عربي21:
2024-07-04@07:07:46 GMT

غزة: كل عام وأنتم بخير

تاريخ النشر: 4th, January 2024 GMT

«كل عام وأنتم بخير» عبارة يقولها الناس مع مطلع كل عام جديد، وهي تشير إلى التمسك بالخير، بالحياة، بالحلم.

والحلم ليس له عمر محدد ولا مكان أو زمان أو ظروف محددة لانبثاقه وتحقيقه، يقول باولو كويلو: «يستطيع الناس فعل ما يحلمون به في أي وقت كان مهما تقدم بهم العمر».

يحتاج الحلم فقط أن نؤمن به بقوة، ثم ندع القلب يتبعه طول فترة الليل لينجلي الصبح عن الحلم وقد تحول إلى واقع، وبما أن حلم شخص ما قد تحقق فإن حلم شخص آخر سيتحقق.

يقول براين تريسي: «إن أكبر دليل على أنك تستطيع فعل شيء ما هو أن شخصاً آخر قد حققه».

وفي خضم هذا العالم الذي يدعونا إلى اليأس كأفراد، ويدعونا لليأس كشعب وكأمة، فإن النفوس الكبيرة هي التي تمضي واثقة من قدرتها على تحقيق أحلامها، ومدركة أن المعيقات التي نواجهها في الطريق هي الشروط الموضوعية للنجاح، وهي المعالم الحقيقية التي تشير إلى أننا نمضي في الطريق الصحيح.

«كل عام وأنتم بخير» رغم نهاية العام على هذا «الهولوكوست الفلسطيني» الرهيب الذي صنعته إسرائيل في غزة، ورغم تحويل إيران أربعة بلدان عربية إلى منصات لإطلاق صواريخها وتجريب سلاحها الذي يهدف لغير أهدافنا ويرى غير أحلامنا، ورغم مجيء أمريكا «بخيلها ورجلها وأساطيلها» إلى عالمنا المشحون بالحروب والأسلحة والأنقاض وصراخ الأطفال، ورغم صراع الروس والأمريكان والشرق والغرب الذي يتمدد إلى أكثر من بقعة في العالم، رغم جشع الإنسان الذي يقوده إلى مصائر مرعبة حدثتنا عنها الكتب الدينية، وسجلتها النقوش والرقوم القديمة.

كل ما نشاهد اليوم يدعونا للتشاؤم، ولكن منطق التاريخ غريب أحياناً، إذ لا تولد الأحلام العظيمة إلا في قلب عالم ملأته الكوابيس، وهي حقيقة نجا من آمن بها، وهلك من سخر منها أو أنكرها، وإذا قلنا إن كل ما حولنا يدعونا للتشاؤم، فذلك لأننا لا نرى ـ أو لا نريد أن نرى ـ غير وجه واحد من وجوه هذا العالم المليء بالدهشة والأسرار.

ومع تعدد وجوه هذا العالم، ومع اكتنازه بالرؤى والأسرار، فليس أمامنا من سبيل إلا أن نحلم، لأن اللحظة التي حبسنا أنفسنا فيها ليست أبدية، ولأن الحال التي أصابتنا بالإحباط تزول، ولأننا نموت في اللحظة التي نتوقف فيها عن الحلم، حيث ينضب الخيال، وتنتحر القصائد وتموت اللوحات والسيمفونيات الخالدة.

إن غزة تجسد القوة الروحية للإنسان التفت حولها الشعوب واتسعت حدودها لتشمل العالم، واستطاعت ـ وهي المحاصرة ـ أن تحاصر إسرائيل في كل مكان
المنجزات العظيمة قام بها حالمون كبار، والكوابيس الحقيقية هي مصانع الأحلام الكبيرة، ومن خرائب القصف الألماني على بريطانيا خرج تشرشل، ومن رحم الهزيمة ولد ديغول، ومن تحت أنقاض القنبلة الذرية خرجت اليابان الجديدة، ولو ذهبنا أبعد في التاريخ لوجدنا يتيماً فقيراً، لا يعد ـ بالمعايير المادية ـ من سادة القوم، كان يرعى الغنم ليكسب قوته، وكان محل سخرية سادة بلدته، رأيناه يوماً يخرج من الصحراء ويصل إلى زوايا العالم الأربع، متسلحاً بالثقة بربه وروحه وإيمانه العميق بما تفجر في قلبه من وحي وإلهام، وهو اليوم ملء سمع وبصر العالم الذي سمع عن نبي عظيم اسمه محمد بن عبدالله.

وقبل محمد عليه السلام وبعده رأينا آلاف العظماء من ثقافات ولغات شتى يعبرون كوابيس واقعهم، وينطلقون وراء أحلامهم الكبيرة التي أصبحت واقعاً لا يزال يشهد لأرواحهم بالقوة، ولقلوبهم بالقدرة على اجتراح الأحلام.

كل هؤلاء ليسوا أبطال روايات، أو شخصيات وجدت في كتب الملاحم الأسطورية، ولكنهم أشخاص حقيقيون رأوا أحلامهم تلوح في الأفق البعيد، وسافروا إليها ولم ينتظروا أن تطرق هي عليهم الباب، لأن الأحلام الحقيقية هي تلك التي نسافر نحن إليها، ونحن في يقظتنا التامة، على عكس الأحلام التي تتسلل إلى دواخلنا ونحن في السبات العميق، وإن كانت بعض المنامات تشكل نافذة نحو غيب الأحلام المستقبلية تستشفها الشخصيات التي تظل أرواحها يقظة لحظة نوم الأجساد.

مرة قال شاعر فلسطيني قولة شهيرة: «قف على ناصية الحلم وقاتل» قالها محمود درويش وهو يعلم أن معارك الإنسان الكبيرة في الحياة تحتاج إلى أحلام، وأي معركة لا تكون وراءها أحلام عظيمة يكون مصيرها محسوماً سلفا، وأي شخص جف خياله، وتعفن قلبه، فإنه ينتهي إلى هاوية سحيقة مليئة باليأس والتشاؤم والإحباط.

واليوم، ومع ما يجري في وطننا العربي يراد لنا أن نيأس، أن نتخلى عن ثوابتنا الدينية والقومية، وأن نتنكر لما كنا نؤمن به من قيم وما تعلقنا به من طموحات وأحلام. واحد من أهداف ما يجري على أرضنا العربية يدور حول تحويلنا إلى شعوب بلا أحلام، شعوب تنتشر في قلوب أبنائها الخرائب التي ضربت حواضر حضارتنا العربية الإسلامية في حلب وحمص وبغداد وتعز، وعندما نتحول إلى كائنات بلا أحلام فتلك هي الوصفة السحرية لبقائنا الطويل تحت الأنقاض التي تملأ شوارع مدننا التي يراد لها أن تسكنها الأشباح، وواحد من أهم أسباب النهوض من تحت الأنقاض هو أن نزيلها من أرواحنا قبل أن نحاول إزالتها من شوارعنا.

نحن بحاجة إلى استعادة توازن أرواحنا، وهذا التوازن شرط للتفكير الصحيح، والتفكير الصحيح شرط للحلول الناجحة التي هي المخرج الوحيد من هذه الدائرة المغلقة التي ندور فيها منذ عقود طويلة، بلا رؤى ولا طموحات، وتوازن الأرواح يتطلب أن نفتحها على أحلام كبيرة، شخصية وأسرية ووطنية وقومية وإنسانية.

الصورة ليست قاتمة، وحتى لو سلمنا بأنها كذلك فإنها لا تزال تسمح بنفاذ بعض الضوء اللازم للخروج من هذا النفق الطويل الذي يطول كلما تخيلنا طول مراحله.

يلزمنا قليل من البصيرة النافذة التي جعلت مدينة صغيرة ومحاصرة منذ سنوات طويلة تصمد وتتحدى أقوى جيوش الإقليم مدعوماً بأقوى جيوش العالم، وهو ما يعيد لنا الثقة في قدرتنا على المقاومة وصناعة الحياة من جديد.

إن غزة اليوم تقدم للعرب دروساً كثيرة، لكن أعظمها هو القدرة على الحلم، حلم الأرض والعودة والوطن والدولة وهزيمة الاحتلال.

ولأن غزة تجسد القوة الروحية للإنسان، ولأنها تمثل قيمه ومبادئه وإنسانيته، لأنها كل ذلك التفَّت حولها الشعوب، وهتفت باسمها كل الدنيا. ولأنها كذلك وهي المحاصرة اتسعت حدودها لتشمل العالم، واستطاعت أن تحاصر إسرائيل في كل مكان.

ابدؤوا عامكم بالأحلام الكبيرة، فإن غزة تقول لكم : «لا تتوقفوا عن متابعة أحلامكم» وتقول لكم إن الأحلام تصدق معكم إذا صدقتم معها، وتقول لكم: كل عام وأنتم بخير.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطيني إسرائيل غزة إسرائيل فلسطين غزة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

غزة.. بين الموت قصفاً والموت جوعاً..!

قتل،، تدمير، هتك  أعراض، امتهان لكرامة الناس، حصار، تجويع، القتل بالسلاح، والقتل بالتجويع، انتهاك لكل القوانين الدولية الإنسانية، وانتهاك لتشريعات السماء وقوانين الأرض، جرائم حرب، جرائم بحق الطفولة، جرائم إنسانية، جرائم بحق القانون الدولي، استخدام المدنيين من السجناء دروعا بشرية، تعرية السجناء وتكبيلهم والتنكيل بهم، استغلال الجرحى المدنيين دروعا بشرية وإجبارهم على (سبر) الأزقة والبحث على الإنفاق والمتفجرات من خلال تعريتهم وتكبيلهم  وتركيب كاميرات على أجسادهم وتركهم يتحركون فوق ركام وانقاض الأحياء المدمرة، ضرب المنشآت الصحية، تدمير ونسف آبار المياه والطرقات والمدارس والجامعات والمساجد والكنائس، جرائم وحشية يقوم بها ويرتكبها الجيش الصهيوني وبرعاية أمريكا وأمام العالمين العربي والإسلامي وأمام المجتمع الدولي، جرائم تمتد من قطاع غزة إلى الضفة الغربية بمدنها وقراها إلى القدس وبيت لحم  ومقدساتهما، وبعد تسعة أشهر من حرب وحشية يقوم بها أعظم جيش في المنطقة بدعم من أكبر وأعظم دول العالم هي أمريكا ومعها بريطانيا والمنظومة الغربية وكل هذه الدول تمد الكيان الصهيوني المحتل بكل أدوات الموت والدمار، فالإهانة التي تلقاها جيش الاحتلال في معركة طوفان الأقصى، في ذلك اليوم الذي سقطت فيه أسطورة هذا الجيش وغطرسته، فجاء الرد الإجرامي الذي قام به جيش الاحتلال، وهو رد يصعب وصفه بالعسكري ولا بالمهني ولا بالاحترافي، بل جاء الرد الصهيوني بطريقة وحشية، طريقة تثبت أن هذا الجيش لا يمكنه أن ينتمي لجيوش العالم وأعرافها وتقاليدها والقيم التي تتحلى بها الجيوش الكلاسيكية التقليدية، بل ما يمارسه الجيش الصهيوني من رد فعل إجرامي يجسد حقيقة انحطاط هذا الجيش عسكريا وأخلاقيا وسلوكيا، وانه مجرد مجموعة عصابة من القتلة والمجرمين وانه ( الأكثر إجراما وانحطاطا في العالم)..!
نعم لم يعرف التاريخ وشعوب العالم وتاريخ الأمم جيشا بإجرام ووحشية الجيش الصهيوني الذي يقدم نفسه اليوم للعالم باعتباره الجيش الأكثر إجراما والأكثر تجردا من القيم الإنسانية والعسكرية والأخلاقية..!
غير أن هناك قطعا من هم أكثر إجراما وانحطاطا من هذا الجيش وقادته وكيانه وداعميه في واشنطن ولندن والمنظومة الغربية، وهم الحكام العرب والمسلمون بغالبية أنظمتهم ، أولئك الذين حملوا هوية الأمة زورا وينطقون عبارة التوحيد كذبا ووسيلة للخداع، وفي الحقيقة هم يخدعون أنفسهم كحكام وأنظمة ويخدعون شعوبهم.
«إن هدم الكعبة حجرا حجرا أهون عند الله من هدر دم أمر
مسلم»، قالها رسول الله عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام، القائل أيضا (ما آمن بي من بات شبعاناً وجاره جائعٌ إلى جنبِه وهو يعلم به)،والقائل صلوات الله وسلامه عليه ( المسلم للمسلم كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى سائر الجسد بالسهر والحمى)، صدقت يا رسول الله وكذب من يزعمون أنهم ينتمون إليك ويتبعون سنتك، أولئك الذين يعبدون ملوكهم أكثر من اتباع سنتك ويخشونهم أكثر من خشيتهم الله، فيما ملوكهم مجرد عبيد لدى أمريكا والغرب والصهيونية العالمية..
إن أطفال غزة يموتون جوعا وقتلا، ومواطني فلسطين حيث أولى القبلتين وثالث الحرمين، وحيث ميلاد المسيح ومسرى رسول الله، يتعرضون لأبشع الانتهاكات التي لم يرتكبها بشر قبل الصهاينة، وفي زمن أنظمة الذل والعار، وفقهاء وعلماء من حملة المباخر والمكانس الذين أخضعوا الدين وتشريعاته ونواميسه لرغبات الحكام العملاء والخونة.
قد لا أكترث ولم أتفاجأ ولم يتفاجأ أي عربي ومسلم بجرائم الصهاينة، الذين لم ترتق كل جرائمهم لمستوى جريمة صمت قادة وأنظمة الخيانة، هؤلاء الذين تجردوا ليس من هويتهم وعقيدتهم وقيمهم، بل تجردوا من إنسانيتهم ومن كل الروابط التي تربطهم بالإنسانية..!
إن هدر دم طفل فلسطيني بريء فعل لا يضاهيه هدم الكعبة وهي بيت الله، فما بالكم في أكثر من أربعين ألف شهيد وأكثر من مائة ألف جريح ومليوني نازح يفترشون الأرض ويلتحفون السماء يبحثون عن بقايا رغيف وقطرات من الماء ولحظة أمان منذ 75 عاما، وحكام الأمة الأنذال والمنحطون يلعقون أحذية الصهاينة والأمريكان..!
أثق بانتصار الشعب العربي في فلسطين وسوف يحقق أهدافه رغم أنف الاحتلال والأمريكان وأنظمة الذل والخيانة.. وحينها والوقت قد أزف سيدرك الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون..

مقالات مشابهة

  • غزة.. بين الموت قصفاً والموت جوعاً..!
  • "كيف صنع العالم الغرب؟"
  • الجمرة بتحرق الواطيها
  • نعوم تشومسكي (2)
  • صناعة المكانة الدولية.. الإمارات نموذجاً
  • أمريكا وإسرائيل.. حكاية حبّ يجب أن تُروى.. في السياسة لا بدّ من الإيضاح
  • من يريد أن يدير العالم؟ تحذيرات في تاريخ الحرب الباردة
  • رشا راغب: الأكاديمية الوطنية للتدريب هي الوظيفة الحلم بالنسبة لي
  • باقي على الحلم خطوة.. 9 أبطال مصريين في تصفيات بطولة العالم للتايكوندو
  • 30 يونيو.. المشير البشير،كل عام وأنتم بخير