العملية البرية بغزة.. جزء من الحلّ أم الأزمة بالنسبة لإسرائيل؟
تاريخ النشر: 3rd, January 2024 GMT
بدأت إسرائيل نهاية تشرين الأول/ أكتوبر الماضي عدوانها وعمليتها أو مناورتها البرية في قطاع غزة حسب تعبير قائد المنطقة الجنوبية لجيش الاحتلال الجنرال يارون فينكلمان، علما أن الدولة العبرية تحاشت لنحو من عشر سنوات الدخول أو التورّط البري في القطاع بعد الثمن الباهظ الذي دفعته بعد آخر تجربة بحرب العام 2014، وانسجاما مع عقيدة رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو الأمنية لإبقاء الوضع الراهن -الحصار وعزل غزة عن فلسطين والعالم- كما لتأبيد الانقسام مع الضفة باعتباره مصلحة استراتيجية للدولة العبرية.
في استطلاع للرأي أواخر الشهر نفسه قال ثلثا الإسرائيليين إنهم يؤيدون العملية البرية في غزة، فيما بدا تعبيرا عن معطيات عدة؛ أهمها بالطبع صدمة طوفان عملية الأقصى في 7 تشرين الأول/ أكتوبر والرغبة العارمة في الانتقام، خاصة مع إعلان الحرب بشكل رسمي واستدعاء مئات الآلاف من جنود الاحتياط، وتجند الدولة كلها للحرب.
رغم إلقاء آلاف أطنان من القنابل والصواريخ على غزة وقتل وإصابة عشرات الآلاف في المرحلة الأولى من الحرب -الجوية- إلا أن الرغبة بالانتقام لم تخمد عند الإسرائيليين أمام صدمة مشاهد طوفان الأقصى، والقول بأنهم جربوا الغارات الجوية الساحقة من قبل وهي وحدها غير كفيلة بالقضاء على حماس وإسقاطها وإزاحتها من السلطة وفق الهدف المعلن للحكومة الإسرائيلية وكابينيت "مجلس الحرب" بإطاريه المصغر والموسع.
مبدئيا، بدت العملية البرية حتمية منذ اليوم الأول مع إعلان الحرب بشكل رسمي وتجنيد مئات آلاف جنود الاحتياط ووضع نصف مليون جندي بين نظامي واحتياط على أهبة الاستعداد، والشلل الاقتصادي شبه التام في الدولة، والأمر لم يكن للاستعراض فقط كما أن إعلان الحرب نفسه بدا لافتا وذا دلالة، وهو يحدث للمرة الأولى منذ حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، علما أن حرب 2006 في لبنان تم اعتبارها كذلك بأثر رجعي وبناء على تحقيقات لجنة فينوغراد.
قبل الغوص عميقا في العملية البرية -بمراحلها المختلفة- وحيثياتها وأهدافها ومعوقاتها، لا بد من لفت الانتباه إلى معطيين جوهريين؛ أولهما أن إعلان الحرب وتحديد إسقاط حماس وسلطتها كهدف لها يتناقضان مع عقيدة نتنياهو القتالية القائلة بعدم الحسم العسكري تجاه غزة لإبقاء الوضع الراهن على حاله ووأد العملية السياسية والمفاوضات بما في ذلك حلّ الدولتين، ضمن نظرية إدارة الصراع بأقل تكلفة ممكنة حتى مع جولات ومعارك قتالية كل عدة سنوات ضد غزة بحيث لا ترتقي إلى الحرب بالمعنى الحقيقي للكلمة.
أما المعطى الآخر فهو كون عملية طوفان الأقصى والحرب هدمت كذلك عقيدة المؤسس دافيد بن غوريون الأمنية الثلاثية المتمثلة بردع الأعداء عن مهاجمة إسرائيل والحسم السريع بحرب قصيرة، مع إبعاد الحرب عن العمق الأمني الإسرائيلي وخوضها في أراضي الأعداء.
وبالعودة إلى موضوع المقال، فقد اعتقدت منذ صباح7 تشرين الأول/ أكتوبر أن سؤال العملية البرية هو متى وكيف لا هل، بمعنى أنها باتت محسومة أمام التجييش لاستعادة الردع والحسم والنصر الحاسم، ونقل المعركة إلى أرض العدو التي هي بكل الأحوال في فلسطين المحتلة نفسها، ومع استحالة إبعادها عن العمق الأمني للمدن والتجمعات الاستيطانية في الأراضي المحتلة عام 1948، علما أن هذا حدث ولو نسبيا وجزئيا منذ الانتفاضة الأولى 1978 والثانية 2000 ثم المقاومة الشعبية والمسلحة في الضفة، وحتى الجولات القتالية التي استهدفت فيها صواريخ غزة الأراضي والتجمعات الاستيطانية بالأراضي المحتلة عام 1948.
في السياق نفسه، كان لقاء مجلس الحرب المصغر جدا مع الرئيس الأمريكي جو بايدن في بداية الحرب لافتا جدا، حيث سمع هذا الأخير مرافعات استراتيجية وتكتيكية عن العملية البرية وضرورتها الملحة لاسترداد الردع ولوجود الدولة العبرية نفسها ودورها في المنطقة كقاعدة متقدمة لأمريكا والغرب، كما لسيرورة التطبيع والعلاقات المتنامية مع الدول العربية.
مع الوقت وخلال الفترة الماضية شهدنا تلاعبا بالألفاظ تجاه أهداف العملية أو المناورة البرية من القادة الإسرائيليين فيما يخص القضاء على حماس وإسقاطها، حيث يجري الحديث عن تفكيك وتدمير البنى والقدرات العسكرية والسلطوية للحركة؛ حيث لا إمكانية للقضاء عليها نهائيا كتنظيم أيديولوجي يسكن القلوب والعقول حسب تعبير الجنرال أهود باراك (نابليون إسرائيل) الذي لا يثق بجدارة نتنياهو لإدارة الحرب. ولذلك بدا متحمسا جدا لانضمام تلامذته رؤساء الأركان السابقين بيني غانتس وإيتان إيزنكوت إلى الحكومة، وتحديدا كابينيت الحرب المصغر الذي يضمهما، إضافة إلى نتنياهو ووزير دفاعه يواف غالانت ووزير الشؤون الاستراتيجية -وزير الخارجية الفعلي- رون دريمر مع إقحام لافت وذي مغزى أحيانا لزعيم شاش أرييه درعي كممثل للمتدينين؛ بحجة أنه عقلاني أو براغماتي بالمعنى الإسرائيلي طبعا.
في السياق، لا بد من التوقف قليلا عند إيزنكوت، آخر رئيس أركان انتقل إلى السياسة ويُعتبر الآن أحد أهم المفكرين الاستراتيجيين في الدولة العبرية، وهو صاحب عقيدة غزة المتضمنة استخدام القوة الجوية والصاروخية الساحقة ضد المواطنين العزّل والبلدات المكتظة بالسكان، مع اعتبارها تحديثا ولو جزئيا لعقيدة بن غوريون التقليدية، علما أن إيزنكوت مؤمن بوجوب إسقاط حماس؛ لا التغاضي عن سلطتها حسب عقيدة نتنياهو بحجة الحفاظ على الأمر الواقع والانقسام بين مع الضفة الغربية، كما دعا دوما إلى استئناف عملية التسوية والمفاوضات وفق حل الدولتين المقبول فلسطينيا وعربيا وإقليميا ودوليا، ولكنه مثل رئيسه الحالي وقائده السابق غانتس يتحدث عن كيان فلسطيني "ما" أقل من دولة وأكبر من حكم ذاتي من زاوية مصلحة إسرائيل الحيوية؛ كون هذا الحل لا يفقدها يهوديتها أو ديمقراطيتها حسب تعبير معلمه الآخر أهود باراك، علما أن هذا الحلّ أو التعبير -أكثر من حكم ذاتي وأقل من دولة- يملك نتنياهو حقه الحصري قبل أن يتخلى عنه لصالح إدارة الصراع وفق الواقع الراهن.
من الأسباب التي دعمت العملية البرية كذلك، الدعم الدولي الواسع لإسرائيل، والنافذة السياسية الزمنية المفتوحة والتي سعت الدولة العبرية لاستغلالها، ومحاولة تحقيق إنجاز أو صورة نصر ما مع اليقين بأن تلك النافذة ستضيق مع الوقت وصور الفظائع الآتية من غزة.
من الأمور المهمة أيضا، طبيعة العملية أو المناورة البرية ومراحلها كما أسماها قائد المنطقة الجنوبية لجيش الاحتلال، وقدّم غالانت صورة عنها أمام لجنة الخارجية والأمن البرلمانية في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، حيث تحدث عن ثلاث مراحل للحرب البرية؛ أولا توغل مصاحب للغارات الجوية في المناطق الحدودية المفتوحة (27 تشرين الأول/ أكتوبر) وتدمير الأنفاق في المنطقة، والمرحلة الثانية (6 تشرين الثاني/ نوفمبر) تنفيذ توغل أعمق والقتال داخل المناطق الحضرية الكثيفة شمال غزة وجنوبها؛ تحديدا مدينة خان يونس.
أما المرحلة الثالثة الأخيرة فتشمل نصب حاجز عسكري في منطقة وادي غزة والانكفاء لعمق 2-3 كلم، لإقامة منطقة عازلة أو حزام أمني داخل غزة نفسها، أي منطقة أمنية مفتوحة لتأسيس نظام أمني جديد حسب تعبير غالانت، بينما قال الجنرال بينى غانتس إنه سيكون مشابها لما يجرى في الضفة الغربية؛ أي سيطرة أمنية تامة وتوغلات واجتياحات محددة زمنيا ومكانيا.
قال الوزير من حزب غانتس وإيزنكوت، الليكودي السابق جدعون ساعر، إن الهدف النهائي سيكون تقليص مساحة غزة وجباية ثمن جغرافي كعقاب للتجرؤ على مهاجمة إسرائيل، وجعل التفاوض أسهل بعد وقف إطلاق النار.
أما استعادة الأسرى فتبدو صعبة وحتى مستحيلة مع تنفيذ جيش الاحتلال "برتوكول" هانيبال منذ اليوم الأول للحرب، وكما قال أبو الناطق باسم كتائب عز الدين القسام، أبو عبيدة، فقد أدت الغارات الإسرائيلية إلى مقتل عدد من الأسرى مع حراسهم من المقاومين.
وبالعموم، هدفت العملية البرية ولا تزال إلى تهدئة الغضب الداخلي، وإشباع غريزة الدم والانتقام في الشارع الإسرائيلي، والتفاوض من مركز قوة عند توقف إطلاق النار بعد أسابيع أو شهور أو حتى سنوات كما قال بينى غانتس.
أما التأخير في تنفيذها -ثلاثة أسابيع- فيعود لأسباب عسكرية وسياسية، حيث لم يكن الجيش جاهزا فعلا من الناحية اللوجستية واحتاج أسبوعين على الأقل لإعلان أو ادعاء جهوزيته، بينما تدخلت الولايات المتحدة للتأجيل بعد ذلك لإعطاء فرصة أفضل أمام إطلاق سراح المحتجزين المدنيين -النساء والأطفال والشيوخ- كما لنشر مزيد من المنظومات التسليحية والعسكرية في المنطقة تحسبا لانضمام جهات أو دول أخرى إلى الحرب.
وبالتأكيد، واجهت العملية ولا تزال مقاومة شرسة وتكتيكات ومفاجآت من قبل المقاومة خاصة في مرحلتها الثانية، ما أدى إلى إطالتها. وعمليا، شهدت تورط جيش الاحتلال في وحول غزة مع خسائره العالية التي لا يمكن إخفاؤها؛ ما مثّل سبب أو أحد أسباب استعداد الجيش ومجلس الحرب للانتقال إلى المرحلة الثالثة في كانون الثاني/ يناير القادم، ناهيك عن الضغوط الأمريكية في ظل استمرار المجازر والفظائع الإسرائيلية التي لم يعد بالإمكان تغطيتها أو الدفاع عنها أمام الرأي العام الأمريكي والعالمي.
وبالعموم، تبقى أو تتمثل معضلة العملية البرية الأساسية بسؤال صباح اليوم التالي، حيث لم تتم بلورة أهداف محددة أو تقديم إجابات جدية للإدارة الامريكية والمجتمع الدولي، حيث قال نتنياهو إنه لا أحد يفكر بإعادة احتلال غزة وحكم أكثر من مليوني مواطن فلسطيني مرة أخرى، كما أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن نفسه عن رفضه إعادة الاحتلال، مع التفكير في رعاية (وصاية) الأمم المتحدة بحضور عربي إقليمي -مصري وأردني وقطري وتركي- تمهيدا لعودة السلطة الفلسطينية بعد فترة انتقالية لأسابيع أو شهور، بحيث يجري التنسيق مع الدول العربية لا الاحتلال الإسرائيلي، وهذا لا يمكن أن يتم دون أفق سياسي جديّ للقضية الفلسطينية بعيدا عن التذاكي والتلاعب بالألفاظ، حيث لا إمكانية لاستمرار السياسة السابقة، ودفن الرؤوس بالرمال تجاه غزة، وتجاهل القضية الفلسطينية وكنسها عن جدول الاعمال الإقليمي والدولي.
في النهاية، لا بد من العودة إلى حديث غالانت أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، والتذكير بأن نتنياهو لم يُرد أبدا التورط بالعملية البرية كونها ليست نزهة مع مئات القتلى وآلاف المصابين من جنوده وآلاف الشهداء الفلسطينيين، واستمرارها أسابيع طويلة بأثمان اقتصادية باهظة على الدولة العبرية حتى مع الدعم الأمريكي الواسع، ناهيك عن الهدف الصعب وحتى المستحيل بالقضاء على حماس عسكريا وسلطويا واستحالة هزيمة فلسطيني ينتقل حافيا من نفق إلى آخر –حسب تعبير يديعوت أحرونوت في 29 كانون الأول/ ديسمبر- واليقين بأن غزة لن تغرق في البحر وستبقى ثقبا في رأس الاحتلال إلى حين التوصل إلى حل عادل للقضية يرتضيه أصحابها، سواء كان حل الدولتين أو الدولة الواحدة، مع ارتفاع معدلات الهجرة العكسية وعودة السؤال الوجودي إلى إسرائيل؛ حيث قال وزير الدفاع وآخرون إن العملية البرية ضرورية لوجود الدولة العبرية وأمنها، و"إما نحن أو حماس" حسب تعبير غالانت الحرفي، بينما قدم باراك من جهته إجابة ولو غير مباشرة على كلام وزير الدفاع الذي عجز عن أن يكون رئيس أركان قبل سنوات إثر رفض النخبة العسكرية لذلك؛ تشكيكا بقدراته وملاءمته للمنصب.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه إسرائيل غزة نتنياهو حماس إسرائيل حماس غزة نتنياهو طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الدولة العبریة العملیة البریة تشرین الأول إعلان الحرب علما أن
إقرأ أيضاً:
هآرتس: نتنياهو يقامر بالجيش والأسرى بشن الحرب على غزة
قالت صحيفة هآرتس إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يقامر بإعادة الحرب على غزة مستفيدا من الرياح الداعمة التي يوفرها له الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والانحسار النسبي للضغوط الداخلية التي كانت تكبح جماح حكومته سابقا.
وأكد المحلل العسكري للصحيفة عاموس هرئيل، الذي ناقش السياسات الأخيرة لحكومة نتنياهو، أن الجيش الإسرائيلي لا يمتلك الإمكانيات لشن هذه الحرب، فيما يطالب الشعب بتحرير الأسرى قبل اتخاذ هذه الخطوة، وحذر نتنياهو من "المقامرة بمصير الرهائن وجنوده ومستقبل المنطقة بأسرها".
ويقول هرئيل إن أحد أبرز الأمثلة على توجهات نتنياهو هذه يتمثل في المفاوضات حول صفقة الأسرى. ففي حين زعمت الحكومة الإسرائيلية أن (حركة المقاومة الإسلامية) حماس رفضت مقترحا أميركيا لتمديد وقف إطلاق النار، فإن الحقيقة وفقًا لهرئيل، أن إسرائيل هي التي انتهكت الاتفاق. فهي لم تلتزم بالانسحاب من محور فيلادلفيا، ولم تتوقف عن الأعمال العدائية، كما أنها غير مستعدة للانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، التي تتضمن إفراجا إضافيا عن أسرى فلسطينيين.
وبعد ساعات من إعلان مكتب نتنياهو عن رفض حماس للاتفاق، قررت إسرائيل وقف إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وهي خطوة، حسب هرئيل، من شأنها إثارة انتقادات دولية، خاصة مع دخول شهر رمضان. ومن المتوقع أن تتهَم إسرائيل بمحاولة "تجويع" المدنيين في القطاع، وهو ادعاء يتزايد صداه مع تنامي الغضب الدولي من تداعيات الحرب.
إعلانويرى المحلل العسكري أن الوسطاء العرب، مثل مصر وقطر، يفقدون صبرهم تجاه المماطلة الإسرائيلية. ويقول إن "مصر غاضبة بسبب الإخلال بالالتزام بشأن محور فيلادلفيا الذي توليه أهمية كبيرة لمصالحها. ويبدو أيضا أن القطريين بدؤوا يشعرون بالملل من مهمة الوساطة برمتها".
وفي المقابل، يشير المحلل العسكري إلى قوة الدفع التي تقدمها إدارة ترامب لحكومة نتنياهو، من خلال الاقتراح الذي قدمه المبعوث الأميركي ستيفن ويتكوف لتمديد وقف إطلاق النار حتى 19 أبريل/نيسان، ليشمل إطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين على مرحلتين، مقابل إفراج إسرائيل عن أسرى فلسطينيين بشروط لم تُحدد بعد.
الجيش سيتكبد خسائر فادحةوفيما يعتبر أن محاولة دفع حركة حماس لرفض المقترح منحت نتنياهو ذريعة إضافية لاستئناف العمليات العسكرية، فإنه يسلط الضوء في المقابل على أن عودة القتال ستكون على حساب حياة الأسرى الإسرائيليين، الذين سيظل بعضهم محتجزا في أنفاق غزة لفترة أطول، بينما قد يُقتل آخرون خلال العمليات العسكرية.
كما يلفت الانتباه إلى حقيقة مهمة، وهي أن الجيش الإسرائيلي قد يتكبد خسائر كبيرة إن أعاد شن الحرب، إذ يُعتقد أن حماس استغلت فترة الهدنة لتعزيز دفاعاتها وتجهيز قواتها.
ويقول هرئيل في هذا السياق "إن الطموحات الإمبريالية التي أشعلها ترامب في نتنياهو وغيره من المسؤولين الإسرائيليين تتعارض مع قضية أخرى، هي أن الجيش الإسرائيلي أصغر حجما من أن يتحمل عبء المهام والجبهات التي يجري النظر فيها الآن. وينبغي لأي شخص يفكر في الاستيلاء على أراض إضافية واستئناف القتال على جبهات إضافية أن يأخذ في الاعتبار أيضا القيود المفروضة على ترتيب قوات جيش الدفاع الإسرائيلي".
ويضيف "بعد القتلى والجرحى والأضرار النفسية التي عانى منها الجيش خلال 16 شهرا من الحرب، فإنه يفتقر إلى القوة البشرية التي تعادل لواءين. وهذا قبل أن نبدأ الحديث عن الأزمة الهائلة التي تعيشها وحدات الاحتياط، التي كان أفرادها يتعاملون مع حجم عمل غير مسبوق خلال هذه الفترة.
إعلان مقامرة بالجيش والأسرىوبالإضافة إلى الحسابات العسكرية، يبدو أن لنتنياهو اعتبارات سياسية داخلية تدفعه نحو التصعيد. فهو يسعى إلى تمرير ميزانية الدولة دون أزمات، وإنهاء الدورة الشتوية للكنيست دون انهيار حكومته، خاصة مع تزايد الضغوط من التيار الصهيوني الديني الذي يحاول فرض إملاءاته على إدارة الحرب.
ووفقًا لهرئيل، فإنه على الرغم من معارضة بعض العائلات الإسرائيلية التي تحتجز حماس أبناءها، فإن حكومة نتنياهو مستعدة للمضي قدما في هذه السياسة المغامِرة، كما أن حزب الليكود وحلفاءه يقدمون هذه السياسة لجمهورهم على أنها لحظة حاسمة في تاريخ إسرائيل، حيث لم تعد الدولة تتردد في اتخاذ خطوات هجومية، حتى لو أدى ذلك إلى السيطرة على مزيد من الأراضي الفلسطينية.
كما يرى المحلل العسكري أن "أي عملية عسكرية جديدة في غزة ستؤدي إلى تصعيد أوسع، قد تشمل حزب الله في لبنان، الذي لوح بتوسيع نطاق المواجهة إذا استمرت الاعتداءات الإسرائيلية. كما أن التوتر في الضفة الغربية يتزايد، مع تصاعد عمليات الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، مما يرفع مستوى الغليان في الأراضي المحتلة".
ومن ناحية أخرى، يتساءل هرئيل عن تأثير السياسات الإسرائيلية على مصداقيتها في المنطقة، حيث تعمل في غزة أو لبنان دون اعتبار للاتفاقات السابقة، ولا يزال الجيش الإسرائيلي متمركزا في 5 نقاط داخل لبنان، بدعم أميركي، رغم الجدول الزمني المحدد للانسحاب.
أما في سوريا، فيشير هرئيل إلى أن إسرائيل استغلت انهيار النظام السوري جزئيا في بعض المناطق للسيطرة على شريط حدودي في الجولان. ويبدو أن ترامب أعرب عن استغرابه في محادثات مع نتنياهو من عدم استغلال إسرائيل للوضع لتوسيع سيطرتها أكثر.
ويحذر المقال من أن الدعم الأميركي للاعتداءات الإسرائيلية قد لا يكون غير مشروط، خاصة إذا زادت الانتقادات داخل الكونغرس الأميركي، حيث يبدي بعض الديمقراطيين استياء متزايدا من السياسات الإسرائيلية. كما أن دولا أوروبية بدأت تلوح بفرض عقوبات اقتصادية على تل أبيب إذا استمرت الحرب وتفاقمت الأزمة الإنسانية في غزة.
إعلانولذلك فهو يخلص إلى أنه، وفي ظل هذه المعطيات، فإن "قرار نتنياهو بشن الحرب يظل محفوفا بالمخاطر، ليس فقط على الصعيد العسكري، بل أيضا على مستوى علاقاته مع واشنطن ومكانة إسرائيل الدولية، التي أصبحت محل تساؤلات متزايدة في الأوساط الدبلوماسية العالمية".
كما يختم مقاله بالقول "من يريد الانطلاق في حملات جديدة فمن الأفضل له أن يستفسر مسبقا عما إذا كان الجيش والشعب يدعمانه".