المقاومة الشعبية في السودان بين الدفاع عن النفس والانزلاق نحو حرب أهلية
تاريخ النشر: 3rd, January 2024 GMT
قرر إبراهيم المكابرابي، الذي يعمل مزارعا في منطقة الدبة بالولاية الشمالية في شمال السودان، الانضمام إلى مجموعة من الرجال في منطقته بعدما شكلوا ما يعرف بالمقاومة الشعبية من أجل الدفاع عن النفس والعرض في المنطقة.
وقال المكابرابي لبي بي سي إن قراره جاء بعد طول تفكير، وبعد سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة ود مدني بوسط السودان.
وأضاف: “لن ننتظر عناصر قوات الدعم السريع حتى يصلوا إلينا.. سنتجهز ونتدرب حتى نتمكن من القتال ضد الغزاة”.
وقال: “حصلت على قطعة سلاح وأنا جاهز اليوم للتدريب من أجل الدفاع عن النفس.. أصبحنا لا نثق في الجيش، فقد ينسحبون من منطقتنا كما انسحبوا من مدني.. الأفضل أن نكون مستعدين للأسوأ”.
مكابرابي هو واحد من عشرات الآلاف من الأشخاص الذين استجابوا لدعوات أطلقت لتشكيل “مقاومة شعبية” في معظم المناطق التي تقع تحت سيطرة الجيش السوداني في ولايات: الشمالية، ونهر النيل، والقضارف، وسنار، وكسلا وغيرها من المناطق.
وأظهرت صور ومقاطع فيديو انتشرت على نطاق واسع المئات من الأشخاص وهم يخرجون في مسيرات في الميادين العامة في تلك المناطق، ويحملون أسلحة ويهتفون بالموت لقوات الدعم السريع.
وكانت الحكومات المحلية في بعض المناطق تنسق وتنظم هذا الحراك. وظهر والي ولاية نهر النيل محمد البدوي في مقطع مصور وهو يؤكد أن ولايته الآن أصحبت جاهزة لصد أي هجوم محتمل.
يقول محمد سيد أحمد، أحد المنسقين في المقاومة الشعبية في ولاية نهر النيل، إن الهدف من الفكرة هو تحشيد الأهالي من أجل الدفاع عن المنطقة.
ويضيف خلال حديثه لبي بي سي “هنالك استجابة كبيرة لفكرة المقاومة الشعبية خاصة في أوساط الشباب، ونحن نريد تنظيم هذه الاستجابة”.
وعندما سألته من أين تحصلون على التمويل اللازم لإدارة هذا النشاط، ومن أين تحصلون على السلاح؟ قال إن الحكومة المحلية تعمل معهم وتقدم لهم المساعدات.
وأضاف: “بالنسبة إلى السلاح فإن جزءا منه يأتي من الأشخاص أنفسهم، وجزءا يوفره الجيش.. وقادة الجيش يعملون معنا ويقدمون لنا كل المساعدات الممكنة”.
ولم يصدر الجيش السوداني تصريحا رسميا بخصوص الدعوات للمقاومة الشعبية وتسليح المدنيين، لكن رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان ألمح إلى ترحيبه بالفكرة خلال كلمة متلفزة بمناسبة أعياد الاستقلال مساء الأحد الماضي.
وقال: “التحية لشباب وشابات وأبناء الشعب السوداني، الذين اصطفوا في خندق واحد مع قواتهم المسلحة والذين انتظموا في كتائب المقاومة الشعبية”.
مع اتساع رقعة الاستجابة للمقاومة الشعبية، برزت أصوات عديدة تحذر من أن الخطوة قد تجر البلاد الي حرب أهلية.
ومن بين تلك الأصوات أحزاب سياسية وتجمعات نقابية وآخرها مجموعة من الناشطين والحقوقيين الذين أرسلوا خطابا إلى هيئات الأمم المتحدة يطالبون فيها بالعمل من أجل وقف التحشيد وتسليح المدنيين، ومن بينها ما عرف بالمقاومة الشعبية. وقالت إن هذه الخطوة قد تؤدي الي حرب أهلية شاملة في البلاد.
وقد أدى القتال الذي اندلع في أبريل/ نيسان الماضي إلى مقتل 12 ألف شخص، بحسب إحصاءات الأمم المتحدة. كما أجبرت أكثر من سبعة ملايين شخص على ترك مناطقهم، هذا فضلا عن الدمار الكبير الذي لحق بالبنية التحتية من جسور، ومرافق الكهرباء، والمياه، والمستشفيات.
وهنالك مخاوف من أن تتحول الحرب بين القوتين إلي حرب أهلية شاملة في ظل حالة الاستقطاب الكبير، الذي خلفته الحرب المستمرة منذ أشهر.
ويحذر الخبير العسكري العميد متقاعد عبد الله محمد من تسليح المدنيين لما لها – كما قال – من آثار مدمرة على الأمن القومي.
وأضاف في حديث لبي بي سي أن دعوات المقاومة الشعبية تنطلق من أساس جهوي وإثني: “كل المناطق التي شهدت الاستجابة لدعوات المقاومة الشعبية قامت على أساس جهوي وإثني .. ورأينا قادة القبائل والعشائر وهم يقودون هذا الحراك، وهنالك دعوات لطرد أبناء دارفور من المناطق الشمالية، باعتبار أن قوات الدعم السريع من إقليم دارفور”.
وسبق لكثير من المكونات الاجتماعية في إقليم دارفور، خاصة المكونات التي تنتمي إلى أصول عربية، أن أعلنت انضمامها إلى قوات الدعم السريع.
ويري الخبير العسكري، الذي عمل في دارفور خلال خدمته بالجيش، أن تسليح المدنيين سيضر القوات المسلحة نفسها لأن “معظم الجنود في الجيش السوداني من مناطق الهامش، ومن بينها دارفور .. وإذا رأى هؤلاء الجنود أهلهم يقتلون في الشمال مثلا فلن يكون من السهل إقناعهم بالاستمرار في الجيش والانصياع للأوامر، حتى إذا اتخذت الحرب مسارا إثنيا وعرقيا”.
ترى بعض القوى السياسية في الدعوات إلى المقاومة الشعبية محاولة لـ “تصفية الحسابات السياسية”، في ظل الأجواء التي أفرزتها الحرب.
خلال الشهر الماضي، عندما كان والي ولاية نهر النيل يخاطب الجموع التي أتت تلبية لنداء المقاومة الشعبية، منح أعضاء قوى الحرية والتغيير ثلاثة أيام لمغادرة أراضي الولاية، بعد ما قال إنهم يدعمون قوات الدعم السريع.
وأضاف: “أوجه الدعوة إلى كل خائن أو عميل، أو متعاون مع التمرد، إلى الخروج من الولاية خلال ثلاثة أيام”.
ويقول القيادي في قوى الحرية والتغيير عمر الدقير إن عناصر حزب الرئيس المعزول عمر البشير تستخدم دعوات المقاومة الشعبية لتصفية الحسابات مع القوى المدنية التي تنادي بوقف الحرب.
وقال إنهم دائما ما يقولون إن قوى الحرية والتغيير هي الذراع السياسي للدعم السريع، وهذا ما نفيناه مرارا وتكرارا “لسنا ظهيرا سياسيا للدعم السريع، بل انتقدنا الانتهاكات التي كانت ضالعة فيها خلال الحرب، ولكننا نعتقد أن التحشيد القبلي سيعمق الأزمة الحالية”.
تقرير: محمد محمد عثمان – بي بي سي عربي
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع المقاومة الشعبیة الدفاع عن حرب أهلیة بی بی سی من أجل
إقرأ أيضاً:
تحقيق أممي في وصول صواريخ تملكها الإمارات إلى الدعم السريع
قالت رسالة اطلعت عليها رويترز إن لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة مكلفة بمراقبة العقوبات في السودان تحقق في كيفية وصول قذائف مورتر مصدرة من بلغاريا إلى الإمارات إلى رتل إمداد لمقاتلي قوات الدعم السريع شبه العسكرية.
وتحمل قذائف المورتر التي ضبطت مع الرتل في نوفمبر تشرين الثاني في ولاية شمال دارفور بالسودان الرقم التسلسلي نفسه الذي أخبرت بلغاريا محققي الأمم المتحدة أنها صدرته إلى الإمارات في عام 2019. وأمكن رؤية الرقم التسلسلي في الصور ومقاطع الفيديو التي نشرها أعضاء الجماعات الموالية للحكومة على الإنترنت بعد عملية الضبط.
ووفقا لرسالة بتاريخ 19 ديسمبر كانون الأول من البعثة الدائمة لبلغاريا في الأمم المتحدة، والتي اطلعت عليها رويترز، أبلغت بلغاريا محققي الأمم المتحدة أنها شحنت قذائف مورتر عيار 81 مليمترا بالرقم التسلسلي نفسه إلى الجيش الإماراتي في عام 2019.
وقالت وزارة الخارجية البلغارية لرويترز إن أحدا لم يطلب إذن بلغاريا لإعادة تصدير الذخائر إلى طرف ثالث.
وقالت الوزارة "نعلن بشكل قاطع أن السلطات البلغارية المختصة لم تصدر ترخيصا لتصدير المنتجات المرتبطة بالدفاع إلى السودان".
وأحجمت الأمم المتحدة عن التعليق على هذا التقرير.
ونفت الإمارات الاتهامات المتكررة لها بإذكاء الصراع من خلال تسليح قوات الدعم السريع في حربها ضد الجيش السوداني.
وأودى الصراع في السودان بحياة عشرات الآلاف وتسبب في نزوح الملايين. وخلصت الولايات المتحدة العام الماضي إلى أن أفرادا من قوات الدعم السريع والجماعات المسلحة المتحالفة معها ارتكبوا إبادة جماعية في القتال الدائر منذ نيسان / أبريل 2023.
وعندما سألت رويترز مسؤولين إماراتيين عن الذخائر البلغارية، أشاروا إلى أحدث تقرير سنوي صادر عن لجنة خبراء الأمم المتحدة، والذي يتحدث بالتفصيل عن نتائج تحقيقاتها في تدفق الأسلحة والأموال إلى دارفور.
ولم يُنشر بعد التقرير الذي عُرض على مجلس الأمن الدولي هذا الشهر واطلعت عليه رويترز. وتقتصر إشارته إلى الإمارات على دورها في حفظ السلام في السودان.
وقال المسؤولون الإماراتيون لرويترز إن التقرير "يوضح أنه لا توجد أدلة دامغة على أن الإمارات قدمت أسلحة أو دعما ذا صلة لقوات الدعم السريع".
وتوثق لجنة الأمم المتحدة عملية ضبط الذخائر التي جرت في نوفمبر تشرين الثاني في تقريرها السنوي. واعترضت جماعة موالية للحكومة مركبات تابعة لقوات الدعم السريع كانت تنقل قذائف مورتر وذخائر أخرى، ونشرت مقاطع فيديو وصورا للأسلحة التي صادرتها. ولم يتطرق تقرير المحققين إلى مصادر الذخائر.
لكن الرسائل المتبادلة بين مسؤولين إماراتيين ولجنة الأمم المتحدة تظهر أن المحققين مستمرون في تتبع دور الإمارات في الصراع.
وتظهر الرسائل، التي اطلعت عليها رويترز، أن السلطات الإماراتية رفضت تلبية طلب محققي الأمم المتحدة بإرسال بيانات الشحنات الخاصة بنحو 15 طائرة مختلفة انطلقت من مطارات الإمارات وهبطت في أم درمان ونجامينا في تشاد.
وراسلت لجنة الأمم المتحدة السلطات الإماراتية بتاريخ 26 نوفمبر تشرين الثاني لطلب بيانات شحنات الرحلات الجوية. وردت الإمارات على اللجنة في العاشر من ديسمبر كانون الأول ورفضت تقديم هذه المعلومات متعللة بعدم قدرتها على الالتزام بالموعد النهائي لضيق الوقت.
وقدمت الإمارات في المقابل تفاصيل عن مواد تزن حوالي 22 طنا وتضم أغذية وأدوية ومركبات مدنية نقلتها ثلاث رحلات جوية إلى أم جرس في تشاد. وتمثل المواد الواردة في الرسالة حوالي نصف سعة طائرات الشحن آي.إل-76 التي يمكنها حمل ما يصل إلى 40 طنا في الرحلة الواحدة.
ولم ترد الإمارات على أسئلة رويترز عن البيانات.
والسؤال الرئيسي للمحققين هو من الذي يقدم السلاح لقوات الدعم السريع، التي عززت سيطرتها على جزء كبير من دارفور في حملة دموية.
ورفع السودان دعوى قضائية على الإمارات أمام محكمة العدل الدولية الشهر الماضي يتهمها فيها بانتهاك التزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها حين قامت بتسليح قوات الدعم السريع شبه العسكرية. وبدأت المحكمة نظر الدعوى الأسبوع الماضي.
وتنفي الإمارات هذه التهمة، وتقول إن المحكمة ليس لديها اختصاص لنظر هذه الدعوى.