قسوة ضياع الهيبة وتبخُّر السيطرة الإسرائيلية
تاريخ النشر: 3rd, January 2024 GMT
سليمان المجيني
tafaseel@gmail.com
تتدرج بعض البلدان من خلال مستواها الفكري والعسكري ضمن البلدان ذات المكانة العليا في قلوب أو عقول المواطنين ثم تخرج هذه المكانة من نطاقها المحلي لتقابل بها الجماهير العريضة من شعوب ودول العالم، تُبنى لتشكل هيبة كبيرة أو احترامًا مقدرًا من الشعوب والدول الأخرى، وتعتبر صفوة التحضر والتمدن، ثم تبقى مترسخة حتى يأتي أمرٌ ما يكون سببًا في اهتزاز هذه المكانة فيزيلها كفكرة ويحجبها كحقيقة بالقدر الذي كانت ظاهرة عليه.
لا شك أن القسوة التي تحدث للكيان الإسرائيلي ليس في قتال بضعة رجال من قبل مقاومة أو فصائل صغيرة لجيش منظم وكبير غير قادر على هزيمتهم!، أو في وقوع عدد كبير من القتلى والجرحى والمعاقين ذهنيا وبدنيا، باعتقادي أن هذا الأمر ليس بوزن تأرجح هذا الجيش وضياع مكانته، وتذبذب أدائه الذي يظهر عدم تماسكه، وعدم قدرته على إيضاح ضعفه للعالم حتى يعتقد أن قتل امرأة حامل وأطفال لا حول لهم ولا قوة إنجازا، المشكلة في المكانة التي بناها على أنقاض قتلاه وسوء صحافة العالم وإعلامه الذي لم يصوره كمحتل، وأطلق عليه أوصافا كالجيش الذي لا يقهر، وغيرها من الألقاب، حتى أن اليهود صدقوا ذلك وتصرفوا على أساسه.
وكما فخموا لنا آلات حربهم يمارسون نفس الدور بإعلامهم الذي تسانده الآلة الإعلامية الغربية فيضخمون لنا الصغير ويقزمون غيرهم، يضخمونه من حيث عدد المقاتلين أو عدد المعدات وتطورها وندرتها، الأمر الذي لا يستطيعون تصديقه أو التماهي مع واقعه هو أن مجموعة من شباب فلسطين الأقوياء المتسلحين بدينهم هم سبب ضياع هذه الهيبة وغياب السيطرة والسمعة المعتمدة على الأخبار الزائفة كقوة قتالية لا يضاهيها بأس في العالم؛ فصور الهروب والصراخ والاكتئاب والجنون الذي أصاب عناصر الجيش أمر نشاهده ونسمعه كل يوم.
ضاعت معنويات الجيش الإسرائيلي بل وحتى المسؤولين بسقوط هذا الأمر الهلامي الذي كانوا يحيطون به أنفسهم، المهابة، العظَمة، هيلمان القوة، السيطرة، والحقيقة أن ما تبنيه إسرائيل في سنوات تأتي المقاومة لتنسفه في فترة قصيرة.
الإعلام والصحافة والحرب الثقافية التي وجّهت سياطها على العرب والمسلمين كافة لعشرات السنين لا تبدأ بثمارها أو تكاد إلا تأتي المقاومة لتحبطه، لذا فلا بأس أن تستقوي هي كدولة مارقة على السكان الآمنين فتدمر منازلهم وزرعهم ومستقبلهم، وتصورهم بالوحوش البشرية لتأخذ الشرعية من الغرب المتآمر.
الحقيقة أن الهالة الكبيرة التي أحاط جيش الاحتلال نفسه بها على سبيل القوة والمنعة أورثته الغبن والهلاك، وحتى تلك الهالة التي يصفون بها أنفسهم والتي تصل لقداسة بعض تعليمات التوراة المحرفة هي سبب كره الشعوب وبغضه لهم، فما يحدث في الجنود الإسرائيليين من ذعر لدرجة الكوابيس وقتل رفاقهم في الميدان، وظهور ما يسمى بهوس الأنفاق حيث يشعر بعض المستوطنين أن ضربا وقدحا يأتي من تحت منازلهم في إشارة لأعضاء المقاومة الذين سيأتون لقتلهم إلى منازلهم عبر تلك الأنفاق أسقط القناع عن بني صهيون.
ضعف تلك المعنويات وضمورها يرجع إلى أفول الهدف واستحالة تحقيقه، بل وتصرّم الغاية من هذا القتال، قتال لا ينبئ بانتصار محتم أو حتى شبه انتصار، فهل يمكن الانتصار على الفكرة؟، فكرة حماس وغيرها من حركات التحرر ستظل حاضرة وموجودة حتى لو تم اغتيال جميع زعمائها وسيظهر من بينهم من يبدأ من جديد كمكون تحرري ينشد تحرير الأرض بعمق أكبر وجرأة وجسارة وإقدام.
من الواضح لمن يقرأ الموقف جيدًا، أن الإعلام الغربي وإعلام المحتل أصبح أكثر نضجا، على الأقل من خلال هذه الحرب، أستشعره في ممارسة الضغط على حكومة نتنياهو من خلال بث بعض المقاطع لتصريحات مسؤولين سابقين مناوئة للحكومة، ولصراخ جنودهم وبكائهم، بالإضافة إلى نشر اغتيالاتهم لصحفييهم وصحفيي العالم الذين أظهروا بعض الحقائق كأعداد القتلى، إلى تصريحات بعض عناصر الجيش المصابة وبعضها التي تلبّسها مس من جنون. كما ظهر الأسرى الذين تم إطلاق سراحهم من غزة وهم يشيدون بالمعاملة الحسنة التي تلقوها من ساجنيهم، كل هذا وغيره يمثل ضغطا على الحكومة بالإضافة إلى انتشار مشاهد القتلى الإسرائيليين وتدمير فخر الصناعة الإسرائيلية "دبابة الميركافا" التي تتهافت الدول لشرائها بقذيفة صنعها المقاومون محليا.
أي خزي لحق بجيش الاحتلال، وأي هُزال؟ أما الحقيقة فإن الآلة الإعلامية جعلت منه جيشا ورقيا أكثر منه ميدانيا؛ تلك الآلة التي صورته سابقا كأقوى الجيوش في المنطقة تذمه الآن وتستصغره، لم يظهر منه سوى قسوة القلب على الآمنين غير المقاتلين، ويتفاخر جنده بإنجازات هي في الحقيقة خزي وحقارة وهوان.
جيش الاحتلال غير قادر على القيام بواجباته دون الاستعانة بآخرين ممن تعهدوا ببقائه ورعايته، هؤلاء يدفعون الآن ثمنا باهظا، كما أظهر الزيف الذي ينادون به من حقوق إنسان إلى مناصرة الضعيف، والظروف السياسية وما يحيط بنا من أشكال الانكشاف والبروز وسقوط الأقنعة وبعض السلوكيات المجتمعية في الغرب خصوصا، تُبقي على الحتمية التاريخية برجوع الحق لأصحابه مهما طال الزمان.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
إيبن بارلو للجزيرة نت: التاريخ سيكون أكثر قسوة على إسرائيل
أكد إيبن بارلو رئيس ومؤسس شركة "النتائج الحاسمة" الجنوب أفريقية، أول وأشهر شركة جيش خاص في العالم، أنه من الصعب المقارنة بين الصراعات التي يتعامل معها في قارة أفريقيا وبين الصراع في فلسطين، مشيرا إلى أنه لا يمكن استخدام نموذج للصراع في أفريقيا وفرضه على منطقة أخرى في الشرق الأوسط، وأضاف أن متابعة الصراع في فلسطين مطلوبة لمحاولة فهم كل شيء وراء هذا الصراع.
وبشأن رأيه في حال قبول شركة من شركات الجيوش الخاصة عقدا من إسرائيل لتكون جزءا من حربها على الفلسطينيين، أعرب بارلو عن اعتقاده أن الأمر سيكون صعبا.
وأضاف "أعلم بصعوبة هذا الأمر بناء على خبرتي في أفريقيا، فأنا شخصيا وشركتي (النتائج الحاسمة) لا نشارك في صراعات لا نفهم تضاريسها ولا لغات شعوبها ولا ثقافاتها المختلفة ومجموعاتها العرقية وأديانها. ولذا، فإنه يتوجب على أي شركة أمن خاصة أن تفهم هذه الأشياء، قبل أن تقبل مثل هذا العقد إذا أرادت أن تُحدث تأثيرا إيجابيا على أي من الجانبين".
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ماذا تعرف عن إمبراطورية لوكهيد مارتن التي تُشعل ساحات الحروب بالعالم؟list 2 of 2القسام يخترق إسرائيل ويقتنص معلومات خطيرة وهذه أشهر العملياتend of listوبشأن اتفاقه مع حكومة بلاده جنوب أفريقيا في رفعها قضية أمام محكمة العدل الدولية عن الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين منذ أكثر من عام، وتعريفه للإبادة الجماعية والتطهير العرقي في سياق عسكري، قال بارلو إن الحكومات تتخذ القرارات، والناخبين يلتزمون بها.
إيبن بارلو: الفصل العنصري تحول إلى مصطلح طنان لكثيرين (الجزيرة)وأضاف أنه من الطبيعي أن البعض يؤيدون وآخرين يعارضون بشدة، "ولكنى أري أنه قبل أن نبدأ في محاولة حل مشاكل الآخرين يجب علينا أن ننظر إلى ما يحدث في وطننا"، مشيرا إلى أن جنوب أفريقيا لم تقم بإدانة الحرب الروسية على أوكرانيا. وأضاف "إذا كنا سندين طرفا، فتجب إدانة طرف آخر وألا نكون انتقائيين".
وردا على سؤال بشأن ما يجب أن يكون عليه سلوك الجيوش الشريفة في المناطق الحضرية المكتظة بالمدنيين، وذلك في ضوء مقتل أكثر من 45 ألف فلسطيني معظمهم من المدنيين على يد إسرائيل خلال الأشهر الـ13 الماضية، قال بارلو إن المناطق الحضرية المكتظة بالسكان تسبب مشاكل لأي قوة عسكرية بسبب خسائر المدنيين، مشيرا إلى أنه من دون التخطيط للعمليات بشكل جراحي فستكون هناك مشاكل، "ومع ذلك، نعتقد أن القوات العسكرية يجب أن تبقى خارج المناطق الحضرية لتجنب الخسائر في صفوف المدنيين والأضرار الهائلة التي تصيب جميع الأطراف المشاركة في هذا الأمر".
إيبن بارلو وبين يديه كتابه الذكاء البشري (الجزيرة)وردا على اقتناعه بفاعلية ما وصفها بضرورة التخطيط للعمليات في المناطق المكتظة بالمدنيين بشكل جراحي، رد بارلو بالقول "لا، لا أعتقد ذلك فعليا، ولكن بشكل عام، الناس يحبون استخدام تعبير (ضربات جراحية) ككلمة طنانة، ولكن، لا يوجد أي اعتبار للأضرار الجانبية الناجمة عنها على المدنيين". وأضاف "في كثير من الأحيان، أعتقد أن الضربة الجراحية يجب تعريفها فعليا كضربة غير جراحية".
وردا على سؤال بشأن ما يشعر به عندما توصف إسرائيل بأنها دولة فصل عنصري، وذلك بالنظر إلى أنه خدم في الجيش والمخابرات الجنوب أفريقية في زمن العنصرية، أوضح بارلو أنه طبقا للدراسات، فإن عدد الذين قتلوا في هذا الصراع منذ عام 1960 حتى 1994 وصل إلى 21 ألف قتيل، ومن ثم لا يمكن المقارنة بين ما حدث في جنوب أفريقيا وما يجري في فلسطين.
وأضاف أن الفصل العنصري تحول إلى مصطلح طنان لكثيرين، مشيرا إلى أن الوضع كان مختلفا في جنوب أفريقيا من حيث إن الفصل العنصري ببساطة كان يتحكم في حركة الناس، مما أدى إلى مظالم كثيرة بحق السود والملونين في كثير من النواحي، ولكن لا يمكن المقارنة بين النموذجين.
ونفى بارلو أي تشابه بين نظام الفصل العنصري بجنوب أفريقيا والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، "فرغم ما قد يقوله البعض، فإن الجنوب أفريقيين لم يغزوا جنوب أفريقيا التي كانت مستعمرة مثلها مثل عديد من بلدان العالم، وإن غالبية البيض نشؤوا في أفريقيا ويعتبرون أنفسهم أفارقة أو جنوب أفارقة. فنحن لم نغز ولم نحتل أحدا".
بارلو : العقوبات التي طبقت على جنوب أفريقيا كانت هائلة، ولا نراها تصدر بحق إسرائيل (الجزيرة)وأوضح بارلو -الذي عمل في ثمانينيات القرن الماضي مديرا للمكتب الإقليمي لمخابرات جنوب أفريقيا في أوروبا الغربية- أن هناك قاعدتين حاليا، واحدة تنطبق على أفريقيا والشرق الأوسط، والأخرى على بقية العالم، وأن ذلك يترجم إلى المعايير المزدوجة، فجنوب أفريقيا لم تذهب خارج حدودها لتحتل أراضي غيرها وتبني فوقها مساكن.
وعن اعتقاده بضرورة فرض عقوبات ضد إسرائيل بسبب جرائمها ضد الفلسطينيين كالعقوبات التي طبقت ضد نظام الفصل العنصري واعتباره جريمة ضد الإنسانية، قال رئيس ومؤسس شركة "النتائج الحاسمة" إن العقوبات التي طبقت على جنوب أفريقيا كانت هائلة، ولا نراها تصدر بحق إسرائيل، واعتبر الأمر كله يقوم على النفاق.
إيبن بارلو خلال مشاركته في القتال بأدغال أفريقيا (الجزيرة)وعن تناقض موقف جو بايدن عضو مجلس الشيوخ الأميركي في الثمانينيات بوصفه النظام في جنوب أفريقيا يثير الاشمئزاز ودعوته إلى تشديد الحصار عليه، وبين موقفه وهو رئيس يدعم إسرائيل في جريمة الإبادة ضد الفلسطينيين، وصف إيبن بارلو ذلك بالنفاق، مشيرا إلى أنه رغم أخطاء نظام الفصل العنصري واستخدامها مبررا لتركيع جنوب أفريقيا البيضاء، فإن ما نشهده قصة مختلفة تماما، إذ ترسل الولايات المتحدة قواتها إلى إسرائيل، ولهذا أقول إنه النفاق الدولي.
ويرى بارلو أن فصائل المقاومة الفلسطينية التي تقاتل داخل وطنها ويصنفها الغرب إرهابية، تقاتل من أجل ما تؤمن بأنه حقها تماما "كما كنت سأفعل لو تعرضنا لغزو من قبل غزاة أجانب".
وأضاف أن التاريخ سيكون أكثر قسوة مع إسرائيل مقارنة بنظام الفصل العنصري، خاصة في ظل تصاعد المعارضة الأوروبية المتزايدة لما تقوم به في غزة ولبنان. لكن بغض النظر عن ذلك، فسوف يتعين التوصل إلى حل سياسي.
واختتم بارلو الجزء الأول من الحوار بالتشديد على ضرورة التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية، إذ قال "لا يمكن أن تقضي على معتقدات الناس ومبادئهم، فلن تستطيع قتلهم جميعا ولا قتل معتقداتهم".