سلطت الباحثة المقيمة في معهد دول الخليج العربية بواشنطن، كريستين سميث ديوان، الضوء على أول خطاب لأمير الكويت الجديد، مشعل الأحمد الجابر الصباح، واعتبرته مؤشرا على "تغيير حاد في التوجهات".

وذكرت كريستين، في تحليل نشرته بموقع المعهد وترجمه "الخليج الجديد"، أن الخطاب، الذي ألقاه الأمير، تضمن رفضا صريحا للحكومة برئاسة، أحمد نواف الأحمد الصباح، ولتعاملها مع مجلس النواب، وكان أول عمل قام به كأمير هو قبول استقالة رئيس الوزراء، نجل الأمير الراحل، الذي دافع عنه العديد من الكويتيين ليصبح ولي العهد.

وأضافت أن أمير الكويت الراحل، نواف الأحمد الصباح، كان يعتبر الوحدة الوطنية أولوية قبل أي شيء، ويدافع عن الحوار الوطني والمصالحة مع العديد من المنتقدين من حقبة النشاط السياسي السابقة، وأنتج هذا النهج، الذي أُطلق عليه اسم "العصر الجديد"، عدة موجات من العفو السياسي، حيث أصدر عفواً عن المشرعين السابقين الذين يعيشون في المنفى الاختياري، والمواطنين الذين انتقدوا الأمير أو غيره من حكام الخليج، وأطلق سراح السجناء، وأعاد الجنسية للعديد من المواطنين الذين تم سحب تجنسهم بموجب عقوبات سياسية.

وكان من بين هؤلاء أفراد من قبيلتي الشمر والمطير الذين حُكم عليهم بانتهاك الانتخابات، والمعارضين الذين يعيشون في الخارج، بما في ذلك أعضاء بارزون في الأسرة الحاكمة، وأعضاء مسجونون من حزب الله الكويتي.

ومهدت هذه المصالحة السياسية الطريق لتعاون غير مسبوق مع برلمان (مجلس الأمة) معروف باستجوابه المتواصل للوزراء وتحدي أجندات الحكومة.

وفي ظل الشراكة بين رئيس المجلس، أحمد السعدون، ورئيس الوزراء كان البرلمان والحكومة يعملان بتعاون للمرة الأولى تمت الموافقة على جدول الأعمال التشريعي من قبل لجنة مشتركة دمجت 15 أولوية برلمانية مع 14 أولوية حكومية للنظر فيها خلال هذه الدورة.

وبدأت العديد من الإصلاحات السياسية المهمة في هذه الفترة، بما في ذلك إعادة تأهيل النشطاء والسياسيين المحكوم عليهم بجرائم سياسية للسماح لهم بشغل الوظائف والترشح للمناصب السياسية.

كما اقترحت اللجنة التشريعية في البرلمان تعديلات طال انتظارها على النظام الانتخابي في الكويت للسماح بقوائم سياسية من شأنها تعزيز بناء التحالفات. وكان من المقرر أن ينظر البرلمان بكامل هيئته في هذه التعديلات في 19 ديسمبر/كانون الأول، لكن المناقشة تأخرت بسبب وفاة الأمير.

اقرأ أيضاً

تنتظره مهام صعبة.. هكذا سيحدد عمر ولي العهد المقبل اتجاه الكويت

وتشير كريستين، في هذا الصدد إلى أن العديد من الأولويات المعلنة خلال هذه الفترة كانت ذات "جاذبية شعبوية" واضحة، وهو أمر جدير بالملاحظة بالنظر إلى تركيز الحكومات السابقة على "خفض النفقات". وفي هذا الإطار، تضمنت التشريعات، التي تم إقرارها بالفعل أو جرى إدراجها في جدول الأعمال، رفع الحد الأدنى لرواتب المتقاعدين، وزيادة رواتب موظفي الدولة، وإلغاء الوكالات العقارية، وإصلاح قانون المناقصات العامة لإزالة شرط الوكلاء التجاريين المحليين: وهو المسار الذي شكل أساس الثروة للعديد من العائلات التجارية القوية.

وتقرأ الباحثة هذا الاتجاه الشعبوي باعتباره مؤشرا على أن دائرة انتخابية بالغة الأهمية استُبعدت من الائتلاف الحاكم المشكل حديثاً في الكويت، وهي النخبة التجارية، وهو ما تجسد في التخلي عن رئيس البرلمان السابق القوي، مرزوق الغانم، إذ هو سليل عائلة تجارية، إضافة إلى إقرار تشريع يوسع الرقابة الحكومية على معقل تجاري رئيسي، وهو غرفة تجارة وصناعة الكويت.

ومن المتوقع أن يفتح التشريع الفرص أمام الشباب بإدارة الغرفة وتمكين المؤسسات الصغيرة، وهو ما تم التأكيد عليه من خلال إزالة الغرفة من مجلس هيئة الصناعة واستبدالها بصندوق المشاريع الصغيرة.

توبيخ الأمير

غير أن وفاة الأمير، نواف الأحمد الجابر الصباح، ألقت بظلال من الشك على التعاون غير المسبوق بين الحكومة والبرلمان والاتجاه الشعبوي للسياسات الحكومية، إذ لم يضيع الأمير الجديد أي وقت في التعبير عن معارضته لهذا التوجه.

فالأمير مشعل اتهم السلطتين التشريعية والتنفيذية بـ "التعاون والاتفاق على الإضرار بمصالح الوطن والعباد"، ووجه انتقادات خاصة إلى سباق إعادة تأهيل المدانين بجرائم سياسية باعتباره "أفضل دليل" على هذا الضرر.

وأشار الأمير، في خطابه، إلى قراره بإصدار مرسوم بتجميد جميع التعيينات والترقيات والتنقلات الحكومية، لوقف استغلالها في هذه المساومات السياسية.

وقدم الخطاب بعض التلميحات حول الاتجاه السياسي المستقبلي لأمير الكويت الجديد، عبر استحضاره المتكرر لأهمية الحفاظ على "الهوية الكويتية" و"المواطنة الحقيقية" للمخلصين للبلاد، ما يكشف عن "نظرته القاتمة تجاه الكثيرين في المعارضة وأي جهد لتوسيع عمليات التجنيس في الكويت"، بحسب كريستين سميث ديوان.

واعتبرت الباحثة أن تأكيد الأمير على ضرورة التنمية من خلال "الرقابة المسؤولة والمساءلة الموضوعية والجادة في إطار الدستور والقانون" يعزز الانطباع بأنه لا يسعى لتحقيق النظام ورؤيته للوحدة الوطنية. وقد يستلزم ذلك "تجديد البيروقراطية الحكومية"، وهو المشروع الذي بدأه بالفعل بالشراكة مع نخبة رجال الأعمال، وإظهاره لقدر ضئيل من التسامح مع السجال السياسي الداخلي بالبرلمان.

الوريث القادم

وترى كريستين أن توجهات أمير الكويت الجديد لن تؤثر على اتجاه سياسة الكويت فحسب، بل ستؤثر أيضًا على مستقبل الحكم في البلد الخليجي، إذ أن أحد التفسيرات للسياسات الشعبوية، التي يرفضها الأمير الجديد، هو أنها "محاولة خارجية للقيادة من قبل نجل الأمير الراحل، رئيس الوزراء، أحمد نواف".

فتعزيز حسن النوايا البرلمانية أمر منطقي في سياق الكويت، التي يلعب فيها البرلمان دورًا دستوريًا في خلافة الحكم، إذ هناك حاجة إلى تصويت بالأغلبية للموافقة على التعيين الذي اختاره الأمير لولي العهد.

وامتدت الاستراتيجية الشعبوية لرئيس الوزراء المنتهية ولايته إلى ما هو أبعد من البرلمان لتشمل بناء ائتلافات داخل الأسرة الحاكمة، مع عودة أحمد الفهد الصباح إلى حكومة أحمد الفهد الصباح كوزير للدفاع. ولطالما كان نائب رئيس الوزراء، وزير النفط السابق، أحمد الفهد الصباح، هو المفضل لدى المعارضة الشعبوية في الكويت، ونجح في إقامة علاقات قوية مع القبائل، مستفيداً من مكانة والده الذي توفي دفاعاً عن قصر دسمان أثناء الاحتلال العراقي، ومشاركته العميقة والمثيرة للجدل في إدارة الرياضة المحلية لكسب الشعبية.

وترى الباحثة بمعهد دول الخليج العربية بواشنطن أن عودة أحمد الفهد المنسقة إلى السياسة الكويتية كانت تهدف إلى "تعزيز أوراق الاعتماد الشعبية لرئيس الوزراء وربما محاولة تقديم كحاكم مستقبلي للبلاد".

اقرأ أيضاً

هل آن أوان تعديل الدستور في الكويت؟

وأشارت إلى أن أحمد الفهد لطالما كان منخرطاً في منافسة بين أجيال الأسرة الحاكمة، وتحديدا مع رئيس الوزراء السابق، ناصر المحمد الأحمد الصباح، الذي يكبره بعشرين عامًا.

ويتمتع ناصر المحمد بمسيرة مهنية طويلة في الخدمة بوزارة الخارجية حيث عمل سفيراً في إيران وأفغانستان، كما عمل بالديوان الملكي قبل أن يشغل منصب رئيس الوزراء في الفترة من 2006 إلى 2011.

كما يتمتع ناصر المحمد بالأقدمية حسب العمر، وهو معيار مهم في خلافة أمير الكويت، ومع ذلك فقد جرى قطع رئاسته للحكومة بطريقة مثيرة للجدل، حيث أُجبر فعليًا على ترك منصبه بسبب حملة شعبية تناهض تقديمه دفعات مالية مزعومة لأعضاء في البرلمان، وكان لأحمد الفهد يد في إسقاطه ومحاكمته بالكويت ونفيه من البلاد.

وهنا تشير كريستين إلى أن طموحات تولي الحكم لأحمد الفهد وناصر المحمد تضررت بسبب التنافس بينهما: أحمد الفهد بسبب محاكماته في الداخل وتهم الفساد بمسيرته الرياضية في الخارج، وناصر المحمد بسبب ارتباطه بالفساد الحكومي وافتقاره لشعبية كبيرة في البرلمان، و"قد يتطلع الأمير الجديد إلى تجاوز كليهما والابتعاد عن عقد من التنافس المزعج داخل الأسرة الحاكمة".

انتقال جيلي

وإذا كان ثمة اتجاه لانتقال جيلي بولاية العهد في عائلة الصباح الحاكمة، "فقد يفضل الأمير في نهاية المطاف ابنه: أحمد المشعل. الذي يشغل حاليا منصب رئيس هيئة مراقبة الأداء الحكومي بمرتبة وزير"، حسب ترجيح الباحثة بمعهد دول الخليج العربية، مضيفة: "قد يتم رفع هذا المنصب إلى دور بارز إذا اتبع الأمير الجديد استراتيجية تطهير الحكومة".

ومع ذلك، تشير الباحثة إلى أن بناء الدعم للرجل الأصغر سناً والأقل خبرة، أحمد المشعل، سيستغرق وقتاً، في حين يحدد الدستور الكويتي سنة واحدة للأمير كسقف زمني لتسمية ولي عهده.

وبالحكم على صغر سن أحمد المشعل، والنظر إلى تقدم عمر أبيه، فإن خيار تسميته وليا للعهد "قد لا يكون مقبولاً"، بحسب كريستين، مشيرة إلى أنه "قد تكون هناك حاجة إلى مرشح مؤقت، أو ربما لبناء توافق في الآراء لبناء دعم داخلي لمثل هذا التحول".

ومن بين الذين قد يلجأ إليهم الأمير، بخلاف ناصر المحمد، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية السابق محمد صباح السالم، أو أحمد العبد الله، الذي شغل منصب رئيس ديوان مشعل الأحمد عندما كان وليا للعهد، إذ تم تعيينه مؤخراً ممثلاً قانونياً للأمير.

وترى الباحثة أن تركيز خطاب أمير الكويت الجديد على "النظام" يشير إلى أن السلام قصير الأمد بين الحكومة والبرلمان، والذي جرى من خلال التمكين السياسي والأجندة الشعبوية، قد وصل إلى نهايته، ما يجعل مستقبل إدارة الحكم ضبابيا، الأمر الذي دفع أعضاء بالبرلمان إلى توقيع عرائض أعدتها منظمات المجتمع المدني، مثل رابطة أعضاء هيئة التدريس بجامعة الكويت، تدعو إلى الالتزام بالدستور، ما يسلط الضوء على مخاوف البعض من أن النظام الدستوري في الكويت قد يكون مهددا.

وتخلص كريستين سميث ديوان إلى أن حكم الكويت يتطلب بناء "تحالفات" داخل الأسرة الحاكمة والمجتمع ككل، وأن خبرة الأمير مشعل السابقة في الجانب الأمني وليس في إدارة الاقتصاد أو التوسط في المصالح السياسية، ما قد يؤشر إلى أيام صعبة مقبلة.

اقرأ أيضاً

تحول تاريخي يأمله الكويتيون.. ما هو؟ وماذا سيفعل الأمير مشعل؟

المصدر | كريستين سميث ديوان/معهد دول الخليج العربية بواشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الكويت مشعل الأحمد الجابر الصباح الخليج ناصر المحمد أمیر الکویت الجدید دول الخلیج العربیة الأسرة الحاکمة الأمیر الجدید رئیس الوزراء أحمد الفهد فی الکویت العدید من إلى أن

إقرأ أيضاً:

مصير الحوثيين و التغييرات التي ستطرأ على اليمن في العهد الترامبي الجديد - تحليل

مصير الحوثيين و التغييرات التي ستطرأ على اليمن في العهد الترامبي الجديد - تحليل

مقالات مشابهة

  • بعد فوز ترامب بولاية ثانية.. إقامة الأمير هاري وميغان ماركل في أميركا مهددة
  • مصير الحوثيين و التغييرات التي ستطرأ على اليمن في العهد الترامبي الجديد - تحليل
  • فضيحة جديدة في إسرائيل..اتهام رئيس مجلس الأمن القومي بالارتشاء
  • وزير الاقتصاد في رسالة إلى دولة الكويت: شكراً من القلب
  • «القاهرة الإخبارية»: أمير الكويت يهنئ ترامب بفوزه في الانتخابات الأمريكية
  • أمير الكويت يهنئ ترامب على فوزه بانتخابات الرئاسة الأمريكية
  • إقلاع أولى طائرات الجسر الجوي الإغاثي الكويتي للأشقاء في لبنان ضمن حملة “الكويت بجانبكم”
  • الأمير فيصل بن عياف: رؤية 2030 تمتاز بأبعاد متعددة تمس حياة الإنسان
  • هاتفيًا.. ولي العهد السعودي يبحث مع رئيس الوزراء الياباني التطورات بالمنطقة
  • ولي العهد يبحث الأحداث الإقليمية مع رئيس الوزراء الياباني