هوامش ومتون :السومري الأخير وذاكرة الطين
تاريخ النشر: 3rd, January 2024 GMT
مرّة كتب الفنان والناقد التشكيلي شوكت الربيعي الذي غادر عالمنا في اليوم الثاني من العام الجديد «لم أخترع أوهامي.. بل حملت على كتفي ذاك المبدع الذي اجتاز أبعد مدى في منتصف الألف الرابع قبل الميلاد، فنقش الفن والفكر والعلم تأريخ مدوّن على لوح الطين بإشارات ورموز سحرية. ووضعت لأفكارنا أشكالا مسمارية ثم صورا تعبيرية: مبادئ تتحدث عن معنى الحرية.
لقد اختصر بهذا المقطع الكثير، فالربيعي يعدّ من أبرز التشكيليين العراقيين الذين ينتمون لجيل الستينيات، يحسب له أنه أسّس جماعة فنية في مدينته (العمارة) عام 1964م باسم(الجنوب) وأقام أوّل معرض شخصي فيها، وتوالت معارضه التشكيلية، التي أقامها داخله وخارجه، وتبوّأ موقع رئيس جمعية التشكيليين العراقيين -فرع البصرة 1970-1973، وتميزت أعماله باستثماره الموروثات الشعبية العالقة في ذاكرة الطفولة كونه عاش سنوات طويلة في مدينته (العمارة) الواقعة في جنوب العراق، وتشبّع فيها وقام بتحويلها إلى رموز ناطقة بالجمال من خلال توزيع الألوان والخطوط والوجوه، ولم يكتفِ بالرسم، فقد كتب في النقد التشكيلي وأرّخ للحركة التشكيلية العربية المعاصرة، وعمل في الصحافة الثقافية، ففي عام 1975 عمل سكرتير تحرير مجلة (الرواق) المتخصصة في الفن التشكيلي حتى عام 1985م، كما عمل سكرتير تحرير جريدة ( الفنان اليوم) التي صدرت عام 1976م، ومستشارا في مجلة آفاق عربية، كما أعدّ وقدّم برامج إذاعية وتلفزيونية متخصصة في الفنون التشكيلية، وقام بالإشراف وتحرير صفحات الفنون التشكيلية في ملحق (شرفات) الذي كانت تصدره جريدة ( عُمان)، وواصل العمل فيها خلال الأعوام 2003-2006م إلى جانب تحريره صفحة (آفاق) التي كانت تصدر بواقع ثلاث أيام في الأسبوع حتّى توقفها عام 2004م. وخلال إقامته الطويلة في مسقط شارك في مؤتمرات ولقاءات ثقافية وندوات ولجان تحكيم في معارض أقامتها الجمعية العمانية للفنون التشكيلية، وقبل ذلك واكب الحركة التشكيلية الخليجية ونشر عدة كتب، بدءا من كتابه ( الفن التشكيلي في الخليج العربي)، الصادر عام 1981م، أتبعه بسلسلة كتب عن الفن التشكيلي المعاصر في الكويت والبحرين وقطر والإمارات، والمملكة العربية السعودية وعُمان التي كانت لها حصّة الأسد في كتاباته، فقد وثق للحركة التشكيلية العمانية، وكان قريبا من التشكيليين العمانيين، فعقد معهم صداقات ظل بعضها مستمرا حتى مغادرته مسقط، ودوّن ذلك في سيرته التي وضعها في ثلاثة كتب جمعها في كتاب حمل عنوان «الأمل» وهذه الكتب هي: «أحزان القصب» و«طائر الشوف الأصفر» و«يوميات مدهشة» وكثيرا ما أكّد أنه بدأ بمسودة (كتاب الأمل) في الرابع عشر من «مارس» عام 1958 وانتهى منه في الخامس عشر من أغسطس 1999م وثبّت الأماكن التي كتب بها أجزاء الكتاب الذي يتألف من 800 صفحة من القطع الكبير، ويضمُّ عشرين فصلا، ولم يقتصر الكتاب على الفنون التشكيلية بل تعدّى ذلك إلى القصة القصيرة والرواية والشعر، وسلّط الضوء فيه على مراحل تطوّر تلك المجالات الإبداعية، وذكر أحداثا سياسية واجتماعية وثقافية عايشها وأسماء أسهمت في الحركة الثقافيّة والفنية، وكان يهتمّ كثيرا بالتوثيق، وأذكر أنني زرت عام 1984 معرضا تشكيليا له استضافته قاعة الرواق ببغداد، ولم يكن في ذلك اليوم حاضرا، فضاعت عليّ فرصة لقائه التي لم تمنعني من تدوين انطباعي عن زيارتي للمعرض في سجلّ الزيارات، وفي عام 1992 وكنت أعمل محررا فنيا وثقافيا في جريدة الجمهورية، زارنا في الجريدة، فوقفت مرحبا بهذا الفنان الكبير، ذي القامة المديدة، والشَعْر الرمادي الطويل، والوجه الودود الذي تغطيه ابتسامة رقيقة، تدخل القلب بلا استئذان، فعبّر لي عن سعادته بلقائنا، وأسفه لعدم وجوده يوم زيارتي معرضه، فقد قرأ كلمتي المدوّنة في سجلّ الزيارات، وكنت قد نسيتها في زحمة الحياة والعمل الصحفي، وحين شعر بذلك فرش دفترا كان يحمله معه وقال «هذه كلمتك»، وكانت مكتوبة بحروف مرتبكة، فعرفت يومها أنه يهتمُّ بكل صغيرة وكبيرة تمرُّ بحياته، ويوثّق، ويدوّن ملاحظات، ويهتم بالأحداث وتواريخها، والأماكن، وهذا ما نجده في كتابه (الأمل)، وتعزّزت صداقتي به في صنعاء عندما وصل إليها قادما من ميلانو الإيطالية حيث كان يقيم عام 1995م، لإلقاء محاضرات في فلسفة الجمال على طلبة كلية الإعلام بجامعة صنعاء، وكنت أزوره باستمرار في محل إقامته بدار الضيافة في السكن الجامعي، حيث نمضي الوقت بالحديث في مجالات الثقافة المختلفة، وتوثّقت علاقتنا أكثر في مسقط، وكنا نلتقي باستمرار في المناسبات الثقافية، والاجتماعية، وكان يرافقنا على الدوام ابن مدينته، وصديقه القديم د. صبيح كلش، حتى انتقاله إلى تركيا، وقطع تواصله مع الحركة الثقافية، بعد أن مرّت به أحداث مؤلمة أبرزها وفاة ابنته الكبرى، وتدهور صحّته، وبقي فيها، حتى غادرنا السومري إلى مثواه الأخير، تاركا ألوانه وخطوطه وكلماته محفورة في ذاكرة الثقافة العربية.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
تشييع جثمان النائب سعداوي راغب إلي مثواه الأخير بالإسكندرية
شيع الآلاف من أبناء محافظة الإسكندرية، اليوم الثلاثاء جثمان النائب سعداوي راغب ضيف الله، عضو المجلس عن منطقتي العامرية والدخيلة، وذلك من مسجد الضيف لله في مسقط رأسه.
شهدت الجنازة حضور عدد من أعضاء مجلس النواب والشورى وعدد من الشخصيات العامة البارزة في مقدمة الحضور، الفريق أحمد خالد حسن، محافظ الإسكندرية، وعبد الحليم علام، نقيب المحامين ورئيس اتحاد المحامين العرب، ومصطفى بكري، عضو مجلس الشعب، والدكتور عربي أبو زيد، وكيل وزارة التربية والتعليم بالإسكندرية، والنائب حسني حافظ، عضو مجلس الشعب، بالإضافة إلى عدد من رؤساء القبائل العربية في منطقة العامرية، ولفيف من محبي النائب.
وسادت أجواء من الحزن والأسى بين المشيعين، لما كان يتمتع به الراحل من محبة واسعة وشعبية كبيرة في عروس البحر الأبيض المتوسط.
كان النائب سعداوى راغب ضيف الله، عضو مجلس النواب،
قد توفي مساء أمس الاثنين عن عمر يناهز 80 عامًا، يُعد من أقدم نواب البرلمان بالإسكندرية، إذ شغل مقعده منذ سنوات طويلة.
وكان للنائب سعداوى راغب ضيف الله، موقف تاريخي إذ أعلن فى عام 2015 أثناء الفصل التشريعي الأول في مجلس النواب، تبرعه براتبه ومكافآته و جميع مستحقاته المالية لصالح صندوق تحيا مصر، حيث كان يحظى بسمعة طيبة بين المواطنين في دائرة العامرية والدخيلة، ونجح في نيل ثقة الناخبين على مدى سنوات، لما عُرف عنه من تقديم الخدمات العامة والمبادرات المجتمعية، إلى جانب التبرعات وإقامة المشروعات الخيرية التي استفادت منها مناطق واسعة بغرب الإسكندرية
كما شارك النائب سعداوي راغب، ممثل حزب «مستقبل وطن» عن دائرة العامرية، في تنفيذ عدد من المشروعات الخيرية، أبرزها تجهيز أقسام كاملة بمستشفى العامرية العام، وإنشاء منافذ بيع للمنتجات الغذائية لتوفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين بالقرب من أماكن سكنهم.