مَن رجل الظل الذي استشهد رفقة الشيخ صالح العاروري؟
تاريخ النشر: 4th, January 2024 GMT
نابلس- للوهلة الأولى وما إن أُعلن اغتيال "شخصيات قيادية كبيرة" من حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في العاصمة اللبنانية بيروت، وبالتحديد في الضاحية الجنوبية منها، حتى بدأ التسارع في نقل الأخبار وتحليلها لمعرفة القيادات المستهدفة.
وبعد بعض التنبؤات والتوقعات جاء الخبر اليقين حول استهداف نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشيخ صالح العاروري واثنين من قيادات كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري للحركة، و4 آخرين من كوادر الحركة وأبنائها.
كان أحد الاثنين القساميين هو الشهيد عزام الأقرع، والذي لا يقل خطورة بالنسبة لإسرائيل عن الشيخ العاروري، حيث تطارده منذ سنوات طويلة وتضع اسمه على قائمة المطلوبين لها.
وشكّل اغتيال الأقرع بالطبع خسارة كبيرة للقيادة العسكرية بشكل خاص وعموم الحركة، التي لم تكتف بنعيه في بيانها لجانب رفاقه، بل نعاه إسماعيل هنية رئيس مكتبها السياسي في كلمة له، إضافة للشهيد القسامي سمير فندي.
مربي الأجيالولد الشهيد عزام حسني صلاح الأقرع (أبو عبد الله) عام في 31 ديسمبر/كانون الأول 1969، في بلدة قبلان جنوب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، لأسرة مناضلة ومضحية، ونشأ في مساجدها وترعرع، وعُرف بـ"مربي الأجيال" في تلك المساجد، فحفظ أجزاء من القرآن وحفّظه أيضا.
كما تلقى تعليمه الابتدائي والأساسي في مدارس القرية وصولاً إلى الثانوية العامة، لكنه غادر مقاعد الدراسة باكرا رغم تفوقه العلمي، لمساعدة والده في العمل والإنفاق على أسرته، المكونة من 9 أشخاص (5 ذكور و4 إناث) إضافة لوالديه.
تربى عزام على الأخلاق الحميدة، وعرف عنه في سن صغيرة شجاعته وبسالته وصبره وتضحيته، وكان محبوبا ومؤثرا بين أهالي قريته والقرى المجاورة والمنطقة الشرقية والجنوبية لنابلس، وهو ما حفزه على خوض العمل النضالي باكرا ضد الاحتلال الإسرائيلي، فاشتبك كباقي شباب القرية مع الاحتلال، وانخرط بالعمل المقاوم ضده، لا سيما مع دخول الانتفاضة الأولى عام 1987، وبرز كواحد من أوائل المنتمين لحركة حماس التي أعلنت انطلاقتها آنذاك.
الاعتقال الأول للشهيد القسامي عزام الأقرع كان في عام 1989، وقضى 9 أشهر في المعتقل بتهمة مقاومة الاحتلال ومواجهته، كما اعتقل مطلع عام 1992 وحكم بالسجن الإداري لـ6 أشهر، لعدم تمكن الاحتلال من إثبات أي تهمة بحقه، لكنه بقي مُطاردا إلى أن اعتقل في ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، وأُبعد مع أكثر من 400 معتقل من قيادة وكوادر حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى مرج الزهور جنوب لبنان.
تشرَّب الأقرع بشكل أكثر فكر حركة حماس، ونهل من مَعينها معاني التضحية والجهاد، لكنه اختار هو وابن قريته المبعد صلاح أبو صلاح، الذي يمثّل حاليا عضو المكتب السياسي للحركة، أن يكونا ضمن 17 ممن آثروا البقاء ليواصلوا عملهم النضالي في الخارج، بعد سماح الاحتلال لمبعدي مرج الزهور بالعودة إلى مناطقهم في فلسطين.
فاستقر المقام بالشهيد الأقرع في لبنان وواصل نضاله فيها، والتحق بالعمل العسكري وكان من المؤسسين لكتائب القسام، ومن ثم انتقل إلى سوريا، لكنه غادرها عقب أحداث الثورة عام 2011 إلى مصر ومن ثم تركيا.
أخباره منقطعةتزوج عزام زوجة شقيقه عزمي، الذي استشهد عام 1997 خلال مهمة وطنية في مدينة صيدا في لبنان، إذ التحق عزمي بصفوف الثورة الفلسطينية وحركة التحرير الوطني (فتح) عام 1978 في لبنان، وشارك في التصدي لاجتياح بيروت عام 1982، وأصيب بـ8 رصاصات.
وأنجب الشهيد عزام اثنين من الأبناء (عبد الله وعبد الرحمن) وهو في العشرينيات من العمر، وتكفل برعايتهما رفقة أبناء شقيقه الشهيد عزمي (حسني ودعاء).
وعن مرحلة ما بعد إبعاد عزام وزواجه وحياته وعمله المقاوم، يقول شقيقه الأصغر حسام الأقرع (50 عاما) إن المعلومات شحت كثيرا عنه، وأن اتصالهم به كان منقطعا، حرصا منه على سلامة عائلته، وخشية ملاحقة الاحتلال لها، ويضيف أن "آخر اتصال لي به كان عام 2006، ولم أره منذ 30 عاما، ولم نجتمع كإخوة وأشقاء منذ الانتفاضة الأولى سوى بلقاء واحد، كما توفي والداي ولم يودعهما".
يقول حسام إن والدته التي توفيت عام 2004 كانت حلقة الوصل مع عزام، فقد زارته لآخر مرة في سوريا في عام وفاتها، وقد كانوا يعرفون من خلالها آخر أخباره، خاصة وأنه وبحكم موقعه كقيادي عسكري لا يظهر عبر الإعلام نهائيا.
العائلة مستهدفةظلت العائلة هدفا للاحتلال واقتحاماته ومضايقاته، فاعتقل حسام لـ3 سنوات، ومنع وجميع أشقائه وشقيقاته من السفر، ومنعوا وأبناؤهم من الحصول على تصاريح للدخول إلى إسرائيل للعمل أو التنقل بها.
ولم يُسقط الاحتلال من أجندته يوما الشهيد عزام الأقرع، أو أيا من أفراد عائلته، فاستدعت مخابراته شقيقه حسام قبل 6 أشهر، وسألته عنه محذرة، وحاولت ابتزازه بالمعلومات عن شقيقه الشهيد، ويقول حسام "عندما أخبرتهم أني لا أعرف عنه شيئا، وسألت المحقق ماذا فعل لكم؟، فرد علي؛ أفضل ألا تعرف".
ومع بدء العدوان على غزة، اعتقل الاحتلال حسام وشقيقه وزوج شقيقته المريض، واحتجزهم لعدة ساعات في معسكر حوارة، وسط تحقيق ميداني، وتهديد من التواصل مع الشهيد عزام.
ولَّد كل ذلك لدى حسام وعائلته استنتاجا مفاده أن الاحتلال الإسرائيلي وأجهزته الأمنية وضعت عزام على قائمة الاغتيال الفعلي، فهم "يلاحقون كل حر وشريف" حسب وصفه، ويضيف حسام "لهذا لم نتفاجأ بخبر استشهاده، وهذا ما تمناه وناله".
وما إن تناهى إلى مسامع أهالي بلدة قبلان خبر استشهاد ابنها عزام الأقرع، حتى عمت المسيرات الغاضبة، وأُعلن الإضراب الشامل والحداد في البلدة، ونعته فصائل العمل والوطني لا سيما حركتا فتح وحماس عبر مكبرات الصوت في المساجد، ودعوا للمشاركة في "بيت التهنئة" لاستقبال المعزين باستشهاده.
يختم حسام الأقرع بأن شقيقه الشهيد عزام استطاع بمقاومته أن يؤثر بين أبناء جيله، وأن هذا ما توارثته الأجيال اللاحقة، وأنهم باستشهاده يؤكدون أن "عزام كباقي كل الفلسطينيين، الذين فيهم الشهيد والأسير والجريح، وأن الاحتلال لن يكسر معنويات هذا الشعب وصموده".
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
لأبراهام مانغيستو الذي أفرجت عنه حماس اليوم قصة مختلفة... فما هي؟
بعد أكثر من عشر سنوات من الأسر في غزة، تم تسليم الجندي الإسرائيلي أبراهام مانغيستو (38 عامًا) من أصول إثيوبية إلى الصليب الأحمر الدولي، وذلك ضمن الدفعة السابعة من اتفاق وقف إطلاق النار. فما قصته؟
تنتهي مع تنفيذ المرحلة الأخيرة من هذه الصفقة معاناة طويلة لعائلة أبراهام مانغيستو، التي اتهمت إسرائيل بالتعامل العنصري مع قضية ابنها، مشيرة إلى أن لون بشرته كان سببًا في قلة الاهتمام الإعلامي بقضيته.
من "الهجرة السرية" إلى الأسروُلد مانغيستو في إثيوبيا عام 1986، وهاجر مع عائلته إلى إسرائيل في سن الخامسة، ضمن عملية" سليمان" السرية التي نقلت آلافًا من يهود الفلاشا الإثيوبيين إلى إسرائيل عام 1991. عاش الرجل في مدينة أسدود قبل أن ينتقل إلى كيبوتس "بن ياغير"، حيث خدم لاحقًا في الجيش الإسرائيلي.
لكن حياته تحولت بشكل جذري بعد وفاة شقيقه الأكبر ميخائيل عام 2011، ما دفعه للانغلاق على نفسه، ليصبح "شبحًا" بعيدًا عن الاهتمام داخل مجتمعه.
في سبتمبر/أيلول 2014، وبعد أشهر من الحرب الإسرائيلية مع غزة، دخل القطاع، ليبدأ رحلته في الأسر.
لم تُعلن إسرائيل عن اختفاء مانغيستو إلا بعد مرور 9 أشهر من أسره، وذلك بعد أن أجبر قاضٍ إسرائيلي على الكشف عن القضية مطلع 2015.
هذا التكتم أثار غضبًا شعبيًا في إسرائيل، حيث قالت عائلة الأسير في وقت سابق: إن "الجيش كان سيبذل قصارى جهده لاستعادة ابنها لو كان أبيض البشرة".
من جهتها، أكدت حركة حماس أن الحكومة الإسرائيلية لم تُبدِ أي جهد جاد للإفراج عن مانغيستو، بل تجاهلته تمامًا في المفاوضات السابقة.
وفي عام 2023، بثت حركة حماس مقطعًا مصورًا يظهر الجندي أبراهام مانغيستو وهو يصرخ قائلاً: "إلى متى سأظل هنا؟ أين دولة إسرائيل منّا؟!"، ليظل في الأسر حتى تم إدراج اسمه في صفقة تبادل الرهائن التي جرت اليوم السبت.
كما تضمنت الصفقة الإفراج عن 5 رهائن آخرين مقابل أن تطلق إسرائيل سراح 602 من الأسرى الفلسطينيين.
رغم الإفراج عنه، تظل قضية مانغيستو جدلاً في المجتمع الإسرائيلي، خاصة في صفوف اليهود الإثيوبيين الذين يشكلون نحو 2% من السكان ويعانون التهميش منذ عقود.
عائلة الرجل كانت قد نظَّمت وقفات احتجاجية خلال السنوات الماضية، أمام مقر رئيس الوزراء، رافعة شعارات مثل: "دماء الإثيوبيين ليست رخيصة!"، في تحدٍّ صريح لما تقول إنها سياسة التفريق العنصري داخل الجيش.
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية شاحنات المساعدات الإنسانية تدخل غزة تزامنًا مع تسليم حماس جثث 4 أسرى إسرائيليين إسرائيل تطرح مناقصة لبناء نحو 1000 وحدة استيطانية جديدة جنوب مدينة بيت لحم بالضفة الغربية نتنياهو: إسرائيل أمام فرصة تاريخية لـ"تغيير وجه الشرق الأوسط" مع تعيين قائد جديد للجيش قطاع غزةحركة حماسإسرائيلإثيوبياالصراع الإسرائيلي الفلسطيني إطلاق سراح