أهم الاكتشافات المدهشة لأقوى تلسكوب فضائي في عام 2023
تاريخ النشر: 4th, January 2024 GMT
قدم جيمس ويب، أقوى تلسكوب فضائي على الإطلاق وفقا لوكالة ناسا، صورا مذهلة واكتشافات علمية رائدة طوال عام 2023.
وبحلول تاريخ 25 ديسمبر، احتفل التلسكوب بالذكرى الثانية على إطلاقه إلى الفضاء في عام 2021. وبهذه المناسبة، ومع بداية عام جديد، نذكر عددا من أهم إنجازات التلسكوب لعام 2023.
إقرأ المزيدوحدثت إحدى اللحظات الأكثر روعة عندما قام العلماء بتحليل الصور الأولية التي التقطها تلسكوب جيمس ويب.
كما أحدث اكتشاف بخار الماء على كوكب صخري خارج المجموعة الشمسية، يسمى GJ 486 b، ضجة في المجتمع العلمي. وتعد هذه النتيجة مهمة في البحث عن حياة خارج كوكب الأرض، حيث أن الماء عامل حاسم في قابلية السكن. ويقول العلماء إن بخار الماء يمكن أن يكون من الغلاف الجوي الذي يغلف الكوكب، وفي هذه الحالة يجب أن يتجدد باستمرار بسبب الخسائر الناجمة عن الإشعاع النجمي، ولكن هناك احتمال مماثل يقول إن بخار الماء هو في الواقع ناجم عن الطبقة الخارجية للنجم المضيف البارد للكوكب.
وتوفر ملاحظات تلسكوب جيمس ويب لمجرة الدوامة، المعروفة باسم مسييه 51 (M51)، رؤى قيمة حول التفاعلات المعقدة بين المجرات. وتساعد دراسة هذه التفاعلات العلماء على فهم العمليات المختلفة، مثل تكوين النجوم، وإثراء المعادن، وتكوين الكواكب والأقزام البنية.
إقرأ المزيدولعل أحد أكثر الاكتشافات إثارة للاهتمام أيضا، هو تحديد مركب كيميائي ذو رائحة كريهة على الكوكب الخارجي K2-18b. وإلى جانب الاكتشاف السابق لبخار الماء، فإن هذا الاكتشاف يثير احتمال وجود كوكب ذو مصادر بيولوجية محتملة، ما يجعله مرشحا مثيرا للبحث عن حياة خارج كوكب الأرض.
وفي تطور مفاجئ، وجد علماء يراقبون سديم الجبار أكثر من 80 ثنائيا من الكواكب بحجم المشتري منفصلة عن النجوم، ما يتحدى الفهم الحالي لفيزياء الغاز وتكوين الكواكب.
وهذه الأجسام الثنائية ذات كتلة المشتري (Jupiter Mass Binary Objects)، أو اختصارا JUMBO، هي فئة جديدة غريبة من العوالم التي يبدو أنها تتحدى التصنيف، حتى أنها تركت العلماء في حيرة من أمرهم.
كما التقط تلسكوب جيمس ويب الضوء من أقدم المجرات التي تم اكتشافها على الإطلاق، ما سلط الضوء على الفيزياء الغريبة التي حكمت الكون المبكر. وهذه المجرات البعيدة قد تلعب دورا مهما في كشف أسرار الفجر الكوني.
ومع انتقالنا إلى عام جديد، من الواضح أن تلسكوب جيمس ويب سيستمر في اكتشاف وفك العديد من الألغاز والأسرار الكونية وإثارة دهشة العلماء باكتشافاته الغريبة.
المصدر: citylife
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: تلسكوب جيمس ويب اكتشافات الفضاء جيمس ويب فيزياء كواكب معلومات عامة معلومات علمية ناسا NASA تلسکوب جیمس ویب بخار الماء
إقرأ أيضاً:
قصة الوادي الصغير 39
حمد الناصري
حضر رجلٌ من بلاد المصبّ المائي العذب، المحاذي لرمال الأعراب الذهبية، وقد قيل إنهم أقوام مُستعربة أو خليط من الأعراب إلى مجلس يجتمع فيه كبار رجال الأعراب. وهو عبارة عن سبلة أو مؤتلف يجمعهم ويتخذون فيه قرارًا موحدًا. مجلس تم تشكيله حديثًا باسم 'متحد الأعراب' بقيادة نجيب الزهران، كبير الرمال الغربية وبحر المرجان، وقرية لؤلؤة المرجان، التي تم تعديلها بعد تبنيه زعامة تحالف بحر المرجان"، لكن نجيب الزهران، الذي اشتهر بلقب الأمير، قرر اعتماد عبارة 'الأمير نجيب الزهران. ولأن الأمير نجيب الزهران قد كوّن تحالفًا باسم بحر المرجان، فقد عرّف هذا التغيير بأنه لجمع شمل الأعراب جميعًا في وحدة تُعرف بهم جميعًا.
وتم اقتراح اسم "مجلس رمال الأعراب الذهبية" بدلًا من 'متحد الأعراب'، حيث كانت قراراته غير شاملة، إذ كلٌ يُمثل نفسه وفق استفادته ومنافعه، لكن 'مجلس رمال الأعراب الذهبية' يُعتبر مجلسًا شاملاً، حيث تُنفذ جميع قراراته بقيادته. يُمثل المجلس الجديد قرية الأعلى وقرية التراث والأحياء الرملية والكثبان العالية وقرية البحر والجبل وسيح المالح وجماعة من جنوب الوادي الصغير، المعروفين بالجنوبيين، وتُعرف ديارهم باسم 'أرض الأعراب. للجنوبيين تأثير كبير على المجتمعين لمكانتهم عند الأعراب، كما أنهم يشملون نفرًا من الوادي الصغير والقرى التابعة له وجمعًا من الحارات العشرة والساحل الطويل الذي تُعرف سيادته للوادي الصغير. كان للأمير نجيب الزهران تأثير كبير جدًا، لكونه من الرمال الذهبية وبحر المرجان، الذي كان يُعرف بساحل اللآلئ المرجانية، والذي قام نجيب الزهران بتعديله إلى 'ساحل لؤلؤة المرجان' خلال تحالف الرمال الغربية والرمال الشرقية." وقد شرح الأمير نجيب الزهران لوفد بلاد المصب المائي حول ما يتعلق بتشكيل "مجلس رمال الأعراب الذهبية" ورجال بلاد مصب الماء العذب. عُرفوا بوجهين: 'قوم بلاد النهر أو الأقوام المُستعربة، نظرًا لتداخلهم مع قوميات وأجناس أخرى من الشُقر وفارعي الطول. هناك قومية عاربة وأخرى مُستعربة، لكنهم يُنكرون ذلك، ويقولون إنهم يلتقون مع أعراب الرمال في الجد الأول الذي جاء من بلادهم، بلاد مصب الماء العذب، واستقر في قرية التراث. أما الذين جاؤوا من أرض الجنوب، والتي عُرفت بأرض الأعراب، فهم أعراب مَنسيون وعُرفوا بـ قوم مَنْسي، ولفظة "مَنْسي" هو اسم لرجل كان في السماء العالية ونُفي منها غضبًا من الرب الأعلى. في لحظة الطرد، أدرك ما ارتكبه من خطأ، وهذا الخطأ كان محذورًا في السماء العالية. وتلك الأقوام تفرّقت وتشتّت على أكثر الأقوال، ولغتهم السماوية نسوها، ولم يتذكرها أحد منهم رغم كثرتهم. وحين تفرقوا وتشتتوا، أخذت كل مجموعة تشكّل لها لغة خاصّة بها.
واستقرّ "راهييم" جد الأعراب في بلاد الوادي العميق، ذلك الوادي الذي عُرف لاحقاً بقرية التراث، وهي مُلاصقة للقرية العتيقة، وراهييم هو أحد أحفاد الجد الأول "منسي" ذلك الجد الذي ظلت زوجته تلاحقه وهو يهرب منها ، لأنها السبب في الطرد من السماء الأعلى ، وهبط بسلام إلى الأرض لا أحد معه ، وكان قُبالة المكان الذي هبط فيه ساحل وبحر كبير ، فالتفت عن يمينه وتفل والتفت عن يساره وتفل ، ثم قرأ ما وجده مكتوباً في شجرة ، فعرفها ـ أي الشجرة ـ فقد وجد مثلها في السماء ، واستعاذ بكلمات خوفاً ، وكانت كلمات الإستعاذة فاتحة التجأ بها إلى ربّه الأعلى وتحصّن بها مخافة الشيطنة والوسوسة .
وبعد سنيين لا يُعرف مداها ظهر إبْناً لحفيد الجدّ الأول "مَنسي" واستقرّ في بلاد الوادي العميق، بعد أنْ قام الحفيد " راهييم "بتعديل اسم الوادي العميق إلى الوادي الجاف ، الخالي من الزرع والفاكهة والخالي من أي أثر بشري يستأنس به.. وبدا يُحفز ناظريه ، ينظر هنا وينظر هناك ، وحين نظر إلى أعلى رأسه لم يرى غير جبال تعلو بعضها وتتدرج انحداراتها إلى سهل منبسط بحجارة صغيرة أقرب إلى الرمل المُتحجر أو التراب المُتماسك، كأنها عناقيد مُتدلية أو منحوتات ، وحين ضرب البرق ذات مرة صخور الوادي تكوّنت في الأحجار أجسام بين الرخاوة وبين الصلابة ، إذا حُكت ببعضها اشتعلت.. والوادي العتيق يُعرف قديماً بـ الوادي الجاف وعلى أطراف الوادي الجاف جوانب ضيّقة لا تستوطنه جماعات بشرية وقُراه تُشكّل تحدّياً كبيراً والناس لا يستقرون فيه ، فلا ماء فيه ولا زرع إذا نظرت إلى باطن عُمقه ، يتبيّن لك انه حوض على سطحه ، كأنه بلا سيول منذ الخليقة .؛ وقُعره مُخيف لا تسمع همساً ولا مشياً ولا ترى نخلاً ولا جذوعاً ولا طائر قريب غير غيوم لا تستقر إلى حوافّ جباله ، وتنحني السيول على أطرافها ، وكأنما تُخزّنه في عُمقه ولا يصل إلى سطحه ، والبرق من خيفته يُحدث رهبة والصواعق تضرب الجبال في أطرافها وتُرعد أصوات السماء بين الغيوم ، فيتداخل كل شيء في بعضه ، وتُلقي الغيوم ، مُثقلة بحملها إلى قُعْر عميقة ، فتُصيب جذرها المُمتد إلى حُفرة عميقة لا تصل إلى أعماقها ضَلال الرهبنة ولا تلحقها مخاوف المُهادنة، ولا اسقف مُخادعة ولا أحد يتربّص بك ولا مشاعر خادعة ولا غدر ولا مكر ، وحين تنظر إلى تلك الحفرة العميقة لا تخون عينيك ولا تغرّك نفسك بإيذاء غيرك وتتجافى بتورّع عن كل دنيئة ، مشدودة عينيك إلى رجاء يمنحك شعلة متوقدة ، تظل معك ولا تضعك بين رائحة وغادية ولا تزداد فتوراً ولا ينقلب نشاطك إلا إذا أسأت في حقّها .
والقريتين المُتلاصقتين أجنحة الوادي الجاف، ويشمل الوادي الجاف ـ أيضاً ـ قرية التراث والقرية العتيقة وبلدة وادي الرّجاء، والجبل المُحدّب وجبال سَوداء وسهل أولاد أحنف.
وقد ترك "راهييم" ولده "يسعى" وأمه مضاض بنت رعال العاربية بعد الولادة في الأرض المباركة ـ ارض الوادي الجاف ـ وقفل راجعًا إلى بلاد النهر أو بلاد الماء العذب. ولأنّ أم يَسعى ، مضاض بنت رعال ، أخذت تسعى بين جبلين ، وتتوسّل السماء مدداً من الطاقة والنشاط وقليل من الطعام والشراب ، ولم تكن تعلم بمكان الحفرة العميقة ، وكانت خائفة وجلة ، وكانت تتأمل وتقنع نفسها أنّ زوجها "راهييم" لم يغادر الوادي الجاف وكان ذلك الإطمئنان نما إلى حسّها ومشاعرها ، وبحثت عنه في الأماكن التي كان يظهر فيها عادة لكي تُبشره بولادة طفلها الأول، ولإلقاء عليه اسمًا جميلاً، والأعراب يُسمّون المولود بعد الولادة أو قبل أن يُولد، سواء أكان ذكرًا أو أنثى، فالاختيار يكون معلومًا لديهم أو مُسبق التسمية، وذلك لزيادة الاستبشار وبركة المولود، كما هو الحال في أساطير الأعراب المُلهمة. وقد سمّته أمه بـ "يَسْعى" نظراً لأنّها كانت تسعى به طولًا وعرضًا تبحث عن زوجها "راهييم" الذي غاب عنها في لحظة البُشرى.
كان "يَسْعى" صغيراً حين جاء به أبيه راهييم إلى الوادي الجاف ، وكانت أمه من قوم الرمال الجنوبية ويُسموهم " القوم العاربة " والعاربون قوم جاؤوا إلى الوادي الجاف بعد أن علموا بأنّ ماءً جوفياً قد تخزّن في حفرة عميقة ، وأنّ امرأة تحوزهُ وتحرسه ولا يصل إليه أحد وتمنع الرجال من الاقتراب منه أو إخراجه.؛
قال أحد رجال العاربة وكان بين جفنيه وشم صغير كحد السيف ، محدثاً سارد الحكاية :
ـ ما لونها .؟ ما صفتها .؟ ما صوتها.؟ صفها لي ، وسأخبرك باليقين من تكون هي.؟
ـ شقراء لا شُحوب ظاهر عليها ، مُحيّاها ذو ملامح باسمة جميلة وعلامات الوجه نابضة بالحياة ، بين جفنيها سواد وفي عُمقها سلام ونبرة صوتها فيه نضج اخلاقي ، تبدو منكسرة وأنفاسها مُتعبة، لكني أظنها مُراوغة، لا تبوح بسرّها إلى غيرها ، ولا تُظهر انكسارها ، امرأة صلبة قوية المِراس والشكيمة ، ذات عزم ، قادرة على إعادة هيبتها من ملامح عينيها والْتفاتتها تملأ المكان وهجاً والشمس تخجل من سناها.
قال رجل كان يقف على راس سارد حكاية المرأة الشقراء بالوادي الجاف بتحدٍ :
ـ تفضل هات ، قل لنا ما هيَ؟ وما لونها.. هات وصفاً يُقربنا من معرفة سيرتها الأولى وافصح عن أسباب تجربتك بالوادي الجاف.؟
قاطعه الرجل من القوم العاربة.:
ـ تلك المرأة الشقراء ، إن لم يُخيبني ظني ، فهي من قومنا الجنوبيين ، امرأة ذات شموخ وشكيمة وعِزّة كعزة وشموخ وشكيمة الجنوبيين.؟
ـ هل ذلك تخميناً أم قدرٍ ام محاولة لإستنتاج ما قد انطوي عليه تقديرك وتخمينك واستناداً للمعلومة التي رفدتك بها .. ام هي فرضية وحدس فطري.؟
ـ هذه المرأة القوية ذات ملامح جنوبية عاربة ، من أهلنا ، ومن رأس قومنا العاربون .. ومعرفتي بها ، دعني أحدثك عن تجربتي أولاً في الوادي الجاف الذي هو مثار الحديث عن قصتها .
إلتقيت بالمرأة بالصدفة وعجزت عن تخطّيها ، فأندم على خطأٍ كبير ، فأنا يومئذ في رحلة استكشافية بالوادي الجاف ومعي ثلة من قومنا العاربين ونفرٌ من أعراب الجنوب ، التقيتهم وأنا في طريقي إلى الوادي الجاف ، وكنت أتحاور مع قائد رحلتهم في رمال الوادي الجاف وأخبرني بأنّهم على سفر قاصد إلى الرمال الشرقية ، وحين أوقفنا المسير وجلسنا على رمال الوادي الجاف كانت أنفاسنا تتجاذب مع النسيم العليل ، وكان سيح الوادي الجاف ذو مراح تأوي إليه كثير من الأقوام ، وتقعد على كثبانه غير العالية مُستبشرة بالغيوم لا تسكن سهل الوادي الجاف ، رمال صحراوية ، كأنها مغسولة، تُربتها بين الحصى والرمل وتلك الأقوام التي تستبشر بالغيوم لا تركن إلى الكثبان الرملية إلا لأيام معدودة حتى إذا ما استبشرت بالغيوم والسيول غادرت سيح الوادي الجاف.
كان سفري إلى الوادي الجاف ، حدثٌ قريب أشعرني برغبة الوقوف تجارب غيري من الاقوام ، بعد أن انتشرت أخبار عن وجود ماء في حفرة عميقة ، تخزن الماء ، وتسكنه امرأة.؛ فشعر برغبة غير عادية على أثر ذلك الخبرٍ وما أن وصل الخبر إلى جدي رعال بن مضاض حتى توافد إليه رجالنا العاربة ، الجنوبيين ، وحدثوا به سيدي الكبير ، فأمر في الحال تكوين فريق يستكشف الخبر ويقف على الامر ، وكنت يومئذ شاباً يافعاً قوي المِراس ذا عزم وشكيمة ، وغالباً ما يُقال لي انت تُشبه جدك الكبير "رعال" وأخذتها بنشوة الأقتداء الروحي بجدي الكبير ، ونفسي كانت مفعمة بالنشاط ، تزدهر كلما شعرت بأنّ جدي كريماً وسخياً ، فينزلني من مجلسه وأقعد بقربه ، وأعلو بتلك المنزلة مبلغاً عظيماً وكأنني حققتُ منجزاً كبيراً .. قال جدي الكبير وهو يُصوب نظره إليّ :
ـ إيتوني بخبر يقين عن الوادي الجاف ومن يسكنه وما يحيط به، وكأنّ الاختيار قد وقع عليّ ، وسبّابته كالسهم ، لا تحيد عن تصويبها ، فأكون على رأس المستكشفين ، وسرت سيراً قاصداً ومعيَ رجال الشهامة الجنوبيين وأصروا إصراراً تاماً وأبصروا معيَ الحفرة العميقة التي تُصيبها السيول ولا تُفارقها ، والوادي يكون جافاً بعدها ، وسبرت المهمة المُوكلة إليّ ، إلى أعماق الوادي الجاف وما يُحيط به من جبال ومشيت إلى مساحة تخطت الجبال الشامخة والأحجار الصلدة حتى أذنتْ لي هداية البصيرة والعقل الرشيد إلى السير إلى سهل يضيق عند مُلتقى جبلين ويتسع إلى امتداد غير يسير ، مُعزز بوجود حياة وماشية لأقوام آخرين ، في ماضي الزمن ، وفطنت بقوة ذهنية تفردتُ بها عن أقران استكشفت الوادي الجاف وخرجت بلا شيء ، وكنت وقتئذ مُستعد الذهن والإدراك لأثبت لجدي الكبير بأني حاذق وذو مهارة مُتجددة .. وأخذت أتجاذب الحديث مع قومنا الجنوبيين العاربة ونطرح تساؤلات واقعية ، عميقة وذكية مُبتكرة الفلسفة .. هل توجد حياة بالوادي الجاف؟ لماذا تتكون غيوم ثم ما تلبث بعد أن يسيل على منحدرات الجبال ؟ لماذا الوادي الجاف كحفرة واسعة.؟ ماذا تعني الحفرة الواسعة.؟ أين يذهب الماء، مزن السماء ، بعد أن تُفرغه ، ولا يتكوّن في عمق الوادي؟ ولماذا سمي بالوادي الجاف والغيوم والسيول لا تُفارقه.؟ وهل توجد به أشباح .؟
قال الذي اتحاور معه ، بضيق :
ـ هناك امرأة ، فائقة الجمال ، تُعرف بـ فاتنة الوادي؟ إمرأة شقراء ، ذات شكيمة وقوة وعزم ، نظرتها تُخيف شُجعان الرجال وصلابتها تهيب أعنف الأشرار ، من ملامح وجهها لا تبدو ضعيفة ولا هيّنة ، وذات مرة قررتُ أن أسايرها ، فوقفت صامتة ، واقشعرّ جسدي ، وأيقنتُ بأنه تمزّق وتفرق ، فتواريت دون ردة فِعْل مني ، وحبست أنفاسي إلى أن كنت خلف جبل صغير ، وأوحى إلى التفكير أن أقف فوقه وأدفع برجائي إلى السماء فتحفظني.
قال رجل آخر بتؤدّة وتلطّف :
ـ نعم وأنا كنت يومئذ رفيقاً .. تلك المرأة الفاتنة ، في عينيها قوة .. امرأة عاقلة ورزينة لا يبدو عليها شيء من جنون او سحر ، اختارت الوادي لأسباب لا نعرفها.
قال محدث الرجل :
ـ ما أظن أن المرأة الشقراء أنها قادرة أنْ تبيد شيئاً من مُقومات الوادي الجاف ولا أظن بقادرة أنْ تفعل شيئاً يضرّ بغيرها ، أو تتلف شيئاً حتى وإن هلكت .. وتلك الشقراء ليست من قومنا ، لقد اطلعت على أحوالها ، ويبدو من بعض حديثها أنّ لديها زوج فلتَ عنها ولم يَعُد يُداريها ، فربّ أحدهما كان غليظاً على الآخر ، فلم يستطيعا إصلاح علاقتهما معاً ، فالشقراء الفاتنة ليس بها شيء من جنون ، وزوجها لم نرهُ ولم نسأله عنها ،وأمرهُ لا يخصنا ، ولم تكن المرأة الشقراء تُعاني من تعنيف جسدي او نفسي ، بل هي سعيدة في موطنها العميق بالوادي الجاف.
قال سيف بن زيد حفيد الجد "رعال" والمبعوث الأمين لإستكشاف حفرة الماء بالوادي الجاف:
ـ ذلك الوادي الذي ارسلني إليه جدي رعالْ ، رِفْقَة أصحاب لنا من الجنوبيين وبعض من الأعراب التقينا بهم في مسيرنا ، آثروا أن يكونوا معنا ، بعدما تقصّينا اخبار كثيرة منهم وعُلوم الوادي الجاف وساكنيه وما يُحيط به ، ومعلومات أخرى مُهمة قد سبقنا إليها أؤلئك الاعراب.
وقد خلصتُ إلى نتائج أكثر غموضاً لم يطلع عليها أحد من مُفكري الأعراب ، فأكثر حوارات العُقلاء عن حفرة الماء وما إذا كان عذباً صالحاً أم به ملح أو أجاج به مرارة ؟ وهل بين الماء الراكد في الحفرة وبين منبع الماء حاجزاً.؟ ولم يغلب أحدٌ على أحد من حُكماء الاعراب وكانت فلسفة تجاربهم أنّ الماء لا ينقص فالسماء يزداد مُزنها والغيوم تثقل بمائها فتسقط مُمطرة بغزارة ، تُخفف به جفاف الوادي .. ومن خلال تتبعي لكل حالة ، تابعت بنشاط لا كلل فيه ،وكانت قُدرتي على تفحص كل شيء ، تبياناً كبيراً وخرجت بهذه الملاحظات المهمة .. الغيوم كثيفة، لا تُفارقها إلى مدد زمنية طويلة وتعود إليها بقوة ماطرة غزيرة والحفرة العميقة ، مُجمع للسيول ، والماء كأنه مدفون في الحفرة والحفرة يصل عُمقها ، كما بين الصخرتين الكبيرتين اللتان عُرفتا بـ الصغير "يسعى ابن مضاض بنت رعالْ" ساكنة الوادي الجاف التي تركها زوجها "راهييم" مضطراً لبعض شأن ، وعاد إلى بلاد النهر العظيم ، والذي أعاد تسمية بلاد النهر العظيم ، أثناء عودة الإضطرار بـ مملكة النهرين.؛
لا تجرفها سُيول ولا تطمرها حجارة الوادي ولا تغمرها المياه ، عُمقها لا يُعرف مداه ولم يصل إليه أحد .. وكأنه ماءً مدفوناً في الحفرة العميقة.
ـ لكن الحكاية الموثقة في شأن المرأة ، أنها اتخذت مكاناً غير بعيد عن حفرة الماء بالوادي الجاف .. نعم وأتفق معك أنّ ذلك الرجل يُدعى راهييم وقد أخذ زوجته" مضاض" من الجنوب وسار بها إلى أهله بلاد مصب الوادي العذب وعُرفت تلك البلاد ، بـ بلاد النهر العظيم ، وهؤلاء القوم ، أقوام مُستعربة ، تداخلوا مع قوميات أخرى ، ولعلهما توقفوا هناك ، وذهب راهييم لشأنه ..وحوّزت مضاض بنت رعال الحفرة العميقة، حين وجدت عيون في بطنها تتشقق من بعضها فتخرج الماء من حجارتها الصمّاء.؛
وحين وصل خبر تسمية إبنه الصغير بـ يسعى ، لم يعترض ، بل كان سعيداً بالاسم الجديد ، لكن كان اعتراضه على نسب الصبي الصغير" يسعى " إلى أمه مضاض بنت رعالْ. وسكت "راهييم" عن زوجه مضاض ولم يسألها لماذا فعلت ذلك.؟ وحين كبر ـ يسعى ـ عرف ابوه "راهييم " وعرف أنّ اسم مضاض هو أسم لأمه .. وكان الأعراب الجنوبيين يُذكرون بعض الأسماء ويؤنثونها كـ مضاض .. وإكرام ورعالْ.
قال الرجل من اعراب الرمال الشرقية :
ـ وماذا فعل "راهييم " بإبنه "يسعى " بعدما أخبره بذلك الحُلم الذي كان قاسٍ عليه .."كما جاء في سردية حكاية مضاض وابنها يسعى .
ـ لا شيء .. امتثل الإبن "يسعى" طوعاً لأبيه .. دعني أوصل لك فكرة الحكاية ، بداية ونهاية .
ـ تفضل . هات ما عندك ..؛
ـ ولما بلغ "يسعى" سِنّ العاشرة من عُمره ، أخذه ابوه "راهييم " إلى حيث صَخرة اتخذها راهييم مكاناً مُقدساً ، وكان لبدو الرمال الذهبية ، يوماً يستريحون فيه من عناء مشقة أحوال أيام طوال وأهوال رمال غلاظ ، وهذه اليوم تُعرف عند الأعراب الجنوبيين بيوم الخيرات.. يذبحون في ماشية كثيرة ويأكلون ويشربون من بعد مشقة الأيام.
وفي هذا اليوم وكما ذكرت لك ، أنّ راهييم أخذ يَسعى وسار به لوحدهما ، يسيران جنباً إلى جنب ، ويد راهييم قد تشابكت في أصابع الصغير "يسعى " ودخل به الوادي الجاف وأشار بسبّابته إلى حيث الصخرة وامتدت عينهما إليها معاً .. وسأل "راهييم" إبنه وفي داخله غصة ، ماذا تقول في رجل رأى في حُلم يقتل إبنه.؟ فردّ الإبن ـ يسعى ـ بهمة عالية ، إن كان ذلك من السماء ، فربّ السماء أعلم ، ولا يسع علم الرب الأعلى أحد؟ فقال "راهييم " وقد ترقرق الدمع في عينيه .. ذلك الرجل هو ابوك "راهييم" وذلك الإبن هو أنت "يسعى بن راهييم" فطرح الصغير ، رقبته .. وقال هي فداء لك يا أبتاه .. فحزن " راهييم" على ذلك الموقف الصعب والقاسي على قلبه .. فقال راهييم بعزم .. ألا يجدر أن نُخبر أمك مضاض بنت رعالْ بأمرنا هذا .؟ فعقب الإبن بشكيمة .. تنفيذ أمر السماء أحكم وأعلم من أم يسعى .؛ـ لا تخف ـ أبتاه ـ وأخذ يُحدد مكان القتلة بيده.. وقال .. افعل ما تؤمر .؛ ولم يفعلها راهييم ، واخذ ينظر في الوادي والصخر وحفرة الماء ، وطاف به نور ورأى إبنه يسعى بين حصاتين كبيرتين ، تُعرف بلغة اعراب الرمال الذهبية بالحجارة، واخذ يملأ عقله هداية وتوفيقاً وتتسع أفكاره حِكمة ورُشداً ، واهتدى إلى نور لم يتمكن من فهمه وقال ـ بني ـ نجعل يومنا هذا يوماً جميلاً ونتخذه عيد لنا ، نأكل ونشرب فيها ونزداد سروراً وفرحاً واستبشاراً بهداية ألطاف السماء .. وفي لحظتها وإذا بقطيع من الغنم يسير إلى جانبهما ، قطيع اختلطت بخرفان لم يَريا مثلها ، وارسل "راهييم " ناظريه إلى أجملهن ، وكان اختياره كبش سمين لا علّة به ولا شائبة ، يتوسّط القطيع ، لا كبير ولا صغير ، شعرهُ أبيض صافٍ لا سواد فيه ، فريد بخواص صُوفه ، لم يعرفها "راهييم " من قبل. . وكان طائرٌ أسود يرفرف على المكان ، فاعتقد "راهييم " أن الطائر ربّ الوادي الجاف.
هز الاعرابي من الرمال الشرقية راسه وعقّب بدراية وعلم ببعض الحكاية :
ـ نعم هي كذلك ، فالحكاية قد تختلف في سرديتها ، والمرأة يُقال عنها من الرمال الجنوبية .؟
ـ نعم تلك المرأة قوية الشكيمة ، إبنة رأس قومنا الجنوبيين ، واسمها بالكامل ، مضاض بنت رعالْ بن مضاض ابن سيف بن زيد بن رعال الكبير وهي خالة أبي"زيد" الصغرى ..وكان ترتيبها من بعد إحدى عشر ولداً وبنتاً ، وجدي الكبير رعالْ ابوها وتُهامة بنت رعال هي أم أبي واختها التي تكبرها بحولين كاملين ، وحين كنت أسير في الرمال الذهبية ناحية بحر المرجان ، وجدت راهييم ومضاض خالة أبي الصغرى في مكان يُعرف بـ البُقعة.. وكان سيرهما ليس في اتجاه الوادي الجاف ولا إلى بلاد مصبّ الماء العذب ، فأرشدتهما إلى الاتجاه الصحيح ، واخبرتهما عن الوادي الجاف ، فتذكره "راهييم" وقال نعم .. ذلك الوادي يحمل الكثير من المُفاجئات .. ولم يزد حرفاً.. لكنه عاد وقال: هو وادٍ جاف به عيوناً تتشقق من صُخورها ، والماء لا يختزل ولا ينقطع بل يصل إلى الحفرة العميقة ولا يخرج منها .؛
وفي سيري إلى الوادي الجاف ، بأمر من جدي الكبير "رعال" لاستكشاف الوادي الجاف ، فقد توصلت إلى أنّ الغيوم تعجز عن حمل الماء ، وتنوء به السحب الكثيفة ويثقل عليها حمله ، فتُلقيه في حفرة الوادي الجاف ، فيكون مخزوناً مائياً لا ينضب طوال الايام والسنين.
ولا غرو فإنّ "يسعى" تعلّم لغة قوم أمه، ولغة قوم أبيه ولغة قوم الرمال الغربية والشرقية ونطق بلغتهم جميعاً وهو غضّ صغير، ولكنه اختار اللغة العاربة وأتقنها عن رغبة في نفسه وأصبحت اللغة العاربة، لغة أهل الوادي الجاف إلى يومنا هذا.؛
يتبع 40