الجزيرة:
2024-07-02@01:12:13 GMT

تعلم اللغات.. لماذا يتقدم الاستماع على الكلام؟

تاريخ النشر: 3rd, January 2024 GMT

تعلم اللغات.. لماذا يتقدم الاستماع على الكلام؟

عند الحديث عن أهمية السمع في تعلم اللغة وتأثيره في تقويم اللسان يواجهنا السؤال الأكثر شيوعا بين صفوف معلمي اللغة لغير الناطقين بها ومتعلميها، وهو سؤال يؤكد أهمية السمع في تعلم اللغة وتأثيره في تقويم اللسان؛ ومفاده: ما الذي يجعل الاستماع مقدما على الكلام؟

مما وصل إلينا على لسان قدماء العرب أنهم قالوا: "تعلم حسن الاستماع قبل أن تتعلم حسن الكلام، فإنك إلى أن تسمع وتعي أحوج منك إلى أن تتكلم"، إذ كيف يمكن للسان أن ينطق دون أن يكتنز مما يسمع ويقرأ؟ وقد أكد علماء اللسانيات أن عملية النطق لدى الأطفال تعتمد على المحاكاة ابتداء؛ أي محاكاتهم لذويهم ومحيطهم وتقليدهم لكل ما يسمعون بإصدار الأصوات وتناغمها وترتيبها رويدا رويدا لتصبح كلمات مفهومة ثم جملا ذات معنى وقصد.

ومما ألفنا سماعه حين كنا صغارا إذا ما انبرى لسان أحد الأطفال بالحديث دون توقف، وأراد الكبار إسكاته بلطف وتحبب؛ أن يسأل: "أتعلم لماذا خلق الله لنا أذنين اثنتين وفما واحدا؟"، فيتفكر الطفل مليا حتى يفاجئه الجواب بأن سبب ذلك هو أن حاجتنا للسمع ضعف حاجتنا للكلام!

وفي مجال تعلم اللغات وتعليمها يؤكد الباحثون والدارسون أهمية السماع عند اكتساب لغة جديدة، ويؤكدون في الوقت نفسه تفاوت المتعلمين فيما بينهم وفقا لقدراتهم على الاستماع والتقاط الأصوات المختلفة وتقليدها، ووفقا لقدراتهم المتفاوتة على الحفظ، ثم يقولون إن "السبب الرئيس والأساسي في الاختلاف بين متعلمي اللغة الأكثر نجاحا ومن هم دونهم، هو قدرتهم على استخدام الاستماع وسيلة لاكتساب اللغة".

ويساق الأمر نفسه نحو قدرة بعض الأشخاص على التقاط كلمات قصيدة شعرية أو أغنية ما وحفظها عند سماعها من المرة الأولى أو الثانية، مع القدرة على تقليد اللحن بحرفية عالية، في حين ينجح بعض الناس بتذكر الكلمات لكن يخفقون في اكتساب اللحن، أو العكس تماما، ومناط ذلك كله تفاوت البشر فيما بينهم من صفات ومواهب وقدرات، على أن من يمتلك هذه المقدرة على حسن الاستماع ودقة التقليد إلى جانب قوة الذاكرة، فقد حاز نصيب الأسد في مجال تعلم اللغات الجديدة.

كيف تتجلى أهمية الاستماع في تعلم اللغة العربية للناطقين بها أو بغيرها؟

إن الاستماع هو المفتاح الأول والمدخل الرئيس لتعلم أي لغة مهما كانت، وهو العتبة الأولى التي يجب أن يتخطاها المتعلم في رحلته نحو تعلم لغة ما وإتقانها، فالحروف أشكال ورموز ما لم تنطق، وينبغي أن تسمع من أهل اللغة أنفسهم حتى يتحقق النطق الصحيح لها، فالسماع هو تأشيرة الدخول نحو تعلم اللغات، وقد أثبتت الأبحاث والدراسات اللغوية أن التقدم في مهارة الاستماع يؤدي بالضرورة إلى تقدم في مهارات اللغة الأخرى من قراءة ومحادثة وكتابة، لأنها تقوم على أساس التعرف والفهم والقدرة على التفاعل، والنقد، والاستخدام في مساقات الحياة المختلفة.

بين السماع والألفة

من منا لم يسمع قول الشاعر العباسي الضرير بشار بن برد:

يا قومِ أذني لبعض الحي عاشقةٌ        والأذنُ تعشقُ قبل العينِ أحيانا

إن السماع طريق معبد ينحدر نحو أعماق النفس البشرية فيلامسها بدفء وجمال في أحيان، ويصدمها بقوة وعنف وقسوة في أحيان أخرى، فكم من كلمة كانت سبيلا للود، وكم من أخرى كانت قلما خطت به حكايات الفرقة والوداع. وكم من صوت أثار في النفس أشجانا وحرك لواعج وأوصالا دون رسم أو صورة، غير أن يكون أثر التلقي والسماع.

بالسماع وحده ينمي متعلم اللغة مهاراته كلها، فهو السبيل إلى فهم المنطوق وإدراكه، واعتياد المكتوب ووعيه، وتوجيه الخطاب واستقبال المألوف منه وغير المألوف، فبالسمع يألف الإنسان الأصوات والتراكيب اللغوية المتنوعة، ويخزنها بوعي ودون وعي منه، فمواقف الحياة تعتمد بالدرجة الأولى على مهارة السمع التي احتلت مكانة مقدمة على غيرها من المهارات عند الاهتمام بتعلم لغة ما.

إن أهم ما يفعله السماع هو إنشاء علاقة نفسية بين اللغة والنفس، هذه الألفة والعلاقة الإيجابية تمثل أهم دافع من دوافع الإنسان إلى اكتساب المهارات اللغوية وإتقان اللغة، وبغير السمع وتكراره واعتماده منهجا للتعلم؛ لا تحدث هذه الألفة، فهي لا تحدث بالبصر ولا بالعقل وحدهما، بل إن المنفذ الرئيس للغة إلى النفس هو السمع، وبذلك استحق أن يكون أبا الملكات.

هل للسمع ذاكرة؟

وأي ذاكرة! بل إن عموم الباحثين حين يتحدثون عن الذاكرة السمعية التي تسمى أيضا الذاكرة الصدوية أو ذاكرة الصدى، يقصدون بها ذاكرة حسية تسجل المعلومات السمعية بمحض سماعها، ثم تخزن في الذاكرة الحسية السمعية وتعالج وتفهم، وتقوم هذه الذاكرة بعد ذلك باستردادها واستحضارها عند الحاجة إليها، ويقال إن الذاكرة السمعية أقوى وأحفظ في التخزين من الذاكرة البصرية بأضعاف.

يعتمد المهتمون بتعلم اللغات على ذاكرة السمع أكثر من اعتمادهم على آلية الحفظ التقليدية، وحشو الدماغ بالمفردات والتراكيب اللغوية الجديدة. فكيف يتحقق ذلك؟

يتحقق بالتعرض للغة بالسماع والاستماع، كأن يستمع المتعلم إلى نشرات الأخبار أو الأغاني باللغة التي يريد تعلمها وإن كان لا يعي كثيرا مما يسمع، لكنه على المدى الطويل، ومع تدعيم السماع بالقراءة والمحادثة ودروس اللغة وفهم قواعدها، سيجد من نفسه قدرة على استيعاب المسموع وفهمه وإن لم يستطع ترجمته بدقة إلى لغته الأم، وإن لم يستطع استخدام ما يسمعه ويعيه في مواقف أخرى، فذاكرة السماع تعتمد على التكرار، فعند سماع لفظ جديد للمرة الأولى قد يبقى أثره الصوتي فحسب، وفي المرة الثانية تتوضح معالمه لفظا محقق الأحرف، وفي المرة الثالثة قد يشي السياق بمعناه، وفي المرة الرابعة يثبت المعنى في الذهن مع تحقيق اللفظ، وبعد ذلك يتقدم اللفظ خطوات ثابتة نحو مصاف الكلمات القابلة للاستعمال والتوظيف لدى المتعلم في مواقف حياتية متنوعة.

والأمر ليس واحدا ولا متشابها لدى جميع المتعلمين كما ذكرنا، فهو خاضع للقدرات الفردية المختلفة، غير أن السماع يتميز من غيره من المهارات بتعلقه بعامل السرعة، ففي كثير من مواقف الحياة يحتاج المرء إلى اللحاق بسرعة المتحدث سماعا، فإذا تباطأ أو تخلف عنه لن يجد إلى إعادة الحديث وتكرار السماع سبيلا! ومحل ذلك عند حضور درس أو محاضرة ما، وعند مشاهدة الأخبار بلغة أجنبية على إحدى القنوات التلفزيونية، أو متابعة فيلم أو برنامج ما.

هل تفيد مخالطة الناس والتفاعل معهم في تنمية مهارة السماع؟

ذهب ابن خلدون إلى أن مخالطة العرب للعجم أدت إلى تراجع ملكة السماع لديهم، لكن إذا ما نظرنا إلى تفاعل العرب فيما بينهم؛ فكيف يكون تأثير ذلك في لغتهم؟

في الإجابة عن هذا السؤال نعرج على قول ابن جني الذي رأى أيضا أن السماع مهم لتنمية ملكة الفرد اللغوية، فهو يكتسبها أساسا من محيطه ومجتمعه، وقد قال عن اتصال العرب ببعضهم وأثر ذلك في لغاتهم: "إنهم بتجاورهم وتلاقيهم وتزاورهم يجرون مجرى الجماعة في دار واحدة، فبعضهم يلاحظ صاحبه ويراعي أمر لغته، كما يراعي ذلك من مهم أمره". وبذلك تتنامى ذخيرة المرء اللغوية ما دام على اتصال بغيره من الناس.

سيبويه وأثر السماع في تقويم اللسان

ومن لم يسمع بحكاية سيبويه إمام النحاة وشيخهم!

الزائر الذي لا يمل كما سماه شيخه الخليل بن أحمد الفراهيدي. ألم يكن سماع اللحن منه وتخطئته في مجلس العلم على الملأ سببا في دفعه نحو امتلاك زمام العربية وعلومها؟ حتى صار له من العربية ما لم يقسم لأهلها منها، ولم يكتف بتقويم اعوجاج لسانه بالسماع من العرب الأقحاح والأخذ عنهم فحسب، بل صار عميد المدرسة البصرية، وصار ذكره مرتبطا بالعربية على كل لسان، وغدا كتابه المرجع الأول لقواعد اللغة العربية، حتى قال فيه الجاحظ معجبا بتأليفه وتصنيفه ومنهجه: "لم يكتب الناس في النحو كتابا مثله، وجميع كتب الناس عيال عليه".

ومن جميل ما يمكن أن أختم به الحديث ما جاء على لسان الجاحظ عن جمال الاستماع إلى اللغة العربية وأثر ذلك في تقويم اللسان وتصحيحه؛ فقد قال: "إنه ليس في الأرض كلام هو أمتع ولا آنق، ولا ألذ في الأسماع، ولا أشد اتصالا بالعقول السليمة، ولا أفتق للسان، ولا أجود تقويما للبيان، من طول استماع حديث الأعراب العقلاء الفصحاء، والعلماء البلغاء".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: تعلم اللغات تعلم اللغة

إقرأ أيضاً:

ثلاثة أعشاب طبيعية لتعزيز قوة الدماغ

يشكل التعلثم عند الحديث أبرز مظاهر التدهور المعرفي الذي يصيب الوظيفة الإدراكية لدى الإنسان.

ويتضمن الأداء المعرفي عدة مجالات واسعة من العمليات العقلية مثل الإدراك والانتباه والتعلم والتذكر والاستدلال.

وتتشكل هذه الأدوات من خلال العديد من العوامل التي تعمل طوال دورة الحياة. وتشمل هذه العوامل العمر والصحة وعمليات المرض والعواطف.

تركز الدكتورة نيكول سافير، وهي أستاذة مشاركة في مركز "ميموريال سلون كيترينغ" للسرطان في مدينة نيويورك على العلاجات الطبيعية للوظيفة الإدراكية.

وتوصي سافير، المعروفة بكونها من أنصار العلاجات الطبيعية والأعشاب، بثلاثة من المكملات الغذائية الطبيعية للمساعدة في تحسين التركيز الذهني ومنع الخرف.

وقالت لقناة فوكس نيوز "عندما يتعلق الأمر بتحسين الذاكرة وتقليل خطر التدهور المعرفي، فإن الثلاثة المفضلة لدي هي باكوبا مونيري، وجينكو بيلوبا، والجينسنغ".

في الدراسات التي أجريت على المشاركين من البشر، تبين أن هذه المكملات الثلاثة تعمل على تحسين الذاكرة والتعرف البصريK وربما تقلل من خطر التدهور المعرفي، وفقًا لسافير.

وقالت ذات المختصة إن بعض الدراسات ربطت هذه المكملات الغذائية بعمر أطول أيضا.

وأضافت "عندما يتعلق الأمر بالخرف، فإنه في كثير من الأحيان يصبح أسوأ ولا يتحسن، لذا فأنت تريد أن تأكل طعامًا صحيًا وتعيش حياة صحية قبل حدوث ذلك، لمحاولة تقليل المخاطر".

وشددت سافير على أن باكوبا مونيري والجنكة بيلوبا والجينسنغ كلها نباتات طبيعية.

وأوصت قائلة: "أحب أن أتناولها في أشكال مغذية سائلة، لأنه يتم امتصاصها بشكل أفضل".

1. نبتة الباكوبا 

الباكوبا، هو نبات تم استخدامه في الطب التقليدي لعدة قرون، وفقًا لموقع "ويب مد".

وذكر الموقع أن هذا النبات يمكن أن يساعد في زيادة المواد الكيميائية في الدماغ التي تساعد في التعلم والذاكرة والوظائف المعرفية الأخرى.

ويمكن أيضًا أن يكون بمثابة آلية وقائية ضد مرض الزهايمر.

يعد تناول الباكوبا آمنًا بشكل عام للبالغين عن طريق الفم بجرعات تتراوح بين 300-600 ملغ يوميًا لمدة 12 أسبوعًا، ويمكن إضافته إلى الماء الساخن لصنع الشاي.

2. الجنكة بيلوبا

تُشتق الجنكة (Ginkgo biloba) من مستخلص مأخوذ من أوراق هذه الأشجار، وفقًا لموقع "مايو كلينيك" الإلكتروني.

ويقول تقرير للموقع في الصدد "بينما تشير بعض الأدلة إلى أن مستخلص الجنكة قد يحسن الذاكرة بشكل طفيف لدى البالغين الأصحاء، تشير معظم الدراسات إلى أن الجنكة تحسن الذاكرة أو الانتباه أو وظائف المخ".

يمكن تناول الجنكة على شكل حبوب أو مستخلصات أو كبسولات أو مشروب.

ويحذر الموقع من تناول بذور الجنكة النيئة أو المحمصة، والتي يمكن أن تكون سامة.

3. الجنسنغ

الجنسنغ هو دواء عشبي شائع، وهو نبات يستخدم منذ فترة طويلة في العلاجات الطبية في آسيا وأميركا الشمالية، وفقًا لموقع "ويب مد".

على الرغم من أن هناك حاجة إلى مزيد من الأبحاث لتأكيد فوائده، إلا أن بعض الدراسات ربطت الجنسنغ بتحسين التركيز الذهني.

وحسبما ذكر الموقع، فإن "هناك بعض الأدلة على أن الجينسنغ قد يعطي دفعة صغيرة وقصيرة المدى للتركيز والتعلم".

وجمعت بعض دراسات الأداء العقلي بين الجنسنغ ومستخلص أوراق شجرة الجنكة، وهو علاج تقليدي يقال إنه يساعد في علاج الخرف. 

وفي حين أن هذه الدراسات مثيرة للاهتمام، "يشعر العديد من الخبراء أننا بحاجة إلى مزيد من الأدلة" يؤكد موقع شبكة "فوكس نيوز".

يمكن استهلاك الجنسنغ على شكل أعشاب مجففة أو مشروب أو كبسولات أو مسحوق.

وكما هو الحال مع أي خطط مكملات، ينصح  دائمًا بالتحدث  مع الطبيب حول الجرعة والآثار الجانبية والتفاعلات الدوائية.

مقالات مشابهة

  • حلو الكلام.. أبعد من التماهي
  • مد فترة التقديم لمدة أسبوع لمدارس اللغات في المحافظات
  • اغلاق فم قاضٍ يمني بشريط لاصق ومنعه من ‘‘الكلام’’
  • ثلاثة أعشاب طبيعية لتعزيز قوة الدماغ
  • شاهد بالصورة والفيديو.. نجمة السوشيال ميديا السودانية مها جعفر تعلم الفنان الأمريكي الشهير “جيسون ديرولو” طريقة الرقص السوداني والأمريكي يدهشها بسرعة التعلم ويرقص على طريقة “الصقرية”
  • المخدرات على كل شكل ولون.. الاستماع لأقوال 10 من أباطرة الكيف بالمطرية
  • حلو الكلام.. مجازا أقول: انتصرتُ
  • منها الاستماع للموسيقى.. عادات يومية تعزز الحالة المزاجية
  • 110 لغة جديدة تنضم إلى خدمة ترجمة “غوغل”
  • ألسنة وتكنولوجيا.. غوغل تضيف الأمازيغية لخدمة الترجمة