بعد سلسلة من الجلسات المستعجلة، أعلنت إسرائيل أنّها تنوي المثول أمام جلسة محكمة العدل الدولية في لاهاي – هولندا، التي ستعقد الخميس المقبل للنظر في دعوى جنوب افريقيا، التي تتهم فيها الدولة الصهيونية بارتكاب جريمة «إبادة شعب»، وتطلب من خلالها اتخاذ قرار مرحلي فوري لوقف الحرب، وهو قرار ملزم يقع ضمن صلاحيات المحكمة وحدها، ولا يتطلّب بحثا ومصادقة في هيئات الأمم المتحدة، كما هي القرارات الاستشارية العادية.
ويستدل من مجمل التصريحات والبيانات والرسائل والاجتماعات الرسمية، ومن التحليلات المهنية، ومن التقارير والأخبار الصحافية أن القيادة الإسرائيلية مهمومة جدّا، ولم يسبق أن ساورها مثل هذا القلق من دعوى قدمت ضدها في المحاكم الدولية.
وبعد أن درجت الدولة الصهيونية على مقاطعة جلسات لجان التحقيق والمحاكم الدولية، وعلى الإعلان سلفا أنّ قرارتها غير ملزمة، تبدو هذه المرّة أنها تخشاها فعلا، ولم تحسم بعد ماذا تفعل إذا اتخذت المحكمة قرارا بوقف الحرب.
الأمر المؤكّد هو أنها تدرك حجم الضرر الذي سيلحق بها إن هي خسرت المعركة في لاهاي، وعليه تحضر نفسها لهذه المواجهة، وقد يشمل ذلك بيانات رسمية للتخفيف من وطأة التصريحات السابقة، وتغييرات في العمل الميداني، للادعاء بأنه لم تعد هناك حاجة لإصدار حكم بوقف الحرب، عبر جرجرة مداولات المحكمة لأسابيع، واستكمال العمليات العسكرية وصولا إلى نقطة الانتقال إلى مرحلة الحرب الثالثة، والادعاء بأن العمليات العسكرية صارت محددة ومحصورة، وهي لا تستدعي تدخل المحكمة بعد تحصيل الحاصل.
إسرائيل تدرك حجم الضرر الذي سيلحق بها إن هي خسرت المعركة في لاهاي، وعليه تحضر نفسها عبر جرجرة مداولات المحكمة لأسابيع، لاستكمال العمليات العسكرية
الدعوى والتهم
قدمت جنوب أفريقيا، الجمعة الماضي، دعوى مفصّلة (84 صفحة) إلى محكمة العدل الدولية، تطلب فيها التحقيق في جرائم إسرائيل في حربها على غزة، ومقاضاتها بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وبتنفيذ أعمال متواصلة تفي بمعايير «إبادة شعب»، كما نصّت عليها المعاهدة الدولية لمحاربة جرائم «الجينوسايد»، التي أقرت عام 1948، ووقّعت عليها إسرائيل سنة 1951، وكذلك، تتهم الدعوى إسرائيل باستخدام عشوائي للقوة العسكرية وبالقيام بالإبعاد القسري للسكان. ومع أن مداولات المحكمة لاتخاذ قرار نهائي، قد تستغرق سنوات، فإن جنوب افريقيا طلبت من المحكمة ممارسة صلاحيتها بإصدار أمر قضائي وقائي مؤقت ومستعجل وملزم بوقف فوري لحرب الإبادة الجماعية، لحماية الفلسطينيين من مزيد من الأضرار التي لا يمكن إصلاحها. وطلبت كذلك أن تأمر المحكمة إسرائيل بالسماح للفلسطينيين الذين هجّروا بالعودة إلى منازلهم، وبالتوقّف عن حرمانهم من الغذاء والماء والطاقة والمساعدات الإنسانية، وبمنع التحريض على الإبادة الجماعية وبمعاقبة المحرّضين عليها، وكذلك بالقبول بإجراء تحقيق مستقل عن مجريات الحرب. ودعت جنوب افريقيا المحكمة إلى اتخاذ تدابير لضمان «التزام إسرائيل بتعهداتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية بعدم التورّط في الإبادة الجماعية، وبمنعها وبالمعاقبة عليها». الدعوى المقدمة من جنوب افريقيا بالذات مهمة لسببين: الأول هو السطوة الأخلاقية لها كدولة قامت على مبدأ العدالة، والثاني، لأن فيها قدرات في القانون الدولي قل مثيلها في العالم، وفيها مختصون عملوا في المحاكم الدولية. ومن يراجع الدعوى التي قدمتها، يرى كم هي متماسكة منطقيا، وواضحة ومدعومة بأدلة دامغة. وهذا الجمع بين الموقف الأخلاقي الحازم والمستوى المهني الرفيع، جعل إسرائيل قلقة ومرتابة، وهذا بحد ذاته دليل على جدّية الدعوى.
إسرائيل تدافع عن جرائمها
لا تستطيع إسرائيل، كما فعلت سابقا في حالات مشابهة، مقاطعة وتجاهل محكمة العدل الدولية، التي تستمد صلاحيتها من معاهدة انضمت إليها. ولا يمكنها مواجهتها بالادعاءات البالية مثل افتقارها للصلاحية أو بأنّها منحازة سياسيا، خاصة أن المحكمة تتمتع بمكانة دولية وازنة. وتأخذ إسرائيل على محمل الجد «خطر» اتخاذ قرار احترازي ملزم بوقف الحرب محمّلا بثقل تهمة «الإبادة الجماعية». وتخشى الدولة الصهيونية من تبعات مثل هذا القرار على مكانتها الدولية وعلى روايتها، ومن إمكانية أن يدفع باتجاه عزلها وجعلها دولة منبوذة. وفي محاولة لمنع إصدار حكم ضدها، بدأت الدولة الصهيونية ترسم خطوات لحماية جرائمها من العدالة الدولية، وضمن ما تخططه:
أولا: البحث عن شخصية قضائية لها وزنها لضمها كقاض إضافي إلى المحكمة، المكوّنة من 15 قاضيا. ويسمح نظام المحكمة بذلك، كما يحق لجنوب أفريقيا أن تضيف قاضيا من طرفها.
ويميل رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى تعيين صديقه المحامي الأمريكي المعروف إلين درشوفيتس، ما أثار معارضة في الطواقم القضائية، التي تذمّرت باعتبار أنه لا يعقل «توكيل محام أجنبي للدفاع عن الدولة في محكمة دولية».
ثانيا: بدأ نتنياهو بالاتصال برؤساء دول لتوجيه رسائل إلى المحكمة تساند الموقف الإسرائيلي. وقد قرر هو شخصيا ألا يحضر جلسات المحكمة لكنّه سيوجه لها رسالة باسمه.
ثالثا، تنوي إسرائيل استغلال «مكانة» المحكمة العليا الإسرائيلية، خاصة بعد استصدارها قرارا بإلغاء قانون «إبطال حجة المعقولية»، بادعاء أن القضاء «المستقل» في الدولة الصهيونية، قادر على التعامل بـ»نزاهة» مع أي خرق للقانون الدولي خلال الحرب. وقد عبّرت بعض النخب الإسرائيلية عن فرحتها بفشل مشروع تغيير القضاء، وبقرار المحكمة الأخير لأن ذلك يساهم في حماية إسرائيل دوليا.
رابعا: بدأت بعض الدوائر في المؤسسة الإسرائيلية بإطلاق تهديدات بالتوجه لمحكمة العدل الدولية ضد جنوب افريقيا بادعاء أنها تدعم حماس «التي ينص برنامجها على إبادة إسرائيل، والتي اقترفت جرائم حرب في السابع من أكتوبر، وحاولت ارتكاب جرائم إبادة جماعية». إسرائيل تعرف جيدا أن لا فرصة للنجاح في مثل هذه الدعوى، لكنّها تعتقد أن مجرد إطلاق التهديد يردع دولا أخرى.
خامسا: جاء في تصريحات وبيانات القيادة الإسرائيلية أن الدعوى هي «فرية دموية» لا سامية المنشأ. وهذه محاولة مفضوحة لهز شرعية الدعوى والمداولات في المحكمة، وربما لتمهيد الطريق لاحقا للانسحاب من الجلسات، إذا احست إسرائيل أنها ستخسر، وعندها ستقول بأنها لن تشارك في مقاضاة منحازة ومعادية لليهود.
ادعاءات إسرائيل
جرت في الأسبوع المنصرم اجتماعات عمل كثيرة لتحضير الرد الإسرائيلي في محكمة العدل الدولية، شارك فيها مسؤولون ومختصون قضائيون من وزارة الخارجية ووزارة القضاء والجيش ومجلس الأمن القومي، وبدأ البحث عن «أفضل» المحامين للدفاع عن الدولة الصهيونية في وجه العدالة. وتتلخص الادعاءات الإسرائيلية، التي جرى تداولها علنا حتى الآن، بما يلي:
أولا: ادعاء الدفاع عن النفس، وتقوم إسرائيل بالتأكيد عليه لأنه مقبول دوليا من حيث المبدأ، ولأنه حظي بدعم أمريكي وأوروبي، ولكنها تتجاهل أن قرار محكمة العدل الدولية ذاتها عام 2004، بشأن جدار الفصل العنصري، أكّد في حينه على أن ليس لسلطة الاحتلال حق الدفاع عن النفس.
ثانيا: ادعاء الدرع الواقي، وهو كذبة تكررها إسرائيل ليل نهار، وهو مناقض للقانون الدولي، الذي لا يسمح بالمس بالمدنيين حتى لو كان بينهم مسلحون، إلّا في حالة التعرض لخطر أكيد وقريب ومباشر، ضمن تقييدات لا تجيز ما قامت به اسرائيل بأي حال. من المهم الإشارة إلى أن الجيش الإسرائيلي استعد سلفا للمحكمة، وقام بتجهيز «إجازة» قضائية بتوقيع محام، قبل كل قصف أو عملية عسكرية، بالادعاء (الكاذب طبعا) بأن الهدف هو المسلحون وليسوا المدنيين.
ثالثا: ادعاء مسؤولية حماس عن كل ما عانى منه أهل غزة من قتل ودمار وترحيل، لأنها ـ وفق ما تقوله إسرائيل- تحتمي بالمدنيين وتقوم بـ»سرقة المعونات الإنسانية»، وهناك أجوبة شافية مسبقة على هذا التزوير في الدعوى التي قدمتها جنوب أفريقيا.
رابعا: عدم استكمال الإجراءات من قبل جنوب أفريقيا، لأنها «لم تتوجه إلى إسرائيل» بشأن الإبادة الجماعية، وبالتالي لم يحصل الخلاف اللازم للتوجه للمحكمة. وتكفي الإشارة هنا إلى أن جنوب افريقيا توجهت مع دول أخرى إلى المحكمة الجنائية الدولية بطلب التحقيق في جرائم الحرب الإسرائيلية وهي سحبت كل ممثليها الدبلوماسيين من إسرائيل، ولم تتوقف عن المطالبة بوقف حرب المجازر والإبادة الجماعية.
خامسا: الادعاء بأن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين لا تدل على النية. والأقوال التي تستند إليها دعوى جنوب افريقيا لإثبات تهمة التحريض على الإبادة الجماعية وتوفّر النية لارتكابها، لا تدل – وفق ما تقوله إسرائيل- على نية بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية وقيلت «بعيدا» عن مراكز اتخاذ القرار الملزم في الحرب، ولم يكن لها تأثير يذكر.
ويخيف هذا الموضوع إسرائيل كثيرا، وحذر مسؤولون من المستوى القضائي المهني من أن «الحديث عن محو وتسطيح غزة، الذي طلع به سياسيون غير مسؤولين لم يواجه بردود قوية من الأطراف الرسمية، وهذ يجبر إسرائيل على إعطاء تفسيرات». كما سطّرت شخصيات مهمة، وبينها ثلاثة سفراء سابقين، رسالة إلى المستشارة القضائية حملت تحذيرا بأن «عدم اتخاذ إجراءات ضد تصريحات المحو والتدمير الشامل، يدعم القناعة في العالم بأن إسرائيل ترتكب جرائم الإبادة الجماعية».
سادسا، ادعاء «أين العرب؟»، وقد بدأت الأبواق الإسرائيلية بترويج الادعاء بأن دليل عدم جدية دعوى جنوب افريقيا هو أن الدول العربية، ولا حتى السلطة الفلسطينية، لم تنضم للدعوى. ما يشير، برأي إسرائيل، إلى أن الأمور ليست كما تصفها جنوب افريقيا، وإلّا لشاركها العرب رسميا في دعواها.
لقد فتحت جنوب افريقيا جبهة جديدة ضد الجريمة والعدوان، وحشرت إسرائيل في الزاوية، كما حصل مع بورما (ميانمار)، حين أصدرت محكمة العدل الدولية، عام 2020، قرارا بوقف حرب الإبادة ضد الروهينغا، ما عرض المجرمين للعزل والحصار. في كل الأحوال، دخلت إسرائيل مأزقا في مواجهة معركة غزة في لاهاي.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه إسرائيل لاهاي غزة الفلسطينيين إسرائيل فلسطين غزة لاهاي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة محکمة العدل الدولیة الدولة الصهیونیة الإبادة الجماعیة جنوب افریقیا جنوب أفریقیا فی لاهای
إقرأ أيضاً:
الفرق بين المحكمتين "الجنائية والعدل" الدوليتين.. خبير قانوني: الإبادة الجماعية القصد منها تدمير جماعة وطنية أو إثنية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
في ظل إصدار مذكرة توقيف بحق رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف جالانت، وتصاعد الجدل حول دور المحكمة الجنائية الدولية والمحكمة الدولية، يصبح من الضروري التوضيح والتمييز بينهما. فالخلط بين الوظيفتين القضائيتين يعكس غموضاً قد يؤدي إلى فهم مغلوط. لذا، نهدف في هذا التحقيق إلى تقديم شرح مفصل حول الفرق بين "المحكمة الجنائية الدولية" و"محكمة العدل الدولية".
تختص المحكمة الجنائية الدولية بمحاكمة الأفراد الذين ارتكبوا جرائم دولية مثل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بينما تعتبر محكمة العدل الدولية الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، وهي مختصة بالفصل في المنازعات القانونية بين الدول. وعلى الرغم من الأهمية الكبيرة للمحكمة الجنائية الدولية، فإن 124 دولة من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة قد وقعت على اتفاقية تسليم مجرمي الحرب، بما في ذلك دول عربية قليلة مثل تونس والأردن وجيبوتي، بينما تظل بقية الدول غير ملزمة بذلك، وهو ما يثير تساؤلات حول تأثير هذا الواقع على تطبيق العدالة الدولية.
من جانبه أوضح دكتور عنايت ثابت، رئيس قسم القانون الدولى الخاص بكلية الحقوق جامعة القاهرة لـ"البوابة نيوز":
حين قدم المدعي العام كريم خان للجنائية الدولية طلبات للدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة لإصدار أوامر بإلقاء القبض على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في سياق أحداث 7 أكتوبر والحرب في غزة، ومعه كبار قادة حركة حماس وجناحها العسكري "كتائب القسام"، قصد من هذا كسر حلقة الإفلات من العقاب التي تحمي هؤلاء المجرمين الصهاينة مرتكبي أفظع الجرائم ، وتؤكد أنه لا أحد فوق القانون الدولى الخاص ، لتؤسس ثقافة احترام حقوق الإنسان ، وتوفير العدالة للشهجاء الفلسطينيين رغم انهم فارقوا الحياه لكنه القصاص لهم ولأسرهم
المحكمة الجنائية الدولية (ICC)
وتابع : تعد المحكمة الجنائية الدولية (ICC) مؤسسة قضائية دولية دائمة تأسست بموجب نظام روما الأساسي لعام 1998، ودخلت حيز التنفيذ عام 2002. تهدف هذه المحكمة إلى تحقيق العدالة الدولية ومحاكمة الأفراد المسؤولين عن أفظع الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي من صلاحياتها محاكمة المسؤولين عن أخطر الجرائم، حيث تم إنشاؤها مع الوضع في الاعتبار ملايين الأطفال والنساء والرجال الذين وقعوا ضحايا لفظائع لا يمكن تصورها هزت ضمير الإنسانية بقوة،
الجرائم موضوع المحكمة الجنائية الدولية
ويكمل : الإبادة الجماعية القصد منها تدمير، جماعة وطنية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، كليًا أو جزئيًا، وجرائم الحرب المتمثلة فى الانتهاكات الخطيرة لاتفاقات جنيف والبروتوكولات الإضافية لها، وجرائم الحرب الأخرى، والجرائم ضد الإنسانية بمعنى الأعمال واسعة النطاق أو المنهجية التى ترتكب كجزء من هجوم موجه ضد أي مجموعة من المدنيين العزل الذين لا يملكون أسلحة ، وجريمة العدوان: وهي تعتبر أخطر الجرائم التي تقع ضمن اختصاص المحكمة، وتشمل التخطيط أو الإعداد أو الشروع في عمل عدوان أو ارتكاب عمل عدوان.
أهداف المحكمة الجنائية الدولية
وقال : كسر حلقة الإفلات من العقاب التي تحمي مرتكبي أفظع الجرائم، وتؤكد على أن لا أحد فوق القانون، وتعزيز سيادة القانون على المستوى الدولي، وتساعد في بناء ثقافة احترام حقوق الإنسان، وتوفير العدالة للضحايا وأسرهم، من خلال تحديد المسؤوليات ومعاقبة الجناة، وردع الجرائم الدولية ، من خلال إظهار أن مرتكبي هذه الجرائم سيواجهون العقاب.
آلية عمل المحكمة
وموضحا قال : تتمتع المحكمة باختصاص مكمل للاختصاصات الوطنية، أي أنها تتدخل فقط عندما تكون الدول غير قادرة أو غير راغبة في التحقيق في هذه الجرائم وملاحقة مرتكبيها وتتبع المحكمة إجراءات قضائية شبيهة بإجراءات المحاكم الوطنية، وتضمن للمتهمين حقوقهم كاملة.
التحديات التي تواجه المحكمة
وفى ذات السياق قالت الدكتورة شيماء سلامة أحمد سلامة لـ " البوابة نيوز " استاذ القانون الدولى الخاص بحقوق القاهرة : ويعوق الجنائية الدولية عدة تحديات هى اجمالا : القبض على المتهمين و التعاون الدولي و الرأي العام العالمى وتفصيلا كالتالى : القبض على المتهمين ، خاصة عندما يكونون في دول غير متعاونة مثل اسرائيل ، والتعاون الدولي من الدول الأطراف في نظام روما الأساسي، ولكن هذا التعاون قد يواجه بعض التحديات السياسية مثل الاحتلال او الاستعمار او الصراعات الحدودية والرأي العام العالمى حيث تتأثر المحكمة بالرأي العام الدولي، وقد تتعرض لضغوط سياسية من دول كبرى .
أهمية المحكمة الجنائية الدولية
وتابعت : تعتبر المحكمة الجنائية الدولية إنجازًا تاريخيًا في مجال العدالة الدولية، وهي تمثل خطوة مهمة نحو بناء عالم أكثر عدالة وسلامًا. ومع ذلك، فإن طريق المحكمة لا يزال طويلًا، وتحتاج إلى دعم المجتمع الدولي لكي تتمكن من تحقيق أهدافها ،وتعد المحكمة الجنائية الدولية أداة مهمة في مكافحة الإفلات من العقاب وتعزيز سيادة القانون على المستوى الدولي. ورغم التحديات التي تواجهها، إلا أنها تبقى رمزًا للأمل في تحقيق العدالة للضحايا وبناء عالم أكثر سلامًا.
محكمة العدل الدولية
من جانبه قال امجد قسمــت الجــداوى لـ " البوابة نيوز " استاذ ورئيس قسم القانون الدولى الخاص بجامعة عين شمس : أما محكمة العدل الدولية فهى الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، وهي تلعب دورًا حاسمًا في تسوية النزاعات الدولية وتطبيق القانون الدولي. تثير أحكام هذه المحكمة العديد من التساؤلات حول طبيعتها القانونية ومدى إلزاميتها، لا سيما في إطار القانون الدولي الخاص الذي يتناول العلاقات القانونية بين الدول
الأسس القانونية لأحكام محكمة العدل الدولية
ويكمل : تستند أحكام محكمة العدل الدولية إلى مجموعة من الأسس القانونية المتجذرة في النظام الدولي، هى: نظام المحكمة الأساسي ، وهو جزء لا يتجزأ من ميثاق الأمم المتحدة، الإطار القانوني الرئيسي لعمل المحكمة. يحدد النظام الأساسي اختصاص المحكمة، وإجراءاتها، وطبيعة أحكامها ، وتعتمد المحكمة في أحكامها على قواعد القانون الدولي العام المعترف بها، بما في ذلك المعاهدات الدولية، والعرف الدولي، والمبادئ العامة للقانون، كما تلعب اتفاقيات الاختصاص التي تبرمها الدول دورًا حاسمًا في إحالة النزاعات إلى المحكمة وهذه الاتفاقيات قد تكون عامة أو خاصة، وتحدد الشروط التي تخضع بموجبها الدول لاختصاص المحكمة.
طبيعة أحكام محكمة العدل الدولية
وتابع : ان طبيعة أحكام محكمة العدل الدولية تتميز بعدة خصائص قانونية، منها : القطعية حيث تعتبر أحكام المحكمة قطعية وملزمة للأطراف المتنازعة، ولا يجوز الطعن فيها إلا في حالات محددة للغاية، والإلزامية حيث تفرض أحكام المحكمة التزامًا قانونيًا على الدول الأطراف بتنفيذها، والسلطة المعنوية حيث تتمتع أحكام المحكمة بسلطة معنوية كبيرة، فهي تعبر عن إجماع المجتمع الدولي على تفسير وتطبيق القانون الدولي.
آثار أحكام محكمة العدل الدولية في القانون الدولي الخاص
وأردف : وتترك أحكام محكمة العدل الدولية آثارًا عميقة في مجال القانون الدولي الخاص، من أهمها: تطوير القانون الدولي الخاص ونجدها تلعب دورًا حاسمًا في تطوير قواعد القانون الدولي الخاص، من خلال تفسيرها وتطبيقها على حالات محددة، وكذلك توحيد القانون الدولي حيث تساهم أحكام المحكمة في توحيد القانون الدولي الخاص، من خلال توفير تفسيرات موحدة للقواعد القانونية الدولية، وحماية حقوق الأفراد فهى احكام تساهم في حماية حقوق الأفراد على المستوى الدولي، من خلال تأكيد أهمية احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
التحديات التي تواجه أحكام محكمة العدل الدولية
ولفت الى انه : رغم أهمية أحكام محكمة العدل الدولية، إلا أنها تواجه بعض التحديات، منها: صعوبة تنفيذ الأحكام خاصة في حالة عدم تعاون الدول الأطراف، واحتمالية تعارض أحكام المحكمة مع مبدأ السيادة الوطنية للدول ، والافتقار إلى آلية إنفاذ فعالة حيث لا توجد آلية إنفاذ فعالة تضمن تنفيذ أحكام المحكمة في جميع الحالات.
لكنه أكد : على ان أحكام محكمة العدل الدولية تعتبر عنصرًا أساسيًا في النظام القانوني الدولي، و هى تلعب دورا حاسما في تسوية النزاعات الدولية وحماية القانون الدولي، على الرغم من التحديات التي تواجهها، إلا أن هذه الأحكام تبقى مرجعا هاما للقانون الدولي الخاص، وتساهم في تطويره وتوحيده.
أحكام محكمة العدل الدولية وأثرها في القانون الدولي الخاص: أمثلة موجزة
وفى ذات السياق قال دكتور محمود لطفي حممود استاذ القانون الدولى الخاص بجامعة عين شمس : تلعب أحكام محكمة العدل الدولية دورًا محوريًا في صياغة وتطوير القانون الدولي الخاص ، فهي لا تقتصر على حل النزاعات بين الدول، بل تساهم بشكل فعال في تفسير وتوضيح مبادئ القانون الدولي، وتقديم تفسيرات موحدة للقواعد القانونية الدولية.
الأمثلة البارزة على تأثير أحكام المحكمة
واوضح : ان هناك أمثلة قوية وواضحة تدل على تأثير أحكام محكمة العدل الدولية مثل :
قضية بحر البلطيق: حيث حددت المحكمة مفهوم المياه الداخلية للدول، ووضعت معايير واضحة لتحديد حدودها، مما كان له أثر كبير في تحديد حقوق الدول الساحلية في استغلال مواردها البحرية.
قضية نيكاراغوا ضد الولايات المتحدة: حيث أكدت المحكمة على مبدأ حظر التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ووضعت معايير لتحديد المسؤولية الدولية للدول عن انتهاك هذا المبدأ.
قضية قضية مناجم الباراكو: حيث تناولت المحكمة مسألة المسؤولية الدولية عن الأضرار البيئية العابرة للحدود، ووضعت مبادئ أساسية لتحديد هذه المسؤولية.
هذه الأحكام وغيرها الكثير، ساهمت في:
وتابع : إن هذه الأحكام وغيرها الكثير، ساهمت في تطوير قواعد القانون الدولي الخاص و توحيد القانون الدولي و حماية حقوق الأفراد و تلك الاحكام تمثل مرجعًا هامًا للقانون الدولي الخاص، وتساهم في تعزيز الأمن والاستقرار في العلاقات الدولية.