الحياد الإيجابي والقرار 1701 وحدهما يحميان لبنان
تاريخ النشر: 4th, January 2024 GMT
الجرح الدامي والنازف في جنوب لبنان انتقل طبيعيًا من سنة 2023 إلى سنة 2024، ومن الجنوب نقل العدو وجهة المواجهة إلى الضاحية الجنوبية عبر استهداف أكثر من مسؤول قيادي في حركة "حماس" - فرع بيروت. وهذا الأمر من شأنه أن ينقل المواجهة إلى نقطة اللاعودة في الصراع القائم بين اسرائيل و"حزب الله" بعد سقوط ما يسمّى "الخطوط الحمر"، وبعدما أطاح العدو الاسرائيلي بكل الامكانات التي كانت متاحة قبل هذا الاستهداف.
وحدهم مقاتلو "حزب الله" البعيدون عن أهلهم لم يستقبلوا السنة الجديدة كما استقبلها سائر اللبنانيين، الذين تعالوا عن جراحاتهم الكثيرة وقرروا أن يتحدّوا الموت بمزيد من الإصرار على حبّهم للحياة بكل ما فيها من مشاكل ومآسٍ وفرح وحزن وآمال وتطلعات. وما يدفعه الجنوب وأهله من ضريبة ربط مصيرهم بما يجري على مسافة غير بعيدة عنهم في غزة المتألمة قد يدفعه جميع اللبنانيين في حال لم تنجح المساعي الديبلوماسية في ردع الذين لا يردعهم شيء.
هي جدلية سياسية قائمة ومستمرّة بين مؤيدي دعم أهل غزة ومساندتهم بالحديد والنار عبر فتح الجبهة الجنوبية المفتوحة أساسًا على كل الاحتمالات، وبين الذين هم مع تقديم كل دعم معنوي ورفع الصوت في كل المحافل العربية والدولية من أجل نصرة "الغزاويين" في حربهم الجهادية ضد عدو لا يعرف الرحمة ولا تعني له الإنسانية أي شيء.
فالذين يؤيدون "حزب الله" في حرب المساندة يرون أن العدو الإسرائيلي لا يفهم سوى لغة القوة، وهو لن يرتدع إلا إذا وجد من يقف في وجهه ويمنعه من تحقيق ما يصبو إليه، سواء في غزة والضفة الغربية أو في الجنوب.
أمّا الذين يعارضون هذا التوجه، وهم في الأساس ضد أي سلاح غير السلاح الشرعي، ومع تطبيق القرار 1701، الذي يعتبرون أنه وحده القادر على حماية لبنان من أي غزو إسرائيلي، لا يزالون يعتبرون أن "الحياد الإيجابي"، الذي طرحه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي، هو الحلّ الوحيد المتبقي للبنان لكي يستطيع أن يخرج من أزمته الحالية في الجنوب، الذي انجرّ إليها من دون أن يكون للدولة اللبنانية الممثلة حاليًا بالحكومة الحالية رأي فيها.
فـ "الحياد الإيجابي" الذي دعا إليه البطريرك الراعي، وقد فسرّه البعض على غير حقيقته، سيأخذ مداه في خلال السنة الحالية، انطلاقًا من مبادئ مكرّسة أولًا في الدستور، وثانيًا في الممارسة، التي تمتدّ إلى عهد الرئيس فؤاد شهاب، حيث استطاع في عزّ "الفورة الناصرية" أن يفرض على أكبر زعيم عربي في حينه لقاء في خيمة على الحدود اللبنانية – السورية.
أمّا في الدستور فإن لبنان الرسمي ملتزم القرارات الدولية وميثاقي الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، وهو يعتبر نفسه جزءًا لا يتجزأ من المنظومة الأممية. وهذا يعني التزامه بما تجمع عليه الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وفي المجموعة العربية. وهذا الالتزام هو وجه من وجوه "الحياد الإيجابي"، وهو لا يعني كما يحاول البعض تفسيره لغايات في نفس يعقوب، أي أن ينأى لبنان بنفسه عن الصراع القائم مع العدو الإسرائيلي بكل أوجهه، وبالأخصّ عندما يعتدي على حقوق الشعب الفلسطيني أو عندما يشّن عليه حرب إبادة كما هو حاصل اليوم في قطاع غزة. ولكن هذا التضامن مع الشعب الفلسطيني هو كالتضامن العربي، وبالأخصّ الدول، التي لها حدود مشتركة مع فلسطين المحتلة كسوريا ومصر والأردن.
فإذا كان فتح الجبهة الجنوبية مفيدًا للقضية الفلسطينية أكثر من العمل الديبلوماسي فإن هكذا قرار كان يجب أن تتخذه الحكومة اللبنانية وليس أي فريق من الأفرقاء اللبنانيين باسم جميع اللبنانيين. وهذا هو رأي الذين يتهمون "حزب الله" بجرّ البلاد إلى موقع غير محسوب النتائج، من دون أن يعني ذلك، وفق منطق الذين اعتادوا على تخوين من لا يجاريهم في ما يقومون به، أن إسرائيل لا تسعى إلى توجيه ضربة إلى لبنان بسبب أو من دونه، وهي التي لا تحتاج إلى أي ذريعة لتبرير أي عدوان شامل قد تقوم به.
وعلى رغم انشغالهم بما يجري في الجنوب فإن هذا الأمر لا يعفي نواب الأمة من أن يقوموا بما يفرضه عليهم واجبهم الدستوري والذهاب إلى "ساحة النجمة" وانتخاب "رئيس الفرصة الأخيرة". المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: حزب الله
إقرأ أيضاً:
هل يصلح الحياد الخلافات الزوجية؟
يثير مفهوم الحياد الجدل في مختلف الميادين الإنسانية والاجتماعية، فهو يعبر عن موقف يمتنع فيه الشخص عن الانحياز لأي طرف في نزاع أو جدل، مما يمنحه طابعا ينظر إليه أحيانا كرمز للتوازن والموضوعية. لكن هذا الموقف ليس بمنأى عن النقد، إذ يتفاوت النظر إليه بين كونه فضيلة تعكس الحكمة والتروي، وبين كونه تهربًا من المسؤولية الأخلاقية. ففي حين يُعتبر الحياد في بعض الحالات ضرورة لتحقيق العدالة والإنصاف، قد يُنظر إليه في حالات أخرى كنوع من الصمت الذي يساهم في ترسيخ الظلم.
ويقول الباحث والمفكر محمود حيدر -في مقاله عن فلسفة الحياد- إن الحياد حضور عارض، والتحيز هو الأصل، وإن صورة المحايدة تشير إلى وقوعها في المنتصف بين حيزين، لذا غالبا ما تكون المحايدة منزوعة الثقة من أهل البداية والنهاية، فكيف لطرف اختار الحياد أن يحظى بثقة من يفعل، ويمتلك من القدرة ما يجعله قادرا على تغيير الوقائع، والحيادية كما يراها حيدر ظاهرة تنأى بأهلها عن صراع خُيل إليهم أنهم اتخذوا حيزا آمنا عن تداعياته.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2إمبراطوريات متخيلة ودولة "كأنها لم تكن".. تاريخ الثورة في صعيد مصرlist 2 of 2من المخطوط إلى اللوحة الفنية.. شاهد الخط المغربي الصحراويend of list هل الحياد جريمة؟يشير مفهوم الحياد السائد اليوم في محاولات إصلاح العلاقات الإنسانية إلى اتخاذ موقف متجنب لأي التزام، حيث يُستخدم أحيانًا وسيلة لحماية الذات من اتخاذ موقف واضح لنصرة الحق، مما قد يحوله إلى أداة للصمت أمام الظلم. وتقول مروة عبد العزيز (32 عامًا) للجزيرة نت إن حياتها الزوجية انتهت لأن بعض أفراد عائلة زوجها تذرعوا بالحياد، متجنبين اتخاذ موقف واضح للدفاع عنها. وتضيف "كانوا يسمعون بلا تدخل، متمسكين بموقف محايد ظاهريًا، لكن لو أن أحدهم قال كلمة حق في الوقت المناسب لربما تجنبنا تلك النهاية المؤسفة لي ولطفلي".
إعلانوقد جعل تعقيد العلاقات الإنسانية مفهوم الحياد غامضا وواسع التأويل، بحيث يصعب تحديد اللحظة التي يتحول فيها الحياد إلى جريمة، أو تلك التي يصبح فيها اتخاذ موقف واضح لصالح أحد الأطراف ضرورة لا مفر منها. كما قد يصعب أحيانًا إدراك متى يكون الصمت الخيار الأمثل لتجنب تفاقم الأمور.
ومن جانبه يقول الدكتور علي عبد الراضي استشاري الطب النفسي بجامعة الأزهر -في حديثه للجزيرة نت إن العلاقات الإنسانية في العالم العربي -على اختلاف أشكالها- تفتقر لفهم الحياد كمفهوم حقيقي "فالحياد لا يعني التهرب من المواقف أو إنكار وجود خلافات، بل هو القدرة على إدارة الأزمات بحكمة، دون الانحياز أو المساهمة في تصعيد الخلافات بين الأطراف".
تعقيد العلاقات الإنسانية يجعل مفهوم الحياد غامضا وواسع التأويل (بيكسلز) هل الوقوف على الحياد ممكن؟يؤكد الدكتور عبد الراضي أن غياب الحياد في العلاقات الزوجية هو أحد الأسباب الرئيسية التي تدفع الأزواج للجوء إلى الاستشارات النفسية. وأوضح أن العديد من الأزواج يعتقدون أن المعالج النفسي أو الاستشاري الزوجي لا يمكن أن يكون محايدًا، وأنه سيميل إلى الانحياز لطرف دون الآخر. وهذا التصور يدفع البعض إلى تبني سلوكيات دفاعية، مثل ادعاء المظلومية أو حتى التشكيك في جدوى العلاج نفسه.
ويشير إلى أن الخبرة المهنية للمعالج تمكنه من كشف تلك المحاولات الدفاعية التي يلجأ إليها الطرفان لكسب تأييده. ويؤكد أن الحياد هو العامل الأساسي الذي يجعل جلسات الاستشارات الزوجية فعّالة وقادرة على معالجة الأزمات دون تصعيد.
ويضيف أن الاستشارات الزوجية التي تُعقد اليوم بالعيادات كانت تُجرى في السابق داخل منازل العائلات أو بين الأصدقاء المقربين. إلا أن انعدام الثقة في حيادية هؤلاء جعل الأزواج يلجؤون إلى المتخصصين. ويوضح عبد الراضي أن هذا الاتجاه يعكس تحولًا بالثقافة الاجتماعية، حيث بات التسرع في إنهاء العلاقات شائعًا على حساب العمل على إصلاحها وحل الخلافات.
إعلانويختتم استشاري الطب النفسي حديثه بالتأكيد على أن الحياد الحقيقي يُعد مفتاحا لاستدامة العلاقات الزوجية، مشيرًا إلى أن الخلافات الطبيعية بين الأزواج إذا ما أُديرت بحكمة وموضوعية فإنه يمكن أن تصبح عنصر قوة يعزز استقرار العلاقة ويُسهم في بنائها على أسس متينة.