لولا صديق فلسطين.. رحلة السياسي الأكثر شعبية في أميركا الجنوبية
تاريخ النشر: 3rd, January 2024 GMT
"حين ذهبنا من قرية بينابوكو إلى مدينة ساوباولو، استمرَّت الرحلة ثلاثة عشر يوما في شاحنة نصف نقل بلا مقاعد، على متنها ألواح خشبية يجلس عليها بعض المسافرين ويقف بعضهم الآخر. وفي أثناء الطريق رأيت شاحنة "شيل" صفراء تنقل الوقود. منذ وقتها وحتى سن الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة كان حلمي أن أصبح سائق شاحنة، لكن ليس أي شاحنة، بل تلك التي رأيتها يومها على الطريق.
بتلك الكلمات حكى الرئيس الحالي للبرازيل لولا دا سيلفا عن رحلة عائلته الصعبة من قريتهم الصغيرة إلى المدينة وهو طفل في السابعة من عمره. ففي عام 1952 غادرت السيدة "أوريديس" والدة لولا قريتهم بينابوكو بصحبة أطفالها الثمانية، وانتظروا الشاحنة ثلاثة أيام لكي تحملهم إلى المدينة، وصعدوا على متن شاحنة كانت تقل نحو ثمانين مسافرا آخرين. وحين وصلت الأم وأولادها إلى مدينة ساوباولو، بعد رحلة كان أهل القرى البرازيلية في ذلك الزمن يُشبِّهونها برحلة الموت؛ اكتشفت الأم أن زوجها يعيش مع أخرى. وحين تفاجأ والد لولا بوصول زوجته وأبنائه الثمانية، لم يعرف كيف يُخفي علاقته الأخرى التي كان له منها أربعة أبناء آخرون. قرر الأب إخلاء بيته لزوجته الأولى وأبنائه، لكن الأم سرعان ما انفصلت عن والد لولا بعد عام واحد، وقررت أن تأخذ أبناءها الثمانية وترحل، دون وظيفة، وقبل أن يبدأ أيٌّ من أبنائها في العمل.
أفضت بهم الحال إلى العيش في إحدى حانات ساوباولو، وكان الحمَّام الذي تستخدمه العائلة هو نفسه الذي يستخدمه روَّاد الحانة. ورغم هذه الظروف، استطاعت الأم وحدها أن تربي أبناءها وتدير شؤون أسرتها خيرا من ألف رجل، كما يتذكر ابنها الآن. ولذلك يقول لولا حتى اليوم إنها مرجعه الدائم، والمدرسة التي تعلَّم فيها إدارة شؤون الحياة. وحين سُئل مرة عن نظامه في الحكم، ردَّ قائلا: "لا يُستخرج أفضل نموذج للحكم من كتاب ما، وإنما يُستنبط من الأم، فهي دائما ترعى أضعف أبنائها. إن كان عليها أن تمنح قطعة لحم أكثر، فستمنحها لأضعف أبنائها. إن كانت سترضع مرة أكثر، فسترضع الابن الأضعف. إنها تعشق جميع أبنائها، تحبهم جميعا، لكنها تعطف على الأضعف، ليس الأجمل أو الأذكى، بل الأكثر احتياجا، وهذه هي روح الأم. وأنا أعترف بأنني أحكم البلد بروح الأم. فنحن نحتاج إلى أن نرعى المواطنين الأكثر فقرا. الأغنياء لا يحتاجون إلى الدولة" (1).
لم تنبئ طفولة ونشأة "لويز إيناسيو دا سيلفا" المعروف بلولا بما أصبح عليه اليوم، وهو ما يجعل أبناء عمومته وأقاربه في قريته يسمُّون ما حدث له بالمعجزة. لقد وُلِد لولا عام 1945، وحين أصبح صبيا بدأ بالعمل ماسحا للأحذية وهو ابن 12 عاما، ثم عمل في مغسلة، وبعدها عمل بائعا متجولا للفواكه. وحين ترك المدرسة الابتدائية في الصف الخامس، بدأ العمل في مصنع لإنتاج المسامير لـ12 ساعة يوميا، وبدأ آنذاك بدراسة دورة مهنية لثلاث سنوات أنهاها عام 1963. لربما كانت حياة لولا لتستمر كحيوات ملايين العمال البرازيليين إن لم يُدعَ في مرة من المرات بالمصادفة لاجتماع من اجتماعات نقابة عمال الحديد، ويعجبه العمل النقابي والمشاركة في نشاطاته. منذ ذلك الوقت بدأ لولا يُوزِّع منشورات تنتقد الحكم العسكري في البرازيل، وتصاعد انخراطه في العمل النقابي رويدا رويدا (2).
في عام 1972 انتُخب لولا سكرتيرا لنقابة عمال الحديد، ثم انتُخب رئيسا لها بعد ثلاث سنوات ليستحيل قائدا لنحو 100 ألف عامل في أهم قطاعات الصناعة في بلده. وأثناء عقد السبعينيات، قاد لولا إضرابات وتظاهرات معارضة للديكتاتورية العسكرية، ما ساهم في إسقاطها فيما بعد. وفي 10 فبراير/شباط 1980، أسَّس لولا في ساوباولو حزب العمال ذا التوجه الاشتراكي بدعم نقابي ودعم من مفكرين وأساتذة ورجال دين. ويَعُد لولا أخاه الأكبر "فري تشيكو" اليد التي أخذت به إلى العمل السياسي، وإن كانا على اختلاف دائم، فقد كان أخوه عضوا في الحزب الشيوعي، ودعاه أكثر من مرة للانضمام إلى الحزب، لكن لولا كان يخبره بأنه لن يشارك في أي نشاط سري، وأنه يفضل العمل العلني وإن كانت له مخاطره (3).
في أبريل/نيسان من العام نفسه، قاد لولا إضرابا دام 41 يوما، وشارك فيه نحو 300 ألف عامل، ثم أُلقي القبض على لولا لمدة شهر، وحُكم عليه بعد ذلك بالسجن لثلاثة أعوام ونصف، قبل أن يُلغى الحكم. وبعد أن تأسس الحكم الديمقراطي في البرازيل، كان حزب العمال أكثر أحزاب اليسار حضورا في انتخابات البرلمان، وكان لولا أحد النوَّاب البرلمانيين في تلك الفترة. وقد استمرَّ النوَّاب اليساريون وأعضاء النقابات العمالية في المطالبة بحقوق العمال، وضمان الحق في الاعتصام، وتخفيض عدد ساعات العمل، والحصول على إجازات مدفوعة جزئيا، ومراجعة المرتبات بالنظر إلى كلفة العيش (4).
في عام 1989 رشَّح لولا نفسه للمرة الأولى في الانتخابات الرئاسية البرازيلية، ورغم أنه خسر الانتخابات أمام المرشح المحافظ "فرناندو دي ميلو"، الذي كانت تدعمه كل أحزاب الوسط واليمين، فقد نجح في الحصول على 47% من الأصوات، وكانت المرة الأولى التي يصل فيها مرشح عمالي معارض للنظام إلى هذه الدرجة من الشعبية. وبعد عام واحد، دُعي لولا بمبادرة من الرئيس الكوبي "فيدل كاسترو"، الذي كان من أشد المعجبين به، للقاء الأول لأحزاب ومنظمات اليسار في أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، وسُمِّي بمنتدى ساوباولو للسلام ومناهضة العولمة، وجمع أكثر من ستين حزبا سياسيا ومنظمة مسلحة من أكثر من 22 دولة. وقد عاد لولا للترشُّح للانتخابات الرئاسية في مناسبتين تاليتين دون الفوز بها، لكن حزب العمال كان يشهد صعودا في انتخابات البرلمان وحكام الولايات المختلفة المرة تلو المرة (5).
في يناير/كانون الثاني 2001، قاد حزب العمال البرازيلي مبادرة لعقد أول منتدى اجتماعي عالمي بديلا عن المنتدى الاقتصادي العالمي المنعقد في الوقت نفسه في سويسرا، المعروف بمنتدى دافوس، في تحدٍّ للنظام الدولي القائم وأصواته التقليدية. وفي العام نفسه، شهدت الحملة الانتخابية للقائد العمالي تغييرا واضحا في إستراتيجيتها الدعائية، فقد تبنَّى مستشارو لولا رؤية أقل راديكالية في السباق السياسي، وحوَّلوا القائد العمالي إلى سياسيٍّ محترف. وقد حذف لولا من برنامجه كل إشارة صريحة إلى الاشتراكية، وتحالف مع "خوسيه ألينكار" من الحزب الليبرالي، وكان مرشحه لنيابة الرئاسة. وقد تعهَّد لولا باحترام الاتفاق بين حكومة سلفه "كاردوسو" وصندوق النقد الدولي، وهو اتفاق انتقالي كان يجبر البرازيل على إجراءات تقشف مالي في مقابل الحصول على قروض دولية تضمن الاستقرار الاقتصادي. ولاقى ذلك البرنامج الانتخابي وهذه الصورة الجديدة للقائد العمالي قبولا من فئات واسعة من الأحزاب المختلفة، ومن رؤساء سابقين للبرازيل، بل ومن بعض القطاعات العسكرية (6).
في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2002، شهدت أميركا اللاتينية والبرازيل معجزة وحدثا غيَّر الخريطة السياسية للقارة، فقد فاز لولا دا سيلفا، مرشح الفقراء وعامل المعادن الذي لم يكمل تعليمه، برئاسة أكبر بلدان القارة الجنوبية. وحصل لولا في الجولة الثانية من تلك الانتخابات على أصوات 50 مليون مواطن برازيلي، ليصبح بذلك أكثر مرشح رئاسي حصولا على الأصوات في تاريخ البلاد، وأول رئيس يساري راديكالي يحكم إحدى دول أميركا الجنوبية عبر صناديق الاقتراع (7).
لولا في حلبة السياسة والرئاسةواجه رئيس البرازيل الجديد أولويات عدة، على رأسها الإصلاح الزراعي والقضاء على الفقر، لكنه كان يواجه تحديا صعبا يتمثل في بناء تحالفات ضرورية لدفع الإصلاحات اللازمة دون أن يثير حفيظة القوى داخل البلاد وخارجها، إلى جانب حاجته إلى تحقيق وعوده للعمال والفلاحين ومواطني الطبقة الوسطى. وعلى مدار فترتين رئاسيَّتين نجح لولا في إحداث تغيير جذري في اقتصاد البرازيل، جعلها في نهاية ولايته الثانية إحدى القوى الاقتصادية الواعدة في العالم. وفي عام 2008 أثناء الأزمة الاقتصادية العالمية، علَّق لولا قائلا: "إننا ننظف بيتنا، وهم لا يفعلون ذلك. لقد أمضوا العقود الثلاثة الأخيرة يخبروننا بأن علينا القيام بواجبنا، لكنهم لم يقوموا به. لا أريد أن أكون جلَّادا لجورج بوش، لكنني أحتاج أن أعرف كيف عليَّ التصرف. إن البلدان الغنية تحتاج إلى أن تتحمل مسؤوليتها، لأن البلدان الفقيرة لا يمكنها أن تتحول إلى ضحايا الكازينو الذي أنشأه الاقتصاد الأميركي" (8).
تُظهِر بعض الأرقام التحول الاقتصادي الذي مرَّت به البرازيل أثناء ولايتي لولا، ومنها الناتج المحلي الإجمالي الذي كان يُقدَّر بنصف تريليون دولار حين تسلم لولا الحكم عام 2002، ما وضع البرازيل في المرتبة 13 بين دول العالم، ثم ارتفع حين ترك الحكم عام 2010 إلى 2.6 تريليون دولار، واضعا البرازيل في المرتبة السادسة بين دول العالم. أما الرقم الثاني والأهم فهو دَخْل العشرة بالمئة الأفقر من سكان البرازيل الذي زاد 8% سنويا، وهي زيادة أكبر من النمو الاقتصادي للبلد نفسه. بالإضافة إلى النمو الاقتصادي، عمل لولا على افتتاح 11 جامعة حكومية جديدة، وعلى توفير منح دراسية لأكثر من 265 ألف طالب برازيلي في أكثر من 1985 مؤسسة تعليمية في كل نواحي البلاد (9).
ورغم كل ما سبق، قُبِض على لولا في مارس/آذار 2016، بعد ست سنوات من نهاية فترة رئاسته الثانية، للتحقيق في تهم بتلقي رشى من شركة البترول البرازيلية، فيما عُرف بعملية "غسيل السيارات" لمكافحة الفساد بقيادة القاضي "سيرجيو مورو"، الذي سيعيِّنه فيما بعد الرئيس اليميني المتطرف "بولسونارو" وزيرا للعدل. وقد احتج كثيرون على مسار العملية القضائية وقالوا إنها كانت مُسيَّسة إلى حدٍّ كبير، واستهدفت تطويق التجربة البرازيلية التي دشَّنها لولا. وبعد ذلك حُكم على لولا بالسجن لتسعة أعوام وستة أشهر، ومُنِع من المشاركة في الانتخابات الرئاسية لعام 2018 التي فاز بها "بولسونارو". وفي السابع من نوفمبر/تشرين الثاني 2019، أعلنت المحكمة الدستورية العليا أن حبس لولا كان مخالفا للدستور، وأصدرت أمرا بإطلاق سراحه، وفي مايو/أيار من العام الماضي، أُعلِنَت براءة لولا في تلك القضية، ثم أعلنت محكمة العدالة العليا أن سجنه كان خطأ تاريخيا (10).
بعد خروجه من السجن عاد لولا للترشح للانتخابات الرئاسية في البرازيل عام 2022، وقد تحالف هذه المرة مع تسعة أحزاب برازيلية، وأضاف إلى برنامجه الاهتمام بالبيئة التي تعمَّد بولسونارو تجاهلها وتوسَّع في تصحيرها من أجل استغلال ثرواتها. ويُعَدُّ لولا رائدا في مجال الحفاظ على غابات الأمازون، كما أن ملف محاربة تصحير الغابات في البرازيل من أكبر إنجازاته البيئية أثناء رئاسته، إذ ساهم في تقليل معدل تصحير الغابات من 34700 كيلومتر مربع سنويا إلى 4500 كيلومتر مربع سنويا فقط (11).
لولا والقضية الفلسطينيةاتساقا مع مبدأ لولا السياسي بالخروج من هيمنة الدول الكبرى والقوى العالمية، فإن موقفه تجاه القضية الفلسطينية على الصعيد العالمي يعود لأول فترة رئاسية له. وقد عبَّر عن ذلك في اجتماع للجمعية العمومية للأمم المتحدة عام 2006 حين قال: "إن مسألة الشرق الأوسط كانت مسألة حصرية على القوى العظمى. وحتى اليوم لم تصل تلك القوى إلى حل، ولهذا فيجدر بنا أن نتساءل: ألم يحن الوقت للدعوة لمؤتمر واسع، تحت راية الأمم المتحدة، بمشاركة دول المنطقة ودول أخرى يمكنها المساهمة بقدرتها وخبرتها، للعيش في سلام مع الاختلافات؟ إن البرازيل تؤمن بالحوار، ولذلك فقد عقدنا عام 2005 قمة أميركا الجنوبية والدول العربية. ولدينا كذلك علاقات جيدة مع إسرائيل، التي نشأت حين كان رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة برازيليا يُدعى أوسفالدو أرانيا" (12).
في عام 2009، أثناء ولايته الرئاسية الثانية، قال لولا: "يجب أن تكون لدينا أمم متحدة ذات سلطة سياسية وأخلاقية لحل صراعات الشرق الأوسط، ضامنة الوجود المشترك لدولة فلسطينية إلى جوار دولة إسرائيل". وفي العام نفسه أعرب الرئيس البرازيلي عن قلقه بشأن توسُّع إسرائيل في سياساتها الاستيطانية في الضفة الغربية، وأكد أهمية إجراء عملية سلام عادلة ومتوازنة، قائمة على القانون الدولي. وفي يوم 19 سبتمبر/أيلول من العام الجاري، وبعد عودة لولا إلى رئاسة البرازيل، وفي افتتاح الاجتماع السنوي الاعتيادي للجمعية العامة للأمم المتحدة، ذكر القضية الفلسطينية ضمن قضايا دولية أخرى، وعلَّق عليها قائلا: "من المقلق رؤية بعض النزاعات القديمة المستمرة دون حل، وقد ظهرت تهديدات جديدة على الساحة. إن الصعوبة في ضمان إنشاء دولة فلسطينية دليل واضح على ذلك" (13).
كانت كل تلك المواقف قبل الحرب الغاشمة الحالية على قطاع غزة، التي علَّق عليها رئيس البرازيل منذ يومها الأول بإدانة هجمات حركة المقاومة الإسلامية حماس، لكنه بالإضافة إلى ذلك قال إن البرازيل ستسعى لتجنُّب تطور سلسلة العنف من خلال رئاستها لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وتتابعت تصريحات الرئيس البرازيلي على مدى الشهرين التاليين لبدء الحرب على غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ففي الرابع عشر من نوفمبر/تشرين الثاني، أثناء استقباله لطائرة أعادت 22 برازيليا و10 من أقاربهم الفلسطينيين، أدان لولا بشاعة الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، واصفا إياه بالإرهابي، ومتهما إسرائيل أنها "لا تضع في الاعتبار أن الأطفال والنساء ليسوا في حرب. إنهم لا يقتلون جنودا، بل يقتلون أطفالا. إنني لم أر قطُّ عنفا بهذا البشاعة وانعدام الإنسانية" (14).
____________________________________________
المصادر:
رؤساء أمريكا اللاتينية، لولا دا سيلفا، فيلم وثائقي، قناة إنكوينترو. Luiz Inácio Lula da Silva Presidentes de Latinoamérica: Lula Da Silva (parte 2) – Canal Encuentro Luiz Inácio Lula da Silva ¿Qué es el Foro de Sao Paulo, que acusan de estar detrás del paro de Colombia, y por qué le preocupa tanto a la derecha de América Latina? Biografía de Lula Da Silva Election Resources on the Internet: Federal Elections in Brazil – Results Lookup مؤشرات الفقر واللامساواة. البنك الدولي. Lava Jato: la Corte de Brasil anuló pruebas y sostuvo que prisión de Lula fue "error histórico" Earth’s future depends on the Amazon. This month, it’s up for a vote. Com Lula, conflito Israel-Palestina volta à pauta na ONU … Leia mais no texto original: (https://www.poder360.com.br/opiniao/com-lula-conflito-israel-palestina-volta-a-pauta-na-onu/) المصدر السابق. Lula cuestiona a Israel al recibir a brasileños repatriados de Gaza | AFPالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رئیس البرازیل للأمم المتحدة لولا دا سیلفا فی البرازیل حزب العمال لولا فی أکثر من د لولا إن کان فی عام
إقرأ أيضاً:
الشيخ محمد صديق المنشاوي.. انطلق من المنشأة بسوهاج إلى المساجد العالمية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
من أين أبدأ الحديث عن الشيخ محمد صديق المنشاوي؟ وكيف يمكن للكلمات أن تفي هذا الرجل حقه وتسلط الضوء على مكانته التي لا تضاهى في تاريخ تلاوة القرآن الكريم؟ فكلما حاولت أن أبدأ سطور التقرير عن هذا الصوت الذي ألهب القلوب وأذرف الدموع، أشعر أنني لا أستطيع التعبير عن عظمة هذا الرجل بما يستحق، وخصوصاً أن الشيخ المنشاوي كان صوتًا يعكس خشوع الروح وصدق الإيمان، ومع كل كلمة أكتبها، يخطر ببالي سؤال: كيف يمكنني أن أصف الصوت الذي سكن القلوب وسافر بين مساجد العالم، وخلد اسمه في ذاكرة الأمة؟ هذا التحدي في الكتابة يكمن في أن الكلمات مهما حاولت أن تعبر، سوف تبقى عاجزة عن احتواء عظمة هذا الشيخ الذي أثر في أجيال وأجيال من مستمعيه.
ولد الشيخ محمد صديق المنشاوي في مركز ومدينة المنشأة بمحافظة سوهاج عام 1920م (1338هـ)، وكان من أسرة قرآنية عريقة، حيث تربى في بيئة تعشق القرآن الكريم واشتهرت بتلاوته، وأتم حفظ القرآن الكريم في سن الثامنة، ليصبح أحد أعظم قراء القرآن في تاريخ مصر والعالم الإسلامي، فقد كان والده الشيخ صديق المنشاوي، وجده تايب المنشاوي، من كبار قراء القرآن، وكان هناك أيضًا العديد من أفراد الأسرة حفظوا القرآن وأجادوا تلاوته، مثل شقيقيه أحمد ومحمود صديق المنشاوي.
مدرسة فريدةتأثر الشيخ محمد بوالده، الذي كان له دور كبير في تعليمه فنون قراءة القرآن، وساهم في تشكيل مدرسة تلاوة فريدة من نوعها عُرفت فيما بعد بـ"المدرسة المنشاوية"، التي تميزت بأسلوبها الخاص في تلاوة القرآن، وفي عام 1927، انتقل الصبى محمد صديق المنشاوى إلى القاهرة مع عمه الشيخ أحمد، وأتم فيها حفظ ربع القرآن، قبل أن يعود إلى بلدته المنشاة ليكمل حفظ القرآن ودراسته على يد مشايخ كبار مثل الشيخ محمد النمكي، والشيخ محمد أبو العلا، والشيخ رشوان أبو مسلم، الذي كان لا يتقاضى أجراً عن تعليم القرآن الكريم.
كان للشيخ محمد صديق المنشاوي بصمة خاصة في عالم تلاوة القرآن الكريم، حيث امتاز بصوت خاشع ذي مسحة من الحزن، مما جعله يلقب بـ"الصوت الباكي"، وهي صفة عكست عمق تفاعله مع المعاني القرآنية وانفعاله بها، وبدأت رحلته مع التلاوة في سن مبكرة عندما كان يرافق والده وعمه في السهرات القرآنية التي كانت تقام في قرى ونواحى مسقط رأسه بمحافظة سوهاج، وكان له الفضل في إثراء تلك السهرات القرآنية بتلاوته الرائعة، حتى أتيحت له الفرصة لأول مرة للقراءة منفردًا في إحدى هذه السهرات التى رافق فيها والده عام 1952م فى قرية «أبار الملك» بمركز أخميم بسوهاج ونال إعجاباً كبيراً من الحاضرين، ليبدأ بعدها في الشهرة ويصبح اسمه مألوفًا في الأوساط القرآنية.
قصة الإذاعةوقصة اختياره بالإذاعة تستحق أن تُروى، إذ يعتبر الشيخ محمد صديق المنشاوى أول قارئ تذهب الإذاعة إليه ولا يذهب هو إلى استوديوهاتها حيث رفض خوض اختبار الإذاعة المصرية لاعتماده قارئاً كغيره ممن خاض الاختبار، فمجرد أن سمعت الإذاعة بذلك الصوت والجماهيرية التى حظى بها فى محافظته والمحافظات المحيطة بها، حتى انتقلت إليه وهو فى مطلع شبابه بمعداتها لتسجيل قراءاته وتم عرض تسجيلاته على اللجنة المختصة وأقرتها.. وبناء على ذلك، اعتمدته الإذاعة قارئاً للقرآن الكريم، ووصل صوته إلى الملايين فى البيوت، وذاع صيته فى البلاد العربية والأجنبية، وأختير ليكون قارئ الجمهورية العربية المتحدة أثناء الوحدة بين مصر وسوريا، وعقب اختياره كانت الجمعة الأولى له فى القاهرة من مسجد الزمالك كقارئ مكلَّف من قِبَل وزارة الأوقاف، والجمعة الثانية من مسجد «لا لا باشا» بدمشق، وكان الرئيس جمال عبدالناصر يكن له حباً كبيراً ووصفه بصاحب "الصوت العذب"، وكان يدعوه دائماً لتلاوة القرآن فى كل المناسبات.
وسجل الشيخ المنشاوي القرآن الكريم كاملاً في ختمة مرتلة، برواية حفص عن عاصم، كما أن له قراءة أخرى برواية «الدُّورى» بالاشتراك مع الشيخين كامل يوسف البهتيمى وفؤاد العروسى، إضافة إلى ختمة مجودة بثقة وإتقان بإذاعة القرآن الكريم المصرية، ولم يكن الشيخ المنشاوي مقتصرًا على تسجيل القرآن فقط، بل كان له بصمة كبيرة في إحياء المناسبات القرآنية في عدد من الدول العربية والإسلامية، في المسجد الأقصى في القدس، وكذلك في الكويت وسوريا وليبيا، وسجل العديد من التلاوات التي نالت إعجاب جمهور واسع من المسلمين في أنحاء العالم، كما كان له شرف التلاوة في الأماكن المقدسة، مثل المسجد الحرام في مكة المكرمة، والمسجد النبوي في المدينة المنورة.
وتعتبر قراءاته في هذه الأماكن المقدسة بمثابة تتويج لمسيرته، حيث تلا القرآن الكريم في أروع وأقدس مساجد العالم الإسلامي، مما جعل صوته يرتبط في أذهان المسلمين بالروحانية والقدسية، وكانت له زيارات متعددة إلى دول إسلامية أخرى مثل العراق وإندونيسيا وفلسطين والسعودية.
وكان المنشاوى يهتم بما يصله من رسائل من الناس عبر البريد، وفى أحد ردوده، يرد على أسئلة مواطن عراقى، فكتب له أن أول سورة قرأها فى الإذاعة كانت سورة لقمان.. ويسأله المواطن أن يحضر إلى العراق، فيقول له: إن "الجمهورية ترسلنا كل عام للقراءة فى إحدى الدول الإسلامية (خلال شهر رمضان المبارك) وإن شاء الله نحضر لبلدكم الشقيق".
إتقان المقاماتإحدى السمات التي جعلت الشيخ محمد صديق المنشاوي يتميز عن غيره من القراء كانت قدرته على إتقان المقامات القرآنية بشكل رائع، فكانت كل كلمة وكل حرف يخرج من فمه مشبعا بالمعاني، مما جعل المستمعين يشعرون بعلاقة وثيقة بينه وبين النص القرآني، كما كانت له طريقة فريدة في التعبير عن الآيات، تتناغم مع الأصوات التي تخرج من قلبه وتعكس روحانية متجددة.
ولا يختلف اثنان على أن الشيخ المنشاوي جمع في قراءته كل ميزات الجمال، وكان يقرأ آيات التبشير بفرحة القلب. فقد كان المنشاوي يبدأ قراءته من مقام البياتي كباقي القراء، وكذلك مقام نهاوند، وينتقل منه إلى نهاوند المرصّع، ثم إلى أي مقام يتراءى له، حسب دلالة ومعنى الآية التي يقرأها، بينما كان يؤدي الأذان من مقامي راست والحجاز.
ولقد ذاع صيت الشيخ المنشاوي ابن مدينة المنشأة بمحافظة سوهاج وأصبح واحدًا من أبرز القراء في مصر والعالم الإسلامي في الخمسينيات من القرن العشرين، حيث شارك زملاءه القراء الكبار مثل الشيخ عبد الباسط عبد الصمد في إحياء فن التلاوة في تلك الحقبة، واستطاع أن يحتفظ بمكانة مرموقة في قلوب المستمعين لما كان يقدمه من تلاوة فريدة تريح النفس.
وكانت أول رحلة خارج مصر للشيخ المنشاوى فى إندونيسيا عام 1955، ومنحته الحكومة الإندونيسية وساماً رفيعاً، كما نال العديد من الأوسمة والتكريمات من عدة دول على مدار مسيرته، فحصل على أوسمة من دول مثل سوريا ولبنان وباكستان وليبيا والمغرب، وذلك تقديرًا لإسهاماته العظيمة في نشر وتلاوة القرآن الكريم، وكانت هذه الجوائز تعبيرًا عن إعجاب العالم الإسلامي بصوته وبأدائه الذي لامس قلوب المسلمين من مختلف البلدان.
وكثيرون أشادوا بصوت محمد صديق المنشاوى، منهم الشيخ محمد محمود الطبلاوى، فعندما سئل فى أحد البرامج التليفزيونية عن القارئ الذى يرى أن له شعبية طاغية، أجاب سريعاً: "إنه المنشاوى بلا شك". وقال عنه الشيخ محمد متولي الشعراوي، في تصريح شهير "من أراد أن يستمع إلى القرآن فليستمع لصوت المنشاوي. إنه ورفاقه الأربعة (يقصد الشيوخ محمود البنا، وعبدالباسط عبدالصمد، ومصطفى إسماعيل، ومحمود الحصري)، يركبون مركبًا، ويبحرون في بحار القرآن الزاخرة، ولن تتوقف هذه المركب عن الإبحار حتى يرث الله - سبحانه وتعالى - الأرض ومن عليها".
وقال عنه الموسيقار محمد عبدالوهاب: "المنشاوي يمثل حالة استثنائية يحار أمامها الذائق الفاهم، من يتأمل مخارج الحروف عنده يصعب أن يجد لها وصفًا، وذلك لما منحه الله من حنجرة رخيمة، ونبرة شجية تلين لها القلوب والجلود معاً، ويتجلى ذلك عند ختامه للتلاوة، فتراه يستجمع كل إبداع التلاوة في آخر آيتين، بحيث يجعلك تعيش معه أشد لحظات الخشوع على الإطلاق، وما عليك إلا أن تتأمل استرساله ما بين السرعة والتلقائية العجيبة، كما في سورة الإسراء، وبين الهدوء وخفض الصوت كما في سورة العلق، عند قراءته (كلاَّ إنَّ الإنسان ليطغى أنْ رآه استغنى، إنَّ إلى ربك الرجعى)".
روايات غامضةوتعددت الروايات التي قيلت حول وفاة الشيخ محمد صديق المنشاوي، وكانت بعض هذه الروايات محاطة بالغموض والتساؤلات، بينما البعض الآخر يتسم بمسحة من الشكوك، ومن بين هذه الروايات، قيل إن هناك رجلاً كان يكن حقدًا كبيرًا على الشيخ المنشاوي، وكان يطارده بشكل مستمر، وفي إحدى المرات، قال هذا الرجل عن تلاوة الشيخ محمد صديق المنشاوي: "له حنجرة يرى منها الماء"، وبعد أن نفخ هذا الرجل في الهواء، حدث ما كان يراه البعض بمثابة نذير شؤم، حيث خرج دم من فم الشيخ محمد صديق المنشاوي، وتم نقله إلى المستشفى، وتوفي بعدها بأيام.
وهناك رواية أخرى تشير إلى محاولة قتل الشيخ المنشاوي عمدًا، وهي تتعلق بقصة شخص ثري توفي وقرر الشيخ المنشاوي إحياء "الذكرى الأربعينية" لهذا الشخص، ووفقًا لتلك الرواية، كان قد تم دس السم للشيخ المنشاوي في طعامه، إلا أن الطباخ اكتشف الأمر قبل أن يتناول الشيخ المنشاوي الطعام وأخبره، فامتنع عن استكمال الطعام رغم أنه قد تناول بعض اللقيمات منه، وبعد فترة قصيرة من هذه الحادثة توفي الشيخ المنشاوي، وعلى الرغم من تعدد الروايات حول وفاة الشيخ، فإن الرواية الأكثر ترجيحًا هي أن الشيخ محمد صديق المنشاوي قد أصيب في عام 1966 بمرض دوالي المريء، وكان يتلقى العلاج لفترة طويلة من هذا المرض، وتعتبر هذه الإصابة أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى تدهور صحته، حتى توفي في يوم الجمعة 5 ربيع الثاني 1389 هـ الموافق 20 يونيو 1969، ليرحل صاحب الصوت الخاشع والحزين، الذي تأثر به المستمعون في أنحاء العالم الإسلامي.
حديث ابن شقيقه"الشيخ محمد صديق المنشاوي لم يأخذ حقه قبل ظهور السوشيال ميديا".. بتلك الكلمات بدأ الشيخ صديق محمود صديق المنشاوي، نجل شقيق الشيخ الراحل، نقيب قراء الصعيد وأمين عام نقابة القراء على مستوى الجمهورية، حديثه لـ"البوابة نيوز"، وقال إن عمه الشيخ محمد صديق المنشاوي، كان دائم الزيارة لأسرته في الأعياد والمناسبات، حيث كان يزور والده ووالدته وأهل زوجته في مسقط رأسه بالصعيد.
وأشار الشيخ صديق، إلى أنه قد زار نحو 60 أو 70 دولة، بسبب شهرة ومكانة عمه الشيخ محمد صديق المنشاوي، ووالده الشيخ محمود وجده صديق المنشاوي، مشيراً إلى أن عمه لم يكن قد نال حقه الكامل من الشهرة قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وأن الشيخ المنشاوي كان شخصية استثنائية،
وأضاف الشيخ صديق معبراً عن إعجابه البالغ بتلاوة عمه الشيخ محمد صديق المنشاوي، حيث قال: "محدش قرأ القرآن ولا خشع للقرآن، ولا بكى في آيات القرآن، ولا تناول الآيات القصصية في القرآن، ولا تفاعل مع معاني الآيات بهذه الطريقة التي كانت تجسدها نبرات صوت الشيخ محمد صديق المنشاوي، وأن الشيخ كان يجسد الأحداث القرآنية بكفاءة مميزة، قائلاً: "أعتقد أن الشيخ محمد صديق المنشاوي هو من استطاع تجسيد المشاهد القرآنية أكثر من غيره، وكأنه خُلِق ليقرأ القرآن ثم يموت وهو في سكينة وصوت مبارك".
وأوضح الشيخ صديق أن هذه القدرة الفائقة على التأثر في التلاوة جعلت الشيخ المنشاوي واحداً من أبرز قراء القرآن في العالم الإسلامي، حيث استطاع أن يصل إلى قلوب المستمعين ويجذبهم بتلاوته التي تحمل روحاً من الإيمان والخشوع.
رسائل من الشيخ المنشاوى رداًعلى ما يتلقاه من المواطنينالمنشاوى الأب يتوسط صورة عائلية وعلى يمينه محمد صديق المنشاوىمع أبنائهأثناء زيارة ليبيا المنشاوى وعبدالباسط فى إندونيسيامحمد صديق المنشاوى واقفاً مع والده وابنهفى لحظة تأمل بمنزلهرده على رسالة مواطن