بعد عام على رحيل محمد عناني، أستاذ الأدب الإنجليزي والترجمة بجامعة القاهرة وأحد أهم المترجمين في العالم العربي، ما زال إرثه في الترجمة والأدب أثقل من أن يوضع في الميزان ومن أن يتناوله المتخصصون بالنقد والتشريح، بحسب تعبير بعض تلاميذه.

ورغم أن أول كتبه "النقد التحليلي" الذي صدر عام 1963 قوبل بهجوم شديد من "أصحاب النقد الأيديولوجي"، حيث وجد نفسه "مصنفا" في معركة أدبية وفكرية بين دعاة "الفن للفن" في مقابل دعاة "الفن للمجتمع"، فإن إرثه يشغل الآن منطقة أبعد بكثير من سهام النقد العنيف.

وتقول أستاذة النقد والأدب الإنجليزي بجامعة القاهرة لبنى عبد التواب يوسف إن "عناني كان أستاذا ومترجما وكاتبا وأكاديميا موسوعيا على نحو مبهر".

وتضيف الأستاذة "لما كان يلقي محاضرة، ويستشهد بفلاسفة وكتاب وأدباء، كان يفعل ذلك بدون أن يكون بيده كتاب، كان يستشهد بالعربية والإنجليزية وبمعلقات الأدب الحديث بلا مجهود، كان موسوعيا وأبهرنا في محاضراته أن يتذكر قصائد بلغات مختلفة بينها الفرنسية".

وعن أسلوب عناني في تحليل النصوص، تقول "كان في وجهة نظره تحليل النص أهم من البحث عن نظريات لتحليل النصوص، لم يدخل القاعة ليحدثنا عن البنيوية أو التفكيكية".

ولم يكن عناني ينظر للحياة والأدب من مرآة واحدة ولم يكن يؤمن بالتصنيفات الجامدة، بحسب تلامذته.

وتقول أستاذة النقد "طبعا الرومانسية والكلاسيكية والمدارس كانت موجودة عندما كنا طلابا.. لكنه كان يشرح لنا أنه لا توجد رومانسية ولا كلاسيكية بحتة، فكان يطلب أن نبحث عن خصائص الرومانسية عند الرومانسيين والرومانسية عند الكلاسيكيين أيضا".

عناني مترجما

خلال 6 عقود تقريبا بين كتابه الأول في ستينيات القرن الـ20 ووفاته في العام الماضي، شهد العالم ثورات هائلة في مجالات الاتصال والانفتاح والعولمة، وكان عناني، بحسب الدكتور خالد توفيق أستاذ الترجمة واللغويات بجامعة القاهرة، سباقا إلى ترجمة كثير من المصطلحات الحديثة التي ولدت من رحم التقلبات العنيفة التي اجتاحت العالم.

يقول توفيق "ألف عناني كتابا اسمه المصطلحات الأدبية، كلها تقريبا ترجماته الشخصية. وكان له كتاب آخر اسمه "تنويعات المفارقة" يتحدث فيه عن أنواع المفارقة وترجماتها. وفي الترجمات الأدبية كان سباقا في ترجمات أعمال كثيرة".

ويضيف توفيق أن عناني دخل بقدمين ثابتتين في مساحة لم يستكشفها كثيرون قبله عندما قام بتعريب مبحث نظريات الترجمة، ويضيف أنه "ترجم النظريات للغة العربية وقربها وسهلها، ويسرها للمتلقي العربي.. ولم يتكلم أحد قبل عن نظريات الترجمة بهذه الطريقة باللغة العربية".

تأثره بالقرآن

يقول الدكتور خالد توفيق إن تأثر عناني بلغة القرآن الكريم واضح بحيث لا تخطئه عين، وإن لغة القرآن تنساب بعذوبة في كل ترجمات عنان تقريبا.

ويضيف "يظهر جدا تأثره بلغة القرآن الكريم في كل ترجماته، فتشعر أن القرآن يدخل رقراقا في كل ترجماته لكل النصوص التي ترجمها تقريبا".

ويشير توفيق إلى أن عناني لم يكن مؤيدا للفصل بين دراسات الترجمة وبين ممارسة الترجمة أو تطبيقها.

وعلى الرغم من تأثر عناني بالقرآن الكريم وفهمه العميق لمعانيه، لم يخض قط تجربة ترجمة معانيه بشكل فردي، وتتفق الدكتورة لبنى مع الدكتور توفيق بشأن أهمية تعرض عناني لترجمة القرآن الكريم، إذ يعتقدان أنه كان الأقدر على نقل معانيه إلى الإنجليزية.

إرث شيخ المترجمين

ترك محمد عناني -الذي لقب بشيخ المترجمين- إرثا هائلا وتنوعت كتاباته في المسرح والشعر، خصوصا والأدب والنقد عموما، ومن مؤلفاته بالعربية كتب "فن الكوميديا" و"في الأدب والحياة" و"قضايا الأدب الحديث" و"المصطلحات الأدبية الحديثة" في النقد واللغة، ومسرحيات "رحلة التنوير" بالاشتراك مع سمير سرحان و"ميت حلاوة" و"الدرويش والغازية" و"الغربان".

وكتب إلى جانب ذلك دواوين وقصصا شعرية منها "أصداء الصمت" و"طوق نجاة" و"حكاية معزة" و"زوجة أيوب"، ورواية وحيدة هي "الجزيرة الخضراء".

وفي مجال الترجمة، كان أهم ما يميز ترجمات عناني هو أنه أبرز نقاط الصعوبة في ترجمة شكسبير وهي ترجمة مستويات الحديث المختلفة، أو ترجمة الشعر شعرا والنثر نثرا، والتجأ أحيانا للغة عامية إذا ما عمد شكسبير إلى استخدام لغة عامية مثلما فعل في ترجمة "حلم ليلة صيف"، فكان يترجم حديث بعض الشخصيات إلى العامية المصرية، ويترجم حديث البعض الآخر ترجمة فصحى بليغة.

وترجم من العربية إلى الإنجليزي أعمال عميد الأدب العربي طه حسين، فبدأها بترجمة "الوعد الحق" إلى رواية "خطبة الشيخ"، وكان كتاب "على هامش السيرة" هو آخر ما ترجم عناني من أعمال عميد الأدب العربي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: القرآن الکریم

إقرأ أيضاً:

الرابطة القلمية: كيف غيّر ميخائيل نعيمة وجه الأدب العربي؟

في مطلع القرن العشرين، شهد الأدب العربي تحولًا جذريًا بفضل أدباء المهجر، الذين سعوا إلى تحريره من قيوده التقليدية وفتح آفاق جديدة للإبداع. كان ميخائيل نعيمة أحد أبرز هؤلاء الأدباء، ولعب دورًا محوريًا في تأسيس الرابطة القلمية، التي جمعت تحت رايتها نخبة من المفكرين والشعراء، وعلى رأسهم جبران خليل جبران. لم تكن الرابطة مجرد تجمع أدبي، بل كانت ثورة فكرية غيرت مسار الأدب العربي الحديث.

ولادة الرابطة القلمية: الحاجة إلى التجديد

تأسست الرابطة القلمية في نيويورك عام 1920، كرد فعل على الجمود الذي كان يسيطر على الأدب العربي في ذلك الوقت. رأى أعضاؤها أن الأدب العربي بحاجة إلى التحرر من الأساليب التقليدية واللغة الخطابية، والبحث عن تعبير أكثر صدقًا وعاطفية يتماشى مع التحولات العالمية. كان ميخائيل نعيمة المنظّر الفكري للرابطة، حيث وضع لها إطارًا نقديًا يستند إلى البساطة والوضوح والتعبير عن المشاعر بعمق بعيدًا عن الزخرفة اللغوية المفرطة.

دور ميخائيل نعيمة في تطوير الأدب العربي

لم يكن نعيمة مجرد عضو في الرابطة، بل كان ناقدها الأول، حيث أصدر كتابه الشهير “الغربال”، الذي حمل رؤى نقدية غير مسبوقة، دعا فيها إلى غربلة الأدب العربي من الأساليب القديمة والمفاهيم التقليدية. رفض الأسلوب البلاغي الزائد، ورأى أن الأدب يجب أن يكون انعكاسًا صادقًا للحياة والمشاعر الإنسانية.


الرابطة القلمية وتأثيرها على الأدب الحديث

تحرر الشعر: أسهمت الرابطة في تحرير الشعر العربي من القافية والوزن التقليدي، مما مهد لاحقًا لظهور الشعر الحر.

بساطة النثر: تأثرت الكتابة النثرية بأسلوب نعيمة، حيث أصبحت أكثر سلاسة وأقرب إلى القارئ العادي.

دمج الفلسفة بالأدب: تجلت أفكار نعيمة الروحية والفلسفية في أعمال الرابطة، ما أضفى عمقًا فكريًا على النصوص الأدبية.

هل ما زالت أفكار الرابطة القلمية حاضرة اليوم؟

على الرغم من انتهاء الرابطة رسميًا عام 1931، إلا أن تأثيرها ما زال حاضرًا في الأدب العربي المعاصر. فقد فتحت الطريق أمام التجديد والتجريب، وألهمت أجيالًا من الأدباء للبحث عن صوتهم الخاص بدلًا من اتباع القوالب الجاهزة. واليوم، لا يزال ميخائيل نعيمة يُقرأ كأحد أعمدة الحداثة الأدبية، حيث شكلت أفكاره الأساس للكثير من التطورات التي شهدها الأدب العربي في القرن العشرين.

مقالات مشابهة

  • الأدب الإماراتي يضيء بلغات أخرى
  • 40 متسابقا من كفر الشيخ يخوضون تصفيات مسابقة الأزهر لحفظ القرآن غدا
  • الرابطة القلمية: كيف غيّر ميخائيل نعيمة وجه الأدب العربي؟
  • اتلانتك: كيف يمكن لترامب أن يحبط تهريب الأسلحة عبر البحر الأحمر من قبل الحوثيين (ترجمة خاصة)
  • عروض فنية ومسابقات في احتفال جامعة القاهرة باليوم الثقافي الياباني
  • تحية كاريوكا فنانة برتبة مناضلة.. رشوان توفيق يكشف سر لا يعرفه الناس
  • سميرة محسن: «توفيق الدقن كان هيخنقني وسميحة أيوب أنقذتني»
  • رئيس جامعة الأزهر: التشبيه في القرآن الكريم ليس إلحاق الناقص بالكامل «فيديو»
  • ذكرى رحيل محمد رضا.. أحب المسرح وأصبح أشهر معلم بالسينما المصرية
  • متخصصون وأكاديميون يناقشون الركائز العلمية في مجال التراث