روائح النوبة القديمة.. «ست أخوات» تصنع الخبز الفرعوني وتبيعه لجيرانها
تاريخ النشر: 3rd, January 2024 GMT
على أطراف سفح جبلي على النيل، بإحدى القرى في أسوان جنوب مصر، وداخل منزل بسيط يحمل طابعًا تراثيًا نوبيًا، وبملامح سمراء وتجاعيد بدت عليها سنوات الصبر والكفاح، تجلس السيدة الأسوانية «ست أخوات» ممسكة بأداة خشبية، تدخلها في فرن من الطين، ليخرج منها ما صنعته بيدها، ثم تتركه للشمس ويعود إليها رزقها في المساء.
في قرية نجع البسيون بأسوان، تعيش «ست أخوات» البالغة من العمر 78 عامًا، التي قررت أنّ تتبع نصيحة أمها، لتكمل مسيرتها في صنع العيش الشمسي، إذ تقول في بداية حديثها لـ«الوطن»: «ورثت الطريقة عن أمي منذ أنّ كان عمري 11 سنة، في منزلنا القديم بقرية المعمارية، وقبل أنّ أذهب إلى النوم، أجهز الخميرة والعجين، وأستيقظ مبكرًا لأهيئ العجين للعيش، وهي الطريقة نفسها التي تعلمتها من أمي وتعلمتها بدورها من جدتي».
تستريح الجدة ومن حولها الأحفاد، أمام فرن صُنع من الطين، وتنظر إليه بشيء من الحنين مستعيدة ذكرياتها، وهي تُعدّ كِمّيات وفيرة من العجين، تنتظر دورها لتدخلها فيه مرة أخرى: «رأيت أمي تستيقظ فجر اليوم الذي تصنع لنا فيه الروغفان، تبدأ بالتخمير بعد أنّ تنتهي من أشياء أخرى، أولها تنقية الدقيق من الشوائب والردة، وبعدها تخلطه مع الماء الساخن وخميرة «البرباسة»، ثم يُغطى بإناء محكم، لتكتمل عملية التخمير من الليل وحتى الصباح، هكذا كانت السيدات نشيطة في قريتنا، وكان منزلنا في المعمارية به حوش واسع ملئ بالأشجار وأصوات العصافير من حولنا، ليتها تعود يومًا كانت أيام خير».
تشير السيدة السبعينية إلى صفوف العيش التي تتراص على مقارص صُنعت من الطَفلة المخلوطة بالتبن، وبعض سباخ الحظائر: «بعد أنّ أصلي الفجر مباشرة، تأتي زوجة ابني لتجهيز الفرن وتنظيفه، ومع بداية طلوع الشمس، أبدأ في تقطيع العيش ثم رصه على الدوار أو المقارص، وتركه ليخمر على ضوء وحرارة الشمس بضع ساعات، وهي الطريقة التي لم تتغير منذ مئات السنين في الصعيد، نرثها نحن السيدات من بعض».
قبل سنوات، اختارت «ست أخوات» أنّ تجعل من الخبز الذي تصنعه لأبنائها وأحفادها، مصدر رزق لهم، بعد أنّ مرت بسنوات صعبة بمجرد وفاة زوجها وثلاثة من أبنائها، فتزاحمت عليها هموم المعيشة: «مات زوجي وكان العيش هو مصدر الرزق الوحيد، فاقترح عليّ بعض جيراني، أنّ أبيعه، وبدأت في تزويد الكمية، وأصبحت أبيعه لجيراني، وأحمد الله على ما يأتيني منه كل يوم».
تُدخِل «ست أخوات»، كميات من جريد النخل في الناحية اليمنى من الفرن، بعد أنّ تشعله: «أبويا سماني ست أخوات، عشان كنت آخر واحدة في أخواتي وأنا رقم 6، وكنت آخر العنقود، وهو الاسم الذي فضل أنّ يناديني به أبي وجميع جيراني، ودائمًا يتساءل الناس عن سر اسمي، وأخبرهم أنني كنت مدللة وكان أبي يحبني جدًا، وميزني بهذا الاسم عن أخواتي وليتذكر عددنا أيضًا».
روائح النوبة القديمةبشيء من البهجة والسعادة، تتذكر السيدة السبعينية، جيرانها القدامى من النوبة القديمة، عندما كانت تلتقي بهم في القرية، ويتبادلون الطعام والمشروبات: «كنت أنا وجيراني النوبيين بيوتنا مفتوحة على بعض، لدينا العيش الشمسي وهم لديهم العيش النوبي والأبريه، وكنا نصنع الطواجن الصعيدية والنوبية في فرن واحدة، وكانت روائح الأكل النوبي مع الصعيدي تفتح النفس، وحتى الآن، أولادهم يزوروني وأذهب إليهم».
تبتسم السيدة النوبية، وهي تخرج الخبز من الفرن، لتتغزل في «الروغفان»، وهو الاسم الشائع للعيش الشمسي في الصعيد، وتشم رائحته خلال تسويته، وتحكي قائلة: «به رائحة البركة»، لتتذوقه وتعطي لأحفادها منه قطعة، وتصف العيش بأنه موروث ثقافي أصيل، ما زال أهالي الصعيد يتمسكون به، فهو إحدى أهم عادات الغذاء، ويكفي أنه الأفضل صحياً مقارنة إياه ببعض أنواع الخبز الأخرى.
العيش الشمسي «خبز الفراعنة»يؤكد الباحث الأثري محمود حماد، أنّ هناك قصة طويلة ترتبط بالعيش الشمسي في جنوب مصر، وجذورها تعود إلى العصور الفرعونية القديمة، إذ كان الخبز أو العيش يحظى بتقدير كبير في مصر، وكان يُقدم بأشكال متعددة في العهد القديم، وتنوعت بين المستديرة والبيضاوية والملفوفة والمخروطية، كلها منقوشة على جدران المعابد، وهو خبز مصري فرعوني بامتياز.
ويضيف الباحث الأثري في تصريحات خاصة لـ«الوطن»، أنّ العيش الشمسي ما زال الخبز الرئيسي على مائدة طعام الصعايدة بمصر، على الرغم من قدم هذا النوع من الخبز، إلا أنه لم ينقرض، ولا يزال يُصنع بنفس الطريقة المتبعة منذ آلاف السنين، وتحافظ النساء في صعيد مصر على تحضيره، وتحرص على توريث أسرار صناعته لبناتهن.
ويشير إلى أنّ اسم العيش الشمسي، جاء من وصفته، إذ يُوضع في أشعة الشمس لفترة معينة ليكتمل اختماره، ويتميز بحجمه الكبير نسبيًا، وتبدأ مراحل صناعته بالعجن والتقطيع والتشقيق «التشريك» ثم التقليب، وأخيرًا الترتيب في الفرن.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: بعد أن
إقرأ أيضاً:
جنينة في الأرض.. خالد الجندي: آدم لم يخلق في جنة السماء وكان في حديقة مرتفعة
كتبت- داليا الظنيني:
أكد الشيخ خالد الجندي عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، أن الجنة التي كان فيها سيدنا آدم وذكرت في القرآن الكريم لم تكن جنة الآخرة بل كانت جنينة في الأرض وسيدنا آدم لم يخلق في السماء وجنة الآخرة.
ما لا عين رأتوأوضح عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، خلال حلقة خاصة بعنوان "حوار الأجيال"، ببرنامج "لعلهم يفقهون"، المذاع على قناة "dmc"، اليوم الأربعاء، أن جنة الآخرة أول من سيدخلها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وفيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، قائلا: "جنة الآخرة فيها نعيم محدش شافوا وأي نفس لا تعلم تفاصيل هذا النعيم، وجنة الآخرة مفهاش عورات ولا يتغير نعيمها ومفيهاش تكاليف ولا صيام ولا غيره".
حديقة مرتفعةوأضاف أن الجنة التي ذكرت فيها واقعة سيدنا آدم المقصود بها حديقة أو جنينة والقرآن ذكر كلمة الجنة وليس بمعنى جنة الآخرة في مواضع كثيرة، مستشهدا بقوله تعالى (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ) وقوله تعالى (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ)، موضحا أن معنى ذلك أن جنة آدم كانت حديقة مرتفعة على أرض وهبطا منها هو وحواء.
اقرأ أيضًا:
قبل صدور الضوابط.. أسعار برامج الحج السياحي 2025 وجدية الحجز "اقتصادي و5 نجوم"
ادفع 25 ألف جنيه وقدم على أرض إسكان متوسط في مدينة حدائق أكتوبر
"الجلاد" يوجه رسالة لـ"قومي الطفولة": اوقفوا مهزلة استغلال الأطفال على السوشيال ميديا (فيديو)
تعرضت لوعكة منذ أسبوعين.. أبرز المعلومات عن الشقيقة الكبرى لشيخ الأزهر بعد وفاتها
كامل الوزير أمام وزراء النقل العرب: النقل عامل رئيسي مؤثر على النمو الاقتصادي والاجتماعي عالميًّا
بعد واقعة وسام شعيب| "الاتصالات": 14 مليون صفحة وهمية على فيسبوك وعقوبات رادعة
الشيخ خالد الجندي سيدنا آدم القرآن الكريم المجلس الأعلى للشئون الإسلامية حوار الأجيال برنامج لعلهم يفقهون
تابع صفحتنا على أخبار جوجل
تابع صفحتنا على فيسبوك
تابع صفحتنا على يوتيوب
فيديو قد يعجبك:
الأخبار المتعلقة خالد الجندي: فوضى الخطاب الديني أحد أسباب انتشار الإلحاد أخبار حدث في 8 ساعات| السيسي يهنئ ترامب برئاسة أمريكا وحقيقة تعويم الجنيه أخبار ما أسباب الإلحاد في المجتمعات؟.. خالد الجندي يوضح أخبار رئيس جامعة الأزهر: إعجاز القرآن يتمثل في البلاغة وسلاسة الأسلوب أخبار أخبار مصر "جنينة في الأرض".. خالد الجندي: آدم لم يخلق في جنة السماء وكان في منذ 15 دقيقة قراءة المزيد أخبار مصر خالد الجندي: فوضى الخطاب الديني أحد أسباب انتشار الإلحاد منذ 16 دقيقة قراءة المزيد أخبار مصر عبدالجواد فايد: ارتفاع اسم "سعد" بعد ثورة 19 نسبة للزعيم سعد زغلول منذ 46 دقيقة قراءة المزيد أخبار مصر بحضور يمامة.. بدء احتفالية حزب الوفد بذكرى عيد الجهاد الوطنى (صور) منذ 57 دقيقة قراءة المزيد أخبار مصر رئيس الوفد: لست راض عن نسبة مقاعدنا بمجلسي النواب والشيوخ منذ 1 ساعة قراءة المزيد أخبار مصر