3 رسائل نارية أطلقها الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في خطابه أمس الأربعاء بشأن جبهة جنوب لبنان المُندلعة ضدّ إسرائيل وعملية إغتيال القيادي في حركة "حماس" صالح العاروري بقصفٍ إسرائيلي طال الضاحية الجنوبية لبيروت الثلاثاء الماضي. 
الرسالة الأولى تتصلُ بإصرار "حزب الله" على عدم السكوت عن جريمة إستهداف العاروري، واضعاً مصير هذا الرد في إطار ما سيشهده الميدان عند الحدود في جنوب لبنان.

  
صحيحٌ أن كلام نصرالله في هذا الإطار كان متوقعاً، لكن ما يتبين هو أنّ الأخير فتح الباب أمام "عمليات أكثر نوعية" قد تظهر خلال الفترة المقبلة من المعركة، وستندرجُ في إطار الرد على ما قامت به إسرائيل ضد العاروري أولاً وضد الضاحية الجنوبية ثانياً. 
فعلياً، لم يحسم نصرالله طبيعة ما سيقوم به الحزب إنتقاماً للعاروري، لكنّ الظروف الميدانية والعسكرية القائمة حالياً تستوجب التحرك، وطالما أن جبهة الجنوب مفتوحة على مصرعيها، فإن الحزب قادر على التحرك ضمن قواعده وفي الوقت نفسه "إيلام" الإسرائيليين. 
الرسالة الثانية كانت مهمة جداً أيضاً حينما تحدّث نصرالله عن أن كل جبهة من جبهات محور المقاومة تتمتع بإستقلاليتها عن الأخرى. بمعنى آخر، عمد نصرالله إلى توجيه البوصلة، فأشار إلى أنّ كل جبهة قائمة بحد ذاتها وتتحرك وفق القواعد التي تراها مناسبة في بلدها وبحسب ما تقتضيه مصلحتها. هنا، فإنّ الخلفية في كلام نصرالله بارزة جداً، ومفادها إن "حزب الله" معنيّ أساسي بمحور المقاومة، لكنه يُدير جبهته بناءً لقواعده الخاصة والتي يراها مُناسبة، فهو الذي يُحدد مداها وتأثيرها. 
إنطلاقاً من هذه الفكرة، استكملَ نصرالله شرحه عبر التذكير مُجدداً بأنَّ معركة الحزب في جنوب لبنان هي لـ"مساندة غزة"، والكلام هنا  تثبيتٌ لمعادلة يسعى الحزب الى التأكيد عليها مراراً وهي أنه يتصرّف ضمن حدّ معين، وبالتالي عدم الإنخراط بشكلٍ مفتوح ضمن المعركة نظراً لوجود مصلحة لبنانية تقتضي عدم حصول حرب شاملة. 
ما لا يمكن إغفالهُ هنا هو أنّ نصرالله وبكلامه العلني هذا، وجّه رسائل واضحة إلى مختلف جبهات محور المقاومة لاسيما "حماس" التي كانت تطالب مراراً بفتح جبهة جنوب لبنان على سيناريوهات المواجهة الموسعة، ونقلها من حالة الإشغال إلى وضع الحرب. الأمرُ هذا يرفضه نصرالله تماماً، وكلامه بالأمس حمل رسالة واضحة: نحن من نُحدد ماذا سنفعل، فالمساندة ستكون مضبوطة، وحتى إن تم إغتيال مسؤولين في "حماس"، فإن ذلك لا يعني ذهابنا باتجاه مغامرة بافتعال حرب.  
وعليه، فإن أمين عام الحزب "طوّق" الأمر فوراً، وهذا الأمر يشيرُ إلى أن ردود "حزب الله" ستكون قوية لكنها محدودة وتحت سقف الإشتباك.  
في ما خصّ الرسالة الثالثة، فإن الخطوة تكمنُ فيها. في سياق كلامه، هدّد نصرالله الإسرائيليين بمواجهة الحرب وشنّها من دون أي ضوابط في حال فرضتها إسرائيل على لبنان. المسألةُ هنا لها أبعادٌ كبيرة جداً، كما أن إشارة نصرالله إلى إمكانية إستهداف منطقة غوش دان يضع نظرية إهتزاز إسرائيل في الواجهة مُجدداً.. فما السبب وراء هذا الكلام؟ 
أن يتحدث نصرالله عن المنطقة المذكورة بشكل واضح يرتبط باستهدافها، فإن ذلك يأخذ إسرائيل نحو التفكك الخطير. وللإشارة، فإن غوش دان تُعدّ أكبر منطقة حضرية في إسرائيل وتضمّ تل أبيب. بشكلٍ أو بآخر، يمكن اعتبار غوش دان بمثابة مقاطعة تضمّ العديد من المدن الإسرائيلية. وعليه، فإن الضوابط التي سينسفها "حزب الله" في أي حرب قد تُفرض عليه ستدفعه إلى قصف غوش دان، أي ضرب عقر دار الإسرائيليين بالصواريخ الدقيقة، وبالتالي تحقيق دمار هائل وكبير. 
المعادلة هنا ليست سهلة أبداً وغير عادية، وفي حال "غامرت" إسرائيل بفتح حربٍ ضد لبنان، عندها فإنّ وعد نصرالله بإعادة إسرائيل إلى العصر الحجري سيتحقق بشكلٍ فعلي.  
أمام كل ذلك، كان خطاب نصرالله يوم أمس مفصلياً بإمتياز، فمن خلاله أرسى معادلة ردعٍ جديدة وأدخل منطقة حيوية على خط المواجهة، والمقصود هنا غوش دان. هذا الأمر سيجعل الإسرائيليين يعيدون حساباتهم بشأن أي تهديد يُطلقونه ضد لبنان، وبالتالي التفكير ألف مرة في خطوة فتح حربٍ ضده. 
باختصارٍ شديد، فإن نصرالله يجيد إستخدام أوراق القوة، وخطاب الأمس يمكن أن يساهم في إقصاء المخاوف من الحرب بعيداً لأن إسرائيل هي التي ستفعل ذلك قبل أي أحد. 
ضُمنياً، يمكن أن يكون اغتيال العاروري مفتاحاً للتهديد بقصف غوش دان، في حين أن الرد على ما حصل في الضاحية سيكون متاحاً وفق القواعد التي يراها الحزب، أي أن ما سيحدث في إطار الإنتقام سيكون قوياً ولاذعاً لكنه لن يساهم في حدوث حرب مهما كان حجمه. وبذلك، يتبين أن نصرالله استطاع تأمين غطاء متين للضربات الإنتقامية لصالح العاروري و "حماس" من دون جر لبنان إلى حرب، وهنا ستكون إسرائيل مُلزمة لـ"بلع الموس" والقبول بما سيحصل لأن ذهابها بعيداً نحو مغامرة خطيرة ضد لبنان سيكلفها الكثير.  المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: جنوب لبنان حزب الله غوش دان

إقرأ أيضاً:

لماذا لم يترك نصرالله الضاحية قبل اغتياله؟

كثيرة هي التساؤلات التي طُرحت عن سبب وجود أمين عام "حزب الله" الشهيد السيّد حسن نصرالله داخل الضاحية الجنوبية لبيروت، رغم التهديدات الكبيرة بقصفها وإثر الاستهدافات العديدة التي طالتها قبل عملية اغتياله يوم الجمعة الماضي.
التحصينات الموجودة تحت المباني الـ6 التي قصفها العدو الاسرائيلي في الضاحية لم تمنح نصرالله الحماية الكاملة من الإستهداف ، علماً أن الأخير كان يعلم ومعه قادة "حزب الله"، أنّ لدى إسرائيل الكثير من القنابل التي تمكنها من اختراق التحصينات الخراسانية، وبالتالي الوصول إلى أيّ هدفٍ تحت الأرض.. فلماذا لم يترك نصرالله الضاحية وسط كل ذلك؟ وما الذي فرض عليه البقاء حتى تمكنت إسرائيل من اغتياله؟
في بادئ الأمر، كانت الخطيئة الأولى التي ربما ارتكبها "حزب الله" هي اعتبار الضاحية الجنوبية منطقة آمنة لنصرالله وسط كل التهديدات الإسرائيلية التي طالته، وبعد كل الاغتيالات التي حصلت في المنطقة ذاتها.
بالنسبة لمصادر معنية بالشأن العسكري، كان يُفترض على الحزب، ومنذ اغتيال القيادي في حركة "حماس" صالح العاروري في كانون الثاني الماضي، أي قبل 10 أشهر من الآن، اللجوء إلى أماكن جديدة لنقل نصرالله إليها، وبالتالي تأمين حمايته كون الاستهدافات الإسرائيليّة باتت تطال منطقة قيادات مركزية.
رغم أن الخطر يُحيط بالضاحية، إلا أن مسألة إبقاء القيادات فيها لم يكن بالأمر السهل بينما البديل عن ذلك قد لا يكون متوافراً. السبب الأساس هو أن مسألة الانتقال في تلك المنطقة هي أسهل بكثير من الإنتقال ضمن جنوب لبنان، فقيادة "حزب الله" بقيت في الضاحية ولم تنتقل بأكملها إلى جنوب لبنان لتتحصن ضمن الأنفاق التي أسسها الحزب ومنها "عماد 4".
ضمنياً، فإن "حزب الله" كان يعرف تماماً ماهية أنفاق وأبنية الضاحية والتحصينات الموجودة فيها، ولهذا السبب كانت تعتبرُ مركز عمليات له من خلال مبانيها المحصنة والأنفاق المُجهزة والغرف التي لا يمكن لأحد الوصول إليها بسهولة طالما أنها مُحاطة بـ"حزام أمني" من "حزب الله".
كل هذه الأمور كانت تدفع بـ"الحزب" لإبقاء نصرالله ضمن الضاحية، وطالما أن القيادات الأخرى موجودة هناك وتحتاج لزيارة نصرالله باستمرار، فإنّ مسألة بقاء الأخير ضمن المنطقة تعتبرُ أمراً أساسياً لا يمكن تجاهله أو استبداله، والسبب هو أن وصول قيادات الحزب إلى نصرالله كان يُفترض أن يكون سهلاً ومؤمناً. أما في حال كان نصرالله في مكانٍ والقيادات في مكان، عندها فإنّ الإتصال سيكون أصعب كما أن قدرة الوصول الشخصي ستكون مهمة شبه مستحيلة في ظل الرقابة الأمنية الإسرائيلية والمتابعة الجوية التي تفرضها طائرات التجسس والاستطلاع.
الأمر الأبرز وراء ذلك هو أن نصرالله كان يحتاج إلى خطوط اتصالات آمنة وسلكية وبعيدة كل البعد عن أجهزة اللاسلكي و"البيجر" التي تمّ تفجيرها قبل نحو أسبوعين. في الواقع، فإن الضاحية الجنوبية لبيروت توفر لنصرالله شبكة الاتصالات التي يريدها، لاسيما أنَّ البنى التحتية لذلك موجودة هناك، ما يعني أن الانتقال إلى مكان آخر من دون وجود بنى تحتية للاتصالات، سيجعل من الصعب على نصرالله الاستمرار في قيادة "حزب الله" بسهولة، كما سيُصعب على القيادات الأخرى التواصل معه.
كل هذه الأمور تعتبرُ من العوامل الأساسية التي كانت تمنع نصرالله من الخروج باتجاه منطقة أخرى خارج الضاحية.. لكن السؤال الأبرز وراء كل ذلك هو التالي: هل سيعالج الأمين العام الجديد للحزب الثغرات الأمنية التي أحاطت بأمن نصرالله؟ هل سيبقى في الضاحية كما حصل مع الأمين العام الشهيد والقادة الآخرين؟
الأمور هذه برمتها يجب النظر إليها بعين الاعتبار، بينما الأمر الأهم هو أن البنية الاستخباراتية التي بناها الحزب في الضاحية ليست سهلة، فهي كانت صمام الأمان لنصرالله لكن الخرق الاستخباراتي الذي حصل أسس لتهديد نصرالله فعلياً وهذا ما حصل. المصدر: خاص "لبنان 24"

مقالات مشابهة

  • استهدفته إسرائيل في سوريا.. ما كان دور صهر نصرالله في الحزب؟
  • تساؤلات عن مرافق نصرالله.. ما هو مصيره؟
  • حسن نصرالله.. شهيدا على طريق القدس
  • حسن نصرالله.. شهيدٌ على طريق القدس
  • بعد اغتيال نصرالله... كيف سيكون وضع حزب الله عند انتهاء الحرب؟
  • لماذا لم يترك نصرالله الضاحية قبل اغتياله؟
  • خطاب قاسم الاول.. استمرار بالخطة الاولى
  • ما الذي قاله نائب حزب الله أمين قاسم في أول خطاب بعد اغتيال نصر الله؟
  • في أول خروج إعلامي لحزب الله بعد اغتيال نصر الله…الحزب يؤكد أن مقاتلوه مستعدون لـ”مواجهة” تدخل بري إسرائيلي
  • تقرير لـThe Guardian: هل احدث اغتيال إسرائيل لنصرالله تأثيراً كبيراً على الحزب؟