بوابة الوفد:
2025-01-30@13:01:58 GMT

السودان... التقسيم والمأساة (1)

تاريخ النشر: 4th, January 2024 GMT

ليست علاقة مصر بالسودان علاقة دولة جوار شقيقة فحسب، بل هى علاقة التاريخ بالحضارة أرسى دعائمها  المصريون القدماء، والتى عرفت باسم حضارة "وادى النيل"، وقد امتدت إلى أن أصبحت مصر والسودان شعبا واحدا له قلبان يرويهما دم واحد ونيل واحد، وظلت هذه الحضارة تتمتع تحت لواء حكم واحد فى عهد والى مصر محمد على باشا، والذى تمتع حكمه للسودان بالاستقلال الذاتى المعترف به دوليا، تحت مسمى وحدة مصر والسودان، إلا أن هذه الوحدة لم تدم طويلا، وكانت  تحاك ضدها المؤامرات من جانب دولة الاحتلال البريطانى،  بعد أن استغلت قيام الثورة المهدية فى السودان سنة 1881، وسقوط الخرطوم فى قبضة أيدى الثوار فى 26 يناير من عام 1985، ما أدى إلى إخلاء السودان من الجنود المصريين، بناءً على إرغام من الحكومة البريطانية  للحكومة المصرية، والتى امتدت حدود السودان المصرى أواخر عهد الخديو توفيق إلى وادى الواقعة غربى "دارفور " كما ذكر فى كتب المؤرخين.

 
ومن المؤامرة الاستعمارية الكبرى لفصل السودان عن مصر أواخر القرن التاسع عشر، إلى المؤامرة الأشد خطرا فى القرن الواحد والعشرين، وهى تقسيم السودان إلى دويلات صغيرة وتقليص مركزها العربى والدولى، بعد أن بدأ الحال يتغير مع اكتشاف البترول فيها وخصوصا فى جنوبه الغنى، إلى جانب وجود الثروات الطبيعية المادية الأخرى؛ مثل الذهب والحديد والفحم والنحاس ومعادن كثيرة، علاوة على مساحتها الزراعية الشاسعة وتوسعها الزراعى فى جميع المحاصيل وأشهرها القطن طويل التيلة، والذى كان سببا فى أطماع الإنجليز لها، من أجل تسويقه لهم  وجعل السوق السودانى تصريفا لمنتجاتهم، إلا أن من سوء حظ السودان تعاقبت عليه حكومات أتت عن طريق انقلابات عسكرية وتمرد مسلح، وسط خلافات وانقسامات عصفت بالحياة السياسية والاجتماعية، تأخر فيها التمدين والرقى ومواكبة عصر التطور والتقدم فى البلاد، تعمق فيها الانقسام وفقدت الدولة قوميتها، وأصبحت مسرحا للطائفية والانغماس فى أودية الفوضى، وانتشر فيها الفساد والفقر والجهل والمرض. 
تأتى مشكلة جنوب السودان ذات التعقيدات القبلية والعرقية الدينية، وانتشار الجماعات التبشيرية فيها، بعد أن وضع الاستعمار القديم بذرة شيطانها بأن قام بتمويل أصحاب هذه الدعوات، بمساعدتهم على الوصول إلى المناطق الأشد فقرا وبؤسا للسيطرة على عقليتهم الفكرية المحدودة، بل قام ايضا بإنشاء مدارس  لهذه الدعوات، وبدأ المخطط الغربى ينخر فى عظام وحدة السودان بفصل جنوبه عن شماله، وهذه سياسة معول هدم للدول الاستعمارية  الكبرى، والتى تنتهج سياسة تقسيم الدول العربية وتقطيع أوصالها، وإفقار شعوبها بتسليط سياسة صندوق النقد الدولى عليها، وهذه الأغراض غير الشريفة الهدف منها تدمير الشعوب والسعى فى خرابها، والسودان داخل هذا المخطط منذ أكثر من قرن والنصف، عندما لعبت أصابع المستعمر فى سياسة السودان وجعل لأهل الجنوب شبه حكم ذاتى، وتعليما يختلف عن تعليم أشقائهم فى الشمال، ما أدى إلى زيادة الاحتقانات والكراهية من سكان الجنوب ضد سكان الشمال، وكانت  نتائج  تلك الصراعات هى اندلاع الحرب فى الجنوب نتيجة للتمرد المسلح لإحدى فرقه العسكرية، استمر ما يقرب من 60 عاما، بعد أن خلف وراءه ملايين القتلى وإهدار موارد الدولة الاقتصادية والتى كانت تقدر ب 600 مليار دولار  فى ذلك الوقت، إلى أن أخمدت نيرانها اتفاقية سلام شامل بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون قرنق، وكان ذلك فى التاسع من يناير عام 2005 والتى عرفت باتفاقية "نيفاشا"،  إلى أن تم  فصل الجنوب رسميا من خلال استفتاء شارك فيه أهل الجنوب فى الفترة من التاسع يناير وحتى الخامس عشر  منه  عام 2011، إذ كانوا يرغبون فى سودان موحد، أو إقامة دولة مستقلة تحت مسمى جمهورية جنوب السودان، طبقا لبنود الاتفاقية المذكورة آنفا، وقد كان الانفصال الذى رغب فى تحقيقه واحتفى به الرئيس السودانى المعزول عمر البشير يشاركه فيه رئيس جمهورية جنوب السودان الوليدة سالفا كير، وتعتبر موافقة البشير الرسمية على الانفصال هى كسب ولاء الغرب له، لكى ينجو من مقصلة المحكمة الجنائية الدولية، والتى أصدرت الدائرة التمهيدية لها التوقف بحقه، بعد أن طلب المدعى العام لها «لويس مورينيو اوكامبو» توقيفه، بمذكرة رسمية أصدرها المدعى العام بتاريخ 14/7/ 2008،  بناء على اتهامات وجرائم ضد الإنسانية وكانت ابشعها واشدها قسوة وأشرسها، هى جرائم الإبادة الجماعية والتى ارتكبت فى حق سكان ولاية «دارفور» خلال فترة حكمه، خلفت وراءها مقتل 300 ألف نفس بشرية وتشريد الآلاف منهم، ورغم أن البشير قدم هديته للغرب فصل جنوب السودان عن شماله، إلا أن كل ذلك لم يشفع له استمراره فى الحكم أكثر من ذلك، والذى دام فيه قرابة ثلاثين عاما، حتى كان خلعه  فى ثورة شعبية نتيجة لتردى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وسوء الأحوال المعيشية والارتفاع الجنوني  للأسعار، وعرفت بثورة ديسمبر المجيدة  والتى بدأت شرارتها بتاريخ 19 من يناير عام 2018، بدعوة من تيارات شيوعية وحركات يسارية تدعمها نقابات مهنية وعمالية كان الشعب نواة لها، إلى أن تم عزله عن الحكم رسميا فى 11 إبريل عام 2019 وللحديث بقية عن المؤامرة على السودان وتهديد أمن مصر القومى.
 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: السودان علاقة التاريخ المصريون القدماء محمد على باشا جنوب السودان إلى أن بعد أن

إقرأ أيضاً:

الحالات التي يُباح فيها للمصلي قطع الصلاة وأقوال الفقهاء في ذلك

أوضحت دار الإفتاء المصرية أنه تنوعت عبارات الفقهاء فيما يباح للمصلي قطع الصلاة من أجله، ما بين مضيق وموسع، وبينوا أنه كما يجوز قطعها للضرورة فيجوز قطعها كذلك للحاجة.

فعند الحنفية:

قال العلامة الحصكفي الحنفي في "الدر المختار شرح تنوير الأبصار" (1/ 89، ط. دار الكتب العلمية): [ويباح قطعها لنحو قتل حية، ونَدِّ دابَّةٍ، وفَوْرِ قِدْرٍ، وضياعِ ما قيمتُه درهمٌ، له أو لغيره. ويستحب لمدافعة الأخبثين، وللخروج من الخلاف إن لم يَخَفْ فوت وقتٍ أو جماعة. ويجب لإغاثة ملهوف وغريق وحريق، لا لنداء أحد أبويه بلا استغاثة إلا في النفل، فإن علم أنه يصلي لا بأس أن لا يجيبه، وإن لم يعلم أجابه] اهـ.

وعند المالكية:

قال العلامة ابن رشد الجَدُّ في "البيان والتحصيل" (2/ 110-111، ط. دار الغرب الإسلامي): [مسألة قال: وسئل عن الرجل يصلي فيخطف رداؤه عنه، هل له أن يخرج ويقطع الصلاة ويطلب خاطفه، أم لا يقطع ويصلي ويدع رداءه يذهب؟ وعن الرجل يخاف على الشيء من متاع البيت السرق والحرق والفساد، مثل قلة الزيت، أو الماء، أو الخل، تقلب فيهراق ما فيها، هل يسعه أن يسويها ويرجع في صلاته؟ ومثل ذلك زقاق الزيت، أو الخل، ونحوه، يخاف عليها أن تنشق أو تنفسخ، أو يفسدها شيء- وهو يصلي، هل يصلح الزقاق ويربطها ويرجع في صلاته؛ أو يقطع صلاته ويستأنف؟ فقال ابن القاسم: إذا خطف ثوبه في الصلاة، فلا بأس أن يقطع ويذهب في طلب الذي أخذه، ويستأنف إذا رجع؛ وأما مالك فكان يكره نحوه، وذلك أني سألته عن الذي يكون في الصلاة فيرى الشاة تأكل الثوب، أو العجين؛ فقال: إن كان في فريضة، فلا يقطع؛ وأما الرجل يصلي وفي البيت قلة أو شيء يخاف عليه أن يهراق، فإني سألت مالكًا عن الرجل يقرأ فيتعايا في قراءته، فيأخذ المصحف ينظر فيه -وهو بين يديه- فكرهه، فهذا مثله] اهـ.

وعند الشافعية:

قال العلامة أحمد حجازي الفشني الشافعي في "تحفة الحبيب بشرح نظم غاية التقريب" (ص: 93، ط. الحلبي): [كالخوفِ في القتالِ: الخوفُ على معصوم من نفس، أو عضو، أو منفعة، أو مال، ولو لغيره، من نحو سَبُعٍ؛ كحية، وحرَق، وغرَق] اهـ.

وقال العلامة شيخ الإسلام البيجوري الشافعي في "حاشيته على شرح ابن قاسم على أبي شجاع" (1/ 309، ط. بولاق 1285هـ) محشِّيًا على قول الإمام أبي شجاع: "والثالث: أن يكون في شدة الخوف والتحام الحرب": [ويجوز هذا الضرب في كل قتال وضرب مباحين؛ كقتال عادل لباغٍ، وصاحب مال لمن قصد أخذه ظلمًا، ومن ذلك: ما لو خُطِفَ نعلُه، فله أن يسعى خلفه وهو يصلي، حتى إذا ألقاه الخاطف أتم صلاته في محله، أو هربت دابته وخاف ضياعها، وكهَرَبٍ من حريقٍ أو سيلٍ أو سَبُعٍ لا يعدل عنه، أو من غريم عند إعساره، أو خروج من أرض مغصوبة تائبًا، ومتى زال خوفه أتم صلاته كما في الأمن، ولا قضاء عليه، وليس له فعله لخوف فوت عرفة، بل يترك الصلاة ولو أيامًا ليدرك عرفة؛ لأن قضاء الحج صعب، بخلاف قضاء الصلاة، وخرج بالحجِّ العمرةُ؛ فلا يترك الصلاة؛ لأنها لا تفوت، ما لم ينذرها في وقت معين، وإلا كانت كالحج، فيترك الصلاة لها عند خوف فوتها كما أفتى به والد الرملي، وإن خالفه ابن حجر] اهـ.

وعند الحنابلة:

قال الإمام ابن قدامة في "المغني" (2/ 183، ط. مكتبة القاهرة): [قال أحمد: إذا رأى صبيين يقتتلان، يتخوف أن يلقي أحدهما صاحبه في البئر، فإنه يذهب إليهما فيخلصهما، ويعود في صلاته. وقال: إذا لزم رجل رجلًا، فدخل المسجد، وقد أقيمت الصلاة، فلما سجد الإمام خرج الملزوم، فإن الذي كان يلزمه يخرج في طلبه. يعني: ويبتدئ الصلاة. وهكذا لو رأى حريقًا يريد إطفاءه، أو غريقًا يريد إنقاذه، خرج إليه، وابتدأ الصلاة. ولو انتهى الحريق إليه، أو السيل، وهو في الصلاة، ففر منه، بنى على صلاته، وأتمها صلاة خائف؛ لما ذكرنا من قبل، والله أعلم] اهـ.

وقال العلامة البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع عن متن الإقناع" (1/ 380، ط. دار الكتب العلمية): [(و) يجب (إنقاذ غريق ونحوه) كحريق (فيقطع الصلاة لذلك) فرضًا كانت أو نفلًا، وظاهره: ولو ضاق وقتها، لأنه يمكن تداركها بالقضاء، بخلاف الغريق ونحوه (فإن أبى قطعها) أي الصلاة لإنقاذ الغريق ونحوه أثم و(صحت) صلاته كالصلاة في عمامة حرير. (وله) أي المصلي (إنْ فَرَّ منه غريمُه أو سُرق متاعُه أو نَدَّ بعيرُه ونحوه) كما لو أبق عبده (الخروجُ في طلبه) لما في التأخير من لحوق الضرر له] اهـ.

مقالات مشابهة

  • في محكمة الأسرة.. حالات يجوز فيها رفع دعوى طلاق للضرر
  • أبو العينين: دول الجنوب تتمتع بمزايا عديدة يمكن أن تزيد فيها القيمة المضافة
  • رسالة من حزب الله إلى أهالي الجنوب والعدو.. إليكم ما جاء فيها
  • رسالة من حزب الله إلى أهالي الجنوب.. إليكم ما جاء فيها
  • لليوم الثالث تواصل فعاليات الدورة التثقيفية فى جامعة الفيوم
  • بتمويل 122 مليون جنيه.. المجتمع المدني ينفذ مشروعات مياه ضخمة لخدمة 133 ألف أسرة بسوهاج
  • الحالات التي يُباح فيها للمصلي قطع الصلاة وأقوال الفقهاء في ذلك
  • مياة سوهاج: 122 مليون جنيه لتنفيذ وصلات وشبكات مياه الشرب وصرف وصحى
  • لجنة حماية الصحفيين تطالب سلطات دولة الجنوب السودان برفع الحظر عن وسائل التواصل الاجتماعي
  • إيهاب فهمى: لامساس بحقوق الفلسطينين