضوء على أبرز الجماعات الإرهابية التي برزت بقوة في عام 2024، ونتناول بالتفصيل أخطر عملياتها وتأثيرها على الأمن العالمي، موضحة أن الجماعات الإرهابية لم تعد مجرد تنظيمات تعتمد على العمليات المسلحة التقليدية؛ بل أصبحت كيانًا متطورًا يمتلك أدوات إعلامية ودعائية متقدمة، ويستغل التكنولوجيا لتحقيق أهدافه، وشهد عام 2024 عودة جماعات كـ"داعش" و"القاعدة" إلى الواجهة عبر عمليات نوعية أظهرت قدرتها على التكيف مع الظروف الجيوسياسية المتغيرة. 

وأوضحت أن بيئات النزاع المستمرة في أفريقيا والشرق الأوسط لعبت دورًا رئيسيًا في تعزيز نشاط هذه الجماعات، واستغلت الجماعات المتطرفة الأوضاع الإنسانية المتدهورة والفقر والجهل كأدوات لتوسيع قاعدة تجنيدها، واليوم باتت هذه التنظيمات تملك قدرات عابرة للحدود، وتُنسق فيما بينها بشكل غير مسبوق لتحقيق أهداف مشتركة، وشهد عام 2024 سلسلة من العمليات الإرهابية الدموية التي استهدفت مدنيين وعسكريين على حد سواء؛ وبرز تنظيم داعش من جديد بتنفيذه هجمات واسعة النطاق في دول الساحل الإفريقي حول بحيرة تشاد ونيجيريا أسفرت هذه الهجمات عن مئات الضحايا، وتهجير المئات من السكان المحليين وفي آسيا الوسطى.

وتابعت: نفذت خلايا مرتبطة بتنظيم القاعدة هجمات متنوعة تظهر القدرة على التخطيط الدقيق وتكتيكات مُعقدة تُظهر أن هذه الجماعات لم تفقد قدراتها رغم الضربات الأمنية المتكررة، كما طالت هجمات تنظيم داعش القارة الأوروبية في أكثر من عملية ارهابية والتي تؤكد اعتماد هذه الجماعات الإرهابية على استراتيجيات متعددة تجمع بين الترهيب العسكري والتأثير الإعلامي، وأصبح التجنيد الرقمي عبر منصات التواصل الاجتماعي من أبرز الأدوات التي تستخدمها هذه التنظيمات لاستقطاب الشباب، حيث تُبث رسائل مُحكمة تسلط الضوء على مظالم حقيقية أو متخيلة لاستدراج العناصر الجديدة.

واستطردت: إلى جانب ذلك؛ تعتمد هذه الجماعات على الهجمات غير التقليدية مثل استخدام الطائرات المسيّرة والبرمجيات الخبيثة لاستهداف البنية التحتية الحيوية للدول؛ كما برزت تكتيكات "الذئاب المنفردة" كخيار مفضل لدى العديد من التنظيمات، حيث يتم تدريب الأفراد عن بعد للقيام بعمليات محدودة لكنها مؤثرة، وفي المقابل تواجه الحكومات تحديات ضخمة في مراقبة وملاحقة الشبكات الإرهابية المتنقلة، خصوصًا في ظل التقدم التقني واستخدام هذه الجماعات لأدوات تشفير متقدمة تمنع تتبع الاتصالات والمعاملات المالية، ولذلك أصبح التعاون الأمني والاستخباراتي بين الدول أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى لضمان الحد من مخاطر هذه الجماعات.

ولفتت إلى أنه يُمكننا أن نُشير الى أهم وأبرز ما استهدفه برنامج "الضفة الأخرى" وسعى من خلال حلقاته لتسليط الضوء عليه، وتقديمه للمشاهدين من تقارير معلوماتية وتحليلات موضوعية وقراءات مستقبلية ولقاءات وحوارات حصرية تقول إن أهم أهداف البرنامج تركزت في الأتي: أن معركة مصر مع أفكار وجماعات التطرف والإرهاب، وعلى رأسهم جماعة الإخوان معركة مصيرية ما زالت قائمة وممتدة، وإن نجحت مصر وشعبها في إسقاط مشروع الإخوان وحلمهم ودولتهم في ثورة 30 يونيو، إلا أن التحديات مستمرة، والتصدي لأفكار وأدبيات الإرهاب معركة لا تقل أهمية وخطورة عن التصدي لممارسات العمل الإرهابي المسلح، ومن هنا كانت الضرورة بالعناية والمعالجة الإعلامية المتكاملة للتعريف وتقريب المشاهد في مصر وخارجها بأبعاد التجربة المصرية المتفردة في التصدي الفكري للإرهاب على صعيد الأفكار والثقافة الحاضنة يدًا بيد مع التصدي الميداني المباشر لمُمارسته ومخططاته المسلحة.

وأكدت أن حلقات "الضفة الأخرى" ركزت أيضا على إبراز وعرض مفهوم “المواجهة الشاملة للإرهاب” وهو الشعار الرئيسي للمعركة التي خاضتها مصر ضد الإرهاب منذ ثلاثة عقود، والتي تبلورت واستقرت أركانها بشكل واضح وفعال بعد ثورة 30 يونيو، المواجهة الشاملة التي ترتكز على رؤية متكاملة تعتمد على التنمية الشاملة وتحسين جودة المعيشة والعدل الاجتماعي وبناء الدولة العصرية الحديثة "الجمهورية الثالثة"، وخلق مناخ ثقافي وفكري ينشر ثقافة الحوار وقبول الأخر المُغاير في الجنس أو العقيدة، ومن هنا أيضًا كانت العناية بإبراز الدور المصري الفاعل والمهم في التصدي لأخطار الإرهاب على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، وتكرر في الكثير من حلقات البرنامج التأكيد على رؤية مصر ودعوة الرئيس السيسي بضرورة اتفاق إرادة المجتمع الدولي ومؤسساته المعنية ودوله وشعوبه على رؤية موحدة ومتكاملة لمواجهة الإرهاب وأخطاره.

ونوهت بحرص فريق عمل البرنامج على الالتزام بالموضوعية والأمانة العلمية والتدقيق والتوثيق في إعداد “مادة البرنامج”، والاعتناء باختيار ضيوفه من الخبراء والباحثين، وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أنه وعلى مدار حلقات البرنامج تم استضافة ما يقترب من 100 باحث وخبير ومفكر من المصريين والعرب "السودان - لبنان - ليبيا - تونس - المغرب - الجزائر - موريتانيا - الصومال - العراق - الأردن - فلسطين - سوريا - اليمن)  ومن عدة دول أوروبية.

ولفتت إلى أنه في ظل الصراعات المستمرة والأزمات السياسية والاقتصادية أصبحت منطقتا الشرق الأوسط وأفريقيا مسرحًا خصبًا لتنامي الجماعات الإرهابية وتوسع نفوذها، من غزة إلى سوريا حيث غذت الحرب الأهلية والفوضى صعود داعش والميليشيات المسلحة، وفي ليبيا أدى الفراغ السياسي وانتشار السلاح إلى تصاعد نفوذ الجماعات الإرهابية، بينما تواجه دول الساحل الأفريقي تهديدات متزايدة من تنظيمات مثل القاعدة وداعش.

وعرضت “عبدالرحيم”، خلال برنامج "الضفة الأخرى"، المذاع عبر فضائية "القاهرة الإخبارية"، إنفوجرافًا يرصد أبرز بؤر الإرهاب في الشرق الأوسط وأفريقيا، وتأثيرها على الأمن الإقليمي والدولي، والذي كشف عن تنامي الإرهاب في الشرق الأوسط وإفريقيا.

وبدأ الإنفوجراف بغزة، حيث أشار التقرير إلى أن التطرف الإسرائيلي واستمرار الإبادة الجماعية يُغذي جماعات التطرف اليميني داخل إسرائيل ويُزيد من التهديدات الأمنية في الشرق الأوسط، فضلا عن سوريا حيث أن الحرب الأهلية وفوضى السلاح غذت ظهور داعش وميليشيات مسلحة، ثم دولة ليبيا والتي عانت من فراغ سياسي وانتشار السلاح الذي يُعزز نشاط الجماعات الإرهابية، علاوة على منطقة الساحل الأفريقي والتي شهدت تنظيمات كـ"القاعدة" و"داعش" اللذان يُهددان الأمن الإقليمي، ثم تأتي دولة نيجيريا والتي شهدت تواجد تنظيم "بوكو حرام" الذي قتل وهجر الآلاف وتوسع نشاطها إقليميًا، وآخرها القرن الأفريقي والذي شهد تواجد حركة "الشباب" بالصومال؛ التي زعزعت الاستقرار المحلي والدولي.

وأكدت أن العرض السابق كشف عن خريطة التهديدات الإرهابية المتصاعدة في الشرق الأوسط وأفريقيا، حيث تتشابك الأزمات السياسية والصراعات المسلحة مع الفقر والتطرف لتهيئة بيئة خصبة لنمو الجماعات الإرهابية من غزة وسوريا وليبيا، حيث يُستغل الانقسام والفوضى لتعزيز النفوذ المسلح إلى الساحل الأفريقي ونيجيريا، وتواصل جماعات مثل القاعدة وبوكو حرام زعزعة الاستقرار وتهجير السكان، وفي القرن الأفريقي تبقى حركة الشباب الصومالية تهديدًا عابرًا للحدود؛ وكل نقطة على هذه الخريطة تُمثل جرس إنذار للمجتمع الدولي بضرورة التحرك الفعّال لمواجهة هذا الخطر المتنامي.

وأوضحت أنه أصبح واضحًا أن خطر الجماعات الإرهابية لا يزال حاضرًا بقوة، بل ويتنامى بشكل متسارع نتيجة تداخل عوامل معقدة من أزمات سياسية واقتصادية وإنسانية، موضحة أن التطور الكبير في استراتيجيات هذه الجماعات، سواء على مستوى العمليات الميدانية أو التوظيف الذكي للتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي يجعل من التصدي لها تحديًا دوليًا يتطلب تنسيقًا وتعاونًا غير مسبوقين.

واختتمت أنه يبقى الأمل معقودًا على تعزيز الجهود الدولية لمواجهة هذا الخطر من خلال معالجة الأسباب الجذرية التي تدفع الأفراد نحو التطرف، وتحقيق استقرار حقيقي في المناطق التي أصبحت مسرحًا لنشاط هذه الجماعات، مشيرة إلى أن مواجهة الإرهاب ليست مسؤولية الحكومات فقط، بل هي مسؤولية مشتركة للمجتمع الدولي بأكمله. 

بدوره قال محمد يسري، الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإرهابية، إن الأحداث في 2024 كانت ساخنة للغاية في مناطق النزاع، ومن الطبيعي أن تتزايد نشاطات الجماعات المتطرفة بصورة غير مسبوقة. 

وأضاف "يسري"، خلال حواره مع الإعلامية داليا عبد الرحيم، ببرنامج "الضفة الأخرى"، المذاع على فضائية "القاهرة الإخبارية"، أن أوروبا اتخذت العديد من الإجراءات لمنع تنامي ظاهرة التطرف والإرهاب، ومنع حدوث العمليات الإرهابية سواء من قبل التطرف الإسلامي أو اليمين المتطرف، مشيرًا إلى أن ألمانيا شهدت حادثًا مأساويًا، حيث نفذ طبيب سعودي متطرف عملية إرهابية  في برلين.

وأوضح أن الصراع في الشرق الأوسط يؤثر سلبًا على كافة دول العالم بسبب وجود تشابكات كثيرة من الناحية الحضارية بين أوروبا والشرق الأوسط، مشيرًا إلى أن الجماعات المتطرفة في حالة تزايد في أوروبا خلال السنوات الأخيرة، وشهدت بليجكا وألمانيا الكثير من الأعمال المتطرفة خلال الفترة الأخيرة.

وأشار إلى أن عام 2025 قد يشهد أمورًا أشد خطورة مما حدث في 2011، وقد تتشكل بؤرًا إرهابية في أوروبا للانتقام مما يحدث في الشرق الأوسط من حروب وأزمات، موضحًا أن تصاعد أحداث العنف في 2024 كان أمرًا طبيعيًا نظرًا لاشتعال مناطق النزاع بصورة غير مسبوقة في الشرق الأوسط والعالم.

واختتم أن الكثير من الدول في أوروبا مثل ألمانيا والنمسا اتخذوا الكثير من الإجراءات لمواجهة التطرف الذي اشتعل في أوروبا خلال العام الماضي.

من جانبه قال الدكتور بشير عبد الفتاح، الكاتب والباحث السياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تحدث عن إعادة تشكيل الشرق الأوسط من خلال ضرب حماس وحزب الله وسوريا، مشيرًا إلى أن معالم الشرق الأوسط بدأت تتشكل خلال الفترة الحالية.

وأضاف "عبد الفتاح"، خلال حواره مع الإعلامية داليا عبد الرحيم، ببرنامج "الضفة الأخرى"، المذاع على فضائية "القاهرة الإخبارية"، أن شكل الشرق الأوسط الجديد للأسف صُنع من قبل أطراف غير عربية مثل أنقرة ودولة الاحتلال والولايات المتحدة الأمريكية، مشيرًا إلى أن العرب كانوا غائبين عن رسم ملامح العالم العربي، موضحًا أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتمد على وكلائها في إدارة المنطقة مثل أنقرة ودولة الاحتلال الإسرائيلي، خاصة مع تراجع  الدور الإيراني نتيجية ضرب حزب الله وإسقاط نظام الأسد.

وأوضح أن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية أعلن عن هزيمة تنظيم داعش الإرهابي، ولكن هذا الأمر ليس حقيقيًا، مشيرًا إلى أن التحالف الدولي قد يكون هزم داعش بصورة قاسية، ولكن التنظيم لم ينته كفكرة وتنظيم، وانتقل إلى بيئات حاضنة في منطقة الساحل والصحراء في القارة السمراء.

ولفت إلى أن تنظيم داعش الإرهابي انتقل إلى ليبيا، وما زالت هناك خلايا للتنظيم متواجدة في سوريا، وهذه الخلايا بمثابة قنابل موقوتة، مشيرًا إلى أن الأكراد يُحذرون الغرب من فقدان السيطرة على الدواعش الموجودين في السجون حال استمرار الضربات التركية للأكراد "قسد"، مؤكدًا أن هناك زيادة في عدد وفيات العمليات الإرهابية بزيادة تُقدر بأربع أضعاف، وهذا دليل على أن الإرهاب لم ينته، حتى وإن نجح التحالف الدولي في القضاء على التنظيمات.

وأكد أن التنظيمات الإرهابية مثل داعش وبوكو حرام والقاعدة تمتلك قدرات تفوق قدرات العديد من الجيوش في الدول الإفريقية، وهذا يؤكد أن هذه الجماعات تحصل على دعم من قبل أجهزة استخبارات دولية، موضحًا أن التنظيمات الإرهابية تقوم الآن بالإتجار في المخدرات والسلاح، وتتعاون مع العصابات المنظمة في جرائم إرهابية، للحصول على المال والسلاح. 

وأشار إلى أن التنظيمات الإرهابية تُسيطر على حقول النفط وبعض المناجم، وتستخدم عوائد هذه الأصول في تجنيد المزيد من الإرهابيين والقيام بعمليات إرهابية سواء في إفريقيا أو أوروبا، موضحًا أن الإرهاب أصبح خطرًا يُداهم كافة الدول، منوهًا بأن الإرهاب السيبراني يسعى لتجنيد عناصر إرهابية من قبل مواقع التواصل الاجتماعي في الدول المستقرة، وليس الدول الهشة مثلما كان يحدث في السابق.

واختتم أن الإرهاب تطور بشكل كبير، وأصبح هناك خلايا نائمة لتنظيم داعش في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، للقيام بعمليات الذئاب المنفردة، موضحًا أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى للاعتراف بالنظام الجديد في سوريا، وتعمل على إعادة تقديم نظام الإسلام السياسي الموجود في سوريا كنظام مُعتدل، لافتًا إلى أن تعاطي أمريكا مع الإدارة السورية هو تعاطي ملغوم.

وقال عبد الحميد توفيق، الباحث السياسي السوري، إن الشكل السياسي الجديد للدولة السورية لم يتبلور بعد، مشيرًا إلى أن أحمد الشرع رئيس الإدارة الجديدة في سوريا تحدث عن تأجيل الانتخابات لمدة تصل لأربع سنوات لإعداد الدستور والتحضير للانتخابات. 

وأضاف "توفيق"، خلال حواره مع الإعلامية داليا عبد الرحيم، ببرنامج "الضفة الأخرى"، المذاع على فضائية "القاهرة الإخبارية"، أن أحمد الشرع تحدث عن إطلاق حوار وطني شامل خلال الفترة المقبلة دون أن يتحدث عن مصير الفصائل المسلحة التابعة لهيئة تحرير الشام، أو الفصائل الموالية لأنقرة وتقاتل الآن الأكراد بدعم تركي، موضحًا أن المشهد المسلح في سوريا هو من يطفو على السطح، خاصة وأن الفصائل المسحلة في سوريا ليست على قلب رجل واحد، ومن المُعتاد أن تتقاتل هذه الفصائل عند إسقاط السلطة، وهذا الأمر ليس بعيدًا عن سوريا خلال الفترة المقبلة.

وأوضح أن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب لن يتعاون مع التنظيمات الإرهابية في سوريا بشكل مُطلق في المنطقة، لأن هذا الأمر قد يُسبب قلقًا لدولة الاحتلال الإسرائيلي الحليف التقليدي للولايات المتحدة الأمريكية، مؤكدًا أن سجون الأكراد تحتوي على أكثر من 10 آلاف داعشي، وهذا الأمر بمثابة تحدي كبير، خاصة وأن الأكراد يلوحون بهذه الورقة في وجه أنقرة، بمعنى أن أي هجوم على هذه المناطق قد يؤدي إلى فرار الدواعش؛ وهذا يهُدد أمن المنطقة بصورة كبيرة والمصالح الأمريكية.

وتساءل قائلاً: "هل سيدفع ترامب السلطة الجديدة في سوريا بالعمل ضد داعش؟، هل سيُقدم ترامب على إضفاء شرعية على السلطة السورية الجديدة المصنفة كنظمة إرهابية؟.

مقالات مشابهة

  • زيارة البابا يوحنا بولس الثاني إلى دمشق مايو 2001.. دعوة للسلام والوحدة
  • التغييرات الجيوسياسية في الشرق الأوسط بين المد والجزر
  • الأمم المتحدة: الشرق الأوسط يشهد تصعيدًا خطيرًا للأعمال العدائية بين إسرائيل والحوثيين
  • بشير عبد الفتاح: نتنياهو يسعى لتحقيق هدفه بإعادة تشكيل شرق أوسط جديد (فيديو)
  • صراع الشرق الأوسط يدفع أسعار الذهب للصعود عالميا
  • داليا عبد الرحيم: الجماعات الإرهابية تُعيد هيكلة خارطة الصراعات العالمية.. باحث: الشرق الأوسط يُعاد تشكيله من قبل أطراف غير عربية.. وصراع المنطقة يؤثر على العالم أجمع
  • باحث: الصراع في الشرق الأوسط يؤثر على العالم أجمع
  • صحفي: إسرائيل تستغل الأحداث لتنفيذ أجندتها في الشرق الأوسط
  • 5 مشاهد من سيناريو الفتنة الكبرى في الشرق الأوسط
  • أبو شامة: إسرائيل تستغل الأحداث لتنفيذ أجندتها في الشرق الأوسط