كيف تغيرت المعادلة الدبلوماسية والأمنية في تركيا عام 2023؟
تاريخ النشر: 4th, January 2024 GMT
نشر موقع "بي بي سي نيوز" بنسخته التركية تقريرا سلط فيه الضوء على المعادلة الدبلوماسية والأمنية لتركيا (من العلاقات اليونانية التركية إلى عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي) خلال سنة 2023.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن القضايا التي ستشغل أجندة السياسة الخارجية التركية في السنة الجديدة هي عدم اليقين السياسي والاستراتيجي الذي سببته حروب أوكرانيا وروسيا و"إسرائيل" وحماس.
بالنسبة لتركيا، التي كانت رد فعلها الأشد على "إسرائيل"، واتهمت الغرب، بما في ذلك الولايات المتحدة، بـ "الصمت عن المجازر"، ستكون الأولويات تحقيق وقف إطلاق النار في غزة في أقرب وقت ممكن واتخاذ خطوات نحو حل الدولتين بشأن قضية "إسرائيل" وفلسطين. واتجاه العلاقات التركية الغربية ستحدده موافقة البرلمان التركي على عضوية السويد في الناتو واتخاذ الولايات المتحدة خطوات بشأن بيع مقاتلات إف-16، وفقا للتقرير.
هل تكون تركيا ضامنة لفلسطين؟
قال التقرير إنه بعد أيام قليلة من اندلاع الحرب بين "إسرائيل" وحماس، نصح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الجانبين بالاعتدال، لكن مع تصاعد الهجمات الإسرائيلية، بدأت تركيا انتقاد حكومة بنيامين نتنياهو بشدة.
وأضافت أن أردوغان اتهم إسرائيل بارتكاب "الإبادة الجماعية" وشبّه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأدولف هتلر، زعيم ألمانيا النازية الذي كان مسؤولا عن مقتل حوالي 6 ملايين يهودي خلال الحرب العالمية الثانية. وانتقدت الدول الغربية تصريحات أردوغان التي وصفت حماس بأنها "منظمة سياسية وليست إرهابية".
وبينما كانت هذه التصريحات تشغل الساحة السياسية، كثفت الدبلوماسية التركية جهودها لإنهاء النزاع في غزة في أسرع وقت ممكن، وفتح الطريق إلى وقف إطلاق النار الدائم والسلام. وقام وزير الخارجية التركي الجديد هاكان فيدان بنشاط دبلوماسي مكثف مع منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية من أجل وقف إطلاق النار. وقدم فيدان نموذج "الضامن" الذي طورته تركيا إلى أطراف النزاع والقوى الدولية الرائدة، بحسب التقرير.
وتابع أنه وفقا للنموذج الذي لم تتضح تفاصيله بعد، ستكون تركيا ودول المنطقة ضامنا لفلسطين، وستكون الدول الغربية التي تريد ذلك أيضا ضامنا لإسرائيل. وستبذل هذه الدول جهودا فعالة لضمان تنفيذ معاهدة السلام الدائمة التي اتفق عليها الطرفان دون انتهاك. لكن رد فعل تركيا لكل من إسرائيل والغرب في هذه العملية وخطابها الحاد تُعتبر من بين العوائق التي تعترض طريقها لتكون وسيطا أو ضامنا فعالا في عملية سلام محتملة.
لا يتوقع أي تغيير على الجبهة الأوكرانية
يتوقع دبلوماسيون أتراك عدم حدوث تغيير كبير في مسار الحرب الروسية الأوكرانية طوال سنة 2024. توقعوا أن أوكرانيا لن تتمكن من استعادة سوى جزء صغير من أراضيها، وأن روسيا لن تتمكن من تحقيق الزخم الذي تريده بسبب مشاكلها العسكرية والاقتصادية. كما توقعوا أن يستمر الوضع على هذا النحو حتى الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقرر إجراؤها في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024.
في المقابل، أشار التقرير إلى أن أنقرة تدعم سيادة أوكرانيا، وتقدم الدعم لإدارة كييف من خلال تقديم طائرات بيرقدار تي بي 2 المسيرة المتقدمة. كما فتحت أنقرة أبواب التعاون في العديد من المجالات، بما في ذلك الدفاعات الصناعية، خلال زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في تموز/ يوليو 2023.
وأورد الموقع أنه بعد 10 أيام من هذه اللقاءات بين تركيا وأوكرانيا، أعلنت روسيا أنها لن تجدد دخول الممر الآمن للحبوب الذي بدأ في سنة 2022 بمبادرة من تركيا والأمم المتحدة. ورغم جميع المساعي التي قام بها الرئيس أردوغان ووزير الخارجية فيدان، إلا أن الكرملين لم يتراجع عن قراره، مما أنهى أهم مكاسب أنقرة الدبلوماسية منذ اندلاع الحرب.
من أبرز العوامل التي ميزت العلاقات بين أنقرة وموسكو في سنة 2023، وفقا للتقرير، اتهامات أحزاب المعارضة التركية بتدخل روسيا في انتخابات أيار/ مايو لصالح السلطة. زعم المرشح الرئاسي عن تحالف المعارضة، كمال كليجدار أوغلو، أن روسيا كانت وراء بعض الحملات التي تم تنظيمها على وسائل التواصل الاجتماعي. ومن جهتها، نفت روسيا هذه المزاعم.
السويد تنتظر الموافقة على الانضمام إلى حلف الناتو
أشار الموقع إلى أن أحد آخر التطورات لسنة 2023 كان موافقة لجنة الخارجية في البرلمان التركي على بروتوكول انضمام السويد إلى الناتو، ليتم تأجيل استكمال العملية إلى سنة 2024. ومن المتوقع أن يعود البرلمان التركي من عطلة رأس السنة الجديدة في 16 كانون الثاني/ يناير، ولكن لا يزال من غير المعروف متى سيصل البروتوكول إلى الجمعية العامة للبرلمان.
وفي مكالمة هاتفية أجراها الرئيس أردوغان مع الرئيس الأمريكي جو بايدن في 15 كانون الأول/ ديسمبر، تمت مناقشة موافقة السويد على عضوية الناتو وبيع الولايات المتحدة لتركيا 40 مقاتلة إف-16 جديدة. ويُذكر أن بايدن أبلغ أردوغان أن إدارة البيت الأبيض تدعم بالكامل بيع إف-16، وأنه سيتم اتخاذ إجراءات في هذا الاتجاه في حالة اتخاذ خطوات بشأن السويد.
عملية انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي غير واضحة في سنة 2024
لفت التقرير إلى أن أهم تطورات العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي في سنة 2023 هي تقرير جوزيب بوريل، الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر. تضمن التقرير، توصيات مهمة لتحديث الاتحاد الجمركي، وتسهيل التأشيرات، وإزالة بعض العقوبات التي تم فرضها في سنة 2019. مع ذلك، لم يتم إدراج التقرير على جدول أعمال قمة قادة الاتحاد الأوروبي التي عقدت في 14-15 كانون الأول/ ديسمبر.
وذكرت الوثيقة الختامية للقمة أن التقرير سيتم النظر فيه في اجتماع لمجلس الاتحاد في وقت لاحق. ومن بين أسباب تأجيل الاتحاد الأوروبي مناقشة طلب انضمام تركيا إلى تاريخ لاحق، سيطرة مناقشات الميزانية الأوروبية ومفاوضات انضمام أوكرانيا ومولدافيا على قمة 14-15 كانون الأول/ ديسمبر.
يستمر التطبيع بعد الزلزال
أورد الموقع أن الزلزال الذي ضرب ولاية قهرمان مرعش في 6 شباط/ فبراير 2023 وتسبب في مقتل أكثر من 50 ألف شخص، كان له تأثير إيجابي على عملية التطبيع التي تشهدها العلاقات بين تركيا وجيرانها، وخاصة تلك التي تعاني من مشاكل. ساهمت المساعدات التي قدمتها اليونان ومصر لتركيا والزيارات رفيعة المستوى من كلا البلدين، في تعزيز عملية التهدئة مع كل منهما.
وقد زاد الرئيس أردوغان ورئيس الوزراء اليوناني ميتسوتاكيس من تواصلهما بعد فوزهما بالانتخابات في بلادهما. ووقّع الزعيمان، خلال زيارة أردوغان إلى أثينا في 7 كانون الأول/ ديسمبر، على إعلان أثينا الذي يهدف إلى تعزيز حسن الجوار والصداقة. وأكد الزعيمان عزمهما المضي قدمًا في هذا "المسار التاريخي" دون انقطاع. وتستعد تركيا، التي تقاربت أكثر مع مصر في إطار الحرب الإسرائيلية-الفلسطينية التي بدأت في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، لزيارة محتملة للرئيس أردوغان إلى القاهرة خلال 2024.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية أردوغان تركيا هاكان فيدان تركيا أردوغان هاكان فيدان صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاتحاد الأوروبی کانون الأول سنة 2023 فی سنة
إقرأ أيضاً:
التحول الجيوسياسي السعودي وإعادة تشكيل المعادلة الإقليمية
23 أبريل، 2025
بغداد/المسلة:
ناجي الغزي
في لحظة مشحونة بالتوترات الإقليمية والدولية، جاءت زيارة وزير الدفاع السعودي إلى طهران، وعودة ترامب إلى المسرح النووي، والتسريبات الإسرائيلية حول نواياها تجاه إيران، كضربات سياسية متزامنة تهز بنية النظام الإقليمي التقليدي وتعلن ميلاد مرحلة جديدة. لم تعد السعودية تكتفي بدور اللاعب المُنقاد، بل تحولت إلى لاعب مركزي يُعيد تشكيل التوازنات ويضع الإقليم على سكة التقاطع الاستراتيجي بدلاً من الاحتراب الأيديولوجي.
أولاً: السعودية خارج المحورين
لسنوات ظل الشرق الأوسط محكوماً بثنائية قاتلة: محور أمريكي-إسرائيلي مقابل محور مقاومة تقوده إيران. اليوم تقف السعودية خارج هذا الاستقطاب، لا عبر الحياد السلبي، بل من خلال ما يُعرف في التنظير السياسي بـ”التموضع الاستراتيجي السيادي”. هذا التموضع ليس انسحاباً من المسرح، بل انخراط فاعل وفق معايير جديدة تحكمها المصلحة السيادية، لا الإملاءات الأيديولوجية أو ضغوط التحالفات.
السعودية لم تَعُد ورقة تُستخدم في مفاوضات كبرى، بل أصبحت طاولة بحد ذاتها، تتقاطع عليها المصالح، وتُعاد عبرها صياغة الاصطفافات.
ثانياً: زيارة خالد بن سلمان إلى طهران
تمثل زيارة الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي إلى طهران تحولاً مفصلياً في الفكر الأمني السعودي، لا بوصفها خطوة دبلوماسية اعتيادية، بل ترجمة ميدانية لتحول استراتيجي أعمق في عقيدة الردع والتعامل مع التهديدات الإقليمية. هذه الزيارة تعكس انتقالاً من نموذج “العداء الهيكلي” إلى مقاربة جديدة يمكن تسميتها بـ”الاحتواء التفاعلي”، حيث يُعاد تعريف العلاقة مع الخصوم الإقليميين على قاعدة التفاوض من موقع الندية، لا الاستتباع أو التصعيد.
إن تولي وزارة الدفاع إدارة هذا الملف الأمني المعقد – بدلاً من حصره في قنوات الخارجية – يُعبّر عن إعادة هيكلة متقدمة في بنية اتخاذ القرار الأمني السعودي. لم يعد الأمن الإقليمي يُدار من الهامش، بل أصبح في صلب العقيدة الدفاعية الجديدة، التي تمزج بين أدوات الردع العسكري وأدوات التفاعل السياسي، بين الحضور السيادي والانفتاح المدروس.
بهذا المعنى، تتجاوز زيارة الأمير خالد الأطر البروتوكولية المعتادة؛ إنها إعلان صريح عن عقيدة أمنية سعودية متجددة، تقوم على مبدأين متلازمين:
– الردع بالتواصل: أي امتلاك القدرة على الحسم، دون إغلاق قنوات الحوار.
– الدبلوماسية من موقع الندية: أي استخدام الانفتاح كأداة قوة لا كتنازل.
هذه المقاربة تبعث برسائل استراتيجية مزدوجة:
إلى إيران: أن الرياض لم تعد ترى طهران كخصم وجودي، بل كمنافس يمكن ضبط سلوكه عبر قواعد توازن مدروسة.
إلى واشنطن وتل أبيب: أن مرحلة التبعية في صياغة الموقف الأمني السعودي قد انتهت، وأن القرار السيادي في الرياض بات يُبنى وفقاً للمصالح الوطنية، لا الحسابات الخارجية.
إنها لحظة تُجسّد التحول من أمن الوصاية إلى أمن السيادة. فالسعودية لا تعيد فقط ترتيب علاقاتها الإقليمية، بل تعيد تشكيل منطق التفاعلات الأمنية برمّته. وهذه هي السمة الأبرز للجيل الجديد من صناع القرار في الرياض: عقلانية القوة بدل التبعية، وبناء التوازنات بدل تكريس الاستقطاب.
ثالثاً: القلق الإسرائيلي المتصاعد
الاتفاق النووي المزمع بين السعودية والولايات المتحدة، وتمكين السعودية من تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية، والذي لا يتضمن شروطاً تتعلق بالتطبيع مع إسرائيل، يُشكل سابقة دبلوماسية غير معهودة، ُولحظة مفصلية في التاريخ الأمني الإقليمي. ليس لكونه خرقاً تقنياً فحسب، بل لأنه يسحب من إسرائيل الذريعة الأزلية لابتزاز الغرب والعرب على السواء. إسرائيل ترى في هذا التطور انقلاباً على عقيدتها ومرتكزاتها الأمنية التي اختزلت التهديد وأحتكرت خطاب “الخطر النووي”. في إيران وحدها، وحشدت عبره الدعم لعقود.
الرسالة الآن واضحة: إذا كان من حق السعودية التخصيب، فلماذا يُمنع عن إيران؟ بهذا المعنى، تفقد إسرائيل احتكارها للرواية الأمنية.
رابعاً: الإمارات والاختلال الخليجي
تواجه المملكة العربية السعودية تحديات متزايدة ضمن محيطها الخليجي، في مقدمتها السلوك الإماراتي المتسرع والمتسارع نحو سياسات خارجية توسعية تعبث بعدد من الملفات الحساسة، مثل ليبيا واليمن والسودان والقرن الإفريقي. هذا الانخراط المتشعب لا يشكل مجرد تباين في الرؤى، بل يمثل تحولاً بنيوياً في التوازنات الإقليمية، ما يُنذر بتقويض البنية الأمنية الخليجية وإضعاف مركز الثقل الذي طالما مثّلته الرياض في المعادلة العربية.
في هذا السياق، لم تعد المملكة في موقع المتفرج أو المهادن، بل تجد نفسها مضطرة لتبني عقيدة دفاعية جديدة تستوعب المتغيرات وتحتوي التحديات. هذه العقيدة تقوم على مبدأ “الردع الصامت” بوصفه أداة استراتيجية لضبط السلوك المنفلت دون الانزلاق إلى مواجهات مباشرة، إلى جانب “إعادة ضبط التموضع العسكري والاستخباراتي” بما يعزز الجاهزية من جهة، ويبعث برسائل غير معلنة ولكن واضحة من جهة أخرى.
المقاربة السعودية لا تنزلق إلى ردود فعل عاطفية أو إجراءات عدوانية، بل تتأسس على تفوق تقني، وشبكة تحالفات إقليمية، وشرعية استراتيجية نابعة من موقعها القيادي في العالمين العربي والإسلامي. ومن هذا المنطلق، تتعامل الرياض مع التحدي الإماراتي بوصفه اختباراً لقدرتها على صيانة الأمن الخليجي دون الانخراط في حروب مستنزفة، عبر أدوات “الاحتواء العسكري غير الصدامي”، وتوازنات دقيقة تُبقي على صلابة البيت الخليجي دون السماح بانفلاته من عقاله.
إن ما تواجهه السعودية اليوم ليس فقط منافسة تقليدية على النفوذ، بل محاولة لإعادة تعريف قواعد اللعبة الإقليمية. وبالتالي، فإن نجاح الرياض في إدارة هذا التحدي يتطلب هندسة استراتيجية متعددة الأبعاد، تزاوج بين الردع الهادئ والحضور الذكي، بما يعيد ضبط الإيقاع الإقليمي وفقاً لمعادلات الاستقرار لا الفوضى.
خامساً: ترامب وإيران – صفقة دون حرب
في خضم هذه الديناميكية، تبرز عودة ترامب إلى البيت الأبيض كلاعب استثنائي يمارس “البراجماتية المتوحشة”. ترامب ليس رجل عقيدة، بل رجل صفقات، وهذا ما يمنح السعودية فرصة لإعادة رسم أولويات واشنطن في المنطقة بمعزل عن الهاجس الصهيوني. إسرائيل تخشى هذا الفصل بين المصالح الأمريكية والإسرائيلية، وتخشاه أكثر حين يكون للسعودية اليد الطولى في توجيهه.
في المقابل، تُدرك إيران أن ترامب، على خلاف خطابه الشعبوي، لا يريد حرباً مفتوحة. وهذا ما يُفسر انفتاحها المشروط في مفاوضات مسقط وروما.
سادساً: إسرائيل والتهديدات الفارغة
رغم تصاعد خطاب التهديد الاسرائيلي بضرب منشآت إيران النووية، فإن الواقع الاستراتيجي لا يسمح لإسرائيل بالتحرك العسكري المنفرد. الضربات “الاستباقية” هي في الغالب حملات نفسية تهدف إلى تعطيل التفاوض، لا إلى تفجير الحرب. إسرائيل بحاجة إلى الضوء الأخضر الأمريكي، لذا فأن افتقار إسرائيل للغطاء الأمريكي والمناخ الإقليمي يجعل من أي مغامرة عسكرية انتحاراً سياسياً. وهذا ما لن تحصل عليه في المدى المنظور. الضجيج الإسرائيلي يعكس حالة هلع من خسارة أوراق الضغط لا أكثر.
وهذا الواقع يعزز من قدرة السعودية على التحرك دون اكراه إسرائيلي.
خلاصة التحول الجيوسياسي السعودي
ما تقوم به المملكة العربية السعودية في الوقت الراهن يتجاوز مجرد إعادة تموضع داخل خارطة التحالفات التقليدية؛ إنه مشروع شامل لإعادة صياغة منطق القوة ومفاهيم القيادة والسيادة في الشرق الأوسط. فالسعودية لا تغيّر موقعها داخل النظام الإقليمي فحسب، بل تُعيد هندسة هذا النظام ذاته، من خلال تبني استراتيجية جديدة يمكن وصفها بـ”التحالف السيادي المرن”.
هذه المقاربة تنطلق من ثلاث ركائز استراتيجية رئيسية:
• هندسة التوازن الإقليمي كأداة لإعادة توزيع النفوذ، لا مجرد تقاسمه أو الخضوع له.
• إدارة التهديدات عبر الترويض والاحتواء الذكي، بدلاً من الانخراط في المواجهة الصفرية أو الصراع المفتوح.
• توسيع فضاء الخيارات الاستراتيجية. وتحرير القرار الوطني من أسر المحاور والتحالفات الصلبة.
وفي هذا السياق، لا تبدو زيارة وزير الدفاع السعودي إلى طهران، أو تقاطعات الاتفاق النووي المحتمل بين الرياض وواشنطن، أو حتى التعرية المتزايدة للنهج الإسرائيلي في المنطقة، مجرد محطات منفصلة، بل حلقات ضمن مسار متكامل يهدف إلى تفكيك معادلات الهيمنة وإعادة بناء منطق التفاعلات الإقليمية.
السعودية، عبر هذا التوجه، تطرح نفسها كفاعل ضامن لاستقرار المنطقة، لا كمركز هيمنة أو طرف استقطاب. هي تعيد تعريف دورها ليس فقط بوصفها “بيضة القبان” في توازنات الشرق الأوسط، بل كمصمم لهندسة إقليمية جديدة، قائمة على الواقعية المرنة، والتعددية الوظيفية، والتوازن بين المصالح لا الاصطفافات.
“التحالف السيادي المرن” ليس مجرد وصف سياسي، بل نموذج استراتيجي مفتوح، يسمح للسعودية بالانفتاح على قوى متناقضة دون أن تقع في فخ الازدواجية أو الارتهان. وبهذا التموضع، تصبح القيادة الإقليمية السعودية تعبيراً عن قدرة على الهيكلة والترويض والضبط الاستراتيجي، لا مجرد مجابهة عسكرية أو تبعية سياسية.
إنه تحول بنيوي في فهم دور الدولة الإقليمية، يُمهد لشرق أوسط متعدد الأقطاب، تحكمه معادلات المصلحة لا أيديولوجيات السيطرة.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author زينSee author's posts