سفينة النجاة ومخرج الأمان
تاريخ النشر: 3rd, January 2024 GMT
حمد الحضرمي **
إن حب الأبناء هو فطرة إنسانية وطبيعة بشرية موجودة في قلب كل أب وأم، ولا يُمكن وصف الفرحة والسعادة التي تغمر قلب الأب والأم عندما يرزقهم الله بمولود خاصة الأول، حيث لا تساويها فرحة ولا تعدلها سعادة، فيملأ حياتهما بالبهجة ويغمر قلبيهما بالسرور، وتمضي الأيام وهو يكبر أمام أعينهما، فإن أراد الله بهما خيرًا أكثر وكتب لهما نصيبًا أوفر من السعادة جعل هذا الولد لهما من البارين الصالحين وجعله قرة عين لهما في شبابهما وخادمًا لهما في شيخوختهما، فالولد الصالح من أغلى النعم وأجود العطايا التي يمّن الله بها على عباده.
وأعظم هدية تُقدمها لولدك في حياته وهي تساوي الأرض وما فيها من كنوز وأموال، وتستحق أن تسعى إليها وتبذل جهدك ليحصل عليها ولدك، هي تحفيظه القرآن الكريم، والعيش مع آياته والعمل بأحكامه، وعندها سيُبارك الله في حياته وفي عمره ورزقه، فحافظ القرآن مع السفرة الكرام البررة، وقال رسولنا صلى الله عليه وسلم : "يجيء القرآن يوم القيامة فيقول يارب حلهِ، فيلبس تاج الكرامة، ثم يقول يارب زده، فيلبس حلة الكرامة ثم يقول يارب: ارض عنه، فيقال اقرأ وأرق، ويزداد بكل آية حسنة".
إنَّ الولد الحافظ للقرآن الكريم يكون سببًا في كسوة والديه حلتين لا تقوم لهما الدنيا وما فيها، وما ذلك إلا لرعايتهما وتعليمهما ولدهما، فإنَّ الله تعالى يكرمها بولدهما، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث:" من قرأ القرآن وتعلمه وعمل به، ألبس والداه يوم القيامة تاجًا من نور، ضوؤه مثل ضوء الشمس ويكسب والداه حلتين لا تقوم لهما الدنيا، فيقولان: بم كسينا؟ فيقال: بأخذ ولدكما القرآن". ومن بركات تلاوة القرآن الكريم وحفظه والعمل به والعيش في رحابه، فضائل كثيرة وجوائز عظيمة نذكر منها: أن حملة القرآن هم أهل القرآن وخاصته، وهو شرف عظيم يرتقي به الإنسان في الدنيا إذًا يصبح العبد الضعيف من أهل الله وخاصته، وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ لله أهلين من الناس….. قالوا: يا رسول الله من هم؟ قال: أهل القرآن هم أهل الله وخاصته.
وسيكون حافظ القرآن في أعلى الجنان، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:" يقال لصاحب القرآن اقرأ ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإنَّ منزلتك عند آخر آية تقرأ بها. ويبقى القرآن الكريم خير حافظ لصاحبه، حيث يقيه من الأمراض النفسية، ويساعده على النجاح واتخاذ القرارات الصائبة، إن القرآن الكريم طريقك للسعادة والنجاح؛ لأنه يعمر حياة صاحبه بكل خير وينعم عليه بصفاء الذهن وقوة الذاكرة، والطمأنينة القلبية، والتمكن من اللغة العربية والنواحي البلاغية وقوة الشخصية.
إنَّ ولدك الحافظ للقرآن الكريم سيحميه الله من أمراض العصر التي تهب على مجتمعاتنا والتي تحمل معها الانحلال والانحراف، لأنه سيكون محصنًا بالقرآن وتعاليمه منذ نعومة أظفاره، فيعيش سعيدًا وتسعد به أسرته ومجتمعه ووطنه. وما أجمل أن يعيش أولادنا مع القرآن في الدنيا، ليكونوا سعيدين بلقاء الله تعالى في الآخرة، والفوز بالرضوان والنعيم المُقيم، والقرب من حبيبنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فهل هناك أجمل من أن تكون مع الله ورسوله يوم القيامة؟.
يا أيُّها الآباء والأمهات إنَّ القرآن الذي يحفظه أولادكم اليوم، سيحميهم ويهديهم ويقود خطاهم إلى الخير والبركة والسعادة في حياتهم، وسيكون المدافع عنهم والشفيع لهم يوم يتخلى عنهم القريب والحبيب. فحاولوا تعليم أولادكم القرآن الكريم، وحثوهم على حفظ كتابه، لأنه أفضل هدية تقدمها لولدك، ليعيش سعيدًا في الدنيا والآخرة، ويكون لك يوم القيامة شفيعًا.
واعلموا أيها الآباء والأمهات بأن تحقيق الأمنيات والأماني والوصول إليها لا يأتي بالتمني والأحلام، بل بالعزيمة والإصرار والعمل بجد واجتهاد، وعليكم باتباع خطوات مجربة وعملية إذا طبقت بقلب صادق وإيمان كبير وجهد متواصل ستثمر بعون الله بأن يكون ولدك حافظًا لكتاب الله، ومن حفظ القرآن حفظه الله، وجعله مباركًا في كل شؤون حياته، وبإذن الله سيكون أولادنا خيرًا على الأمة وسيبزغ فجر جديد بتباشير العزة والنصر والتمكين، فالقرآن العظيم سفينة النجاة من كل فتنة، ومخرج الأمان من كل محنة.
ونسأل الله أن يوفق أولادنا ويرزقهم حفظ القرآن الكريم، ويجعله لهم ولنا إمامًا ونورًا وهدى، ويذكرنا منه ما نسينا ويعلمنا منه ما جهلنا، ويرزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، ويجعله حجة لنا، اللهم آمين.
** محامٍ ومستشار قانوني
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مدير الجامع الأزهر يتفقد سير الدراسة برواق القرآن الكريم بالغربية ويوصي بانتهاج طريقة المصحف المعلم
قام مدير الجامع الأزهر بزيارة تفقدية لرواق القرآن الكريم في محافظة الغربية. تأتي هذه الزيارة في سياق متابعة سير الدراسة في مختلف فروع الرواق الأزهري وتقييم أداء الدارسين في حفظ وتلاوة القرآن الكريم.
وخلال الجولة، أبدى مدير الجامع الأزهر إعجابه الكبير بمستوى الأداء الذي أظهره الدارسون، مشيدًا بحماسهم واجتهادهم في حفظ وتلاوة آيات الله. كما أوصى د. عودة بانتهاج طريقة "المصحف المعلم"، التي تعتبر من الأساليب الفعالة في تعليم القرآن الكريم. وأوضح أن هذه الطريقة تسهم في ضمان تحقيق نتائج جيدة في الحفظ والتلاوة والتجويد، حيث تتيح للدارسين القدرة على فهم معاني الكلمات وطرق النطق الصحيحة.
وفي إطار زيارته، التقى مدير الجامع الأزهر بعدد من المحفظين برواق القرآن الكريم، حيث ناقش معهم التحديات التي تواجه العملية التعليمية والسبل الممكنة لتطويرها. وأكد على أهمية الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة في الاستماع إلى أئمة التلاوة وجهابذة علوم القراءات والتجويد، أمثال الشيخ الحصري والمنشاوي، واستخدام التطبيقات التعليمية والبرامج الرقمية لتعزيز تجربة الحفظ وتحسين مهاراتهم.
كما شدد المدير على ضرورة تقديم الدعم المستمر للدارسين، سواء من خلال توفير الموارد التعليمية المناسبة وتوفير المقارئ المستمرة، أو من خلال تنظيم ورش العمل والدورات التدريبية للمعلمين، مما يسهم في تحسين جودة التعليم القرآني.
وفي ختام الزيارة، قدم المدير شكره وتقديره للجهود المبذولة من قبل المحفظين والدارسين، مؤكدًا أن مثل هذه الزيارات تعكس اهتمام الرواق الأزهري بتعزيز تحفيظ القرآن الكريم في جميع أنحاء البلاد، مما يساهم في بناء جيل جديد يتمتع بفهم صحيح لكتاب الله وقِيَمه.
ملتقى السيرة النبوية بالجامع الأزهر
عقد الجامع الأزهر الشريف اللقاء الثاني لملتقى السيرة النبوية تحت عنوان "بشارة الميلاد وطهارة النسب الشريف". وحاضر في الملتقى أ.د نادي عبد الله، أستاذ الحديث وعلومه ووكيل كلية الدراسات الإسلامية والعربية بالقاهرة، والأستاذ الدكتور، صلاح عاشور، أستاذ التاريخ وعميد كلية اللغة العربية السابق، وأدار اللقاء فضيلة الشيخ إبراهيم حلس، مدير إدارة الشئون الدينية والعربية بالجامع الأزهر الشريف.
في البداية قال د. نادي عبدالله المولى عزَّ وجلّ يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس. فاصطفى أنبيائه من لدن آدم عليه السلام، اختياراً فيه صفوة وفضل ومنة، إلى أن جمع كل الفضائل في خاتمهم سيدنا محمد ﷺ.
وبيّن أستاذ الحديث وعلومه أن شرف نسب وطهارة شخص النبي ﷺ أمر واضح فهو ﷺ ذكره الله وطهره في كل أموره. في عقله هداية ورشد لأنه يلتقي بوحي السماء، وقلبه قد حفظه ربه. حينما كان يتنزل عليه جبريل بآيات القرآن كان يتعجل ويحرك لسانه خشية أن ينساه، فقال له المولى تبارك وتعالى: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾. جمع الله كل الأنوار وكل الأسرار في قلب نبينا المختار ﷺ، وزكي نطقه وقوله، فهو لا ينطق إلا حقاً، ليس سباباً ولا لعاناً، ولا بفاحش في القول، بل كان ﷺ كل ما يقوله حق. وزكَّاه في فؤاده وشرح له صدره، وكمَّله بصفات الجمال والكمال، وطهره من الذنوب والأوزار. ثم مدحه وزكاه كله فقال:﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾.
أما عن نسبه ﷺ وطهارة هذا النسب الطاهر يتحدث النبي ﷺ بنفسه عن طهارة نسبه المبارك. هذا اللؤلؤ الذي جرت خرزاته النقية الطاهرة من أول سيدنا آدم الى أبويه ﷺ. يقول ﷺ: (إن اللهَ اصطفى كنانةَ من ولدِ إسماعيلَ، واصطفى قريشًا من كنانةَ، واصطفى من قريشٍ بني هاشمٍ، واصطفاني من بني هاشمٍ). وجد ﷺ في قوم غلبت عليهم نفوسهم، وتغيرت فيهم الفطرة فكانوا يأتون بأشياء من أفعال الجاهلية كوأد البنات، وأكل حق الضعيف، وأمور غير أخلاقية تفشت في مجتمعاتهم. فكانت مهمة النبي ﷺ أمر ثقال وهى أن يخرج هذه النفوس من ظلماتها لاستقبال وحي الله عزّ وجلَّ ونور النبوة العطر. أراد النبي ﷺ أن يخلص تلك النفوس من هواها ومن شهواتها لتنغمس في حب الله ورسوله. فأوجد طائفة من المؤمنين أحبوا الله ورسوله أكثر من حبهم لأنفسهم وأولادهم وزوجاتهم، وأحدث ﷺ تغييراً جذرياً في مجتمع عصبي همجي ليصبح مجتمعاً قائداً ورائداً.
وأوضح د. نادي أنه حين نتحدث عن شرف نسبه ﷺ وطهارته لابد أن نأخذ من وصفه الشريف، وأن نتخلق من خُلقه العظيم. يقول ﷺ: (آلُ محمَّدٍ كلُّ تقيٍّ)، فكل من اتقى الله وطهر قلبه وخلقه نال من نسب سيدنا رسول الله ﷺ. وكل نسب ينقطع يوم القيامة إلا من انتسب إلى سيدنا محمد ﷺ، انتسب إليه بالعمل الصالح، وأن يهتدي بهديه، ويقتدي بخلقه، موصياً بالاقتداء بأخلاق رسول الله ﷺ، واتباع وسنته، والسير على نهجه، وأن تصبغ الأمة نفسها في شرع المولي تبارك وتعالى، ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ ۖ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ۖ وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ﴾.
من جانبه أوضح د. صلاح عاشور أن الحديث عن مولده ﷺ حديث عطر وماتع. فبشارة مولده ﷺ التي أكد المؤرخون على أنها كانت حقيقة ثابتة، أثبتها كثير من المؤرخين من خلال الأمور التي وقعت قبل ميلاده ﷺ وكانت تنبئ فعلا باقتراب ظهور رسالة سماوية في هذه الأرض، وفي هذه البقعة المباركة من الجزيرة العربية -مكة المكرمة- كما كان يوجد أشخاص يرون أن ما عليه قومهم هو باطل، وأن عبادة الأصنام والأحجار لا تفيد ولا تنفع. كانوا يعرفون بالأحناف ومنهم قص بن ساعده، وزيد بن عمرو بن نوفيل. كما توجد بعض الأمور التاريخية التي تؤكد على أن هناك رسول سيبعث منها حادثة الفيل. كانت كل هذه مؤشرات تؤكد على اقتراب ظهور دين جديد ونبي جديد فتهيأت له المنطقة.
وأشار أستاذ التاريخ إلى أنه منذ بزوغ فجر الإسلام تغيرت كثير من المفاهيم التي كانت سائدة في العالم قبل قدوم الإسلام، حيث قدم منهجاً وفكراً جديدين، غيرا تلك المفاهيم المغلوطة. ويكفي أن الإسلام خلص العالم من ذلك الارتكاز الذي كانت فيه البشرية قبل ظهور الإسلام. جاء الإسلام ليخلص العالم من الفساد الذي كان موجوداً قبل الإسلام، وأخرج الإسلام العرب من الجزيرة العربية إلى شتى بقاع الدنيا لنشر علوم الدين وجعلهم أمة ذات شأن. والمتدبر فى القرآن الكريم يجده يؤكد على أن الدين عند الله الإسلام وما دون ذلك فليس هو الدين الصحيح.
وفى ذات السياق ذكر الشيخ إبراهيم حلس، مدير إدارة الشئون الدينية والعربية بالجامع الأزهر الشريف، أن ميلاد النبي ﷺ كان ضرورة للبشر كافة، كما بعث أيضاً للناس كافة، فكانت به تمام الرسالات. ولذلك كانت دعوة سيدنا إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى السلام ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾. فرسول الله ﷺ دعوة سيدنا إبراهيم، وبشارة الرسل من بعده، وبه تمت الرسالات. وكان ميلاده ﷺ ميلاد النور. يقول ﷺ: (مَثَلِي ومَثَلُ الأنْبِياءِ مِن قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بُنْيانًا فأحْسَنَهُ وأَجْمَلَهُ، إلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِن زاوِيَةٍ مِن زَواياهُ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ به ويَعْجَبُونَ له ويقولونَ: هَلّا وُضِعَتْ هذِه اللَّبِنَةُ قالَ فأنا اللَّبِنَةُ، وأنا خاتَمُ النبيِّينَ.) فكانت هذه بشارة ميلاد الهدى والنور ﷺ.