دروس الماضى.. وتحديات المستقبل
تاريخ النشر: 4th, January 2024 GMT
مع طى صفحة عام مضى، واستشراف عام جديد، يتبادل الزعماء والقادة والساسة رسائل التهانى بالعام الجديد فى تقليد متعارف عليه، ويطلون على شعوبهم عبر وسائل الإعلام بكلمات تحمل كل مشاعر الود والحب والإنسانية، وطى آلام الماضى ودغدغة المشاعر بأحلام المستقبل.. والمفارقة أن أكثر دول العالم احتفالاً بالعام الجديد هى الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية التى ترفع شعارات السلام والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان وغيرها، هى ذاتها أكثر دول العالم إيذاءً للبشرية وسببًا فى قتل وتشريد ومعاناة الملايين من سكان المعمورة، ولم تكن الحرب الروسية الأوكرانية التى دخلت عامًا جديدًا، إلا واحدة من خطايا الغرب وتهديده لروسيا وسببًا لإشعال هذه الحرب التى أدت إلى ضغوط اقتصادية هائلة على العالم، وتسببت فى آلام كبيرة لشعوب الدول النامية بعد أن أدت إلى مضاعفة أسعار السلع الأساسية وزيادة تكاليف المعيشة على الأسر الفقيرة والمتوسطة، ومازال العالم يعانى منها حتى الآن، وتسببت فى وفاة الملايين جوعًا وبخاصة فى بعض الدول الأفريقية.
للأسف العام الجديد لن يحمل تغييرًا فى سلوك هذه الدول التى ترفع شعارات براقة، بينما تمارس كل أشكال العنصرية بعد أن حل علينا العام الجديد، ومازال أطفال غزة يدفنون تحت الأنقاض، وتمزق أشلاؤهم بآلة الحرب الصهيونية تحت حماية الفيتو الأمريكى، ومعنى استمرار هذه المجازر أثناء احتفالات العالم الغربى، هو عدم اكتراث هذا العالم العنصرى بالإبادة الجماعية التى يتعرض لها أكثر من مليونى مواطن فلسطينى، وتكشف أيضًا عن المعايير المزدوجة التى يتعامل بها الغرب مع باقى شعوب العالم التى تتعرض لمذابح على يد حكومة صهيونية متطرفة تمتلك كل الأسلحة العسكرية المتطورة، وتستخدمها فى إبادة البشر والحجر إلى حد أنها محت معظم مبانى غزة وقتلت أكثر من عشرين ألفًا معظمهم من الأطفال والنساء وجرح عشرات الآلاف فى تطهير عرقى واضح للخلاص من شعب بأكمله فى ظل العجز الدولى الفاضح وافتقاد المؤسسات الدولية لأدنى معايير العدالة بسبب هيمنة أمريكا والغرب عليها، ولكن من المؤكد أن العام الجديد سوف يشهد بداية انهيار هذا الكيان الصهيونى بعد أن كشفت أحداث السابع من أكتوبر الماضى هشاشة هذا الكيان وبداية الهجرة العكسية من إسرائيل إلى خارجها والانقسام الحاد فى الداخل الإسرائيلى.
الحقيقة أن كل المؤشرات تشير إلى أن مصر سوف تشهد عامًا مختلفًا لأسباب كثيرة يأتى على رأسها التماسك المصرى الداخلى واصطفاف المصريين فى الانتخابات الرئاسية وتمسكهم بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى للبلاد فى هذه المرحلة الحرجة التى يمر بها العالم والمنطقة، وهو أمر له مردود كبير على القرار السياسى المصرى فى مواجهة كل التحديات سواء على المستوى الداخلى أو الخارجى وعلى جانب آخر هناك حالة من الترقب فى الشارع المصرى للتشكيل الوزارى القادم، ومن المتوقع أن تشهد الحكومة الجديدة مجموعة اقتصادية رفيعة المستوى لعلاج أزمات الاقتصاد المصرى، وفى اعتقادى أن مصر سوف تشهد استقرارًا اقتصاديًا بعد أن انتهت من معظم بنيتها الأساسية التى استحوذت على معظم موارد البلاد، إضافة إلى انتقال عدد من المشروعات الهامة إلى مرحلة الانتاج وخاصة فى قطاع الزراعة سواء فى الدلتا الجديدة أو سيناء وتوشكى وشرق العوينات، ومن المفترض أن تضع الحكومة الجديدة أولويات لهذه المرحلة وخاصة فى القطاعات سريعة العوائد مثل قطاع الصناعات الصغيرة التى تجذب شريحة كبيرة من الأيدى العاملة ولها عوائد اقتصادية كبيرة فى سوق يتجاوز مائة مليون، وكذلك قطاع السياحة الذى يحتاج إلى ثورة شاملة للاستفادة من كنوز مصر الواعدة.
حفظ الله مصر
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: وتحديات المستقبل صواريخ دول العالم الحرب الروسية الأوكرانية بعد أن
إقرأ أيضاً:
هذه أبرز وظائف المستقبل التي تنبأ بها الذكاء الاصطناعي
في عصر الذكاء الاصطناعي، لم يَعُد مستقبل الوظائف مجرد سيناريوهات مستقبلية أو تكهنات بعيدة، بل بات واقعًا يتشكّل بسرعة تفوق التوقعات. ما كان يُعتبر ضربًا من الخيال قبل سنوات، أصبح اليوم حقيقة مدعومة بأرقام وتقارير صادرة عن كبرى المؤسسات البحثية والتقنية.
الذكاء الاصطناعي لم يَعد يكتفي بأتمتة المهام الروتينية، بل بات يُعيد تشكيل سوق العمل من جذوره، ويبتكر وظائف لم تكن موجودة من قبل، دافعًا بالمهن إلى تحوّل غير مسبوق في النوع والسرعة والمهارات المطلوبة.
ووسط هذه التحولات المتسارعة، لم تعد الوظائف الجديدة خيارًا تقنيًا نخبويًا، بل أصبحت ضرورة حتمية تفرضها موجات التغيير، وتُبرز الحاجة إلى مواكبة هذا الواقع الجديد بمرونة واستعداد دائم.
فالتغيير الذي كان يستغرق عقودًا بات يحدث خلال أشهر، ومهن الأمس باتت تُستبدل بوظائف لم نسمع بها من قبل، إذ تُجمِع التقارير الحديثة الصادرة عن PwC و Gartner وMcKinsey على أن الوظائف الجديدة ليست ترفًا تقنيًا، بل ضرورة إستراتيجية للتكيف مع عالم سريع التغيّر.
من أبرز هذه الوظائف، فني الصيانة التنبُّئِية بالذكاء الاصطناعي (AI Predictive Maintenance Technician) الذي يستخدم خوارزميات لرصد الأعطال قبل وقوعها، ما قد يُوفر على الشركات ما يصل إلى 630 مليار دولار سنويًا، بحسب Cisco Systems، وكذلك مهندس سلاسل الإمداد الذكية (Smart Supply Chain Engineer )، الذي يوظف أدوات الذكاء الاصطناعي لتحسين سرعة ودقة تسليم المنتجات؛ إذ أظهرت دراسة لمؤسسة Deloitte أن هذه الوظيفة يمكن أن تقلّص وقت التسليم بنسبة 40%، وتخفض الانبعاثات بنسبة 25%.
إعلانإنها ليست مجرد لحظة تحوّل في سوق العمل، بل ثورة مهنية تقودها الخوارزميات، وتبتكر وظائف لم تُكتب فصولها بعد، وفي قلب هذه الثورة، تتزايد الحاجة إلى مواهب قادرة على فهم هذه التحولات والتفاعل معها بمرونة وكفاءة.
فالسؤال لم يَعُد: "ما الوظيفة التي سأشغلها؟"، بل أصبح: "هل وظيفتي المقبلة موجودة أصلًا؟"، في وقت تشير فيه دراسة حديثة لمعهد McKinsey Global (2024) إلى أن 85% من وظائف عام 2030 لم تُخترع بعد.
هذا الواقع الجديد يُحتّم على الأفراد والمؤسسات إعادة التفكير في مهاراتهم، وأنماط التعلم، ونماذج العمل، استعدادًا لسوق لا يعترف بالثبات، بل يكافئ القادرين على التكيف المستمر، والتعلّم مدى الحياة.
في القطاع القانوني مثلًا، يُعاد تعريف العمل المكتبي مع ظهور محلل العقود الذكية (Smart Contract Analyst)، الذي يدمج بين القانون والبرمجة لفهم وتحليل الوثائق القانونية الرقمية.
أما في المجال الأخلاقي، فتبرز حاجة الشركات إلى مهندس أخلاقيات الذكاء الاصطناعي (AI Ethics Engineer) لضمان ألا تتخذ الخوارزميات قرارات متحيزة أو تمييزية، كما تنبأت Gartner بأن 30% من الشركات الكبرى ستوظف هذا الدور بحلول 2026.
ضمن الرؤى الاستشرافية التي تقدمها تقنيات الذكاء الاصطناعي نفسها، تم التنبؤ بظهور خمس مهن جديدة بحلول عام 2030، تشمل: مدقق أخلاقيات الذكاء الاصطناعي (AI Ethics Auditor)، ومهندس الميتافيرس (Metaverse Engineer)، ومطور برامج الحوسبة الكمومية (Quantum Software Developer)، ومعالجًا نفسيًا مختصًا في الإدمان الرقمي (Digital Detox Therapist)، ومهندس التعلم (Learning Engineer).
هذه الوظائف – التي لم يكن لها وجود فعلي قبل سنوات قليلة – تعكس ليس فقط التحولات التقنية، بل أيضًا التغير العميق في طبيعة المهارات المطلوبة.
إعلانوهو ما يفرض على الجامعات ومراكز التدريب إعادة صياغة مناهجها لتتناسب مع هذه الاتجاهات المستقبلية، وتوفير بيئات تعليمية مرنة تُعد الطلبة لشغل أدوار لم يُخترَع جزء كبير منها بعد.
قصة حقيقية من كوريا الجنوبية تُجسّد هذا التحول: "لي جاي هون"، مهندس ميكانيكي سابق، أعاد تأهيل نفسه ليصبح منسق التفاعل بين البشر والروبوتات (Human-Robot Interaction Facilitator)، ليقود فريقًا في تطوير تجربة العملاء داخل متاجر ذكية تستخدم مساعدين روبوتيين. بعد ستة أشهر من التدريب المتخصص، تضاعف دخله وانتقل إلى إدارة مشاريع تقنية كانت خارج نطاق تصوره المهني السابق.
لكن هذا التقدم لا يتوزع بشكل عادل حول العالم. ففي حين تسارع الدول الصناعية إلى إعادة هيكلة أنظمتها التعليمية واستثماراتها في المهارات المستقبلية، تقف الدول النامية، وخاصة العربية، أمام تحديات مضاعفة. ضعف البنية التحتية الرقمية، ونقص التمويل الموجه للبحث والتطوير، يحدان من قدرة هذه الدول على مواكبة التحول.
بحسب تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي (2023)، فإن فجوة المهارات الرقمية في بعض دول الشرق الأوسط تتجاوز 60%، وهو ما يهدد بتهميشها في الاقتصاد العالمي الجديد.
هنا يبرز دور الحكومات كمحرك رئيسي للجاهزية المستقبلية. فبدلًا من التركيز فقط على خلق وظائف تقليدية، عليها تبني سياسات دعم للوظائف الرقمية الجديدة، مثل تقديم حوافز للشركات التي توظف في مجالات الذكاء الاصطناعي، وإنشاء شراكات بين الجامعات ومراكز الأبحاث التكنولوجية، كما فعلت سنغافورة ورواندا بنجاح لافت.
في العالم العربي، بدأت مؤسسات وشركات في دول مثل قطر، والسعودية، والإمارات تولي اهتمامًا متزايدًا بهذه التحولات. على سبيل المثال، أطلقت بعض الجامعات العربية برامج دراسات عليا متخصصة في الذكاء الاصطناعي، تشمل مساقات تتناول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في مختلف القطاعات.
إعلانكما بدأت بعض الشركات الناشئة في المنطقة توظيف مختصين في تصميم واجهات تفاعلية تعتمد على الذكاء الاصطناعي، وهو ما يعكس بداية دخول العالم العربي في موجة جديدة من الابتكار الوظيفي.
هذا الواقع الجديد يتطلب إعادة نظر شاملة في مفهوم المهارة. فالمهارات التقنية وحدها لم تعد كافية، بل أصبحت المهارات التحليلية والإنسانية مثل التفكير النقدي، والإبداع، والتواصل الفعّال، عوامل حاسمة للنجاح في هذه المهن الناشئة.
كما يُعد الاستثمار في منصات التعلم مدى الحياة خطوة ضرورية لتقليل "التآكل المهني السريع"، إذ تشير تقديرات البنك الدولي (2024) إلى أن 40% من المهارات الحالية ستصبح غير صالحة خلال خمس سنوات.
المسؤولية اليوم لا تقع على الحكومات فحسب، إذ على الأفراد كذلك أن يعيدوا تعريف علاقتهم بالوظيفة. فالمستقبل سيكون لمن يتقنون فن التعلم المستمر والتكيف السريع، لا لمن يعتمدون على تخصص جامعي واحد مدى الحياة. إن مهارات مثل تحليل البيانات، التفكير النقدي، والقدرة على التعاون مع الخوارزميات، ستكون العملات الجديدة في سوق العمل.
المؤكد أن سوق العمل لم يعد كما عرفناه. فبينما استغرقت الثورة الصناعية الأولى قرنًا لتغيير طبيعة المهن، يكفي اليوم تحديث خوارزمية واحدة لإعادة تشكيل صناعة بأكملها.
ومع دخول الذكاء الاصطناعي إلى جميع القطاعات – من القانون إلى الطب، ومن الإعلام إلى الخدمات اللوجيستية – فإننا أمام تحول يشبه الانتقال من عصر الفلاحة إلى الثورة الصناعية، لكن بوتيرة أسرع بمئة مرة.
هذا التسارع غير المسبوق يفرض علينا جميعًا، حكومات وأفرادًا، أن نعيد تعريف جوهر المهارات المطلوبة، ونفكر بمرونة، ونستعد لما هو أبعد من مجرد التغيير: إلى ما يشبه إعادة خلق الإنسان المهني من جديد.
عودٌ على بدء، فإن المهن الجديدة التي أوجدها الذكاء الاصطناعي تمثّل اليوم فرصة مهمة للعالم العربي ليس فقط لمواكبة التحول الرقمي، بل لقيادته أيضًا في بعض المجالات. ويتطلب ذلك استثمارًا جادًا في التعليم، والبحث، وتوفير بيئة تنظيمية وأخلاقية تُشجّع على الابتكار دون الإضرار بالقيم المجتمعية.
إعلانوأخيرًا، نقف اليوم على أعتاب مرحلة يُعاد فيها رسم خريطة العمل عالميًا، ومن يتهيأ لها منذ الآن، سيكون الأقدر على حصد ثمارها لاحقًا.
فالمستقبل لا ينتظر المترددين، بل ينحاز لمن يملكون الشجاعة لتعلم الجديد، والمرونة لإعادة تشكيل ذواتهم المهنية، والوعي بأن الذكاء الاصطناعي ليس تهديدًا، بل أداة تفتح أبوابًا لم تُطرق من قبل. إنها لحظة تحوّل، والفرص الكبرى قد لا تأتي مرتين.. فهل نحن فاعلون؟
| الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.