اهتمت صحف غربية بالاتفاق الذي سيمنح بموجبه إقليم أرض الصومال منفذا على البحر الأحمر لإثيوبيا، وهو الاتفاق الذي أثار غضب دولة الصومال التي ترفض استقلال هذه المنطقة الانفصالية التي تعتبر جزءا من أراضيها، مما يعني أن الأمور الجيوسياسية في القرن الأفريقي تشهد بداية قابلة للاشتعال في العام الجديد.

وتناولت كل من مجلة ذي إيكونوميست البريطانية ولاكروا ولوبوان الفرنسيتين جانبا من الموضوع الذي تستفيد منه إثيوبيا بالحصول على منفذ بحري طالما بحثت عنه، وكادت تشن الحروب من أجله، كما تحصل بموجبه أرض الصومال على اعتراف يقربها من الخروج من عزلة لم تجد منها مخرجا لعقود، ولكنه في المقابل، يثير غضب الصومال وتوجس جيبوتي، ومخاوف ممزوجة بالارتياح في إريتريا.

وقالت مجلة ذي إيكونوميست إن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد صور الاتفاق الذي وقعه مع رئيس أرض الصومال موسى بيهي عبدي على أنه انتصار دبلوماسي، يحقق سعي إثيوبيا المستمر منذ عقود للوصول المباشر إلى البحر، دون اللجوء إلى القوة، وقال "وفقا للوعد الذي قطعناه مرارا وتكرارا لشعبنا، حققنا الرغبة في الوصول إلى البحر الأحمر. ليست لدينا الرغبة في إكراه أي شخص بالقوة".

منفذ على البحر مقابل اعتراف

ودافع آبي أحمد عن حق بلاده في الوصول إلى البحر الأحمر، مستخدما خطابا عدوانيا بشأن هذه القضية -حسب لاكروا- حتى إنه ذهب إلى حد ذكر التدخل المسلح، وقال مستشاره للأمن القومي رضوان حسين إن "إثيوبيا ستتمكن من الوصول إلى قاعدة عسكرية مستأجرة على البحر الأحمر كجزء من الصفقة".

ويمثل الاتفاق بالنسبة لقادة أرض الصومال، انفراجة في سعيها المستمر منذ 3 عقود للحصول على اعتراف دولي، وأكدت وزارة خارجية الإقليم الذي لا يعترف به من العالم كدولة سوى إثيوبيا وتايوان، أن الاتفاقية "تضمن وصول إثيوبيا وقواتها البحرية إلى البحر الأحمر، مقابل الاعتراف الرسمي بجمهورية أرض الصومال، وهو ما يشكل خطوة دبلوماسية مهمة لبلادنا".

وقد تحصل أرض الصومال كذلك على أسهم في الخطوط الجوية الإثيوبية، أكبر شركة طيران في أفريقيا.

وقد أعلنت أرض الصومال استقلالها من جانب واحد عن الصومال عام 1991، بعدما غرق البلد في فوضى لم يخرج منها بعد كليا.

ورغم أن لديها مؤسساتها الخاصة وإصداراتها النقدية، فإن هيرجيسا لم تلق اعترافا باستقلالها من قبل المجتمع الدولي.

وتأمل أرض الصومال في أن تحذو بقية دول أفريقيا حذو إثيوبيا في الاعتراف بها، لوجود مقر الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، ولأن آبي أحمد من جهة أخرى يتمتع بعلاقات قوية مع دول الخليج القوية، وخاصة الإمارات التي يشتبه بعض الدبلوماسيين الأجانب في أنها ربما تكون قد لعبت دورا في التوسط في هذه الصفقة لقربها من حكومة أرض الصومال.

ويستدل بعض هؤلاء الدبلوماسيين على ذلك -حسب ذي إيكونوميست- بأن إعلان آبي أحمد الاتفاق جاء في الوقت الذي استضاف فيه أيضا أشهر أمراء الحرب في السودان، محمد حمدان دقلو (المعروف باسم حميدتي) المقرب من الإمارات.

ويرى الدبلوماسيون أن إنشاء قاعدة عسكرية إثيوبية في أرض الصومال سيكون أحدث خطوة في خطة لتأمين مجال النفوذ الإماراتي في جميع أنحاء منطقة الخليج الأوسع والقرن الأفريقي.

إشعال توترات بالمنطقة

بيد أن هذا الاتفاق المفاجئ -حسب لوبوان- ينطوي على خطر إشعال التوتر في القرن الأفريقي مجددا، إذ ردت الحكومة الصومالية، التي لم تعترف قط باستقلال أرض الصومال، في بيان لها بالقول إن "إقليم أرض الصومال جزء من الصومال بموجب الدستور، لذا فإن الصومال يعتبر هذا الإجراء انتهاكا صارخا لسيادته ووحدته".

ودعا الصومال الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية ومنظمة إيغاد الإقليمية لشرق أفريقيا للوقوف إلى جانب الصومال للدفاع عن سيادته وإجبار إثيوبيا على الالتزام بالقوانين الدولية.

وحتى حركة الشباب الإسلامية المرتبطة بتنظيم القاعدة، والتي تقود تمردا دمويا على الحكومة الفدرالية الصومالية منذ عام 2007، انتقدت الاتفاق و"أجندة آبي أحمد التوسعية"، وفقا للوبوان.

وانتقد الممثل الخاص للرئيس الصومالي في أرض الصومال، عبد الكريم حسين غوليد، يوم الاثنين تصرفات الحكومة الإثيوبية المذكورة، واصفا ما حصل بأنه "تجاهل صارخ للمعايير الدولية والأطر القانونية، ويمثل انتهاكا صارخا للسيادة الإقليمية الصومالية"، وحذر من أن هذا الاتفاق "عمل أحادي الجانب يعرض الاستقرار الإقليمي للخطر".

دبلوماسي غربي: العالم يعيش عصرا إذا كان المرء فيه قاسيا ومتهورا، فلا أحد يقف في وجهه

ويمكن أن يؤدي هذا الاتفاق -حسب لاكروا- إلى إضعاف استقرار المنطقة بأكملها، ولا سيما من خلال التشويش على المحادثات المحتملة بين الصومال وأرض الصومال، خاصة أن السلطات الصومالية وإقليم أرض الصومال الانفصالي أعلنا عن محادثات الأسبوع الماضي بوساطة رئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيله، وهي الأولى من نوعها منذ فشل المحادثات الأخيرة عام 2020.

منظر من ميناء بربرة (الجزيرة)

وخلصت ذي إيكونوميست إلى أن هذا الاتفاق يحتمل أن يثير استياء مصر والسعودية، اللتين لا تنظران برضى إلى سعي الإمارات للهيمنة الإقليمية، كما أن جيبوتي التي ستخسر التدفقات التجارية الإثيوبية لن تكون سعيدة به، لكن إريتريا سوف تتنفس الصعداء بعد أن بدا أن آبي قد حقق أهدافه دون اللجوء إلى السلاح، ولكن احتمال وجود بحرية إثيوبية على أعتابها، مهما كان بعيدا، لن يكون موضع ترحيب.

وحذرت ذي إيكونوميست من أن مناورة إثيوبيا المذكورة تهدد بزعزعة منطقة القرن الأفريقي المتقلبة أصلا، لكنها اختارت أن تختم تقريرها بتعليق لأحد الدبلوماسيين الغربيين قال فيه إن "العالم يعيش عصرا إذا كان المرء فيه قاسيا ومتهورا، فلا أحد يقف في وجهه"، وهو درس، قالت المجلة إن آبي أحمد استوعبه منذ فترة طويلة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: القرن الأفریقی ذی إیکونومیست البحر الأحمر أرض الصومال هذا الاتفاق إلى البحر آبی أحمد

إقرأ أيضاً:

عبدالله علي صبري : ميناء أم الرشراش والمشروع التوسعي البحري الصهيوني

لا تتوقف أطماع الصهيونية في الأراضي العربية برا وبحرا، ومنذ قيام دولة لهذا الكيان على الأراضي العربية الفلسطينية المحتلة، وعصابات الإجرام اليهودية تعمل على المزيد من التوسع الذي وصل إلى شواطئ البحر الأحمر، من خلال ضم منطقة أم الرشراش عام 1949، وتحويلها إلى ميناء بحري بات معروفا باسم ميناء إيلات.

وليس غريبا إن قلنا بأن الصهيونية تتكئ إلى مزاعم دينية في كل مشروعها الاستيطاني، وقد زعم اليهود ولا يزالون بأن البحر الأحمر من شماله إلى جنوبه، كان ضمن حدود مملكة سليمان عليه السلام قبل الميلاد. ولأن الموانئ والمضايق المحيطة بهذه الدولة اللقيطة تشكل تحديا استراتيجيا على الصعيدين السياسي والاقتصادي، ولا يمكن تجاهل أهميتها في استمرار وديمومة هذا الكيان، فقد شنت إسرائيل مع فرنسا وبريطانيا العدوان الثلاثي على مصر بعيد إعلان عبد الناصر تأميم قناة السويس في العام 1956، واحتلت سيناء وسواحلها على البحر الأحمر شرقي مصر. وفي عام 1967 احتل اليهود قناة السويس وسيطروا على حركة الملاحة الدولية منها وإليها.

لكنهم اضطروا للتخلي عن هذا المكسب الكبير بعد حرب أكتوبر 1973، إذ كان عليهم الانسحاب من القناة وتوقيع اتفاق الهدنة 1974، ثم ما لبثوا أن ثبتوا قواعد جديدة في معاهدة السلام مع مصر 1979، التي اعتبرت قناة السويس ممرا دوليا يحق لإسرائيل وسفنها الحركة فيه كسائر دول العالم.

وقد ساعدت هذه التطورات على تنشيط ميناء أم الرشراش، الذي يعتمد عليه الكيان في تبادل السلع مع أفريقيا ودول جنوب شرق آسيا، كما كان هذا الميناء لوحده يستقبل نصف احتياجات إسرائيل من النفط، الذي كان يأتي من الموانئ الإيرانية في عهد الشاه قبل الثورة الإسلامية 1979، مرورا  بباب والمندب والبحر الأحمر.

لقد ظهرت عدة متغيرات دولية دفعت بهذا الكيان إلى التفكير جنوبا، حيث باب المندب، خاصة بعد انسحاب بريطانيا من عدن 1967، ثم عندما قامت مصر مع دولتي اليمن الجنوبية والشمالية آنذاك بإغلاق مضيق باب المندب في وجه الملاحة الدولية المتجهة إلى إسرائيل بالتزامن مع حرب 1973.

اليوم وبعد نصف القرن على المواجهة العربية مع الكيان الصهيوني في البحر الأحمر، يعيش الكيان مأزقا حقيقيا بعد أن دخلت اليمن معركة طوفان الأقصى وقلبت الموازين بشكل كان خارج كل الحسابات.

أحكمت القوات المسلحة اليمنية حصارها البحري بعمليات عسكرية نوعية أدت إلى إغلاق ميناء إيلات في بضعة أشهر، وخروجه عن الخدمة كليا، مع إعلان إفلاسه، ما ترك تأثيرا مباشرا على الاقتصاد القومي للكيان الغاصب، وتكبيده خسائر باهظة.

على أن الأخطر بالنسبة لهذا الكيان أن طموحاته وسياساته التوسعية باتت في مهب الريح، فجبهة اليمن المساندة لغزة 2023-2024 يتعاظم دورها وفاعليتها، لدرجة أن قوات صنعاء الباسلة اشتبكت مع القوات الأمريكية البريطانية التي هرعت إلى البحر الأحمر دفاعا عن هذه العصابات الإجرامية التي لم تكف عن جرائم الإبادة بحق الشعب الفلسطيني.

وباعتراف الخبراء والمحللين في الغرب وفي داخل الكيان نفسه، فإن المعركة مع اليمن دخلت طورا تصاعديا، أشد تأثيرا وأكثر تعقيدا، فلم يتمكن تحالف ” حارس الازدهار ” من كبح جماح اليمن، وباتت البحرية الأمريكية بحاملات طائراتها تلوذ بالفرار في مشهديه مفاجئة وغير مسبوقة، ومتكررة أيضاً.

فوق ذلك يدرك هذا الكيان أن المعركة مع اليمن مفتوحة على كل الاحتمالات، وليس من سبيل لإيقافها أو التخفيف من حدتها، إلا بإيقاف العدوان على غزة ورفع الحصار عن أهلها وشعبها.

 

25-12-2024

مقالات مشابهة

  • هزيمةٌ ساحقةٌ لقواتٍ غربيةٍ في البحرِ الأحمر
  • 24 ساعة فارقة في القرن الأفريقي.. آبي أحمد يجهض إعلان أنقرة بشن هجوم على الصومال
  • الصومال يوافق على استفادة إثيوبيا من سواحله
  • “ميناء أم الرشراش” والمشروع التوسعي البحري الصهيوني
  • عبدالله علي صبري : ميناء أم الرشراش والمشروع التوسعي البحري الصهيوني
  • إعلان أنقرة لإنهاء التوتر بين الصومال وإثيوبيا في 5 أسئلة
  • الصومال يدين هجوماً إثيوبياً على مدينة حدودية.. وأديس أبابا تعرب عن الانزعاج
  • الحضور التركي بأفريقيا.. كيف نجح أردوغان في حل الخلاف بين إثيوبيا والصومال؟
  • الحضور التركي بإفريقيا.. كيف نجح أردوغان في حل الخلاف بين إثيوبيا والصومال؟
  • جنود مصريون في القرن الإفريقي.. ما أسباب مشاركة القاهرة في بعثة حفظ السلام في الصومال؟