اشتباكات الخرطوم.. كيف ساهمت في إنعاش الحركة التجارية بالولايات السودانية؟
تاريخ النشر: 16th, July 2023 GMT
الخرطوم– مع نزوح أكثر من 2.2 مليون شخص بسبب الحرب في السودان، غالبيتهم من الخرطوم (حوالي 1.5 مليون شخص)، توقفت الحركة التجارية في العاصمة وانتقلت إلى بعض الولايات التي شهدت أسواقها انتعاشا اقتصاديا، وأخرى أصابها الركود.
وتحتل الولاية الشمالية المرتبة الثانية من حيثُ استقبال النازحين، حيث بلغ عددهم أكثر من مليوني نازح، وأكد والي الولاية الشمالية الباقر أحمد أن هناك زيادة في الطلب على السلع والمنتجات، وارتفاع في الأسعار.
وكشف -في حديثه للجزيرة نت- عن شروع الولاية في تقديم تسهيلات لإقامة صناعات محلية تعتمد على المنتجات المحلية للولاية، مشيرا إلى قدوم عدد من المصدرين للولاية.
وحول الأثر الاقتصادي، أكد الباقر أحمد ارتفاع الأسعار بصورة كبيرة، في حين تم تكوين لجان طوارئ، منها طوارئ السلع الاستهلاكية للسيطرة على الأسعار.
وأشار إلى انتعاش الحركة التجارية داخل الأسواق وبين الولاية والولايات الأخرى، مؤكدا أن الولاية أصبحت واحدة من النوافذ القليلة بالبلاد التي يقصدها العديد من التجار من ولايات مختلفة للتسوق، كما تحولت حاليا إلى أهم نقطة تجارية بالبلاد.
خسائر النشاط التجاري بالخرطوم
وفي الخرطوم، قُدرت خسائر النشاط التجاري بالمليارات إثر الحرب التي اندلعت شرارتها منتصف أبريل/نيسان الماضي، مع توقف كامل للصادرات والتصنيع المحلي، كما شهدت الواردات شللا كاملا، وفقا لتصريحات أمين المال بالغرفة التجارية، ورئيس لجنة الطوارئ ببورتسودان إبراهيم أبوبكر.
وفي حديثه للجزيرة نت، أكد أبوبكر أن نهب وحرق المناطق الصناعية خاصة في مخازن الصادرات في المنطقة الصناعية "سوبا والباقير" أثّرا في عملية الصادرات التي انخفضت إلى أقل من 60%، في وقت يوجد فيه 50% من الصمغ والفول والسمسم في هذه المخازن.
استهداف المصانعأكد أبوبكر استهداف المصانع بالنهب، وهجرة 70% من المصدرين، وتوقف الاستثمارات السعودية والخليجية، إضافة إلى فرض السلطات الحكومية رسوم في الطرق القومية، وزيادة أخرى في الرسوم بنسبة 200%، بينما تم حجز آلاف الأطنان من البضائع في الخياري بولاية القضارف، بجانب فرض قوات الدعم السريع جبايات في الطرق.
بالمقابل أكد وكيل وزارة التجارة والتموين عبد الباقي عيسى -في حديثه للجزيرة نت- أنه من الصعوبة بمكان حصر خسائر النشاط التجاري نتيجة الحرب.
وقال إنه لا توجد معلومات متوفرة حاليا، في حين يصعب حصر التجار الذين توجهوا إلى الولايات أو خارج السودان.
وحول الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها وزارة التموين، أوضح عبد الباقي عيسى أن المكاتب الثلاثة التابعة لإدارة الصادر والوارد توجد في البحر الأحمر والشمالية وولاية الجزيرة، مشيرا إلى أنها تعمل وفق خطة طوارئ يتم التركيز فيها على استيراد السلع الاستهلاكية.
بورتسودان مقرا للحركة التجارية
وأكد أمين المال بالغرفة التجارية إبراهيم أبوبكر أن الحركة التجارية أصبحت تدار حاليا من بورتسودان عاصمة ولاية البحر الأحمر، وصارت مقرا لمعظم المصدرين والتجار واتحاد الغرف التجارية وشهادات المنشأ والسجل التجاري، مشيرا إلى أن 90% من عقود الصادر تصدر من بورتسودان، مما أسهم في الانتعاش الاقتصادي في المدينة.
النشاط التجاري في الجزيرةتحدث مدير الأسواق بولاية الجزيرة أحمد الحافظ للجزيرة نت عن انتعاش الحركة التجارية في مدينة ود مدني، مشيرا إلى أنها أصبحت مركزا لتجارة التجزئة. ولفت إلى أن المشكلة الرئيسية التي تواجه التجار حاليا هي إيجاد أماكن للعرض وارتفاع الإيجارات، وقال إنه تم تشكيل لجنة وزارية للمساعدة بتوفير الحلول.
ارتفاع إيجار العقاراتوفي حديثه للجزيرة نت، قال مدير شركة "علقم" للأنشطة المتعددة محمد مبارك -وهو أحد التجار الذين نقلوا نشاطهم التجاري من الخرطوم إلى مدينة ود مدني بولاية الجزيرة- إن معارض ومخازن شركته تعرضت للنهب، واضطر للاستعانة بعناصر من الدعم السريع لتأمين الطريق مقابل رسوم باهظة.
وأضاف أن هناك ارتفاعا في إيجار العقارات، وصعوبة بالحركة بسبب صغر حجم المدينة، وتابع أن العمل بات يمضي بشكل جيد عقب فتح المعارض لوجود حاجة للمواد الغذائية.
ندرة السلع الأساسيةوحول تأثير استقبال المدينة للنازحين، قال عضو الغرفة التجارية بولاية الجزيرة محمد عبد الرحمن -في حديثه للجزيرة نت- إن المدينة لم تكن مستعدة لهذه الأعداد التي وفدت إليها مما أثر سلبا من جهة زيادة أسعار الخدمات والسلع الأساسية.
ارتفاع مستويات الدخليرى الباحث الاقتصادي عمر محجوب أنه ما زال هناك تأخر في نقل النشاط الاقتصادي من العاصمة، وقال إن الأزمة تتمثل في عدم وجود قدرات أو إمكانية لتعديل سلسلة التوريد.
وأضاف أن ما حدث من انتعاش لبعض المدن ليس نتيجة تخطيط، وإنما بسبب أصحاب العقارات والسلع، وارتفاع مستويات الدخل في هذه المدن، ونمو الناتج المحلي الإجمالي لها.
انتعاش أسعار الأصول
وفي ولاية القضارف، وفد ما يقارب من 87 ألف، منهم 23 ألف و600 عابرين من جنسيات مختلفة، وبعثات دبلوماسية، بحسب والي الولاية محمد عبد الرحمن محجوب، الذي أكد أنه تم إنشاء ما لا يقل عن 32 مركز إيواء لاحتواء 7.5 آلاف نازح.
وكشف الوالي -في حديثه للجزيرة نت- عن استقرار سوق السلع الاستهلاكية، في وقت أصدرت فيه حكومة الولاية قرارا باستيراد السلع عن طريق التجارة الحدودية من إثيوبيا.
من جانبه، قال آدم حسن من غرفة طوارئ القضارف -في حديثه للجزيرة نت- إن توافد الفارين من الحرب في الخرطوم أدى إلى انتعاش أسعار الأصول الثابتة، وزيادة القوة الشرائية، خاصة في الموارد التموينية، وزيادة الأيدي العاملة.
أزمة كاشبالمقابل قال الأمين العام للغرفة التجارية لولاية القضارف أسعد الضو، في حديثه للجزيرة نت، إن السوق تشهد حالة من الركود. وكشف الضو عن أزمة تسويق الذرة، حيث كانت الخرطوم تستقبل 12 ألف طن يوميا من القضارف، بجانب الدخن الذي كان يسوق للأبيض في كردفان ونيالا في دارفور.
وأشار إلى أن الطريق نحو مدن النهود وأم روابة والفاشر ونيالا أصبحت غير آمنة، مؤكدا توقف الحركة التجارية، مع وجود أزمة سيولة نقدية طاحنة.
من جانبه، قال أمين قرض -تاجر نقل عمله إلى القضارف- إن الصعوبات التي واجهته تمثلت في انعكاسات الحرب على توفير مواد التشغيل وضعف القوة الشرائية للأفراد.
حرب الخرطومالصحفية الاقتصادية نازك شمام أكدت، في حديثها للجزيرة نت، أن الحرب في العاصمة الخرطوم أثرت على النشاط التجاري والاقتصاد السوداني الذي يعتمد على نشاطي الاستيراد والتصدير. وقالت إنه ومع نزوح النشاط التجاري إلى المدن المتاخمة لحدود الدول المجاورة -مثل مدن ولايات دارفور التي تتاخم تشاد ومدن الولايات الشمالية التي تتاخم مصر- فتح معظم التجار محلات بهذه المدن للاستفادة من حركة الاستيراد.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: مشیرا إلى إلى أن
إقرأ أيضاً:
عربية الكومر وبيت الحكومة
تتكون المدارس الوسطى في ستينات القرن العشرين، من تلامذة من طبقات متعددة، ورغم ذلك فإن التعليم كان مجانيا أو شبه مجاني، يبيح لأبناء العمال وطبقة الموظفين الصغار والكبار وأبناء التجار، أن يجتمعوا معا ولا تظهر فروق إلا عند المواصلات قبل وبعد الدراسة.
(1)
الحكاية هي في بداية الستينات، جمعتنا مدرسة الخرطوم الاميرية الوسطي، وهي كانت المدرسة الحكومية الوحيدة بمدينة الخرطوم، كان طلابها هم ابناء الموظفين الذين يسكنون في بيوت الحكومة في شرق الخرطوم وغربها، وحي بيوت الصحة "جاكسون"، الملاصق للمدرسة، وابناء الديوم، حيث تنتهي حدود المدينة في ذلك الوقت.
كانت هناك عربة كومر عسكرية مكشوفة تأتي بأبناء العسكريين واساتذة الجامعة والموظفين، الي المدرسة وترجعهم نهاية اليوم الدراسي. لا اتذكر غير: "بابكر " والذي كان ذو صلة شقيقه العازف عبد الله عربي بعربة مرسيدس، و"كمال" الذي كانت توصله والدته التي تعمل مدرّسة بمدرسة البنات المجاورة لمدرستنا، وكانت العربة ماركة" أوبل"، أما نحن أبناء الديوم، فبعضنا كان يركب بصات الديوم ويدفع قرشا واحدا.
وبعضهم يوفر هذا القرش، ليكون عنده نهاية الاسبوع ،ما يمكنه من دخول السينما، وأظن قيمة التذكرة كانت خمسة قروش. ولا أنسي طالبا اسمه "عجبنا" رغم انه كان يسبقنا في الدراسة، إلا أنه كان يرافقنا نحن الساكنين بالحلة الجديدة، للذهاب والعودة الي المدرسة. كان يسكن مع والده بإسطبلات الرميلة، التابعة لدائرة المهدي، وعلمت انه درس بالخرطوم الثانوية القديمة، وكان يسير المشوار راجلا خلال الأربعة سنوات التي يدرس بها. شاءت الظروف أن أجده بكلية الهندسة، عند دخولي الجامعة 1970.
(2)
لا أتذكر كيف كان يصل "أمير" وأخوه أسامة داوود"، حيث كانا يسبقاني في الدراسة، ولا "أمين النفيدي" والذي كان في الدفعة اللاحقة لي.
عندما درسنا بالثانوية الجديدة، وكنت أول الدفعة بها، كان معظم الطلاب من الديوم، وامتداد الدرجة الثالثة، حي الخرطوم ثلاثة، حيث موقع المدرسة المطل علي ميدان عبد المنعم، والذي تقام به احتفالات المولد السنوية. "حاليا هو نادي الاسرة". كان هناك طالب واحد يسكن بالحي الشرقي، توصله للمدرسة عربة حكومية ماركة "همبر" مكسوة من الداخل بقماش أبيض، ويرتدي سائقها شورت وقميص أبيض، ويعمل والده في وظيفة كبيرة. كان مستر "هول "مدرس اللغة الإنجليزية، وهو في عمر مقارب لنا، وكان يأتي إلي المدرسة، راكبا عجلة بسكليت (دراجة هوائية)، ويرتدي شورت كحلي به أزرار كحلي، وقميص أبيض، وكان يشاهد العربة الهمبر توصل أحد طلابه كل يوم، لكنه لم يسأل ولم يكن له فضول للتعرف علينا كثيرا، ومعرفة من هو والد هذا الطالب الذي يأتي بعربة الهمبّر. تشاء الأقدار أن يأتي هذا الطالب متأخرا عن موعد بداية الحصة الاولي للغة الانجليزية، فما كان من مستر هول إلا أن صرخ في وجهه: اخرج من هنا.
(3)
كانت البيوت المجاورة للمدرسة يسكنها كبار الموظفين، ويطلق عليه حي جاكسون اليوم. البيت مكون من غرفتين بينهما برندة، وفي ركن الحوش يوجد مطبخ وحمام ودورة مياه بنظام "الجرادل"، والذي الغاءه وزير الداخلية وقتها فاروق حمد الله عام 1970. وكانت هناك بيوت بشارع علي عبد اللطيف يسكنها وزراء منهم حسن بشير نصر نائب الفريق عبود، ومدير المطافئ، وضباط كبار في الشرطة. كان هذا النموذج مكون من ثلاث غرف وصالون وغرفة للضيوف، ويسمي حسب نموذج وزارة الاشغال ،بيت نموذج "أ"، وكانت بيوت نظار المدارس الثانوية في كل مدن السودان من نفس النموذج، حيث يسكن المفتشين والزوار مع الناظر، في الغرفة المخصصة للضيوف. ولا خيار آخر غير ذلك.
(4)
زرت السويد قبل أعوام، وطلبت من مرافقي، أن نقضي الساعات المتبقية، لأتعرف علي نمط الحياة في مدينة استكهولم، فدخلنا مول وتجولنا، وأثناء دخولنا لمحل ملابس نسائية، قال مرافقي: هنا كانت تتبضع رئيسة الوزراء، فقام بطعنها شخص مخبول. ونحن متوجهين الي موقف السيارات للذهاب للمطار، قال مرافقي: هنا كان وزير الخارجية، يمتطي دراجة بسكليت (دراجة هوائية)، وتم الاعتداء عليه من قبل مخبول أيضا.
كل هذه الحكاية تذكرتها، واليوم يثار جدل حول استيراد سيارات فاخرة، لأعضاء مجلس السيادة، وظهرت صورة لوالي النيل الأبيض يمتطي سيارة فاخرة مكشوفة، وهو يلوح للمارة، فقلت: هل يعقل نحن السودانيين البلد الفقير، والذي ليس به إرث لطبقة كما في أوروبا، بل الطبقة الوسطي الناشئة، تعمل فينا كده؟؟
لا أظن أن حالنا سينصلح ولو نزل لنا الصلاح من السماء؟؟؟
يوسف محمد إدريس
yidries@ hotmail.com
9أغسطس2020