{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ}
تاريخ النشر: 4th, January 2024 GMT
ظللت استصحب نية الكتابة عن هذه الآية الكريمة لأيام، لكنني وقعت اليوم على الذي كتبه صاحب (في ظلال القرآن)، فإذا بي اجده كفاني الكثير، اللهم أغفر له وارحمه وافتح له في مرقده بابا من الجنة لايسد، ويوم يقوم إليك الناس اسألك ياربي أن تهبه لذة النظر إلى وجهك الكريم، إنك القادر على ذلك يا رحمن يا رحيم.
يقول سيد قطب رحمه الله:
تعكس هذه السورة من الصور الواقعية في حياة الدعوة في عهدها الأول.
كما يروح يحسب أن هذا المال إله قادر على كل شيء؛ لا يعجز عن فعل شيء! حتى دفع الموت وتخليد الحياة. ودفع قضاء الله وحسابه وجزائه إن كان هناك في نظره حساب وجزاء!
ومن ثم ينطلق في هوس بهذا المال يعده ويستلذ تعداده؛ وتنطلق في كيانه نفخة فاجرة، تدفعه إلى الاستهانة بأقدار الناس وكراماتهم. ولمزهم وهمزهم.. يعيبهم بلسانه ويسخر منهم بحركاته. سواء بحكاية حركاتهم وأصواتهم، أو بتحقير صفاتهم وسماتهم.. بالقول والإشارة. بالغمز واللمز. باللفتة الساخرة والحركة الهازئة!
وهي صورة لئيمة حقيرة من صور النفوس البشرية حين تخلو من المروءة وتعرى من الإيمان. والإسلام يكره هذه الصورة الهابطة من صور النفوس بحكم ترفعه الأخلاقي. وقد نهى عن السخرية واللمز والعيب في مواضع شتى. إلا أن ذكرها هنا بهذا التشنيع والتقبيح مع الوعيد والتهديد، يوحي بأنه كان يواجه حالة واقعية من بعض المشركين تجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتجاه المؤمنين.. فجاء الرد عليها في صورة الردع الشديد، والتهديد الرعيب. وقد وردت روايات بتعيين بعض الشخصيات. ولكنها ليست وثيقة. فنكتفي نحن بما قررناه عنها..
والتهديد يجيء في صورة مشهد من مشاهد القيامة يمثل صورة للعذاب مادية ونفسية، وصورة للنار حسية ومعنوية. وقد لوحظ فيها التقابل بين الجرم وطريقة الجزاء وجو العقاب. فصورة الهمزة اللمزة، الذي يدأب على الهزء بالناس وعلى لمزهم في أنفسهم وأعراضهم، وهو يجمع المال فيظنه كفيلاً بالخلود! صورة هذا المتعالي الساخر المستقوي بالمال، تقابلها صورة المنبوذ المهمل المتردي في {الحطمة} التي تحطم كل ما يلقى إليها، فتحطم كيانه وكبرياءه. وهي {نار الله الموقدة} وإضافتها لله وتخصيصها هكذا يوحي بأنها نار فذة، غير معهودة، ويخلع عليها رهبة مفزعة رعيبة. وهي {تطلع} على فؤاده الذي ينبعث منه الهمز واللمز، وتكمن فيه السخرية والكبرياء والغرور.. وتكملة لصورة المحطم المنبوذ المهمل.. هذه النار مغلقة عليه، لا ينقذه منها أحد، ولا يسأل عنه فيها أحد! وهو موثق فيها إلى عمود كما توثق البهائم بلا احترام! وفي جرس الألفاظ تشديد: {عدّده. كلا. لينبذن. تطلع. ممدّدة} وفي معاني العبارات توكيد بشتى أساليب التوكيد: {لينبذن في الحطمة.
وما أدراك ما الحطمة؟ نار الله الموقدة..} فهذا الإجمال والإبهام. ثم سؤال الاستهوال. ثم الاجابة والبيان.. كلها من أساليب التوكيد والتضخيم.. وفي التعبير تهديد {ويل. لينبذن. الحطمة.. نار الله الموقدة. التي تطلع على الأفئدة. إنها عليهم مؤصدة. في عمد ممددة}..
وفي ذلك كله لون من التناسق التصويري والشعوري يتفق مع فعلة {الهمزة اللمزة}!
لقد كان القرآن يتابع أحداث الدعوة ويقودها في الوقت ذاته. وكان هو السلاح البتار الصاعق الذي يدمر كيد الكائدين، ويزلزل قلوب الأعداء، ويثبت أرواح المؤمنين.
وإنا لنرى في عناية الله سبحانه بالرد على هذه الصورة معنيين كبيرين:
الأول: تقبيح الهبوط الأخلاقي وتبشيع هذه الصورة الهابطة من النفوس.
والثاني: المنافحة عن المؤمنين وحفظ نفوسهم من أن تتسرب إليها مهانة الإهانة، وإشعارهم بأن الله يرى ما يقع لهم، ويكرهه، ويعاقب عليه.. وفي هذا كفاية لرفع أرواحهم واستعلائها على الكيد اللئيم..
عادل عسوم
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
الحكايات الأولى للمكبرين الأوائل.. الجامع الكبير ساحة للانطلاق (الحلقة الأولى)
يمانيون../
قبل أكثر من 20 عاماً، كان المجاهد حسين العياني واحداً من طليعة المجاهدين الذين التحقوا بالمسيرة القرآنية، وتعرضوا للاعتقال من قبل نظام الخائن علي عبد الله صالح، في المعركة الأولى للهتاف بشعار البراءة من أعداء الله وسط الجامع الكبير بصنعاء.
ووثقت قناة المسيرة الفضائية سلسلة حلقات مع المكبرين الأوائل، نعيد استعراضها في موقعنا عبر سلسلة من القصص الشيقة التي تكشف عن المراحل الأولى من ترديد الصرخة، وكيف كان يواجه المجاهدون المعاناة والصعوبات، وكيف تعرضوا للضرب والسجن والاعتقال، في معركتهم الأولى، من قبل أجهزة السلطة أنداك المرتهنة للسفارة الأمريكية.
ويروي العياني تفاصيل ملحمة نقل الصرخة من صعدة إلى وسط قلب العاصمة اليمنية صنعاء، ومعاناته في التنقل للوصول إلى الجامع الكبير، على مرمى حجر من السفارة الأمريكية، ووسط مسامعها وأعينها التي ترصد وتتجسس في المجتمع.
ويقول: “كنت أنظر إلى واقع الناس من حولي، عجيب، ونظرتهم لي غريبة، وإثناء سماعنا لمحاضرة الصرخة عند الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي -رحمه الله- في أحد الأيام، ونحن مجموعة، قررنا التحرك إلى الجامع الكبير ما دام ذلك يزعج السفير الأمريكي والسفارة الأمريكية، وما دام هذا العمل يقلق الأمريكيين والإسرائيليين، إذن فلننطلق، فانطلقنا يوم الأربعاء”.
https://www.masirahtv.net/static/uploads/files/%D8%AD%D8%B3%D9%8A%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%8A%D8%A7%D9%86%D9%8A%20%D8%A3_1.mp4
ويضيف العياني: “كنا نشعر أن لدينا معركة كبيرة وقوية جداً، نحن نحمل أهم مشروع في رؤوسنا وأفكارنا، ونرى الناس بعيدين كل البعد عن الأفكار التي في رأسي. كانت أفكاراً صادمة بالنسبة لهم، وكأننا مجانين، ولكن في قناعتي الشخصية، أرى أن الهتاف بهذا الشعار في الجامع الكبير يمثل خطوة كبيرة وعملًا كبيرًا جداً ضد الأمريكيين وكيان العدو الإسرائيلي”.
https://www.masirahtv.net/static/uploads/files/%D8%AD%D8%B3%D9%8A%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%8A%D8%A7%D9%86%D9%8A%20%D8%A8_1.mp4
ويتابع: “كانت الأخبار والبلاغات معممة لمحاولة عرقلتنا عن ذلك، فعرقلونا في الفرز الخاص بنقل الركاب من صعدة حتى وصلنا صنعاء. تحقيقات: أين نذهب؟ وأين نروح؟ ورغم ذلك توجهنا صوب هدفنا، ووصلنا صباح يوم الخميس، ونزلنا في أحد الفنادق، وفي اليوم التالي صباح يوم الجمعة كنا نجهز أنفسنا للانطلاق نحو الجامع الكبير بصنعاء.
ويردف: “دخلنا من بوابة الجامع ووصلنا إلى المقصورة، والناس من على يميني ويساري يلفون ويقولون: أي واحد يشتي يكبر يسير عند المقصورة ولا يزعج الناس، فكنا في الصف الأمامي عند المقصورة، أنا والمجموعة التي طلعنا من البلاد تقريباً 10 أشخاص، وبدأ الخطيب يخطب خطبة الجمعة، وكان المسيطر على بالي كيف أرفع أعلى صرخة بأقوى صوت، وهكذا”.
http://https://www.masirahtv.net/static/uploads/files/%D8%AD%D8%B3%D9%8A%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%8A%D8%A7%D9%86%D9%8A%20%D8%AC_1.mp4
ويسرد: “عندما انتهى الخطيب من الخطبة، أطلقنا أول الصرخة ورفعنا أيدينا بها، فارتفعت كل الصفوف من حولنا.. هذا يكمم على فمي، وآخر يضربني، وذاك يكتفي، ويسحبونا، وكأننا عملنا جريمة كبيرة جدًا، هذا يضربك وذاك يركلك وآخر يشتمك، وينادون في وجهك يا مجرم، تشتي تدمروا صنعاء، كارثة كبيرة عندهم أن تقول: [الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام] !
ويتابع العياني: “أثناء الضرب لي، يشهد الله كنت أجد قول الله: [وربطنا على قلوبهم] في جسدي ومشاعري وأحاسيسي وخلجات نفسي، فما حسيت لا الضرب ولا الدكم، حتى لو كان به جنابي وطعن في جسمي، إنني ما شعرت بها، ولا التأنيب، رغم أن الكل يأنبنا، كنت أشوف أني أديت واجبي وتوفقت بذلك الشرف العظيم الذي حثني عليه ديني وعقيدتي، وتوجيهات ربي في القرآن الكريم، وما قدمه لنا الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي (رضوان الله عليه)”.
ويكمل: “بعد الضرب لنا أخذونا إلى فوق السيارات والكل يرانا بشكل عجيب، وكأننا عملنا حاجة كبيرة، العسكر فوق الأطقم، يشعرون بالنشوة والانتصار أنهم أخذونا إلى السجن، لكن اليوم نقول: الحمد لله صدق قوله فينا: [ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين]، مؤكداً: من هذا المكان خضنا أول معركة ضد السفير الأمريكي وأدواته في الداخل، وبهذا الشعار انطلقنا من المسجد على أساس العداء الديني، فوجدنا نصر الله لنا وعنايته بنا، فله الحمد والشكر”.
أحد شهود العيان:
في السياق، يقول أحد المصلين الحاضرين في الجامع تلك الأيام: “كنا نكمل صلاة الجمعة، ويقوم واحد يصرخ بالشعار، والثاني يجاوب من هناك، والثالث يجاوب من الصف الآخر، فكان الناس لا يعرفون الصرخة، يقصدون أنها شيء حرام تقوله في الجامع، بينما هو مشروع الله أكبر؟ واليهود والنصارى قد لعنهم الله تعالى في القرآن الكريم، هي سابحة”.
https://www.masirahtv.net/static/uploads/files/%D8%A7%D8%AD%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%87%D9%88%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%8A%D8%A7%D9%86%20%D8%AA%D8%A7%D8%A8%D8%B9%20%D9%84%D8%AD%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%AA%20%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%8A%D8%A7%D9%86%D9%8A_1.mp4
ويتابع: “أذكر من المرات أنه كان هناك واحد جاء بجانبي، وكان الأمن السياسي يقوم بنفس العمل، حق العادة الذي يمارسونه، كانوا يغيرون زيهم العسكري إلى ثياب مدنية، ويصلون بجانبنا، وهو جاء متربصًا لأي واحد يصرخ بعد الصلاة، وكانوا يشعلون الناس ويحرضون المصلين على أي واحد يهتف بالشعار، ويقولون لنا: إذا لقيتم واحدًا فاضربوه.. كانوا يعتبرون الصرخة عيبًا، كانوا يعتبرونها منكرًا في بيت الله، واليوم نسمعها شيئًا عظيمًا، ما هي منكرًا، على الإطلاق”.
ويزيد: “أثناء مشاهدتنا لعملية الضرب التي تقع على المرددين للصرخة، نتساءل في نفوسنا: هذا الضرب كله على ماذا؟ ما هو السبب؟ الأمر عجيب! إذن والله ضروري نتابع هؤلاء الذين يرددون الصرخة ويصبرون على كل العذاب والإهانة والحبس، ما قصتهم؟ مدري؟”
ويردف: “بدأ الكثير من الناس متابعة هؤلاء والتعاطف معهم، غير معقول أن هذا الجاهل الذي لا يوجد معه “شنب” أو شعر في وجهه، يصبر على كل هذا الكم من الضرب المؤلم، وكل أسبوع نشاهد أعدادًا أكثر من الجمعة الأولى. ومن تم القبض عليه في الجمعة السابقة محبوس”.
كيف نواجه أمريكا؟ وكيف يكون لنا موقف؟
ومن منطلق كيف نواجه أمريكا؟ وكيف يكون لنا موقفاً؟ تحرك الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه- قائلاً في محاضرة الصرخة في وجوه المستكبرين: “الجواب على من يقول ماذا نعمل في مواجهة أمريكا، هو اصرخوا، أليس لكم صرخة؟ أن تنادوا (الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام). بهذه الصرخة يستطيع كل واحد منكم أن يهتف بها”.
ويتابع الشهيد القائد في المحاضرة ذاتها، وهو يستنهض همم وطاقات الشباب وعزائمهم الجهادية: “نحن كعرب، كمسلمين، أصبحنا تحت أقدام اليهود، هل هذه تكفي؟ إن كنا لا نزال عربًا، إن كنا لا نزال نحمل القرآن، ونؤمن بالله وبكتابه، وبرسوله، وباليوم الآخر، ألا يدفعنا ذلك إلى أن يكون لنا موقف؟”.
https://www.masirahtv.net/static/uploads/files/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%AF%D9%85%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%AF%20%D8%AD%D8%B3%D9%8A%D9%86_1.mp4
منصور البكالي | المسيرة