في أعقاب فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016، توقع عدد كبير من الخبراء انهيار الديمقراطية في مختلف أنحاء العالم، وحذر بعض منهم من اندلاع حرب أهلية. ولكن باستثناء منطقة الساحل في إفريقيا، تظل الانقلابات العسكرية في العالَـم نادرة، والحروب الأهلية أكثر نُـدرة. بل كانت الديمقراطيات أميل إلى الانهيار بفعل انقلابات مدنية.
ففي كل من روسيا ونيكاراجوا، جاءت الفرصة من انهيار اقتصادي. يبالغ الرجل القوي في الحديث عن التهديدات، وخاصة من جانب أمريكا، ويستخدم العزلة لترسيخ سلطته.
والنتيجة ظهور شبكة من المحاسيب المقربين الذين يعتمدون على الزعيم والانتخابات الاحتفالية التي تتسم بالإقبال الضعيف. وبدلا من الاعتماد على حزب مؤسسي مثل حزب أوربان، فإنهم يحولون الدولة إلى عمل عائلي أو بين أصدقاء، ويحميها مأجورون يستقلون سيارات دفع رباعي عندما تقتضي الضرورة. كان هذا النموذج الثاني أيضا أكثر ندرة مما كان كثيرون يخشون سابقا. تعني استراتيجية العائلة والأصدقاء الناجحة ضمنا أن المؤسسات الديمقراطية كانت ضعيفة بالفعل، وأن المعارضة واهنة. ويعتمد القطاع الخاص على الدولة، وهذه الأخيرة -وخاصة النظام القضائي- معرضة للوقوع أسيرة. وفي ظل وجود قِلة من القوى السياسية البديلة أو القواعد المؤسسية للسلطة، يصبح المجال المتاح للمناورة من جانب الزعيم فسيحا. صحيح أن الضوابط والتوازنات من الممكن أن تتدهور تدريجيا وترجح كفة الفرص والحظوظ لصالح الزعيم. لكنها في الأغلب تميل إلى الصمود، ويرجع هذا جزئيا إلى أن الراغبين في الزعامة في ظل نظام مؤسسي جيد يحفزون تحالفات المعارضة التي تنهض لإحباطهم، كما حدث مع ترامب عام 2020. لا شك أن ترامب ومؤيديه انتبهوا إلى هذا الدرس، ولهذا السبب يتعين علينا أن ننتبه للشكل الثالث من التوغل الاستبدادي. إنه لا يعتمد على الأحزاب المهيمنة، لكنه لا يزال يستغل حالات الطوارئ الوطنية (الحقيقية أو المصطنعة). بين الدعاة المعاصرين لهذا النهج رجل السلفادور القوي، ناييب بوكيلي، الذي ابتكر قواعد اللعبة التي ينبغي أن تثير قلق الديمقراطيين. بعد سنوات من المتاعب، أصبح اقتصاد السلفادور مزدهرا، حيث تعمل التحويلات المالية والإنفاق العام السخي على تعزيز الاستهلاك الخاص. علاوة على ذلك، أصبحت حرب العصابات سيئة السمعة في البلاد شيئا من الماضي. فقد عمل مزيج من الرشاوى لزعماء العصابات وسجن أعداد كبيرة من أفرادها على نشر السلام في أرجاء البلاد. ففي مارس 2022، علق بوكيلي بعض الحريات المدنية، وخاصة الإجراءات القانونية الواجبة في التعامل مع المجرمين المزعومين. واعتقلت الشرطة ما يقرب من 70 ألف شخص، معظمهم من الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و30 عاما، للاشتباه في انتمائهم إلى عصابات.
نتيجة لهذا، يتمتع بوكيلي بمعدلات تأييد تجعله موضع حسد أهل السياسة في كل مكان. لقد أزاح جانبا القيود الدستورية التي تمنعه من الترشح لولاية ثانية، وتشير استطلاعات الرأي الحالية إلى أنه سيفوز بإعادة انتخابه في فبراير بنسبة مذهلة تصل إلى 68.4% من الأصوات. يتقبل نموذج نظام الاستثناء هذا رسميا أهمية القواعد والضوابط والتوازنات، بل ويتسامح إلى حد ما مع الاختلاف والمعارضة الداخلية.
في الواقع، يشير أنصار الاستثنائية إلى القواعد والضوابط والتوازنات لتبرير نظامهم. والحجة هنا أنه على الرغم من أهمية القيود الحيوية للجمهوريات في الأوقات العادية، فإن حالات الطوارئ تستلزم تعليقها. «هل ترى؟ الكونجرس لا يؤدي وظيفته. هل ترى؟ لقد اجتاحت الأفكار اليسارية مؤسسات أمريكا». لقد عمل بوكيلي، من خلال تحويل صلاحيات الطوارئ إلى حكم شبه دائم، على إنشاء نظام جديد، نظام يعفي نفسه من القيود باسم استعادة الجمهورية. هذا هو الطريق إلى الاستبداد الذي ينبغي له أن يثير قلقنا مع احتدام سباق ترامب إلى البيت الأبيض. إذا فاز، فإن كتاب قواعد لعبة الحكم لن يأتي من المجر. فالحزب الجمهوري متصدع، والديمقراطيون أقوياء، والولايات الأمريكية أكثر مرونة من أن تتوافق مع هذا. ولن يكون خيار تحويل الحكم إلى عمل تجاري بين الأصدقاء والعائلة متاحا لترامب؛ ذلك أن القطاع الخاص في الولايات المتحدة مستقل ومعقد للغاية، وقد أسفرت محاولاته السابقة في البلطجة عن نتائج عكسية في ساحة لافاييت وفي السادس من يناير. مع ذلك، تظل تصورات الخطر على الحدود، والأعراف الهشة في المؤسسات الثقافية، والإرهاق من الحرب في أوكرانيا، والمستنقع في الكونجرس، تعمل على تشجيع ترامب على تبني نهج أكثر اعتمادا على العضلات. الواقع أن استغلال حالة الاستثناء يشكل نَـصَّـا مفيدا للحكم في أوقات انعدام اليقين. فهي تسمح بتنفيذ تدابير متطرفة دون إنهاء الديمقراطية الرسمية، وتحول الانتباه نحو الأمن (خاصة على الحدود) دون فرض الأحكام العرفية. كما أنها، وفي المقام الأول من الأهمية، تتغذى على خيبة الأمل في الديمقراطية دون أن تتبرأ منها.
جيريمي أدلمان مدير مختبر التاريخ العالمي في جامعة برينستون.
خدمة بروجيكت سنديكيت.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
إحدى الطائرات الصينية من الجيل السادس قد تكون ثلاثية المحركات!
الصين – لا تزال الشبكات الاجتماعية تبحث عن بدء الاختبارات الجوية لنموذجين مختلفين من المقاتلات الصينية للجيل السادس.
يذكر أن الخميس الماضي شهد طلعات جوية لطائرتين من تصنيع شركتي Chengdu Aircraft Industry Group (CAIG) و Shenyang Aircraft Corporation (SAC) الصينيتين.
وركزت الشبكات الاجتماعية على النموذج الأول بسبب الوضوح الأكثر لصوره الملتقطة.
وقد فوجئ رواد الشبكات الاجتماعية بوجود 3 محركات في الطائرة، ما يعتبر بحد ذاته أمرا غريبا فافترضوا أن طاقم الطائرة سيضم فردين. ولذلك يتوقع أن تزداد إمكانات الطائرة الخاصة بإصابة الأهداف البحرية والبرية.
كما لفت انتباه الكثيرين الشاسي الرئيسي المتكون من عجلتين، مع العلم أن مقاتلة “ميغ – 31” الروسية الثقيلة اعتمدت الحل التقني نفسه. وبلغ الوزن الأقصى عند إقلاع المقاتلة الاعتراضية الروسية 46750 كيلوغراما. لذلك افترض الخبراء أن وزن طائرة الجيل السادس الصينية لن يختلف كثيرا عنه.
يذكر أن كبير الباحثين في المركز الروسي لتحليل الاستراتيجيات والتقنيات يوري ليامين أشار على قناة تليغرام التابعة له إلى أن الطائرة الصينية لها رقم 36011، فافترض أن هذا النموذج سيحمل اسم J-36 أو JH-36 حيث يعني الاسم الأول المقاتلة والاسم الآخر يعني القاذفة.
المصدر: روسيسكايا غازيتا