طهران- على نقيض ما أرادته إيران لعام 2024 في أن يكون مختلفا عما سبقه، فإن السنة الجديدة أعادت لأذهان الإيرانيين ذكرى يوم الثالث من يناير/كانون الثاني 2020 تاريخ اغتيال القائد السابق لفيلق القدس الجنرال قاسم سليماني بغارة أميركية على طريق مطار بغداد.

وبعد مرور أسبوع فقط على اغتيال إسرائيل كبير المستشارين العسكريين الإيرانيين في سوريا الجنرال رضي موسوي، يتلقى الإيرانيون -وهم يحيون الذكرى الرابعة لاغتيال سليماني- نبأ اغتيال الاحتلال صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، المعروف بقربه من القيادة الإيرانية كونه يمثل همزة وصل بين حلقات محور المقاومة في لبنان.

وسرعان ما أدانت السلطات الإيرانية بشدة "الجريمة الإسرائيلية التي تنم عن فشل تل أبيب في تحقيق أي من أهدافها في عدوانها على غزة"، وحذرت على لسان المتحدث باسم الخارجية ناصر كنعاني من أن "دماء الشهيد ستشعل جذوة المقاومة لقتال الصهاينة المحتلين في ربوع المنطقة"، محملا "الكيان الصهيوني وداعميه تبعات المغامرة الجديدة".

 

 

"خطأ إستراتيجي"

وفي حين ندد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان "بالعملية الإرهابية الجبانة"، اعتبر وزير الدفاع الإيراني العميد محمد رضا أشتياني اغتيال العاروري "خطأ إستراتيجيا سيوتر المنطقة، وسترتد عواقبه على الأميركيين".

ورأى علي أكبر ولايتي مستشار مكتب المرشد الإيراني الأعلى للشؤون الدولية، أن "الولايات المتحدة وحلفاءها هم المرتكبون الرئيسيون لهذه الجرائم في المنطقة"، متوعدا "أن فصائل المقاومة والشعب الفلسطيني الشجاع والمنادي بالحرية سيردون على جرائم الاغتيال".

يرى الباحث الإستراتيجي، علي رضا تقوي نيا، أن إسرائيل أقدمت على اغتيال العاروري لتخفيف الضغوط المتراكمة على حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو جراء عدم تحقيقها أيا من أهداف العملية البرية على قطاع غزة، ومصادرة تداعيات قرار المحكمة العليا الإسرائيلية بإلغاء أحد البنود الرئيسية في قانون حكومة اليمين المتطرف للإصلاح القضائي المثير للجدل.

وقال الباحث الإيراني -للجزيرة نت- إن نتنياهو يسعى لإطالة أمد الحرب الجارية حتى الانتخابات الأميركية المقبلة ظنا منه أن يفوز فيها الرئيس السابق دونالد ترامب ويتحرك لإنقاذه من مستنقع غزة وإبقائه في السلطة.

وأضاف تقوي نيا أن تل أبيب تخشى أن تتخلى الإدارة الأميركية الحالية عنها، لا سيما بعد قرار واشنطن سحب مجموعة حاملة الطائرات "يو إس إس جيرالد فورد" من شرقي البحر المتوسط إلى ميناء فيرجينيا الأميركي، ما برّر لها مغامرتها الأخيرة لإبقاء حلفائها الغربيين إلى جانبها في الشرق الأوسط.

"أكبر شخصية حمساوية"

وكان الشهيد العاروري "أكبر شخصية حمساوية يمكن ليد الغدر الإسرائيلية أن تصلها في الخارج"، وفق الباحث الإيراني الذي لخص أهداف إسرائيل من عملية الاغتيال كالتالي:

تسجيل انتصار على صعيد المعركة ضد حركة حماس وتقويض قدراتها، لاسيما وأن العاروري يُعرف كونه مهندس عملية "طوفان الأقصى". القضاء على العاروري باعتباره المنسق الأساس بين حماس وإيران وحزب الله. القضاء على المساعي الرامية إلى تنظيم المقاومة الشعبية في الضفة الغربية.

من ناحيته، يقرأ الأكاديمي الباحث في الشؤون الإستراتيجية صلاح الدين خديو اغتيال العاروري في سياق احتدام التوتر الناجم عن العدوان الإسرائيلي على غزة وتصاعد احتمالات توسيع رقعته وتحوله إلى حرب إقليمية، واصفا الجريمة بأنها "عودة إسرائيلية إلى سياسة الاغتيالات بحق قادة حماس الكبار التي كانت مجمدة طوال عقدين".

وفي حديثه للجزيرة نت، يوضح خديو أن حدة التوتر في المنطقة قد بلغت مستويات خطيرة، لا سيما على جبهتي جنوب لبنان والبحر الأحمر، مضيفا أن تل أبيب اعتادت خلال السنوات الماضية على تصدير أزماتها الداخلية إلى الساحة اللبنانية من خلال القصف والتفجير وزعزعة الاستقرار هناك.

ورأى خديو أن "موقف الكيان الإسرائيلي، من أن عمليته الأخيرة موجهة ضد حماس فحسب وليس حزب الله والدولة اللبنانية"، يهدف لعدم استفزاز المقاومة اللبنانية، مؤكدا أن التصعيد الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية معقل حزب الله لا يمكن أن يمر مرور الكرام على الحزب الذي سبق وتوعدت قادته برد قوي على أي اغتيال على الأراضي اللبنانية.

 

 

طبيعة الرد

واعتبر المتحدث ذاته أن عملية الاغتيال تضع حزب الله على مفترق طرق، إما أن يقدم على رد عنيف في العمق الإسرائيلي، ويتقبل تداعيات الرد، ومنها احتمال توسعة الحرب ووصولها إلى الأراضي اللبنانية، أو يتريث في الثأر على غرار اغتيال القياديين عماد مغنية ومصطفى بدر الدين ويخسر موازنة القوة التي فرضها خلال العقدين الأخيرين.

ولدى إشارته إلى أن إسرائيل كانت قد استهدفت مغنية وبدر الدين في سوريا وليس في العاصمة اللبنانية، يعتقد خديو أن عدم الانتقام للعاروري قد يحفز تل أبيب على اغتيال مزيد من قادة حزب الله في الضاحية الجنوبية.

وتوقع الأكاديمي الإيراني أن يتخذ حزب الله سبيلا وسطا للرد على اغتيال العاروري بحيث لا يستدعي هجوما إسرائيليا شاملا على الأراضي اللبنانية.

ويشاطر الباحث الإستراتيجي علي رضا تقوي نيا تحليل خديو بشأن حتمية رد المقاومة على اغتيال العاروري، لكنه يعتقد أن مواصلة المعركة الراهنة واستنزاف قدرات إسرائيل وتكريس هزيمتها من قبل حماس "كافية لوضعها على سكة الانهيار التدريجي وتقريب زوالها".

أما على منصات التواصل الاجتماعي، فقد تفاعل الإيرانيون على نطاق واسع مع اغتيال العاروري، وذهبت شريحة منهم إلى أن جريمة الاغتيال -بالتزامن مع المفاوضات الرامية للتوصل إلى هدنة إنسانية في غزة- إنما تظهر قبول تل أبيب بالهزيمة ومحاولاتها لتسجيل انتصار ولو خارج القطاع.

وفي حين قرأت بعض الأوساط الإيرانية اغتيال العاروري محاولة إسرائيلية لاستدراج حزب الله إلى المعركة بعد فشل حكومة نتنياهو في استدراج إيران عبر اغتيال رضي موسوي الأسبوع الماضي في دمشق، ذكّر بعض المغردين بضرورة تنفيذ الأوامر التي أصدرها المرشد الأعلى علي خامنئي بضرورة قطع تدفق الطاقة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة.

 

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: على اغتیال العاروری حزب الله تل أبیب

إقرأ أيضاً:

الغارديان: اغتيال نصر الله وضع الرئيس الإيراني أمام ضغوط المتشددين الإيرانيين

 تواجه إيران قرارات مصيرية بعد الهجوم الإسرائيلي على حزب الله اللبناني، بينما يواجه الرئيس الإيراني مسعود بزكشيان نفسه ضغوطا داخلية، وسط تصاعد المخاطر في المواجهة المباشرة مع الطرفين. 

وقال الرئيس بزكشيان إن حكومته ليس لديها خطط لإرسال قوات لدعم حزب الله في لبنان، لكنها تتعرض لضغوط محلية من "التيار المتشدد الداعي لاستغلال ما يرونه الفشل في الوقوف بوجه إسرائيل ويأملون بعرقلة الحوار مع الغرب بشأن الرقابة على برامج إيران النووية".

وقالت صحيفة "الغارديان" في تقرير لها إن هذه "الدعوات زادت لموقف أكثر تشددا بعد الكشف عن مقتل الجنرال عباس نيلفوروشان، قائد الحرس الثوري في سوريا ولبنان بالغارة التي أدت لمقتل زعيم حزب الله، حسن نصر الله ليلة الجمعة".

وأضافت الصحيفة أن "التوتر وصل في إيران لهذه الدرجة حيث وجهت اتهامات لبعض المحافظين بأنهم يقومون بخلق جو سام على منصات التواصل الإجتماعي وتشويه تعليقات للرئيس بزكشيان والمتحدث باسمه والتي بدت بأنها غير داعمة لمحور المقاومة".


وأكدت أن "الخط الرسمي للحكومة بأنه يجب تجنب الحرب المباشرة بين إيران وإسرائيل ولأنها ستكون في مصلحة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يريد جر الولايات المتحدة إلى الحرب مع طهران، لكن يجب عدم ترك حزب الله ليواجه الحرب بنفسه، وهذا هو الموقف الذي كرره بزكشيان في نيويورك الأسبوع الماضي وقبل مقتل نصر الله". 

وبنفس السياق، تعهد المتحدث باسم وزارة الخارجية ناصر الكناني يوم الاثنين قائلا إن "أفعال إسرائيل لن تمر دون رد"، مضيفا إنه "لا توجد حاجة لنشر قوات إيرانية مساعدة أو متطوعة، لأن الحكومتين اللبنانية والفلسطينية لديها القدرة على مواجهة العدوان الإسرائيلي".

وأشارت الصحيفة إلى أن بزشكيان "لا يزال يشعر بالإستياء نظرا لعدم وفاء الولايات المتحدة لتعهداتها التي قطعتها له عبر وسطاء بأنه إن لم يهاجم إسرائيل انتقاما لمقتل رئيس المكتب السياسي  لحركة حماس، إسماعيل هنية في طهران، نهاية شهر تموز/ يوليو فسيوقع الإسرائيليون على اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة".

وأضافت "زعم المتشددون في البرلمان، مثل حسين أمير صابتي، مستشار سعيد جليلي، أحد المرشحين الذين هزمهم بزشكيان في الانتخابات الرئاسية، أن شخصا ما عصى أمرا للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي ولم ينتقم لمقتل هنية. وزعم أن ضبط النفس الذي مارسته طهران أعطى إسرائيل الضوء الأخضر لقتل نصر الله. وتساءل: "لماذا يدفع 80 مليون إيراني وجبهة المقاومة ثمن سذاجة مجموعة من الناس؟". 

ولقد دفعت هذه الاتهامات نجل الرئيس للرد دفاعا عن والده، قائلا إن حكومته لن تعصي أبدا أمر المرشد الأعلى. 

ومن غير المؤكد ما إذا كان هناك شخص لديه السلطة لتقديم مثل هذا العرض إلى طهران ويتضمن وعدا بوقف إطلاق النار، ولكن الإقتتال الداخلي الحالي يكشف عن القلق السياسي بشأن الكيفية التي قد تتمكن بها إيران من استعادة قوة الردع ضد "إسرائيل". 

ومن المتوقع أن يدعو جليلي في خطاب له نهاية هذا الأسبوع إيران لأن تعيد إشعال ما يطلق عليها "حلقة النار" حول "إسرائيل" ورفض أي فكرة لاستسلام حزب الله والتخلي عن دعم غزة. وفي محاولة لإزالة أي شك حول ولائه، ذهب بيزيشكيان بنفسه إلى مكاتب حزب الله في طهران وقدم مذكرة تعزية مكتوبة بخط اليد. كما كثف دعواته للدول العربية والإسلامية وذكرها بمسؤوليتها الثقيلة للتدخل. 

وربما تأثر المناخ السياسي في إيران بتصريحات نتنياهو حول مقتل نصر الله وأن وفاته كانت ضرورية لـ "تغيير ميزان القوة بالمنطقة"،ودعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بصراحة لتغيير النظام في طهران، قائلا إن إيران ستكون "حرة ... أسرع بكثير مما يعتقد الناس". 

وفي تغريدة على منصة "إكس" كتبها مستشار دونالد ترامب السابق، جاريد كوشنر قال فيها إن تدمير قيادة حزب الله: "أمر مهم لأن إيران أصبحت الآن مكشوفة تماما، والسبب وراء عدم تدمير منشآتهم النووية، على الرغم من أنظمة الدفاع الجوي الضعيفة، هو أن حزب الله لديه بندقية محملة موجهة نحو إسرائيل. لقد أمضت إيران السنوات الأربعين الماضية في بناء هذه القدرة كرادع لها.


وكان الرئيس ترامب يقول دائما: "لم تفز إيران أبدا في حرب ولكنها لم تخسر أبدا أي مفاوضات، وأن نظام الجمهورية الإسلامية أكثر صرامة عندما يخاطر بحياة حماس وحزب الله والسوريين والحوثيين مقارنة بالمخاطرة بحياته". 

وتحدث عن إمكانية  نشوء شرق أوسط جديد "بدون إيران المعززة بترسانة موجهة لإسرائيل"، قائلا: إن "الوقت قد حان الآن لكي تنهي إسرائيل المهمة. وقد لا يكون كوشنر قريبا الآن من الحكومة في الولايات المتحدة، لكن هذا قد يتغير في غضون أسابيع".

 ومن المرجح أن تؤدي مثل هذه التصريحات إلى زيادة التوترات في طهران، وتعزيز قضية الإيرانيين الذين يقولون إن نتنياهو لا يتردد في الصعود على سلم التصعيد - وأن الحكومة الأمريكية ليس لديها أي وسيلة أو مصلحة في منعه. 

وفي الوقت الحالي، ليس لدى إيران سوى عدد قليل من الخيارات الجيدة لإعادة ميزان الردع، ولكن الدكتورة بوركو أوزشليك، الزميلة في شؤون الشرق الأوسط بالمعهد الملكي للدراسات المتحدة (روسي) بلندن،  ترى أن الخيار الأسوأ أمام إيران هي المواجهة المباشرة مع إسرائيل و"ربما أنقذ هذا مصداقية إيران مع قاعدتها الرئيسية في إيران ومحور المقاومة، مثل هجمات 13 نيسان/ أبريل عندما ردت على تدمير قنصليته في دمشق بوابل من الصواريخ والمسيرات التي اعترضتها القبة الحديدية والولايات المتحدة والحلفاء العرب".

واعتبرت أن "هذا من شأنه أن يزيد من تآكل استعراض إيران للقوة العسكرية ويسبب أزمة شرعية داخل إيران، وكل هذا يترك لإيران خيار إعادة بناء حزب الله المحطم ببطء، أو اللجوء إلى الإرهاب المدعوم من الدولة وإن على وتيرة منخفضة أو مواصلة بناء سلاحها النووي الخاص".

مقالات مشابهة

  • وفد من “حماس” يلتقي الرئيس الايراني في الدوحة
  • تفاصيل لقاء وفد قيادي من حماس بالرئيس الإيراني في الدوحة
  • صواريخ إيران تخفق مجدداً.. كيف ستردُّ إسرائيل؟
  • وفد قيادي من حماس يلتقي الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في الدوحة
  • عاجل.. أول رد من «السنوار» على اغتيال نصر الله.. تفاصيل عملية جديدة لـ«حماس» في قلب إسرائيل
  • وقفة بجامعة إب تندد باغتيال الشهيد السيد حسن نصر الله وتحيي بطولاته
  • مسؤول إسرائيلي: تل أبيب سترد بسرعة على الهجوم الصاروخي الإيراني
  • أكسيوس: إسرائيل سترد على الهجوم الإيراني وستستهدف مواقع نفطية
  • الغارديان: اغتيال نصر الله وضع الرئيس الإيراني أمام ضغوط المتشددين الإيرانيين
  • أكسيوس عن مسؤولين إسرائيليين: إسرائيل سترد "ردا قويا" خلال أيام على الهجوم الإيراني الكبير