نسمع كثيرا مقولة أن مصر بلد ولّادة بالكفاءات والمواهب، وأغلبنا لا يتوقف عندها أو يترجمها على أرض الواقع، وإن حدث فيكون فى حدود ضيقة مثل الرياضة والفن والأدب، لكن الحقيقة أن مصر كمنجم ذهب لا ينضب ولا يتوقف عن إنتاج المواهب وأصحاب الفكر والقدرات الذين أحيانًا لا نقدرهم كما يستحقون، لكنهم على المستوى الخارجى لهم مكانة خاصة، ومن الشخصيات المصرية الذين يتمتعون بهذه المكانة المرموقة علميا وفكريا الدكتور سامى الشريف، ليس فقط كأستاذ إعلام له بصمة أكاديمية يحترمها الجميع، وإنما كشخصية قيادية يمتلك القدرة على الإبداع فى كل ملف يتولاه وكل مهمة تسند إليه، وخلال الفترة الحالية يشغل الشريف منصباً عالمياً مرموقا، كأمين عام رابطة الجامعات الإسلامية، وهو منصب رفيع، ليس مجرد تشريف أو تكريم لمن يتولاه وإنما منصب له تبعات كثيرة، تتطلب شخصية صاحبة خبرات ورؤية متجددة، وفهم للمتغيرات واطلاع على الثقافات المختلفة والأهم إيمان بدور ورسالة الرابطة التى تأسست عام 1969 كمؤسسة دولية تجمع فى عضويتها عشرات الجامعات ومؤسسات التعليم والبحث العلمى من مختلف أنحاء العالم، والأمين العام للرابطة هو المسئول عن تفعيل استراتيجية توطيد العلاقات بين كل هذه المؤسسات وابتكار أفكار للتعاون وخلق مساحات للحوار ليس فقط بين أعضاء الرابطة وإنما بينها وبين المؤسسات والمنظمات الأخرى، خصوصا على المستوى الفكرى والثقافى الذى يعتبر الرسالة الأولى للرابطة فى ظل تواجد شخصية مثل الدكتور عبدالكريم العيسى على رأسها وهو مفكر ومجدد دينى حقيقى له إنتاجه العلمى الذى يحتفى به العالم.
والحقيقة ليس بمستغرب أن يكون اختيار الشريف أمينا عاما لرابطة يترأسها الدكتور العيسى فبينهما صفات مشتركة فى الشخصية القيادية والفكر المستنير والإبداع والرغبة فى إقامة جسور تواصل بين الحضارات والثقافات المتنوعة، ولهذا كان واضحا خلال الفترة الأخيرة حجم النشاط الذى تقوم به الرابطة على مستوى الحوار والمؤتمرات العلمية المهمة والمشاركات الدولية التى تناقش القضايا الجوهرية للأمتين العربية والإسلامية وكذلك ما يخص الحوار مع الغرب، وقد شرح الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى رؤيته الشاملة لهذه القضية المهمة خلال محاضرته بجامعة القاهرة «مستجدات الفكر بين الشرق والغرب» والتى كشف فيها بأسلوب سلس حجم المساحات المشتركة التى يمكن أن يبنى عليها الحوار بين الشرق والغرب، ودور العلماء فى خلق هذه المساحات وتأصيلها وتوطيدها.
ثنائية العيسى والشريف نجحت فى فترة قصيرة أن تجعل الرابطة منارة علمية متوهجة ونافذة تواصل حقيقى بين الثقافات، وأعتقد أن الفترة القادمة سنجد حصادا كبيرا ومهما لهذه الرؤية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: رابطة الجامعات الإسلامية مصر أرض الواقع الشخصيات المصرية الإبداع البحث العلمي
إقرأ أيضاً:
خطأ الفهم للفلسفة القديمة وأثر هذا في التشظي
مفاهيم مشوهة المعنىعلى الرغم من حرص الأولين إلا أن التقنيات المتاحة لهم ليست كافية، وإن قابليتهم للإصغاء والتصويب لم تك كافية أيضا لذا نرى الانقسامات على أمور جزئية لا تأثير لها أحيانا على واقع الحال، وإنما هي خلافات فلسفية انتقلت إلى الفقه واختلط الفقه الحضاري مع الأمور المدنية كالسياسة، والتي يفترض أنها تراكم للجهد البشري ينقى بالقيم وليس فيه حلال وحرام وإنما صواب وخطأ، أو القول بأنه صالح للحالة أم لا.
طرح الفلاسفة نظريات مستسقاة من الفلسفة اليونانية كالرازي قبل تخليه عنها، حيث طرح نظرية الفيض وهي نظرية لا تتفق والإسلام بل متخلفة جدا. والفلسفة اليونانية في طرحها لتفسير الكون والحياة كانت قاصرة، فهي من طرح تسطيح الأرض وأن القلب الذي في الجوف هو المحرك للجسم، فاختلط التداخل هذا عند العلماء سواء في الرد على الفلاسفة أو في التفاسير لأن المصطلحات دخلت إلى الكلام، والتفكير لهذا نجد معاني قرآنية ليست مستعملة في التفاسير وإنما مصطلحات فلسفية، فالفقهاء في الرد تبنوا المصطلح الذي يردون عليه ودخل عند المقلدين خصوصا أن عبارات ظهرت تمنعهم من فتح كتب الفلسفة أصلا (من تمنطق تزندق) ومن هذه الكلمات التي تشوه معناها القرآني: الروح، النفس، القلب، الفؤاد، العقل.. فالروح في القرآن هي أمر الله بالخلق، أما في الفلسفة اليونانية فهي شيء خارج الجسم يرتبط بالإنسان ويفكر وهو ما نجده في بعض التفاسير وآثار العلماء، فالنفس هي الإنسان في القرآن وهي لها أدواتها في التفكير والعقل فعل وليس اسم، ولم يأت كاسم في القرآن وإنما كان اسما في الفلسفة اليونانية.
هذه المعاني تحتاج إلى تصويب، فهي أوقعت الفكر الإسلامي في مشكلة كبيرة جدا، منها إيقاف التفكير نفسه، والتعامل مع المنطق والفلسفة نتيجة التيه الذي وقع به الأولون فالتجأوا إلى التكفير والرفض وتركوا أثرا يحمل لغة ما رفضوه فضاع من بعدهم أكثر
القلب موطن التفكير في القرآن ليس المضخة التي في الجوف وإنما في الناصية حيث مقدمة الإنسان ومقدمة الشيء صدره، وإن كان موطن الإحساس والتفكير بما هو معروف في التفاسير فهو تأثر بالفلسفة اليونانية، فالقلب مصطلح على مضخة ليس لها توصيف في الإسلام غير هذا والقلب المفكر هو في الناصية كما ذكرنا.
هذه المعاني تحتاج إلى تصويب، فهي أوقعت الفكر الإسلامي في مشكلة كبيرة جدا، منها إيقاف التفكير نفسه، والتعامل مع المنطق والفلسفة نتيجة التيه الذي وقع به الأولون فالتجأوا إلى التكفير والرفض وتركوا أثرا يحمل لغة ما رفضوه فضاع من بعدهم أكثر؛ وعلينا إضافة مفاصل أخرى كالتمييز بين الحضارة (تختص بالفكر والإنتاج الفكري) وبين المدنية (تراكم الجهد البشري).
لقد فقد الناس الذين يلتهمون الغاية من الخلق وفهم الآيات وإدخال تصورات تقرب إلى الخرافات؛ رفضها البعض وقبلتها منظومات التفكير البسيطة والجاهلة، بل الجهل بات يفرض نفسه والطقوس الدخيلة أضحت الدين وليس من صلبه فقط، وعندما حوكم المنطق والفلسفة اتهمت الفلسفة وليس القصور الذهني، بينما الفلسفة هي الحكمة. والله جل وعلا قال: "يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرا كَثِيرا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ". واللب هو أعمق نقاط الفهم والتفكير، لكنهم قرنوها بالفلسفة المستوردة الوثنية والأسطورية والتي حاول البعض دمج التوحيد معها أو مجادلتها بلغتها وقواعدها وهذا كان الخطأ، فنحن لا نستغني عن الحكمة في استقراء واقعنا ومن ثم استنباط العلاج بدل التقوقع واستنباط قوالب لا تحتوي الواقع وإنما تشوهه.
أسلوب الهروب بالإنكار أوجد فرقا مثل القائلين إن القرآن كاملا فعليه لا يحتاج إلى الحديث، هذا الفهم الناقص يقابله تقديس لرواة أو جامعي الحديث بحيث لا يقبلون المراجعة. وربما هذا التعصب أوجد ذاك الانحراف في الفهم، فالجهاز المعرفي لا يرتكز على المصدر وهو صناعة بشرية، فهو سيحتاج إلى المصدر وأداة التفكير والتحقق وإلى المنظومة العقلية ككل والفهم الذي هو أهم ما في الفكر وموازنته، ثم نرى المخرجات على الواقع ونعايرها مع مهمة الإنسان الأساس، وهي اختبار لمنظومته العقلية وصلاحيتها في الإبداع وهو معنى "علّم آدم الأسماء كلها" والله أعلم.. ثم نرى هل كان هذا مناسبا للمجتمع أم يتطلب مزيدا من الدراسة والفهم للمجتمع وللفكر فيخرج من مثاني القرآن الأجوبة بهذا المنهج.
المسألة أن العلماء في كل عصر يريدون أن يجيبوا على كل الأسئلة وعلم عصرهم ليس كافيا للإجابة على كل الأسئلة فيخرجون بأمور يختلف عليها، أو ينكرون فعل الزمن فيتمسكون بما أنتج السابقون، وهو في الحقيقة أما صواب حل مشاكل عصرهم لا مشاكل عصرنا وتطور المدنية
تشكل الفرق لسوء الفهم بالوهم
الحقيقة أن التعامل مع الفلسفة القديمة كنتاج فكري لم يوضع له منهج واضح لهذا اختلف الباحثون في أسئلة أصلا محلولة في القرآن، ولكنهم اتبعوا منهج ما تبنونه فلم ينتبهوا للحل.. القضاء والقدر أو هل الإنسان مخير أم مسير، لو نظر إليها بمنهج فلسفي صحيح أي بالحكمة القرآنية لما ظهرت الفِرق كالمعتزلة والأشعرية والمرتدية وغيرها، وهي ببساطة على سبيل المثال أن الإنسان في ماهيته التفكير فهو مخير ولأن أساس وجوده على الأرض هو لاختبار منظومته العقلية، فمن العدل أن يكون كامل الأهلية. وهكذا الأسئلة الأخرى التي ناقشناها في مقالات سابقة وفي كتاب "فلسفة منظومة الأخلاق في الإسلام".
المسألة أن العلماء في كل عصر يريدون أن يجيبوا على كل الأسئلة وعلم عصرهم ليس كافيا للإجابة على كل الأسئلة فيخرجون بأمور يختلف عليها، أو ينكرون فعل الزمن فيتمسكون بما أنتج السابقون، وهو في الحقيقة أما صواب حل مشاكل عصرهم لا مشاكل عصرنا وتطور المدنية، أو أنه تيه سرعان ما يكفر كل جديد أنه بدعة وضلالة، أو يستوردون خلافات الماضي لعجزهم عن التفكير في المستقبل لافتقادهم لمنهج التفكير للمستقبل والجهل المركب الذي يتمكن فيفرض عليك نفسه ويعتبر أمل الأمة جهلة بل أعدائها.
إن تخلف الأمم ليس لقلة مفكريها بل لجرأة الجهل وضعف المثقف في الدفاع عن نفسه أمام الجهل وتهوره، فالفهم قائد ومتى ضعف الفهم انحدرت الناس إلى الضلال.