مُفاجأة في خطاب نصرالله.. كلمة تلفَّظ بها خلطت كلَّ الأوراق!
تاريخ النشر: 4th, January 2024 GMT
3 رسائل نارية أطلقها الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في خطابه أمس الأربعاء بشأن جبهة جنوب لبنان المُندلعة ضدّ إسرائيل وعملية إغتيال القيادي في حركة "حماس" صالح العاروري بقصفٍ إسرائيلي طال الضاحية الجنوبية لبيروت الثلاثاء الماضي.
الرسالة الأولى تتصلُ بإصرار "حزب الله" على عدم السكوت عن جريمة إستهداف العاروري، واضعاً مصير هذا الرد في إطار ما سيشهده الميدان عند الحدود في جنوب لبنان.
صحيحٌ أن كلام نصرالله في هذا الإطار كان متوقعاً، لكن ما يتبين هو أنّ الأخير فتح الباب أمام "عمليات أكثر نوعية" قد تظهر خلال الفترة المقبلة من المعركة، وستندرجُ في إطار الرد على ما قامت به إسرائيل ضد العاروري أولاً وضد الضاحية الجنوبية ثانياً.
فعلياً، لم يحسم نصرالله طبيعة ما سيقوم به الحزب إنتقاماً للعاروري، لكنّ الظروف الميدانية والعسكرية القائمة حالياً تستوجب التحرك، وطالما أن جبهة الجنوب مفتوحة على مصرعيها، فإن الحزب قادر على التحرك ضمن قواعده وفي الوقت نفسه "إيلام" الإسرائيليين.
الرسالة الثانية كانت مهمة جداً أيضاً حينما تحدّث نصرالله عن أن كل جبهة من جبهات محور المقاومة تتمتع بإستقلاليتها عن الأخرى. بمعنى آخر، عمد نصرالله إلى توجيه البوصلة، فأشار إلى أنّ كل جبهة قائمة بحد ذاتها وتتحرك وفق القواعد التي تراها مناسبة في بلدها وبحسب ما تقتضيه مصلحتها. هنا، فإنّ الخلفية في كلام نصرالله بارزة جداً، ومفادها إن "حزب الله" معنيّ أساسي بمحور المقاومة، لكنه يُدير جبهته بناءً لقواعده الخاصة والتي يراها مُناسبة، فهو الذي يُحدد مداها وتأثيرها.
إنطلاقاً من هذه الفكرة، استكملَ نصرالله شرحه عبر التذكير مُجدداً بأنَّ معركة الحزب في جنوب لبنان هي لـ"مساندة غزة"، والكلام هنا تثبيتٌ لمعادلة يسعى الحزب الى التأكيد عليها مراراً وهي أنه يتصرّف ضمن حدّ معين، وبالتالي عدم الإنخراط بشكلٍ مفتوح ضمن المعركة نظراً لوجود مصلحة لبنانية تقتضي عدم حصول حرب شاملة.
ما لا يمكن إغفالهُ هنا هو أنّ نصرالله وبكلامه العلني هذا، وجّه رسائل واضحة إلى مختلف جبهات محور المقاومة لاسيما "حماس" التي كانت تطالب مراراً بفتح جبهة جنوب لبنان على سيناريوهات المواجهة الموسعة، ونقلها من حالة الإشغال إلى وضع الحرب. الأمرُ هذا يرفضه نصرالله تماماً، وكلامه بالأمس حمل رسالة واضحة: نحن من نُحدد ماذا سنفعل، فالمساندة ستكون مضبوطة، وحتى إن تم إغتيال مسؤولين في "حماس"، فإن ذلك لا يعني ذهابنا باتجاه مغامرة بافتعال حرب.
وعليه، فإن أمين عام الحزب "طوّق" الأمر فوراً، وهذا الأمر يشيرُ إلى أن ردود "حزب الله" ستكون قوية لكنها محدودة وتحت سقف الإشتباك.
في ما خصّ الرسالة الثالثة، فإن الخطوة تكمنُ فيها. في سياق كلامه، هدّد نصرالله الإسرائيليين بمواجهة الحرب وشنّها من دون أي ضوابط في حال فرضتها إسرائيل على لبنان. المسألةُ هنا لها أبعادٌ كبيرة جداً، كما أن إشارة نصرالله إلى إمكانية إستهداف منطقة غوش دان يضع نظرية إهتزاز إسرائيل في الواجهة مُجدداً.. فما السبب وراء هذا الكلام؟
أن يتحدث نصرالله عن المنطقة المذكورة بشكل واضح يرتبط باستهدافها، فإن ذلك يأخذ إسرائيل نحو التفكك الخطير. وللإشارة، فإن غوش دان تُعدّ أكبر منطقة حضرية في إسرائيل وتضمّ تل أبيب. بشكلٍ أو بآخر، يمكن اعتبار غوش دان بمثابة مقاطعة تضمّ العديد من المدن الإسرائيلية. وعليه، فإن الضوابط التي سينسفها "حزب الله" في أي حرب قد تُفرض عليه ستدفعه إلى قصف غوش دان، أي ضرب عقر دار الإسرائيليين بالصواريخ الدقيقة، وبالتالي تحقيق دمار هائل وكبير.
المعادلة هنا ليست سهلة أبداً وغير عادية، وفي حال "غامرت" إسرائيل بفتح حربٍ ضد لبنان، عندها فإنّ وعد نصرالله بإعادة إسرائيل إلى العصر الحجري سيتحقق بشكلٍ فعلي.
أمام كل ذلك، كان خطاب نصرالله يوم أمس مفصلياً بإمتياز، فمن خلاله أرسى معادلة ردعٍ جديدة وأدخل منطقة حيوية على خط المواجهة، والمقصود هنا غوش دان. هذا الأمر سيجعل الإسرائيليين يعيدون حساباتهم بشأن أي تهديد يُطلقونه ضد لبنان، وبالتالي التفكير ألف مرة في خطوة فتح حربٍ ضده.
باختصارٍ شديد، فإن نصرالله يجيد إستخدام أوراق القوة، وخطاب الأمس يمكن أن يساهم في إقصاء المخاوف من الحرب بعيداً لأن إسرائيل هي التي ستفعل ذلك قبل أي أحد.
ضُمنياً، يمكن أن يكون اغتيال العاروري مفتاحاً للتهديد بقصف غوش دان، في حين أن الرد على ما حصل في الضاحية سيكون متاحاً وفق القواعد التي يراها الحزب، أي أن ما سيحدث في إطار الإنتقام سيكون قوياً ولاذعاً لكنه لن يساهم في حدوث حرب مهما كان حجمه. وبذلك، يتبين أن نصرالله استطاع تأمين غطاء متين للضربات الإنتقامية لصالح العاروري و "حماس" من دون جر لبنان إلى حرب، وهنا ستكون إسرائيل مُلزمة لـ"بلع الموس" والقبول بما سيحصل لأن ذهابها بعيداً نحو مغامرة خطيرة ضد لبنان سيكلفها الكثير. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: جنوب لبنان حزب الله غوش دان
إقرأ أيضاً:
خبراء: كلمة الأمين العام لحزب الله رسمت خارطة المعركة والمفاوضات
بيروت- ألقى الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم، اليوم الأربعاء، كلمة شاملة، تناول فيها رؤية الحزب للوضع الراهن في لبنان، ودرات الكلمة حول 3 محاور رئيسية: المعركة، والتفاوض، وما بعد الحرب، وتضمنت رسائل متعددة المستويات، وجهت بشكل خاص إلى إسرائيل، والمفاوضين على الساحتين المحلية والدولية، إضافة إلى الداخل اللبناني.
تحدث نعيم قاسم عن المعركة في المحور الأول من كلمته، وأشار بوضوح إلى أن "على العدو أن يتوقع الرد على وسط تل أبيب إذا استهدف بيروت"، وأوضح أن المقاتلين مستعدون لخوض معركة طويلة، مع الحفاظ على القدرة على الوصول إلى الخطوط الأمامية، وإجراء التبديلات، وتوفير السلاح، وقال "سنظل في الميدان ونقاتل مهما ارتفعت الكلفة، وسنجعلها عالية باهظة، وسنرد اعتداء العدو ونحن في موقع الدفاع".
وفي المحور الثاني، تناول قاسم مسألة المفاوضات، مشيرا إلى استلامهم المقترح الأميركي بشأن وقف إطلاق النار، والذي قدموا ملاحظاتهم عليه، وأكد أن الحزب قرر عدم الخوض في تفاصيل الاتفاق عبر وسائل الإعلام، كما أوضح أن هناك تطابقا بين ملاحظات لبنان الرسمي وتلك التي قدمها الحزب، وأضاف أن "التفاوض يتم تحت سقفين رئيسيين: الأول هو وقف العدوان بشكل كامل وشامل، والثاني ضمان الحفاظ على السيادة اللبنانية".
وفي المحور الثالث، قدم قاسم رؤية الحزب وخارطة الطريق لمرحلة ما بعد الحرب، موضحا مواقفه من خلال 3 رسائل أساسية:
الرسالة الأولى: أكدت استمرار حزب الله في تبني موقفه السابق قبل الحرب وهو سياسة المقاومة. الرسالة الثانية: أعادت التأكيد والتذكير على ثلاثية "الجيش، الشعب، المقاومة"، مع الإشارة إلى أن الحزب معني بتسهيل انتخاب رئيس جمهورية ضمن الأطر الدستورية وتحت سقف اتفاق الطائف. الرسالة الثالثة: التزام الحزب بالمشاركة في إعادة الإعمار. مواقف حاسمةقال المحلل السياسي قاسم قصير، للجزيرة نت، إن كلمة نعيم قاسم جاءت لتأكيد مواقف حزب الله والمقاومة على الأصعدة العسكرية والسياسية والتفاوضية، موضحا أن "الكلمة حملت رسالة واضحة لكل من الداخل والخارج حول قوة الحزب وقدرته على الصمود، واستعداده لما بعد وقف الحرب، خاصة في ما يتعلق بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، والتمسك باتفاق الطائف، والمضي قدما في جهود إعادة الإعمار".
وأشار قصير إلى أن قاسم شدد على أن "فشل العدو في تحقيق أهدافه يعد انتصارا"، وأكد على قاعدة تكاتف الجيش اللبناني والشعب والمقاومة.
وفيما يخص المفاوضات، أشار المحلل إلى أن الأمين العام لحزب الله ربط نجاحها برد فعل إسرائيل والجدية التي يظهرها رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو، مشددا على ضرورة التفاوض تحت سقف وقف العدوان بشكل كامل وشامل، وحفظ السيادة اللبنانية.
وأضاف قصير أن قاسم توجه إلى النازحين معبرا عن تقديره لتضحياتهم، وأوضح أن الحزب سيقوم بواجبه قدر الإمكان، داعيا إياهم إلى الصبر، وأكد على أن عملية إعادة الإعمار ستتم بالتعاون مع الدولة فور وقف العدوان.
الأمين العام أكد التزام حزب الله بالمشاركة في إعادة الإعمار فور وقف العدوان الإسرائيلي (الجزيرة) التفاوض والناريرى المحلل السياسي توفيق شومان، في حديثه للجزيرة نت، أن خطاب نعيم قاسم يمكن قراءته من 3 زوايا رئيسية، أولها تتعلق بالميدان وتجديد بنك الأهداف بصورة يومية، وهو ما تعكسه عمليات المقاومة المستمرة التي تستهدف مستوطنات جديدة ومواقع عسكرية متنوعة، تشمل الأعمال الأمنية، والتقنية، والاستخبارية، والعسكرية، واللوجستية، وصولا إلى تل أبيب.
يشير شومان إلى أن هذه العمليات تعكس قبول المقاومة بمعادلة "التفاوض تحت النار"، التي يسعى العدو الإسرائيلي إلى فرضها، إلا أن الخطاب يبرز بوضوح استعداد المقاومة لمواجهة هذه المعادلة بكل السبل الممكنة، بهدف إفشال مساعي إسرائيل لتوظيف العدوان لتحقيق مكاسب سياسية في المفاوضات.
أما الزاوية الثانية فترتبط بالمفاوضات الجارية، التي تجري بالتنسيق والتناغم مع الدولة اللبنانية، ويوضح شومان أن خطاب قاسم اتسم بالتحفظ في التعليق على هذه المفاوضات، انتظارا لما ستسفر عنه زيارة آموس هوكشتاين إلى تل أبيب والرد الإسرائيلي المرتقب، وتأكيد قاسم استعداد المقاومة لخوض حرب طويلة إذا اختار العدو الإسرائيلي هذا السيناريو.
وبخصوص الزاوية الثالثة والمتعلقة بالوضع السياسي الداخلي، يشير المحلل إلى أن قاسم أكد التزام حزب الله باتفاق الطائف والعمل تحت سقفه، باعتباره عقدا سياسيا واجتماعيا وطنيا جامعا، في إشارة واضحة إلى تمسك الحزب بالشراكة الوطنية المتوازنة والمتساوية، ويرى شومان أن هذا الموقف ينفي أي نية لاستثمار الخطاب السياسي داخليا، كما يُشاع في بعض الأوساط اللبنانية.
الميدان والسياسةمن جهته، اعتبر الباحث والكاتب السياسي علي مطر، في حديثه للجزيرة نت، أن كلمة الشيخ نعيم قاسم تحمل دلالات مهمة تركز على محورين رئيسيين هما الميدان والمفاوضات، بالإضافة إلى رسائل مرتبطة بإدارة المشهد السياسي في لبنان بعد الحرب.
ففي الجانب الميداني، يوضح مطر أن الشيخ قاسم قدم شرحا مفصلا لنمط عمل المقاومة، مشيرا إلى اعتمادها أسلوب الدفاع المتحرك عوضا عن الدفاعات الثابتة التقليدية، كما بيّن قاسم أن المقاومة نجحت خلال شهرين في إحباط محاولات العدو الإسرائيلي لتحقيق أي تقدم ميداني، مستشهدا باستمرار إطلاق الصواريخ والتصدي لمحاولات التوغل في مناطق مثل الخيام، وشمع، وأطراف بنت جبيل.
ووفقا لمطر، تحمل هذه الرسالة تأكيدا على أن "العدو الإسرائيلي لم يتمكن من تحقيق أهدافه الإستراتيجية في القضاء على البنية العسكرية لحزب الله، التي ما زالت فاعلة ومستمرة في المواجهة".
وعلى صعيد المفاوضات، يشير الباحث مطر إلى أن الشيخ قاسم أكد حرص المقاومة على الوصول إلى اتفاق ينهي العدوان ويحفظ سيادة لبنان، بشرط عدم المساس بالتضحيات اللبنانية أو إخضاعها لشروط إسرائيلية، وأضاف أن القوة العسكرية على الأرض تُعتبر ورقة أساسية لتحسين شروط التفاوض لصالح المقاومة.
وفي سياق آخر، يلفت الباحث إلى أن قاسم حرص على الإشارة بشكل غير مباشر إلى قضايا حساسة، مثل طرح إسرائيل مفهوم "الدفاع عن النفس"، وهو ما يراه مطر تدخلا خطيرا في الشأن اللبناني، وانتهاكا للسيادة اللبنانية وللقانون الدولي.
يختم مطر تحليله للكلمة بالإشارة إلى أنّ حزب الله، كما أوضح أمينه العام، يعتزم استئناف حياته السياسية بشكل طبيعي بعد الحرب، مع العمل على تطوير قدراته بما يخدم المصلحة الوطنية وإعادة الإعمار.