ما هي عوامل الانتصار والخسارة في الحروب غير النظامية؟
تاريخ النشر: 3rd, January 2024 GMT
سلط موقع "مبادرة الحرب غير النظامية" الأمريكي، الضوء على ما يمكن أن نعرفه عن الحرب بين الاحتلال والمقاومة الفلسطينية، وعوامل الانتصار والهزيمة في الحرب غير النظامية.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21" إن تحديد الجانب الخاسر في أي خلال هذا الصراع أمر غير صعب: فمن خلال عدد الضحايا المدنيين، الذين راحوا ضحية عمليات التدمير الكارثية،في المقابل، فإن تقييم أي من المقاتلين سيفوز هو مهمة أكثر إرباكا بكثير.
وفي هذه الحرب، كما هو الحال في العديد من الحروب الأخرى، يكون النجاح والفشل متعدد الأشكال، ويتجلى على المستوى التكتيكي والإستراتيجي، محليا ودوليا، بشكل مباشر وغير مباشر، وعبر فترات زمنية مختلفة. وبما أن الحرب، بدمارها وخسائرها، تبرر ظاهريا من خلال الهدف السياسي الذي ترنو إلى تحقيقه، ينبغي أن يكون هذا الافتقار إلى الوضوح مثيرا للقلق.
باستخدام حرب إسرائيل على حماس إلى جانب السوابق السابقة كدراسات حالة، يسعى هذا المقال إلى تسليط الضوء على مسألة النصر في الحرب غير النظامية. من المؤكد أنه من السابق لأوانه الإدلاء بتصريحات حاسمة بشأن الصراع الدائر في الشرق الأوسط، ولكن من الممكن أن نتعلم الكثير من خلال دراسة ما ظهر حتى اللحظة الراهنة.
ومع هذا التحذير يبقى السؤال: هل هناك من ينتصر في هذه الحرب، وإذا كان الأمر كذلك، فكيف ولماذا؟ ولا تتعلق المناقشة بالقتال في غزة فحسب، أو بسياساتها الإقليمية الأوسع، بل بمستقبل إستراتيجية الحرب غير النظامية وبتنظيرنا المستمر لما يمكن أن تحققه؛ حيث تُدرس الكليات الحربية نظريات النصر باعتبارها عنصرا حاسما في الإستراتيجية، ولكن هل نعرف حتى ما الذي نبحث عنه؟.
وقال الموقع إنه منذ هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 واجهت الحركة هجوما مضادا غاضبا، فلقد قصفت إسرائيل مواقع حماس في مختلف أنحاء غزة، فدمرت قاعدة عملياتها وسعت بذلك إلى تحقيق هدفها الحربي المتمثل في القضاء على الجماعة. وبعد أسابيع فقط من القتال، بلغ عدد الضحايا في غزة أكثر من 22 ألف شخص، غالبيتهم العظمى من المدنيين. ويشير حجم الهجوم إلى أن إسرائيل لن يردعها البنية التحتية المدنية. وبعبارة أخرى؛ فإن حماس ستبدو خاسرة.
ومن المؤكد أن هذا ليس هو السرد السائد. بل على العكس من ذلك، لا توجد ثقة حقيقية اليوم في أن القوة العسكرية المطلقة سوف تكسب الحرب. وإذا جاز التعبير، وإذا كنا قد تعلمنا أي شيء من العراق، ومن عشرين عاما من محاربة مختلف التهديدات غير المتكافئة، فهو أن النصر لا يعني النجاح العسكري فحسب، بل يعني أيضا تحقيق السلام الدائم. ومن خلال هذا المنظور؛ تتمثل المفارقة في أنه على الرغم من النكسات العسكرية التي تعرضت لها، تحقق حماس نجاحا سياسيّا وتستفيد من الهجوم العسكري الإسرائيلي.
وتقول هذه الحجة إن إسرائيل، بغزوها لغزة، وقعت ضحية للمغالطة الإستراتيجية المعتادة لدى القوات المسلحة الغربية: والتي تتلخص في إمكانية استخدام التفوق العسكري لهزيمة التمرد.
وأوضح الموقع أن حالة انتصار حماس ترتكز على ثلاث ركائز. فأولا، تمكنت حماس من خلال هجومها من إظهار الضعف الإسرائيلي والتغلب على منافسيها الفلسطينيين، وعلى رأسهم السلطة الفلسطينية. وفي إسرائيل، يُنظر إلى الهجمات على نطاق واسع على أنها تمثل تهديدا وجوديا، ومن هنا جاءت سرعة وشدة الرد عليها. ومع زيادة حزب الله لهجماته الصاروخية، وتصاعد العنف في الضفة الغربية، واستمرار الحوثيين في استهداف مواقع إسرائيلية وأمريكية خلال هجماتهم الصاروخية؛ تجد إسرائيل نفسها في حرب محتملة متعددة الجبهات، مما يسلط الضوء على موقفها غير المستقر. وفي الوقت نفسه، تضاءلت صورة الآلة العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية التي تتباهى بها كثيرا. ومن خلال هذا الهجوم، أظهرت حماس ميزانا جديدا للقوى.
ثانيا؛ يشكل تدمير حماس، وهو هدف إسرائيل الذي تطمح إلى تحقيقه، مهمة بالغة الصعوبة، فحتى لو تم إضعاف المنظمة بشكل نهائي، فمن الصعب قتل الأيديولوجيات. وسوف يعتمد على ما إذا كانت إسرائيل قادرة، بضربها لحماس، على تقويض جاذبية رسالتها وقضيتها. وبعيدا عما تستطيع وما لا تستطيع تحقيقه عسكريّا، يتطلب هذا معالجة الغضب الفلسطيني المتفاقم تجاه إسرائيل، فضلا عن الظروف اليائسة في غزة، حتى قبل الهجوم.
وأشار الموقع إلى أنه من الصعب معرفة كيف يمكن لإسرائيل أن تحقق تقدما على أي من الجبهتين، فلقد أصبح "حل الدولتين" شعارا عفا عليه الزمن لدى الجهات الأقل نفوذا. ومن ناحية أخرى؛ لا يبدو أن أيا من البدائل المقترحة لحكم حماس في غزة قابل للتطبيق، حيث تبدو السلطة الفلسطينية غير جديرة بالثقة بشكل خاص بسبب خمولها وتراجع شرعيتها في أعقاب هجمات حماس.
وأضاف الموقع أنه مع استمرار حالة عدم اليقين السياسي في غزة، والمظالم القديمة الملتهبة بالجراح الجديدة، فقد تتمكن حماس من البقاء على قيد الحياة، إن لم يكن على المستوى التنظيمي فمن الناحية الأيديولوجية. وإذا كان الأمر كذلك فإن حركة المقاومة التي نصبت نفسها سوف تكون قادرة على ادعاء شرعية هائلة لأنها ألحقت الأذى بإسرائيل بشكل لم يسبق له مثيل، ولاكتساب التنازلات من خلال إطلاق سراح الرهائن، وصمودها في وجه الهجوم الذي أعقب ذلك.
وقال إنه سوف تنعكس هذه الإنجازات ليس في مختلف أنحاء العالم الفلسطيني فحسب، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى زيادة الدعم لحماس منذ الهجوم الإسرائيلي، بل على الصعيدين الإقليمي والدولي.
ثالثا؛ أيّا كان ما قد يحدث لحماس، فإنها تستطيع أن تزعم عن حق أنها أعادت القضية الفلسطينية إلى الخريطة؛ حيث يخبرنا كلاوزفيتز أن الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى. على هذه الجبهة؛ أقنع الصراع الحالي العديد من الناس بأن السياسة الإسرائيلية في التعامل مع فلسطين غير مستدامة وأن الأمر يتطلب حلّا سياسيّا مختلفا.
ويمكن مقارنة هذا الموقف بالإهمال النسبي للقضية الفلسطينية قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر، عندما كانت إسرائيل تدير الصراع على خلفية النسيان العالمي. وسوف تنسب حماس، بقدر من المصداقية، الفضل لها في تشويه سمعة إسرائيل على المستوى الإقليمي وخارجها، وإعادة غزة إلى عناوين الأخبار الدولية، والتسبب في معضلات أيضا للراعي الرئيسي لإسرائيل، وهي الولايات المتحدة.
وأصبحت إسرائيل الآن أكثر عزلة مما كانت عليه لفترة طويلة، وذلك في أعقاب فترة من المشاركة الدولية الناجحة. وقد استدعت العديد من الدول سفراءها، وألغت الصفقات المبرمة، وحتى الولايات المتحدة أظهرت علامات من التردد، وعلى الرغم من صعوبة اكتشافه - نظرا للمساعدة العسكرية الأمريكية المستمرة وميلها لدعم إسرائيل إلى أقصى حد - يمارس الرئيس بايدن الضغط على إسرائيل بطرق غير معهودة لرئيس أمريكي.
ويكشف التأخير في إرسال بنادق جديدة إلى إسرائيل والأساليب الإبداعية اللازمة لإرسال قذائف المدفعية (لتجاوز المعارضة المحتملة في الكونغرس) إلى مدى تحول الرأي الأمريكي بشأن إسرائيل. وتكشف استطلاعات الرأي عن ميل متزايد بين الأمريكيين لإلقاء اللوم على إسرائيل في الحرب والتعاطف مع السكان الفلسطينيين. بالنسبة لإدارة بايدن أصبح دعم إسرائيل مجازفة خطيرة، سيكلفها الأصوات محتملة على الصعيد المحلي والشرعية على المستوى الدولي.
ونظرا لهذا المنطق، فمن المعقول القول إن هجمات حماس حققت مستوى معينا من النجاح يتجاوز الخلل العسكري الواضح في العدوان الدائر، فقد أدى الهجوم في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر إلى تعطيل الديناميكيات السياسية الراسخة وإعادة تشكيل التصورات النفسية والإستراتيجية بطرق غير متوقعة.
وأشار الموقع إلى أنه يمكن العثور على أوجه التشابه في التاريخ؛ حيث تعرضت القوات الفيتنامية الشمالية لضربات شديدة في هجوم تيت سنة 1968، لكن استعراض القوة غيّر الحسابات الإستراتيجية المحيطة بالحرب، مما أدى في النهاية إلى الانسحاب الأمريكي وانهيار فيتنام الجنوبية. وفي سنة 1995؛ شنت جماعة الزاباتيستا في المكسيك هجوما جريئا سرعان ما تم صده، إلا أن الجماعة تمكنت بعد ذلك من تقديم نفسها على المستوى الدولي باعتبارها الضحية المحاصرة لدولة متعسفة.
وقد استفادت "الحرب الإلكترونية" الناتجة، حسب مصطلحات أركيلا ورونفيلدت، من الشبكات الموزعة عالميا بطريقة أدت إلى شل الدولة، بحيث لا يزال الزاباتيستا، حتى يومنا هذا، يحكمون مناطق متمردة تتمتع بالحكم الذاتي بشكل منفصل عن معارضة للدولة.
في هذه الحالات وغيرها؛ تزعزع التوازن العسكري بسبب الأصول غير الملموسة، وبينما من غير المؤكد ما إذا كانت حماس توقعت هذا النوع من النتائج، فمن الواضح أن الحركة تعاني من الأثار الجانبية الناتجة عن هجمات السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، لا سيما فيما يتعلق بالتأثير على التصورات العامة؛ حيث إن الاعتراف بهذه الحقيقة ليس دفاعا عن الهجوم، بل هو محاولة لتفسير حدوثه.
فمثل هذا العمل الهجومي يمكن أن يخلق صدمة معرفية، ويجذب الاهتمام العالمي، وربما يغير السرد. وبناء على ذلك، فإن أي رد فعل على مثل هذه الأحداث يجب أن يهتم بشكل حاسم بالتأطير والسرد والتصورات التي تتبعها. سوف تظل القوة العسكرية مهمة دائما، ولكن كما حذر جوزيف ناي قبل عقدين من الزمن تقريبا، فإن "النصر يعتمد أيضا على من سيفوز سرده". إن نجاح حماس، في هذه المنافسة لا بد أن يكون أمرا صادما بقدر ما هو مفيد وفق وصفه.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية الاحتلال الحرب غير النظامية حماس غزة حماس غزة الاحتلال صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تشرین الأول على المستوى من خلال فی هذه فی غزة
إقرأ أيضاً:
موجز تاريخ الحرب كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
"هل علينا أن نتحمل خطيئة قابيل؟! وهل مكتوبٌ في أقدارنا أن نستمر في شن الحرب حتى نُهلِكَ أو نَهلَك؟!
إنها الحرب، امتداد الخطيئة الأولى، لما طوعت لابن آدم نفسه قتل أخيه فقتله، فأصبح من الخاسرين! فهل أصبحت الحرب فعلا تُورّث بين أبناء آدم؟!"
بهذه الكلمات عبرت أراكة عبد العزيز مشوح عن صدور ترجمتها لكتاب "موجز تاريخ الحرب" للمؤرخ العسكري غوين داير، الذي صدر قبل أيام يسيرة عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر.
مايكل غوين داير، المولود يوم 17 أبريل/نيسان 1943، مؤرخ عسكري بريطاني كندي ومؤلف وأستاذ وصحفي ومذيع وضابط بحري متقاعد، وقد كان أول ظهور واشتهار له في ثمانينيات القرن الماضي مع إصدار مسلسله التلفزيوني "الحرب" الذي عرض عام 1983، ليردفه بنشر كتاب مصاحب له بالاسم نفسه عام 1985.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2محاكمة "الاستغراب".. قراءات نقدية متعددة لمشروع حسن حنفي الفكريlist 2 of 2المفكر الصادق الفقيه: على العرب استكشاف إستراتيجيات للتغلب على التبعية والتخلفend of listعاش داير الحروب واقعا وممارسة كما عاشها ودراسة أكاديمية فجمع في فهم الحروب بين المعايشة والتخصص الأكاديمي، فهو الذي ولد في أثناء الحرب العالمية الثانية في سانت جونز لعائلة كاثوليكية أيرلندية، وفي وقت ولادته، كانت المقاطعة دومينيون نيوفاوندلاند، مستعمرة تابعة للتاج البريطاني، ولكن عندما انضمت نيوفاوندلاند إلى كندا يوم 31 مارس/آذار 1949، أصبح مواطنا كنديا بحكم القانون، وحينها انضم داير إلى الاحتياطي البحري الملكي الكندي وهو في سن الـ16، وفي مسارٍ موازٍ حصل على درجة البكالوريوس في التاريخ من جامعة ميموريال في نيوفاوندلاند عام 1963، ودرجة الماجستير في التاريخ العسكري من جامعة رايس في هيوستن، في تكساس عام 1966 ودكتوراه في التاريخ العسكري وتاريخ الشرق الأوسط في كينغز كوليدج لندن عام 1973.
كما أنه خدم في الاحتياطيات البحرية الكندية والأميركية والبريطانية، وتم تعيينه محاضرا أولا في دراسات الحرب في الأكاديمية العسكرية الملكية ساندهيرست ما بين عامي 1973-1977، وكان قد بدأ في عام 1973 كتابة مقالات لصحف لندن الرائدة حول الصراع العربي الإسرائيلي، وسرعان ما قرر التخلي عن الحياة الأكاديمية من أجل مهنة بدوام كامل في الصحافة.
أما كتابه "موجز تاريخ الحرب" الذي أصدره سنة 2021، وصدرت ترجمته للعربية قبل أيام، فإنه يتناول آلية الحرب وكيف تعمل، ويتساءل فيه المؤلف "لماذا نخوضها؟ بل حتى كيف يمكننا إيقافها؟" وعلى الرغم من أن الرأي العام في بعض البلدان كان قد انقلب في النهاية على الحرب، باعتبارها نوعا من أنواع المتاجرة، فإن الدول كلها تقريبا لا تزال تحتفظ بجيش عسكري حتى وإن كانت احتمالات خوضها حربا أمرا مستبعدا بالنسبة إلى غالبيتها.
المؤرخ العسكري "غوين داير" عايش الحروب واقعا وممارسة ودراسة أكاديمية فجمع في فهم الحروب بين المعايشة والتخصص الأكاديمي (غيتي)على الرغم من أن المؤلف قد أمضى النصف الأول من شبابه وهو يطوف بين جنبات الجيش، فإن كتابه هذا ليس تأريخا عسكريا خالصا بالمعنى المتداول، بل هو دراسة للحرب بصفتها عُرفا وتقليدا متوارثا سائدا بين الناس، ومعضلة وإشكالية أيضا يجب علينا التعامل معها بموضوعية.
يأتي هذا الكتاب في مرحلة حاسمة يعيشها العالم من حرب روسيا وأوكرانيا وثورات الربيع العربي ومؤخرا الحرب الجارية على غزة لبنان، ويقف العالم على فوهة بركانية ويعايش فترة زمنية ربما تكون من أصعب المراحل التي مرت عليه.
وفي الوقت الذي يسرد فيه غوين داير نبذة متسلسلة تبعا للتاريخ عن كيفية نشوء الحرب بين بني البشر غير أنه يعود في بعض الفقرات خطوة إلى الوراء لينظر في شكل الحرب بين الرئيسيات "وهم ثلة من الثدييات تضم القردة والشمبانزي والسعادين والقرود أشباه البشر"، ليقارن بعد ذلك بينهم وبين الإنسان البدائي، على الأخص في أستراليا وغابات الأمازون، من ناحية شكل الحرب والهجوم والدفاع، ومن منهم يستخدم سلاحا في حربه ضد عدوه ومن الذي لا يمتلك إلا يديه سلاحا!
تاريخ النزاعات والحروبويمضي المؤلف قدما ليصف شكل المعركة الأولى وكيف تغيرت وكيف تسلحت وكيف كانت حال المقاتلين وعدد القتلى، ويقدم شرحا وافيا لسؤال كيف نشأت المعركة؟ ثم يقسم الحرب إلى تصنيفات مختلفة بحسب التاريخ، كلاسيكية وجماهيرية وشاملة. من بعدها، يبدأ في سرد نبذة عن الحرب النووية والحرب التقليدية وأخيرا الحرب على الإرهاب.
وهذا الكتاب الذي يقدم تحليلا شاملا وعميقا لتاريخ النزاعات، ويساعد القارئ على فهم الأسباب الكامنة وراء نشوب الحروب، وتطوراتها عبر التاريخ، وتأثيراتها المدمرة على المجتمعات، يتوزع على 10 فصول، يدور بعضها حول قضايا نظرية تتناول جذور الحروب ونشوء المعارك والأسباب التي تدفع البشر إلى شنها والأساليب التي نقاتل بها، وتعرض فصول أخرى تاريخ الحروب في تسلسل زمني، بدءا بالحروب الكلاسيكية، وصولا إلى الحروب النووية والشاملة.
داير يتناول في الكتاب بالاستعراض التفصيلي التطور الذي طرأ على التكتيكات والأسلحة المستخدمة في الحروب عبر الزمن (غيتي)ويوضح داير أن الحروب لم تكن دائما جزءا من التجربة الإنسانية، بل إنها تطورت بوصفها للتنافس والسيطرة، وذلك من خلال تفصيل القول في كيفية بداية النزاعات العسكرية وأسبابها الرئيسية، مثل الصراع على الموارد والأراضي، ثم يناقش المؤلف كيف تغيرت أسباب الحرب مع تطور المجتمعات.
كما يتناول المؤلف بالاستعراض التفصيلي التطور الذي طرأ على التكتيكات والأسلحة المستخدمة في الحروب عبر الزمن، فيبدأ الحديث عن الأسلحة البسيطة في العصور القديمة وصولا إلى التطورات التكنولوجية الحديثة، مثل الأسلحة النووية والطائرات بدون طيار، ويقدم الكاتب تحليلا لتأثيرات هذه التغييرات على طريقة خوض الحروب وأعداد الضحايا وأساليب القتال.
ومما يتوقف عنده المؤلف في كتابه ويتناوله بالاستعراض والنقاش تأثيرات السياسة والدبلوماسية على مسار الحروب، وكيف تُستخدم الحروب أداة لتحقيق الأهداف والغايات السياسية، فالحرب إنما تشتعل لخدمة السياسة، ويبرز داير مسألة الوصول إلى التفاوض والمحادثات الدبلوماسية وأهمية ذلك في إنهاء الصراعات، مستعرضا بعض الاتفاقيات البارزة التي أسهمت في إنهاء بعض الحروب الكبرى.
داير تناول في الكتاب بالنقد والتحليل والتقييم دور القوى العظمى في الحروب وتوجيه النزاعات والتحكم في مساراتها وقطف ثمارها (غيتي) الحروب والمجتمعاتكما يتناول المؤلف بالحديث التحليلي قضية تأثير الحروب على المجتمعات، بما في ذلك الآثار الاقتصادية والسياسية والنفسية، مسلطا الضوء على الكوارث الإنسانية التي خلفتها الحروب، بدءا من الخسائر البشرية وصولا إلى الدمار الاقتصادي والاجتماعي.
ومما يتميز به الكتاب أيضا أن المؤلف تناول بين طياته تأثير الثورة التكنولوجية على طبيعة الحروب الحديثة، مع الأخذ في الاعتبار الحروب القائمة والنزاعات الحالية المتصاعدة والتحديات الجديدة التي يواجهها العالم، مثل الحروب السيبرانية والإرهاب وغيرها.
كما أن داير تناول في الكتاب بالنقد والتحليل والتقييم دور القوى العظمى في صاعة الحروب وتوجيه النزاعات والتحكم في مساراتها وقطف ثمارها.
وفي النهاية، يبقى الموضوع الرئيس للكتاب هو محاولة الإجابة بلغة سلسة وطريقة واضحة وأسلوب سهل عن سؤال: لماذا نخوض الحروب، وكيف نوقفها؟ لأن هذا فعلا ما تحتاج إليه البشرية اليوم لكبح جماح جنونها المتصاعد.