عربي21:
2025-02-16@12:53:21 GMT

غزة: كل عام وأنتم بخير

تاريخ النشر: 4th, January 2024 GMT

«كل عام وأنتم بخير» عبارة يقولها الناس مع مطلع كل عام جديد، وهي تشير إلى التمسك بالخير، بالحياة، بالحلم.

والحلم ليس له عمر محدد ولا مكان أو زمان أو ظروف محددة لانبثاقه وتحقيقه، يقول باولو كويلو: «يستطيع الناس فعل ما يحلمون به في أي وقت كان مهما تقدم بهم العمر».

يحتاج الحلم فقط أن نؤمن به بقوة، ثم ندع القلب يتبعه طول فترة الليل لينجلي الصبح عن الحلم وقد تحول إلى واقع، وبما أن حلم شخص ما قد تحقق فإن حلم شخص آخر سيتحقق.

يقول براين تريسي: «إن أكبر دليل على أنك تستطيع فعل شيء ما هو أن شخصاً آخر قد حققه».

وفي خضم هذا العالم الذي يدعونا إلى اليأس كأفراد، ويدعونا لليأس كشعب وكأمة، فإن النفوس الكبيرة هي التي تمضي واثقة من قدرتها على تحقيق أحلامها، ومدركة أن المعيقات التي نواجهها في الطريق هي الشروط الموضوعية للنجاح، وهي المعالم الحقيقية التي تشير إلى أننا نمضي في الطريق الصحيح.

«كل عام وأنتم بخير» رغم نهاية العام على هذا «الهولوكوست الفلسطيني» الرهيب الذي صنعته إسرائيل في غزة، ورغم تحويل إيران أربعة بلدان عربية إلى منصات لإطلاق صواريخها وتجريب سلاحها الذي يهدف لغير أهدافنا ويرى غير أحلامنا، ورغم مجيء أمريكا «بخيلها ورجلها وأساطيلها» إلى عالمنا المشحون بالحروب والأسلحة والأنقاض وصراخ الأطفال، ورغم صراع الروس والأمريكان والشرق والغرب الذي يتمدد إلى أكثر من بقعة في العالم، رغم جشع الإنسان الذي يقوده إلى مصائر مرعبة حدثتنا عنها الكتب الدينية، وسجلتها النقوش والرقوم القديمة.

كل ما نشاهد اليوم يدعونا للتشاؤم، ولكن منطق التاريخ غريب أحياناً، إذ لا تولد الأحلام العظيمة إلا في قلب عالم ملأته الكوابيس، وهي حقيقة نجا من آمن بها، وهلك من سخر منها أو أنكرها، وإذا قلنا إن كل ما حولنا يدعونا للتشاؤم، فذلك لأننا لا نرى ـ أو لا نريد أن نرى ـ غير وجه واحد من وجوه هذا العالم المليء بالدهشة والأسرار.

ومع تعدد وجوه هذا العالم، ومع اكتنازه بالرؤى والأسرار، فليس أمامنا من سبيل إلا أن نحلم، لأن اللحظة التي حبسنا أنفسنا فيها ليست أبدية، ولأن الحال التي أصابتنا بالإحباط تزول، ولأننا نموت في اللحظة التي نتوقف فيها عن الحلم، حيث ينضب الخيال، وتنتحر القصائد وتموت اللوحات والسيمفونيات الخالدة.

إن غزة تجسد القوة الروحية للإنسان التفت حولها الشعوب واتسعت حدودها لتشمل العالم، واستطاعت ـ وهي المحاصرة ـ أن تحاصر إسرائيل في كل مكان
المنجزات العظيمة قام بها حالمون كبار، والكوابيس الحقيقية هي مصانع الأحلام الكبيرة، ومن خرائب القصف الألماني على بريطانيا خرج تشرشل، ومن رحم الهزيمة ولد ديغول، ومن تحت أنقاض القنبلة الذرية خرجت اليابان الجديدة، ولو ذهبنا أبعد في التاريخ لوجدنا يتيماً فقيراً، لا يعد ـ بالمعايير المادية ـ من سادة القوم، كان يرعى الغنم ليكسب قوته، وكان محل سخرية سادة بلدته، رأيناه يوماً يخرج من الصحراء ويصل إلى زوايا العالم الأربع، متسلحاً بالثقة بربه وروحه وإيمانه العميق بما تفجر في قلبه من وحي وإلهام، وهو اليوم ملء سمع وبصر العالم الذي سمع عن نبي عظيم اسمه محمد بن عبدالله.

وقبل محمد عليه السلام وبعده رأينا آلاف العظماء من ثقافات ولغات شتى يعبرون كوابيس واقعهم، وينطلقون وراء أحلامهم الكبيرة التي أصبحت واقعاً لا يزال يشهد لأرواحهم بالقوة، ولقلوبهم بالقدرة على اجتراح الأحلام.

كل هؤلاء ليسوا أبطال روايات، أو شخصيات وجدت في كتب الملاحم الأسطورية، ولكنهم أشخاص حقيقيون رأوا أحلامهم تلوح في الأفق البعيد، وسافروا إليها ولم ينتظروا أن تطرق هي عليهم الباب، لأن الأحلام الحقيقية هي تلك التي نسافر نحن إليها، ونحن في يقظتنا التامة، على عكس الأحلام التي تتسلل إلى دواخلنا ونحن في السبات العميق، وإن كانت بعض المنامات تشكل نافذة نحو غيب الأحلام المستقبلية تستشفها الشخصيات التي تظل أرواحها يقظة لحظة نوم الأجساد.

مرة قال شاعر فلسطيني قولة شهيرة: «قف على ناصية الحلم وقاتل» قالها محمود درويش وهو يعلم أن معارك الإنسان الكبيرة في الحياة تحتاج إلى أحلام، وأي معركة لا تكون وراءها أحلام عظيمة يكون مصيرها محسوماً سلفا، وأي شخص جف خياله، وتعفن قلبه، فإنه ينتهي إلى هاوية سحيقة مليئة باليأس والتشاؤم والإحباط.

واليوم، ومع ما يجري في وطننا العربي يراد لنا أن نيأس، أن نتخلى عن ثوابتنا الدينية والقومية، وأن نتنكر لما كنا نؤمن به من قيم وما تعلقنا به من طموحات وأحلام. واحد من أهداف ما يجري على أرضنا العربية يدور حول تحويلنا إلى شعوب بلا أحلام، شعوب تنتشر في قلوب أبنائها الخرائب التي ضربت حواضر حضارتنا العربية الإسلامية في حلب وحمص وبغداد وتعز، وعندما نتحول إلى كائنات بلا أحلام فتلك هي الوصفة السحرية لبقائنا الطويل تحت الأنقاض التي تملأ شوارع مدننا التي يراد لها أن تسكنها الأشباح، وواحد من أهم أسباب النهوض من تحت الأنقاض هو أن نزيلها من أرواحنا قبل أن نحاول إزالتها من شوارعنا.

نحن بحاجة إلى استعادة توازن أرواحنا، وهذا التوازن شرط للتفكير الصحيح، والتفكير الصحيح شرط للحلول الناجحة التي هي المخرج الوحيد من هذه الدائرة المغلقة التي ندور فيها منذ عقود طويلة، بلا رؤى ولا طموحات، وتوازن الأرواح يتطلب أن نفتحها على أحلام كبيرة، شخصية وأسرية ووطنية وقومية وإنسانية.

الصورة ليست قاتمة، وحتى لو سلمنا بأنها كذلك فإنها لا تزال تسمح بنفاذ بعض الضوء اللازم للخروج من هذا النفق الطويل الذي يطول كلما تخيلنا طول مراحله.

يلزمنا قليل من البصيرة النافذة التي جعلت مدينة صغيرة ومحاصرة منذ سنوات طويلة تصمد وتتحدى أقوى جيوش الإقليم مدعوماً بأقوى جيوش العالم، وهو ما يعيد لنا الثقة في قدرتنا على المقاومة وصناعة الحياة من جديد.

إن غزة اليوم تقدم للعرب دروساً كثيرة، لكن أعظمها هو القدرة على الحلم، حلم الأرض والعودة والوطن والدولة وهزيمة الاحتلال.

ولأن غزة تجسد القوة الروحية للإنسان، ولأنها تمثل قيمه ومبادئه وإنسانيته، لأنها كل ذلك التفَّت حولها الشعوب، وهتفت باسمها كل الدنيا. ولأنها كذلك وهي المحاصرة اتسعت حدودها لتشمل العالم، واستطاعت أن تحاصر إسرائيل في كل مكان.

ابدؤوا عامكم بالأحلام الكبيرة، فإن غزة تقول لكم : «لا تتوقفوا عن متابعة أحلامكم» وتقول لكم إن الأحلام تصدق معكم إذا صدقتم معها، وتقول لكم: كل عام وأنتم بخير.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطيني إسرائيل غزة إسرائيل فلسطين غزة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

المئات يحيون الليلة الكبيرة لـ مولد «علي الروبي» في الفيوم.. صور

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

شهد مسجد وحى الروبي بمدينة الفيوم، مساء الخميس،  الليلة الكبيرة لـ مولد الشيخ علي الروبي والذى يوافق النصف من شعبان من كل عام.

والمولد شهد زحاما كبيرا بخلاف الأعوام الماضية خاصة وأنه توقف لمدة عامين بسبب وباء كورونا وبعدها لم يكن يتوافد فيه إلا أعداد قليلة ولكن هذا العام حضر الآلاف من مختلف أنحاء المحافظة والبعض حضر من محافظات الصعيد، وقد افترش المواطنون الحصر وأقاموا موائد الطعام وبعض الألعاب والمراجيح وبائعي "الدردرمة" والحلوى، كما قام البعض بتوزيع علب الأرز بلبن وأرغفة اللحوم.

وتعد مدينة الفيوم من أكبر المحافظات احتفاءً بمقامات الأولياء وقد أضفى ذلك على تسمية شوارعها الرئيسية بأسماء أولياء مثل الشيخة "مريم" والشيخ "الصوفى" و"الروبى" و"مرزبان" و"أبوجراب" الذين أخذوا أماكنهم على ترعة بحر يوسف وسجلت حكاياتهم ضربا من التراث الشفاهى الذي توارثته الأجيال فمنهم من له أصل تاريخي ومنهم من ضربت حوله أساطير لها شعائر وطقوس تمثل معتقدا أساسيا فى حياة العامة.

وقد التقينا سيد حسني فرج موجه عام بالتربية والتعليم "بالمعاش" وهو وكيل للطرق الصوفية، مؤكدا أن الاحتفال هذا العام جيد جدا وينقصه فقط فتح ساحة المسجد أمام المحبين لكي يتمتعوا بروعة المولد وقراءة الفاتحة للولي. 

وأشار إلى أن الموالد له شق معنوي وهو إدخال البهجة على أبناء المحافظة وشق آخر لتجمع أبناء الطرق الصوفية ومنها الطريقة الرفاعية والشاذلية والبيومية والخليلية والعروسية والمحمدية وغيرها.

وأضاف أن الفيوم بها عدد يقترب من مليون و90 ألف مسجلين فى الطرق الصوفية المختلفة فى المحافظة.

ويقول الدكتور إبراهيم عبد العليم حنفي المتخصص فى التراث الشعبى: إن الفيوم بها العديد من المقامات ولعل أشهرها هو مقام (سيدي علي الروبي) الذى يعد البطل الحقيقي للفيوم، وخاصة المنطقة التي يقع بها فيمثل للمجتمع البطولة والخلاص والعدل ويرجع تاريخ هذا الولي إلى عصر السلطان برقوق والي مصر (حيث تنبـأ الولي للسلطان برقوق أنه سيتولى حكم مصر. لذا أقام له السلطان زاوية خاصة به بجوار منزله فهو السيد علي أحمد السيد الشريف بعد السيد  أحمد بن السيد مرسي ابن السيد أبو المجد بن السيد عبد الله بن السيد شافعي بن عبد الله بن محمد المعتصم بن أبي بكر بن السيد إسماعيل بن علي بن أحمد أمير المؤمنين عبد الله المأمون، فهو سلالة العباس عم الرسول صلى الله عليه وسلم، وتوفى سنة خمس وثمانية وسبعمائة هجرية حيث كان زاهدًا ناسكًا) ([1]).

واضاف "حنفى" أنه نسجت حوله حكايات اقتنعت بها العامة أمنت بها إيمانا كاملا لا يتزعزع منها أنه استطاع أن يمنع البلاء عن المنطقة في الحرب العالمية الثانية سنة خمس وأربعين وتسعمائة ميلادية (1945م) عندما ألقيت قنبلة على مدينة الفيوم، فاستطاع الولي أن يحول مسارها من قلب المدينة إلى قلب ترعة بحر يوسف ليحمي مجتمع من خطرها وعندما زار أهل القاهرة بشرهم بأن الغلاء، والبلاء سيرتفعان بعد شهر وقد تحقق ما قاله، كما تنبأ بموت سلطان علي ابن الأشرف شعبان بعد الغلاء.

وهناك حكاية أخرى عن رد الغائب وهى أن سيدة فقدت طفلها الذي لم يتجاوز ثلاث سوات وظلت تبحث عنه لمدة عام أو أكثر، فزارت الولي وراحت تكرر الزيارات كل عام في مولد الولي السنوي تتوسل إليه، وإذا هي شاخصة ببصرها، أعلى المقام فتجد ابنها يمد يديه إليها فتأخذه بشوق ولهفة، وتدور به حول المقام شاكرة الولي صنيعه، وبعد ذلك راحت تؤدي طقوسه وهي عبارة عن كسوة للمقام وإشعال الشموع وتوزع الأطعمة متمثلة في الفول النابت والأرز بلبن.

وهناك حكاية لحماية المكان من السرقة وهى أن سيدي علي الروبي قيد اللصوص الذين اعتادوا سرقة الماشية من منطقة درب الطباخين، وذلك عندما مروا بمقامه ليلا وجدوا أنفسهم مربوطين بحبال في المقام، يصرخون من الآلام ويستغيثون، فأسرع أهل المنطقة يشاهدون اللصوص، وما لحقهم من عقاب فيشيدون بكرامة الولي الذي يحمي المنطقة من أي سوء أو من شر يقع عليها. لذا صارت الجماعة تقسم به، (وحياة اللي قيد السارق، والحرامي والباغي، الروبي في ظهرك، وحياة البطل...)، كما أنها نسجت أغاني تؤدى عند أداء الطقوس للولي.

وتثير الدهشة ألعاب مثل: إدخال الأسياخ الحديدية من وجوههم وأعناقهم دون أن تنزف منها الدماء، زاعمين أنهم في حالة وجد وسكر مع الله لا يستيقظون منها إلا إذا لامسهم إنسان عندئذ تسيل الدماء منهم لأن أجسادهم تتنبه، لذا يحرص مجموعة من المريدين صنع دائرة بشرية حولهم يمنعون بها اختلاط الجمهور أو الزائرين بهم أثناء أداء الألعاب، ويستمرر الإنشاد الديني الذي يستعرض صفات الأولياء باعتبارهم أطباء ويستدعى المنشد في إنشاده أربعة سلاطين الروبي، إبراهيم الدسوقي، وأحمد البدوي، أبو الحجاج، كي يقفوا بجانب المريدين في أحوالهم ويحلوا ببركاتهم على من حضر مولد رفيقهم في الولاية.

مقالات مشابهة

  • الحلم.. معرض تشكيلى لأمل صلاح وعبير عبد الفتاح بالأوبرا
  • تفسير حلم لبس فستان الزفاف للبنت العزباء بدون عريس
  • الزراعة تكشف التحديات الكبيرة التي تواجه استدامة الغابات الشجرية بمصر
  • المسلماني: عرض تصميم استاد الأهلي في معبد حتشبسوت حدث مبهر
  • تفسير رؤية اسم عمر في المنام .. بداية مرحلة جديدة نحو الأفضل
  • 4 أحلام تبشر صاحب الرؤية بحظ جيد في حياته.. خير قادم بالطريق
  • ماذا قال الشيخ الشعراوي عن الأحلام؟.. طريقة قديمة للتفسير
  • هند صبري: بنتي الكبيرة بتحب التمثيل وبحاول أكرها فيه .. فيديو
  • المئات يحيون الليلة الكبيرة لـ مولد «علي الروبي» في الفيوم.. صور
  • بين التبشير والتحذير .. فسر حلمك بحرف الواو