"الشارقة للشعر العربي" ينطلق الإثنين المقبل
تاريخ النشر: 3rd, January 2024 GMT
بمشاركة أكثر من 70 شاعراً وشاعرة وناقداً وإعلامياً يمثلون الدول العربية، تنطلق فعاليات الدورة العشرين من مهرجان الشارقة للشعر العربي، يوم الإثنين المقبل الموافق 8 يناير(كانون الثاني) الجاري، تحت رعاية عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، وبتنظيم من قبل دائرة الثقافة في الشارقة على مدى 7 أيام.
وصرح رئيس دائرة الثقافة في الشارقة عبد الله بن محمد العويس، إن مهرجان الشارقة للشعر العربي، يشكل منصة شعرية مميزة في الساحة الثقافية العربية بفضل رعاية حاكم الشارقة، حيث أسّست الدورات المتعاقبة لمشهدٍ شعريٍ متنوعٍ انطلاقاً من أسماء شعرية عربية مثّلت أجيالاً مختلفة وجمعها الإبداع على إنتاج الشعر العربي الأصيل.
وأضاف أن المهرجان سيشهد عرض مسرحية "مجلس الحيرة" من تأليف حاكم الشارقة ومن إنتاج مسرح الشارقة الوطني.
وذكر أن المهرجان يعتبر نافذة يطل من خلالها جمهور ومتذوقو الشعر على أفق لقراءات شعرية على مدار فترة المهرجان، لافتا إلى أن الدورة الحالية ستشهد توقيع دواوين شعرية جديدة من إصدارات دائرة الثقافة في الشارقة، وتنظيم ندوة فكرية بعنوان "تطوّر لغة الشعر العربي" يناقشها 7 نقّاد عرب، بينما سينتقل المهرجان إلى مدينة خورفكان ضمن أمسية شعرية في مجلس خورفكان الأدبي.
وقال العويس: أن "جائزة القوافي" ستواصل احتفاءها بالشعراء العرب تقديراً لأبرز القصائد المنشورة في مجلة القوافي خلال العام 2023، حيث تم اختيار قصيدة من كل عدد من أعداد المجلة الشهرية ضمن لقاء شعري في دارة الدكتور سلطان القاسمي، وسيتم تكريم الشعراء الفائزين بالجائزة من قبل حاكم الشارقة.
وسيفتتح المهرجان في قصر الثقافة في الشارقة، حيث تبدأ الفعاليات بعرض تسجيلي للشعراء المكرمين في المهرجان، يليه قراءات لكل من الشاعرين علي الشعالي من الإمارات، وعارف الساعدي من العراق، وسيتم تكريمهما بجائـــزة الشارقـــة للشعر العربي الدورة 12.كما سيتم تكريم الفائزين بجائزة الشارقة لنقد الشعر العربي في دورتها الثالثة وهم الناقد التونسي المنصف الوهايبي في المركز الأول عن بحثه "بنية الخطاب الشعري في الشعرية العربية المعاصرة بين الاستعاري والكنائي"، والناقد المغربي أنوار بنيعيش في المركز الثاني عن بحثه "بنية الترادف والتضاد في الشعر العربي المعاصر: دراسة في شعرية التوازي"، والناقد المغربي الحسين بنبادة في المركز الثالث عن بحثه "بنية الخطاب في الشعر العربي التجريبي ".
و في ثاني أيام المهرجان تحتضن دارة الدكتور سلطان القاسمي، حفل توزيع جائزة القوافي الذهبية 2023 “حوليات القوافي” لشعراء وشاعرات ساهموا بإبداعاتهم الشعرية في مجلة القوافي خلال 12 عدداً في العام 2023 وهم عائشة الشامسي من الإمارات، وعلاء زهير من الأردن، ومحمد أبو شرارة من السعودية، وعلي النهام من البحرين، وعماد أفقير من المغرب، وعبد العزيز الهمامي من تونس، ود. سامي الثقافي من السعودية، ومحمد حسن من السودان، والعباس محمد من موريتانيا، ومحمد العموش من الأردن، ونوفل السعدي من المغرب، وعمر السراي من العراق.
و وتقام في اليوم الثاني أمسية شعرية في قصر الثقافة في الشارقة يشارك بها 7 شعراء هم عبد اللطيف بن يوسف (السعودية)، وسالم الرميضي (الكويت)، و عبد الرحمن الحميري (الإمارات)، وعلي حاجب (موريتانيا)، ومحمد المعشري (عُمان)، وحسن إبراهيم الحسن (سوريا)، وأسماء الحمادي (الإمارات)، كما يوقع الشاعر حسن الزهراني ديوانه .
وتعرض مسرحية "مجلس الحيرة"، في اليوم الثالث، أما في المساء فيشهد قصر الثقافة قراءات شعرية لكلٍ من عبدالله الهدية (الإمارات)، والسر مطر (السودان)، ود. عادل الزهراني (السعودية)، وشميسة النعماني (عُمان)، وحكم حمدان (المغرب)، وأحمد شلبي (مصر)، وعمر السراي (العراق).
وبعنوان "تطوّر لغة الشعر العربي" تعقد ندوة على جلستين في بيت الشعر، ويتحدث في الجلسة الأولى الناقد المصري د. محمد عبد الرزاق المكي انطلاقا من ورقة بحثية تحمل عنوان"تطوّر اللسان والاختلاط بالثقافات"، والناقدة التونسية د. سماح حمدي بورقة "الصورة واختلاف دلالاتها في لغة الشعر العربي"، ود. محمد العثمان بورقة "تطوّر المستوى الصرفي في لغة الشعر العربي".
ويشارك في الجلسة الثانية، الناقد السعودي د. عبد الله المعطاني بورقة تحمل عنوان "تطور البنية اللغوية"، والناقد الأردني د. ناصر شبانة بورقة "المفردة من العصر الجاهلي إلى العصر الحديث".
كما يشهد قصر الثقافة في اليوم نفسه قراءات شعرية لكل من نجاة الظاهري (الإمارات)، ود. عبد الله الخضير (السعودية)، وعمر الأزمي (المغرب)، و خالد العيثان (العراق)، وجعفر حجاوي (الأردن)، وأحمد حسن عبد الفضيل (مصر)، ومحمد العموش (الأردن ) .
وتتواصل القراءات الشعرية المتنوعة في المهرجان، حيث يشهد قصر الثقافة ضمن خامس و سادس أيام المهرجان أمسيات وقراءات شعرية، ثم ينتقل المهرجان في يومه السابع إلى مدينة خورفكان حيث يستضيف مجلسها الأدبي أمسية شعرية.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: حصاد 2023 التغير المناخي أحداث السودان سلطان النيادي غزة وإسرائيل مونديال الأندية الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الشارقة الثقافة فی الشارقة للشعر العربی حاکم الشارقة قصر الثقافة
إقرأ أيضاً:
لهم فضْلُ القديمِ وسابقاته.. عن لغة الشعر النبطي
تزوج شاعر البادية الأردنية محمد علي عذيمان من فتاة أحبها وكانت تنتقل معه في البادية حيث حل وارتحل، وبعد أن أنجبت له مولودته الأولى أصابتها حمى النفاس ومرضت وماتت في أثناء ولادتها.
وكانت الثلوج حينها تهطل بغزارة ولم يكن له في منزله ذاك جيران قريبون، فلم يتمكن من دفنها فجلس حاملا ابنته التي رفضت النوم في أحضانه، فما كان منه إلا أن ذهب بها إلى فراش أمها المسجّاة، ووضعها في حضنها فسكتت البنت عن البكاء ونامت، وفي منتصف الليل سكن الجو وتوقف الثلج عن الهطول وتوقفت الرياح وإذا عواء الذئب يجلجل بين تلك التلال، وفي ذلك الموقف الحزين قال الشاعر عذيمان:
يا ذيب ياللي توحش القلب بعواك
أظن حالك صاير(ن) مثل حالي
انت عويلك يوم فاتك معشاك
وانا عويلي من تيتَّمْ عيالي
وان كان صيدك فاقد(ن) من خوياك
انا فقدت من الخويا الغوالي
حذراك من سود الليالي تغشاك
ويعتم عليك الضو عقب الدلالي
وتعال أيها القارئ نستمع معًا إلى الشاعر الشيخ نمر بن عدوان وهو يبكي زوجته وضحاء، ويذكر حالها في القبر وحاله بفقدها، ويشنّع على لائميه داعيًا عليهم، وجرّب أن تقرأ الأبيات الآتية بتسكين أواخرها، واستحضِر في نفسك واجلب إلى مسامعك أسلوب إلقاء الشعر النبطي:
سار القلم بداجي الليل مهتاج
سار بهوى قليبي وحير دليلي
بكيت غرام بالحشا يوهج اوهاج
من وجد وجدي الويل فرقا خليلي
عيني تهل الدمع لاجن بلجلاج
ودموع عيني سيل دوما يسيلي
واجب علي أهله بكل ملعاج
ودموع عيني مثل نهر تسيلي
سمعت انا بظلمة القبر مهتاج
عفت الحياه وعند قبره نزيلي
ياقبر انا ما أظن من جاك يحتاج
تعريف هي وضحا أُو قلبي عليلي
ياقبرها يامنوة الروح وسراج
والله انا عندك طنيب ودخيلي
مجنون ليلى كان داير بلجلاج
ما أضن يشبهني ولا هو مثيلي
هات الكفن يا عقاب وتابوت من صاج
أو علي من رمل السبايب هيلي
واحفر على قبري بازميل وهاج
اللي جرى ياعقاب وانت الوكيلي
انقش سقيم عايف الطب واعلاج
أضحى طريح الحب وامسى قتيلي
من لامني يبلاه بالهم وهاج
عليه حسبي الله ونعم الوكيلي
يُكتب الشعر النبطي كما ينطق، وقد استحدثت كل قبيلة مفردات وألفاظا جديدة، واستعملتها وأدخلتها على الشعر النبطي بقصد أو بدون قصد، فضم بذلك الشعر النبطي كثيرا من اللهجات المختلفة، وصار له قاموسه الخاص. وفي توصيف لغة الشعر النبطي وبُعدها عن الإعراب والحركات قال ابن خلدون "أساليب الشّعر وفنونه موجودة في أشعارهم هذه ما عدا حركات الإعراب في أواخر الكلم، فإنّ غالب كلماتهم موقوفة الآخر، ويتميز عندهم الفاعل من المفعول والمبتدأ من الخبر بقرائن الكلام لا بحركات الإعراب".
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2جماعة تحت السور التونسية.. أدباء ساخرون من المجتمع والاستعمار وكل شيءlist 2 of 2غيث حمور: أدب المنفى السوري وجد طريقه أخيرا للوطنend of list إعلانيعتمد الشعر النبطي على اللهجة العامية الدارجة والمتداولة بين الناس والأسلوب البسيط الواضح قريب المأخذ في سرد الوقائع والقصص، وله قدرة عالية على نشر الحكمة وتوثيق الأحداث بأسلوب يسير ومشوق يربط بين الماضي والحاضر بسلاسة وعذوبة؛ وذلك لاستعماله لغة الناس المحكية.
قد يتعذّر عليك فهم بعض الكلمات وربما كثير منها لبعد اللهجات المحلية اليوم عن بعضها، غير أن ذلك لا يحجب عنك تذوق سحر اللغة و جمال الشعور والاستمتاع بعذوبة التراكيب؛ فالشعر النبطي يمتاز بقدرة عالية على سكب المشاعر الإنسانية في ألفاظ شعرية بسيطة وواضحة ومباشرة، وفي قوالب شعرية قريبة من قلوب عامة الناس، فهو في المحصلة شعر، والشعر يتكئ على الخيال والتصوير والفني، ويعتمد على ألوان البلاغة وأساليبها المتنوعة كالتشبيه والاستعارة، ويميل إلى تزيين النصوص الشعرية بألوان البديع التي تضفي على النصوص جمالًا وعمقًا.
ومن أهم ما يتميز به الشعر النبطي أسلوب الإلقاء والقدرة على جعله غنائيا، إذ يلتقط كُتاب الأغاني الشعبية القصائد النبطية ويستثمرونها ويحولونها إلى أغان تحقق شهرته وانتشاره وشعبيته بين الناس.
ما الذي يجعل بعض أبناء العربية ينظرون إلى الشعر النبطي نظرة سلبية؟وُجّهت انتقادات كثيرة لناظمي هذا النوع من الشعر، لأنه يبدو تأصيلا للعامية على حساب الفصحى وتنحيتها، وقد أُلّف كتاب بهذا الهدف بعنوان (كَفُّ المُخْطِي عن الدَّعوةِ إلى الشِّعرِ النَّبَطِي)؛ رأى فيه المؤلف ذياب الغامدي أن الشعراء الذين ينظمون الشعر النبطي: "دُعاة العامِّيَّة، وما أدراك ما العامِّيَّة؟! سواء كانت دَعوتهم سافرة جِهارًا نهارًا، كما تبنَّتْه الصُّحف وغيرها، أو دعوة مُستَتِرة تحت ثوب فَضفاض نسجَتْه أيدي الأعداء فألبسَته أمَّة الإسلام، والعرب العَرْباء، وشباب الصَّحوة؛ وذلك فيما يُسمى بالشّعر النَّبَطيِّ".
ويقول الغامدي في موضع آخر من هذا الكتاب "ولو استسلم العُلماء أمام هذه السَّفسَطة والجَهالة التي يتّكئ عليها عشاق النَّبَطيّ في القرن الثّاني عشر الهجريّ وما تلاه من قرون، لكانت اللّغة الفصحى اليوم خبرًا بعد عِيان، كما يراد لها… وما زلنا نظنّ أن جَذوة دُعاة النّبطي ستنطفئ، وتنهار قواهم، حتَّى اتّسع الخَرق، وتجاوز شِعرُهم حُدوده، وعَلَت أصواتُهم، حتى استباحوا الصُّحف والمجلَّات والإذاعات، وأقاموا النَّدَوات والأُمسِيات؛ تمجيدًا وتعزيزًا، وتقريرًا وتقنينًا لنشر النَّبَطيّ".
إعلانيرى بعض الباحثين أن التغيير اللغوي أمر طبيعي في سياق مرور الزمن وتطور الحياة، ولا يمكن أن ننظر إلى الشعر النبطي لأنه يعتمد العامية على أنه فساد لغوي، لا سيّما في ظل إمكانية رد الألفاظ العامية إلى الفصيح منها استنادا إلى القواعد الصرفية والصوتية تحديدا، ناهيك عن أن عامل الزمن يفرض تغيُّرات وتطوّرات حتمية يقررها تقدُّم الحياة وتطوّرها، وتمر بها أي لغة حية في سيرورة الأيام.
إن أكبر سبب -في حقيقة الأمر- للنظرة السلبية التي يحملها بعض أبناء العربية تجاه الشعر النبطي تتعلق باعتماده على اللهجات المحكية الدارجة، وذلك ليس إلا تخوفا من شيوعها وانتشارها واستسهالها على حساب العناية باللغة العربية الفصيحة التي تعد حاملا للدين ومصادره وأداة لمعرفة التاريخ العربي الممتد عبر العصور، وجسرا لعبور المعارف والوقائع والأحداث من جيل إلى آخر.
تبدو هذه المخاوف مشروعة لكن ينبغي ألا نبالغ فيها، فالشعر النبطي لون من ألوان الفنون الكلامية، وشكل من أشكال الإبداع الشعري، لا يهدف إلى إزاحة الشعر العربي التقليدي عن عرشه ولا قدرة له على ذلك، وإن كنا نستمع إليه ونتذوق جمالياته لقرب عهده أو قرب لغته، فإن ذلك لا يعني أنه راجح على ما سواه من أشكال الشعر العربي في الذائقة العربية.
تولي دول الخليج العربي أهمية كبيرة للشعر النبطي باعتباره امتدادا لأصالة عاشها الأجداد في غابر الزمن، واستمر عبقها أخاذا على مر العصور، يربط الماضي بالحاضر، ويوحد الذائقة الشعرية لدى الأجيال المتعاقبة، وكأنه الحبل الأصيل المتين الذي يربط إنسان العصر في بوادي العربية بالإنسان العربي القديم الذي عاش فيها وأثبت عراقته وبنى حضارة ما تزال مشعة بين صفحات التاريخ، لا سيما في بادية الحجاز وما والاها، لأنه سجل دقيق دوّنوا فيه أهم الأحداث التاريخية والاجتماعية، وهو وسيلة للحفاظ على اللهجات المحلية والتراث الثقافي، ناهيك عن أنه يعزز القيم البدوية كالكرم والشجاعة وغيرها.
إعلانحافظت أرض الحجاز على كثير من أخبار الشعر النبطي الذي نشأ في شبه الجزيرة العربية، وأولته عناية خاصة لأنه يعكس كثيرا من القيم والعادات والتقاليد المهمة لدى المجتمعات الخليجية. غير أن مجال النظر في موضوع الشعر النبطي واسع جدا، ويحتاج إلى كثير من البحث والتدقيق والجهد للوصول إلى نتائج دقيقة وأجوبة شافية، لا سيما في مسألة اللغة المحكية التي يعتمدها.
الشعر النبطي جزء أساسي لا يتجزأ من الثقافة البدوية، وقد شهد بمرور الأيام والعصور تحولات كبيرة جعلته يتماشى مع متطلبات العصر الحديث، فصار الشعراء يميلون إلى استخدام وسائل الإعلام والتواصل الحديثة لنشر قصائدهم وإبداعاتهم، فازدادت شعبية الشعر النبطي، وعمد بعض الشعراء إلى المزج بين الشعر الفصيح والنبطي فأضافوا بذلك أبعادا جديدة فنية وجمالية لقصائدهم وأشعارهم.
ومن أمثال ذلك الحديث عن القهوة العربيّة ومجالسها التي تعد أهم معالم الهويّة البدويّة، وقد قيل في ذلك كثير من الأشعار؛ منها ما قاله الشاعر حوشان بن عبود بن سويلم الشلواني العازمي:
لادك في قلبي من الهم هوجاس
حطيت فوق النار زين المحاميس
وحمست ما يجلى من الهم وعماس
بنٍّ من النيبار يجلى الحواسيس
لا ذاقه اللي من عنا الوقت محتاس
من لذته تنجال عنه النواحيس
ولننظر معا إلى قول الشاعر راكان بن فلاح بن مانع بن حثلين العجمي متغزلًا بفنجان القهوة راسمًا تفاصيل الشعور المرافق لاحتسائه القهوة في مجلس برفقة الأصحاب والأحباب؛ في صورة شعرية بديعة:
ياما حلى الفنجال مع سجّة البال
في مجلس ما فيه نفس ثقيله
هذا ولد عم وهذا ولد خال
وهذا رفيق ما لقينا مثيله
يركز الشعر النبطي على القيم والأخلاق والعادات والتقاليد ويقدسها، ولا عجب في ذلك لأن الشاعر ابن بيئته، والشعر محاكاة للبيئة التي يُنظم فيها، والشعر النبطي بدوي في أصالته، يؤكد أهمية الحفاظ على القيم المجتمعية وتوارثها بين الأجيال، فالقيم الأخلاقية تحدد هوية الشعوب وانتماء المجتمعات، لذا يبدو الشعر النبطي ممتلئًا بكل ما يحض على مكارم الأخلاق ويزكيها في النفوس، ومن ذلك قول الشاعر محمد بن ناصر بن صقر السياري:
ياللي تعرف الجوهرة من نحاسَـــــهْ
خذ لك على درب التـــجاريب مرواس
مبنى على الغرمول ينــهد ساســـــه
ويثــبت إليــا عزيت مبنى على ســاس
واجب على الرجال يلبـــــس مقاسه
ويـصــير بعـيون الرياجــيل نــبراس
يرفع مجـــــاله عن دروب الـدناسـه
ونفــســه يدربـــها عـلى قــوة الـــباس
ويحــسن أخلا قـه بلــيّا شراســـــــه
لــو هـو شجاع ويلبس الـدرع والطاس
وياخذ تجاريب الـــــليالي دراســـه
ويمــيـّز الياقــوت من لمــعة الــــماس
ومن يصحب الأنذال وأهل النجاسه
يُــقـْـلب عــليه الهـرج في كل مجلاس
الذيــب يرفع هــمته عن مداســـــه
يوم يجوع وســاعـةٍ يــــرفــع الــراس
وبعض العرب مـــا همه إلا لباســـه
ودايم على عورات الأجواد عـــســاس
وحين نطالع قصائد الشعر النبطي نلحظ مدى سعة ثقافة الشعراء واطلاعهم على التراث الثقافي، ونلحظ جمال المزج بين الماضي والحاضر حين يعمد الشاعر إلى مفاجأة المستمع بنقله من الماضي السحيق إلى الواقع المعاصر، بذكر حكاية مشهورة من حكايا التراث القديم، وإسقاط المعاني بعدها على واقعنا المعيش بذكر أسماء أو رموز تدل عليه، وها هو الشاعر حمد بن علي بن مايقة الحبابي يَذكر في الأبيات الآتية حشدًا من الشُّعراء الأماجد في الفصحى؛ فيقول:
صناديد لهم باب النَّشيد
تفتَّح واستحلُّوا مغلقاتِهْ
الاخْطَل والفرزْدق مع جريرٍ
والاعْشى والذي سوَّى سواتِهْ
وابن ثابت وأبي سلمى زهير
وعمرٍو والضليلِ ومبكياتِهْ
وعنتر مَن هوى عبلةْ وقيس
هوى ليلى مسوِّي بهْ شراتِهْ
وذي الرمة والأقرع مع جميل
ومن قولهْ تسبَّب في وفاتِهْ
وبشار بن بردٍ والمهلهلْ
ومَن سمي الفحل بمقدماته
وحاتم والنوابغ وابن حلزهْ
وطرفة واطراف المعاني طراته
وأنا قصدي هو الشِّعر الفصيح
لهم فضْلُ القديمِ وسابقاتِه
إنّ الشعر النبطي لم ينشَأ لمحاربة الفُصحى ولم يعرف عنه مزاحمتها، بل إنَّ التجارب المتراكمة تؤكد أنّه حاول أن يسير جنبًا إلى جنب معها واستقى منها واعتمد عليها ونهل من معينها، فقد اتخذ من طُرق الشعر التقليدي الذي يعتمد اللغة الفصيحة وأساليبه مرجعًا له.
إعلان