لجريدة عمان:
2024-11-24@12:44:07 GMT

ماذا لو حَـكَـمَ ترامب؟

تاريخ النشر: 3rd, January 2024 GMT

في أعقاب فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016، توقع عدد كبير من الخبراء انهيار الديمقراطية في مختلف أنحاء العالم، وحذر بعض منهم من اندلاع حرب أهلية. ولكن باستثناء منطقة الساحل في إفريقيا، تظل الانقلابات العسكرية في العالَـم نادرة، والحروب الأهلية أكثر نُـدرة. بل كانت الديمقراطيات أميل إلى الانهيار بفعل انقلابات مدنية.

في حقبة ما بعد الحرب الباردة، كانت مثل هذه الانقلابات تتخذ ثلاثة أشكال. اجتذب اثنان منها قدرا كبيرا من اهتمام وسائل الإعلام؛ أما الشكل الذي ينبغي أن يثير أعظم قدر من القلق والانزعاج، وخاصة في ضوء شبح عودة ترامب إلى السلطة في أوائل عام 2025، فلم يسترع ذات القدر من الاهتمام. يتمثل النموذج الأول للتقهقر الديمقراطي في رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان. فبعد أن أَقَـرَّ قانونا إعلاميا صارما بعد عودته إلى السلطة في عام 2010، استخدم أوربان وحزبه السياسي، فيدس، كل منفذ إعلامي رئيسي للتلاعب بالخوف من المهاجرين والناشطين من «مجتمع الميم» وتصوير رئيس الوزراء على أنه منقذ أو مخلص وطني. يستغل أوربان أيضا التوترات الإقليمية، مثل الحرب الدائرة في أوكرانيا، للضغط على الرعاة -في كل من روسيا والاتحاد الأوروبي- للحصول على الموارد اللازمة لتمويل الإنفاق الاجتماعي الباذخ. وأخيرا، أعاد حزب فيدس كتابة القواعد الانتخابية في المجر لضمان حصوله على أغلبية برلمانية لا جدال فيها. وبالتالي فإن هذا النموذج لا يعتمد على القوة، بل على التلاعب والقدرة على تفكيك الضوابط والتوازنات من خلال العملية السياسية. عندما بدأ الإعلامي الأمريكي اليميني تاكر كارلسون يحتفل علنا بنموذج أوربان، خشي كثيرون أن يلقى النظام المجري الاستحسان من جانب المحافظين في مختلف أنحاء العالم. لكن هذا لم يحدث، لأن قِلة من أنصار أوربان خارج المجر هم من تمكنوا من تطويع الأسلحة الثلاثة، وخاصة قوة الحزب الجماهيري. أما الشكل الثاني من التراجع الديمقراطي فهو الأكثر شيوعا، ويمكن رصده في دول كبرى، مثل روسيا تحت حكم فلاديمير بوتين، وفي دول صغيرة، مثل نيكاراجوا تحت حكم دانييل أورتيجا. في هذا النموذج، تؤدي أزمة وطنية دراماتيكية إلى ظهور رجل قوي، وليس حركة، لقيادة البلاد وإنشاء شبكة من المحسوبية على هيئته.

ففي كل من روسيا ونيكاراجوا، جاءت الفرصة من انهيار اقتصادي. يبالغ الرجل القوي في الحديث عن التهديدات، وخاصة من جانب أمريكا، ويستخدم العزلة لترسيخ سلطته.

والنتيجة ظهور شبكة من المحاسيب المقربين الذين يعتمدون على الزعيم والانتخابات الاحتفالية التي تتسم بالإقبال الضعيف. وبدلا من الاعتماد على حزب مؤسسي مثل حزب أوربان، فإنهم يحولون الدولة إلى عمل عائلي أو بين أصدقاء، ويحميها مأجورون يستقلون سيارات دفع رباعي عندما تقتضي الضرورة. كان هذا النموذج الثاني أيضا أكثر ندرة مما كان كثيرون يخشون سابقا. تعني استراتيجية العائلة والأصدقاء الناجحة ضمنا أن المؤسسات الديمقراطية كانت ضعيفة بالفعل، وأن المعارضة واهنة. ويعتمد القطاع الخاص على الدولة، وهذه الأخيرة -وخاصة النظام القضائي- معرضة للوقوع أسيرة. وفي ظل وجود قِلة من القوى السياسية البديلة أو القواعد المؤسسية للسلطة، يصبح المجال المتاح للمناورة من جانب الزعيم فسيحا. صحيح أن الضوابط والتوازنات من الممكن أن تتدهور تدريجيا وترجح كفة الفرص والحظوظ لصالح الزعيم. لكنها في الأغلب تميل إلى الصمود، ويرجع هذا جزئيا إلى أن الراغبين في الزعامة في ظل نظام مؤسسي جيد يحفزون تحالفات المعارضة التي تنهض لإحباطهم، كما حدث مع ترامب عام 2020. لا شك أن ترامب ومؤيديه انتبهوا إلى هذا الدرس، ولهذا السبب يتعين علينا أن ننتبه للشكل الثالث من التوغل الاستبدادي. إنه لا يعتمد على الأحزاب المهيمنة، لكنه لا يزال يستغل حالات الطوارئ الوطنية (الحقيقية أو المصطنعة). بين الدعاة المعاصرين لهذا النهج رجل السلفادور القوي، ناييب بوكيلي، الذي ابتكر قواعد اللعبة التي ينبغي أن تثير قلق الديمقراطيين. بعد سنوات من المتاعب، أصبح اقتصاد السلفادور مزدهرا، حيث تعمل التحويلات المالية والإنفاق العام السخي على تعزيز الاستهلاك الخاص. علاوة على ذلك، أصبحت حرب العصابات سيئة السمعة في البلاد شيئا من الماضي. فقد عمل مزيج من الرشاوى لزعماء العصابات وسجن أعداد كبيرة من أفرادها على نشر السلام في أرجاء البلاد. ففي مارس 2022، علق بوكيلي بعض الحريات المدنية، وخاصة الإجراءات القانونية الواجبة في التعامل مع المجرمين المزعومين. واعتقلت الشرطة ما يقرب من 70 ألف شخص، معظمهم من الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و30 عاما، للاشتباه في انتمائهم إلى عصابات.

نتيجة لهذا، يتمتع بوكيلي بمعدلات تأييد تجعله موضع حسد أهل السياسة في كل مكان. لقد أزاح جانبا القيود الدستورية التي تمنعه من الترشح لولاية ثانية، وتشير استطلاعات الرأي الحالية إلى أنه سيفوز بإعادة انتخابه في فبراير بنسبة مذهلة تصل إلى 68.4% من الأصوات. يتقبل نموذج نظام الاستثناء هذا رسميا أهمية القواعد والضوابط والتوازنات، بل ويتسامح إلى حد ما مع الاختلاف والمعارضة الداخلية.

في الواقع، يشير أنصار الاستثنائية إلى القواعد والضوابط والتوازنات لتبرير نظامهم. والحجة هنا أنه على الرغم من أهمية القيود الحيوية للجمهوريات في الأوقات العادية، فإن حالات الطوارئ تستلزم تعليقها. «هل ترى؟ الكونجرس لا يؤدي وظيفته. هل ترى؟ لقد اجتاحت الأفكار اليسارية مؤسسات أمريكا». لقد عمل بوكيلي، من خلال تحويل صلاحيات الطوارئ إلى حكم شبه دائم، على إنشاء نظام جديد، نظام يعفي نفسه من القيود باسم استعادة الجمهورية. هذا هو الطريق إلى الاستبداد الذي ينبغي له أن يثير قلقنا مع احتدام سباق ترامب إلى البيت الأبيض. إذا فاز، فإن كتاب قواعد لعبة الحكم لن يأتي من المجر. فالحزب الجمهوري متصدع، والديمقراطيون أقوياء، والولايات الأمريكية أكثر مرونة من أن تتوافق مع هذا. ولن يكون خيار تحويل الحكم إلى عمل تجاري بين الأصدقاء والعائلة متاحا لترامب؛ ذلك أن القطاع الخاص في الولايات المتحدة مستقل ومعقد للغاية، وقد أسفرت محاولاته السابقة في البلطجة عن نتائج عكسية في ساحة لافاييت وفي السادس من يناير. مع ذلك، تظل تصورات الخطر على الحدود، والأعراف الهشة في المؤسسات الثقافية، والإرهاق من الحرب في أوكرانيا، والمستنقع في الكونجرس، تعمل على تشجيع ترامب على تبني نهج أكثر اعتمادا على العضلات. الواقع أن استغلال حالة الاستثناء يشكل نَـصَّـا مفيدا للحكم في أوقات انعدام اليقين. فهي تسمح بتنفيذ تدابير متطرفة دون إنهاء الديمقراطية الرسمية، وتحول الانتباه نحو الأمن (خاصة على الحدود) دون فرض الأحكام العرفية. كما أنها، وفي المقام الأول من الأهمية، تتغذى على خيبة الأمل في الديمقراطية دون أن تتبرأ منها.

جيريمي أدلمان مدير مختبر التاريخ العالمي في جامعة برينستون.

خدمة بروجيكت سنديكيت.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

أسعار “البتكوين”.. ماذا وراء الارتفاع القياسي لـ”الاستثمار الخطير” وهل يستمر؟

يشهد سعر “البتكوين” ارتفاعا غير مسبوق، مع وصوله في تعاملات الجمعة، إلى 99028 دولاراً، مما أثار تكهنات بشأن مستقبل العملة الرقمية، وما إذا كانت سلسلة الأرقام القياسية ستستمر، خاصة أنها تعد من الاستثمارات عالية المخاطر.

وفي تحليل للارتفاع المستمر في سعر البتكوين والأسباب التي تقف وراءه، أوضح الباحث في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي، أبو بكر الديب، أن “عزم رئيس هيئة الأوراق المالية والتداول الأميركية، غاري جينسلر، ترك منصبه في يناير المقبل، لعب دوراً في تعزيز الثقة بسوق العملات المشفرة، خصوصاً أنه تبنى سياسة صارمة في مراقبة هذا القطاع”.

واعتبر الديب، في حديث إلى موقع “الحرة”، أن فوز الجمهوري دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية، “أعطى دفعة قوية للأسواق، مع تراجع أسعار الذهب والنفط مقابل قوة الدولار”.

وكان ترامب قد تعهد خلال حملته الانتخابية، بجعل الولايات المتحدة “العاصمة العالمية للبتكوين والعملات المشفرة”.

ومن خلال دعمه العملات المشفرة، اتخذ ترامب موقفا معاكسا لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، التي تعتبر مؤيدة لتنظيم صارم للقطاع المثير للجدل، والذي لا يخضع إلى حد كبير لسيطرة المؤسسات.

وأشار الديب إلى أن المستثمرين “أصبحوا يتجهون نحو الأصول عالية المخاطرة مثل البتكوين، متفائلين بأن إدارة ترامب ستكون أكثر مرونة تجاه العملات المشفرة، مما ساعد العملة الرقمية على تحقيق زيادة تجاوزت 40 بالمئة منذ إعلان نتائج الانتخابات”.

وأكد أن “التاريخ الاقتصادي الإيجابي لترامب يعزز ثقة المستثمرين بالبتكوين كأصل بديل، خاصة مع توقعات بتخفيف اللوائح التنظيمية”.

ومن بين أسباب الارتفاع في سعر البتكوين، أشار ديب إلى مشروع قانون مقترح من السناتور الجمهورية سينثيا لوميس، “لتدشين مخزون استراتيجي للبتكوين، يتضمن شراء مليون عملة مشفرة، مما يمثل حوالي 5 بالمئة من البتكوين المتوفر عالمياً”.

ورأى الخبير أن هذا المشروع “قد يؤدي إلى زيادة هائلة في الطلب على العملة الرقمية، ورفع قيمتها السوقية بشكل أكبر”.

كما نوه بأن الاتجاه نحو العملات المشفرة، “يعكس تغييرات في تفضيلات المستثمرين، حيث يتم إنتاج 900 بتكوين يومياً، بينما تصل طلبات صناديق الاستثمار المتداولة حديثاً إلى 2800 بتكوين يومياً، مما يزيد من الضغط على العرض المحدود”.

من جانبه، توقع الخبير في مجال العملات الرقمية، أحمد سيم، في مداخلة سابقة مع قناة “الحرة”، أن “يتم رسميا تبني عملة البتكوين، وأن معظم البنوك المركزية في 2025 ستستخدم هذه العملات في المدفوعات المالية، مما سيختصر الكثير من الوقت”.

ولفت أيضا إلى أن أصحاب البنوك من خلال استخدام هذه العملات، “سيتمكنون من توفير 120 مليار دولار” التي تصرف سابقا على الرسوم ونفقات المعاملات.
“نقض نظرية الذهب الرقمي”

ورغم الارتفاعات الكبيرة، لفت ديب إلى أن طبيعة أن البتكوين تعتمد على العرض والطلب، وأن السوق يشهد موجة طلب استثنائية حالياً مدفوعة بعوامل اقتصادية وجيوسياسية.

لكنه حذر من احتمال حدوث تقلبات، مشيراً إلى أن ارتباط البتكوين المتزايد بالأسواق المالية “يقوض النظرية التي تصفها (العملة) بأنها ذهب رقمي”.

في النهاية، شدد ديب على أن البتكوين “ليس استثماراً خالياً من المخاطر، حيث يظل عرضة للتقلبات الحادة والتأثيرات السياسية والاقتصادية العالمية”.

وشهدت عملة البيتكوين عدة ارتفاعات تاريخية في قيمتها، كان أحد أبرزها في ديسمبر 2017، عندما وصلت قيمتها إلى نحو 20 ألف دولار، حيث ارتفعت بفضل الاهتمام المتزايد بالعملات الرقمية والحديث الإعلامي الواسع عنها.

وفي نهاية عام 2020، عادت البيتكوين لتحقق رقما قياسيا جديدا بعد أن تجاوزت حاجز الـ 29 ألف دولار، مما مهد لموجة صعود كبيرة في 2021.

وفي نوفمبر 2021، سجلت البيتكوين أعلى مستوى لها على الإطلاق بقيمة تجاوزت 68 ألف دولار، مستفيدة من تبني شركات كبيرة مثل “تسلا” و”مايكروستراتيجي” لها واستثمارها بمبالغ كبيرة فيها، بالإضافة إلى استخدام البيتكوين كأصل للتحوط ضد التضخم من قبل بعض المؤسسات المالية الكبيرة.

ومع ذلك، انخفضت قيمتها بشكل كبير في 2022، بسبب ظروف السوق وتقلباته.

الحرة

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • ماذا دار خلال اجتماع ترامب وأمين عام حلف «الناتو» في فلوريدا؟
  • بعد مواقفه السابقة.. ماذا دار في أول اجتماعات ترامب مع "الناتو"؟
  • تركيا تتحدى اللوبي الصهيوني
  • ماذا تعرف عن ويتكوف حامل راية ترامب إلى الشرق الأوسط؟
  • ماذا دار خلال اجتماع ترامب وأمين عام حلف الناتو في فلوريدا؟
  • ماذا نعلم عن الملياردير سكوت بيسينت الذي اختاره ترامب كوزير للخزانة؟
  • أسعار “البتكوين”.. ماذا وراء الارتفاع القياسي لـ”الاستثمار الخطير” وهل يستمر؟
  • ماذا تعرف عن "قانون لاهاي" الأمريكي وهل ينقذ ترامب نتنياهو من السجن؟
  • سيارات إسعاف تٌغادر مقر إقامة ترامب.. ماذا حدث؟
  • نهيان بن مبارك: الإمارات ستظل النموذج والقدوة في رعاية وتمكين أصحاب الهمم