سواليف:
2024-11-23@10:41:49 GMT

ازدواجية المعايير

تاريخ النشر: 3rd, January 2024 GMT

#ازدواجية_المعايير
بقلم : د. #هاشم_غرايبه
من المتفق عليه أنه لا يمكن تحقيق العدالة في الأحكام، ولا النزاهة في التقييم، إلا ان كانت هنالك مرجعية ثابتة ومستقرة، يرجع الحكم إليها، او يقاس بناء عليها.
لذلك رأينا المجتمعات ومنذ القدم، تنحو نحو إرساء معايير ثابتة اجتهد في وضعها فقهاء تشريعيون، وظلت طوال العصور في تطوير وتحديث، كلما لوحظ قصورها عن تلبية متغيرات العلاقات وتناقضاتها.


لكن العيب الأكبر فيها لم يكن في أوجه القصور والتخلف عن مواكبة المتغيرات، بقدر ما كان في إمكانية القفز عنها أو تطويعها وفق الهوى من قبل ذوي النفوذ والسلطة، إن تعارضت مع مصلحتهم.
من هنا نشأ مفهوم المعايير المزدوجة، أي تتبع التشريعات إن حققت المصلحة ولم تلحق الضرر بالطرف المهيمن، وتهمل أو يعدل المفهوم إن خالفت ذلك.
وبالطبع عندما يكون الحَكَم في تقدير الأمر هو ذاته الخصيم للمبدأ، فلا يمكن أن يكون الحُكمُ صحيحا، وعليه فيجب أن يكون من خارج ذوي الإربة، أي ليس بشريا، لذلك أنزل الله تشريعاته، لتشكل مرجعية ثابتة لكل البشر ولجميع الظرف والأزمان.
لكن الإنسان في غالب الأحيان لم يتبعها، ومنذ الكائنات البشرية الأولى (ابني آدم)، حدث الانحراف عنها، فعندما قدم الأخوان (قابيل وهابيل) قربانا الى الله، طلبا لنيل رضاه، أراد الله أن يعلمهما بالمرجعية الموحدة لقبوله إياها، وهي التقوى، فما تقبل القربان إلا من المتقي مهما، ولم يتقبل من الآخر، والذي رفض الحكم، بل وهدد أخاه بالقتل إن لم يقبل التخلي عن تلك المرجعية، ثم نفذ تهديده لما أصر المتقي على ضرورة الانصياع لها.
هكذا بدأ الظلم الأول عند البشر، وتواصل الأمر في تزايد الى يومنا هذا، وظل الصراع قائما حتى داخل النفس البشرية، بين الانصياع الى متطلبات العدالة الفطرية التي فطرت عليها النفوس أصلا (الضمير النقي)، وبين النوازع والرغبات والأطماع (متطلبات الأنانية).
وتوسع ذلك ليشمل المجتمعات، فأصبح الصراع فيما بين الأفراد فيها بين متطلبات العدالة المجتمعية والمساواة في نيل الحقوق وأداء الواجبات بين الأفراد في المجتمع الواحد، وعلى مستوى أوسع بين المجتمعات البشرية المتنافسة على موارد الطبيعة.
فنشأت النزاعات والصراعات بينها ونشأت الحروب، والتي جعلت الاحتكام الى منطق القوة والغلبة في فرض حل النزاع، بديلا للاحتكام الى مرجعية الحق والمنطق التي يحقها التشريع الإلهي العادل.
ولما كان منطق أن الحق مع الأقوى يجافي الفطرة، وليس مقنعا للعقل، ومتغير ظرفيا، فقد أراد متبعوه أن يرسخوه منهجا بديلا للشريعة، جعلوا له إطارا فكريا لتمريره على العقول، فجاءوا بفكرة العلمانية، المنبنية على استبعاد التشريع الإلهي، ووجدوا تبريرا له في الحالة الأوروبية التي كانت قائمة في القرون الوسطى، وهي احتكار تمثيل المؤسسة الكنسية للدين، والتي هي في حقيقتها لم تكن إلا ركنا واحدا من المؤسسات المجتمعية الثلاث التي تمثل الظلم الفاقع، وقام عليها النظام السياسي الأوروبي (المؤسستان الأخريان هما العائلة المالكة والاقطاع)، والشعوب كانت عبيدا وأقنان وأجراء، ليس لها أية ملكية للأرض.
عندما ظهرت فكرة العلمانية، كانت تحت شعار تحييد رجال الكنيسة وليس الدين، بالغاء امتيازاتهم ودورهم التشريعي، رحبت بها الطبقتان المنافستان، فيما قبلت بها الشعوب كونها لا تعرف من الدين إلا ما تقوله الكنيسة، التي لا يرون فيها حَكَما ينصفهم، بل شريك للطبقتين الظالمتين.
بالمقابل وضع منظرو العلمانية مبادئ نظرية مشتقة من التشريعات الإلهية، لذلك كانت منطقية ومقنعة، غير أن حقيقتها في ظاهرها العدالة، لكن باطنها ليس فيها المساواة، بسبب أن تفسير وتطبيق هذه المبادئ يحتكره الأقوياء، فيطبقونها حسب الهوى والمصلحة.
لذلك فالنظام العالمي العلماني هو ما رسخ ازدواجية المعاير، وأصبح نهجا مجازا رغم عدم احترامه العقل ولا المنطق، وانعكاس ذلك على الانتقائية في تطبيق معايير الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.
نستخلص مما سبق أن الدعاة الى تحييد شرع الله في ديار الإسلام واتباع العلمانية بديلا، إنما هم أنصار للظلم ومناوئون للعدل ودعاة الى الباطل.
ولا حجة لهؤلاء بالتطبيقات الشكلية من قبل بعض الأنظمة أنها تمثل تشريعات الدين، فلا نظام إسلامي في العالم اليوم، ليس عن عجز وقصور في تشريعات الدين، بل بالقهر والحظر.

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: ازدواجية المعايير

إقرأ أيضاً:

تركيا.. نقاش حول العلمانية في ظل صراع الهوية المتواصل

تقدم عدد من قادة حزب الشعب الجمهوري ونوابه إلى الادعاء العام في العاصمة التركية أنقرة، يوم الاثنين، بشكوى ضد وزير التعليم التركي يوسف تكين، بدعوى أنه "خالف اليمين الدستورية التي أداها أمام أعضاء البرلمان، وأساء استخدام وظيفته ليحرض الشعب على الكراهية والعداوة بتصريحاته التي لا تمت للحقيقة بصلة". كما شن مشاهير الإعلام والفن الموالون لحزب الشعب الجمهوري حملة واسعة في مواقع التواصل الاجتماعي لدعوة تكين إلى الاستقالة.

التصريحات التي أثارت حزب الشعب الجمهوري هي ما أدلى بها الوزير في مدينة بطمان، جنوب شرقي تركيا، حول مفهوم العلمانية، وأشار فيها إلى أن حزب الشعب الجمهوري قام في أربعينيات القرن الماضي بإغلاق المساجد وتحويلها إلى الحظائر، وحظر تعلم تلاوة القرآن الكريم باسم تطبيق مبدأ العلمانية. وذكر تكين أن العلمانية، كما يفهمها، هي أن تضمن الدولة حرية المعتقد والعبادة لجميع مواطنيها، بغض النظر عن أديانهم ومذاهبهم، إلا أنها في نظر حزب الشعب الجمهوري هي تقييد حرية العبادة للمسلمين وحظر الحجاب في الجامعات.

ما ذكره وزير التعليم التركي من ممارسات حزب الشعب الجمهوري السابقة كدليل على تبني الحزب للعلمانية المتطرفة أحداث مسجلة بالصوت والصورة، كما أن ضحاياها وشهود عيانها ما زالوا على قيد الحياة، وبالتالي لا يمكن إنكارها بأي حال. وتشير ردة فعل قادة حزب الشعب الجمهوري ونوابه وأنصاره إلى أنهم لا يرون تلك الممارسات خاطئة، وأنهم يَحِنّون إلى الحقبة التي تم فيها تطبيق ذاك النوع من مفهوم العلمانية في تركيا.

النقاش الدائر اليوم بين المؤيدين لتصريحات تكين حول العلمانية والمعارضين لها، ليس مجرد اختلاف في تفسير العلمانية، بل يعكس في الحقيقة صراع الهوية الذي لم يُحسم بعد في البلاد، ولم تطو صفحاته على الرغم من الإصلاحات الكثيرة التي قام بها حزب العدالة والتنمية خلال حوالي 22 عاما. وهو صراع بين المتمسكين بهوية الشعب التركي المسلم والراغبين في تبديل تلك الهوية بأخرى مشوهة تقلِّد الهويات الغربية، ولو عن طريق فرض الهوية الجديدة على المواطنين بقوة القانون والسلاح.

محاولات إبعاد الشعب التركي عن هويته الإسلامية لم تتوقف منذ تأسيس الجمهورية الحديثة، بل اشتدت الحرب على تلك الهوية المتجذرة في بعض الأحيان لتبلغ ذروتها، كما كانت في أربعينيات القرن الماضي التي شهدت أيضا حظر الأذان باللغة العربية. وقاد حزب الشعب الجمهوري تلك المحاولات تحت ذريعة العلمانية، وبالتالي ليس من المستغرب أن يأتي قادة حزب الشعب الجمهوري ونوابه في طليعة المنزعجين من سياسة تحصين الشعب التركي المسلم عن طريق التعليم لتحافظ الأجيال الناشئة على هويتها الإسلامية الأصيلة.

العلمانيون المتطرفون الذين يحترمون جميع الأديان والمعتقدات باستثناء الإسلام، لديهم أساليب مختلفة في محاربة التدين الإسلامي ودعوة الشعب التركي المسلم إلى الانسلاخ من هويته. ومن تلك الأساليب خلق رموز من الكتّاب والأدباء والأكاديميين والإعلاميين والفنانين، وتقديم هؤلاء إلى المجتمع كشخصيّات مثالية ونماذج للتنوير، ثم ترويج آراء العلمانية المتطرفة عن طريق هؤلاء. العلمانيون المتطرفون المؤيدون لحزب الشعب الجمهوري يريدون أن يستخدموا العلمانية كسلاح ضد المواطنين المتدينين لقمع حرياتهم الدينية وإبعادهم عن المؤسسات الحكومية، كما كانوا يفعلون قبل سنوات. ويلاحظ أنهم بدأوا يرفعون أصواتهم أكثر من ذي قبل، لأن نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة التي حل فيها حزب الشعب الجمهوري في المرتبة الأولى لأول مرة منذ عقدين، شجعتهم على ذلكوكثير من الأحيان يكون ذاك "الرمز المزيف" شخصا لا يستحق الالتفات إليه، إلا أنه يكتسب الشهرة بقوة الدعم الإعلامي الذي يتلقاه من معسكره. وتوفيت إحدى هؤلاء قبل أيام عن عمر يناهز 110 عاما.

كانت "معزز علمية تشيغ" يتم تبجيلها على أنها باحثة وخبيرة في علم الآثار واللغات والحضارة السومرية، وكثيرا ما أطلق عليها لقب "البروفيسورة" على الرغم من أنها لم تكن تملك حتى شهادة الدكتوراة، ولم تنشر أي مقالة علمية. بل كانت مجرد موظفة في مكتبة، واكتسبت شهرتها من محاربتها للإسلام وآرائها التي لا تستند إلى أي دليل علمي، مثل ادعائها بأن السومريين أتراك، وأن هناك آيات قرآنية اقتبست من ألواح السومريين، وأن الحجاب كان رمز العاهرات في الحضارة السومرية. ومن الطبيعي أن تعجب هذه الهذيانات حزب الشعب الجمهوري والعلمانيين المتطرفين، إلا أن المؤسف للغاية أن يصف وزير الثقافة والسياحة التركي، مهمت نوري أرصوي، تلك المرأة في رسالة التعزية التي نشرها بعد إعلان وفاتها، بـ"خبيرة في الحضارة السومرية وعلم الآثار واللغات؛ قدمت مساهمات فريدة للثقافة التركية والتاريخ التركي".

العلمانيون المتطرفون المؤيدون لحزب الشعب الجمهوري يريدون أن يستخدموا العلمانية كسلاح ضد المواطنين المتدينين لقمع حرياتهم الدينية وإبعادهم عن المؤسسات الحكومية، كما كانوا يفعلون قبل سنوات. ويلاحظ أنهم بدأوا يرفعون أصواتهم أكثر من ذي قبل، لأن نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة التي حل فيها حزب الشعب الجمهوري في المرتبة الأولى لأول مرة منذ عقدين، شجعتهم على ذلك، ومنحتهم مزيدا من الجرأة، ودفعتهم إلى الاعتقاد بأنهم يمكن أن يُعيدوا تركيا إلى تلك الحقبة السوداء.

x.com/ismail_yasa

مقالات مشابهة

  • أوقات مكروه فيها دفن المتوفى .. تعرف عليها
  • كنايسل تنتقد ازدواجية المعايير لدى الغرب تجاه مذكرات الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية
  • شاهد بالفيديو.. الكابتن التاريخي لنادي الزمالك يتغزل في المنتخب السوداني بعد تأهله للنهائيات: (السودان التي كتب فيها شوقي وتغنت لها الست أم كلثوم في القلب دائماً وسعادتنا كبيرة بتأهله)
  • ما الدول التي إذا زارها نتنياهو قد يتعرض فيها للإعتقال بعد قرار الجنائية الدولية؟
  • ما الدول التي يواجه فيها نتنياهو وغالانت خطر الاعتقال وما تبعات القرار الأخرى؟
  • مذاهب الفقهاء في تعدد المساجد التي تصحّ فيها الجمعة بالبلدة الواحدة
  • أنواع المشقة التي أباح الإسلام الرخصة فيها أثناء الصلاة
  • إسرائيل: لبنان دولة فاشلة ولن ندفع أمننا ثمناً لذلك
  • مراسل سانا: أصوات الانفجارات التي سمعت في مدينة تدمر ناجمة عن عدوان إسرائيلي استهدف أبنية سكنية والمدينة الصناعية فيها
  • تركيا.. نقاش حول العلمانية في ظل صراع الهوية المتواصل