عمان: تتنوع مسببات شغب الملاعب وتختلف من مباراة إلى أخرى، وقد تتدخل فيها أطراف مثل عدم توفيق حكم مباراة أو تصريحات تثير الجماهير، أو تصرف غير مقبول من لاعب أو إداري وتكون لها ردة فعل من الغضب أو العدوانية، ويتبعها عنف من قبل قلة قليلة من الجماهير المتعصبة. ومع اشتداد المنافسة على المسابقات المحلية وكذلك مباريات المنتخب الوطني لكرة القدم في التصفيات الآسيوية المزدوجة، تتابع الجماهير المحبة لكرة القدم بشغف كبير مباريات المنتخب الوطني وكلها طموح وأمل بأن يحقق المنتخب الوطني الحلم الذي طال انتظاره ببلوغ نهائيات كأس العالم، لكن الخسارة المدوية التي مني بها أمام قرغيزستان في الجولة الثانية من التصفيات أصابت الجماهير بالإحباط وكثر الحديث عنها كما هو الحال لمباراة صحار والسيب في دور الـ16 لمسابقة الكأس، حين كانت مثار حديث لأسابيع وذلك لما صاحبها من أحداث قبل وأثناء وبعد المباراة، الأمر الذي تطلب وقوف الاتحاد العماني لكرة القدم بحزم من خلال القرارات التي اتخذتها لجنة الانضباط والأخلاق في حق المتسببين في تلك الأحداث.

ويبقى التعصب الرياضي من أهم الظواهر في المنافسات الرياضية، لما لها من انعكاسات سلبية، خاصة لدى بعض الجماهير التي تصاب بالحزن عند الخسارة، كما استغل البعض وسائل التواصل الاجتماعي في إيصال أفكار تفتقد للروح الرياضية.

وفي هذا السياق حذر الدكتور أحمد بن سعيد عبد اللطيف، استشاري أول طب سلوكي والمدرب في التنمية النفسية بمستشفى جامعة السلطان قابوس جميع المشجعين من تعرض قلوبهم لأزمة صحية وأي شعور سلبي خاصة من خلال الشعور بالحزن وأثره على صحة الإنسان، ومدى تأثيره الذي يزيد باستمرار الشعور، مما يؤثر على جهاز المناعة ويؤدى إلى الاكتئاب.

وأضاف: هناك بعض الجماهير تصاب بحزن كبير بسبب خسارة فريقها ويكون لديها تأثيرات مباشرة على القلب نتيجة الإجهاد الذي تتعرض له كرد فعل لعدم تقبل الهزيمة، والحزن يكسر القلب بشكل فعلي وهي حقيقة علمية وليست استعارة مكنية أو تعبير بلاغي.

عاصفة الهرمونات

وأشار إلى أن الحزن يؤدي لانبعاث عاصفة من هرمونات الحزن والغضب مما يؤدى لإفراز الأدرينالين، مسببة ألماً مفاجئا في الصدر، وأعراضا تشبه أعراض الأزمة القلبية، مما يسبب تقلصا شديدا في الشريان التاجي ويترتب عليه سكتة قلبية. وتابع: إن تدفق هرمون الأدرينالين، وغيره من هرمونات الإجهاد، يؤثر بشكل كبير إذا زاد إفرازه بوجود المشاعر السلبية، فالأدرينالين يسبب زيادة سرعة ضربات القلب وارتفاع ضغط الدم ويمنح مزيدا من الطاقة، أما الكورتبزول وهو هرمون التوتر الأساسي فيرفع من مستوى السكر (المعروف أيضا بالجلوكوز) في مجرى الدم ويعزز استخدام الدماغ للجلوكوز ويزيد توفر المواد التي تعمل على ترميم الأنسجة في الجسم. كما أوضح أن الجهاز العصبي السمبثاوي ينشط أثناء الحزن الشديد، وينتج عنه إفراز يطلق عليه عاصفة الأدرينالين، وهذا الهرمون قد يتسبب في اعتصار القلب، ويحدث انقباضا في قاعدة القلب وتمددا بالونيا في قمة القلب.

ونصح الدكتور أحمد بن سعيد عبد اللطيف الجماهير الرياضية بالتشجيع الهادئ بعيدا عن التعصب الرياضي، وتقبل الهزيمة دون المبالغة في الحزن فالتعصب مبني على تفكير سلبي ومشاعر سلبية وغالبا يصاحبها ردة فعل سلبية، مبينا أن الرياضة متعة تنتهي بالفوز أو الخسارة أو التعادل، والأولى أن نستمتع بالمشاهدة، وما يحدث في مواقع التواصل الاجتماعي بين الجماهير هو سلوك سلبي يؤدي إلى حصول مشاعر وأفكار سلبية في المجتمع الرقمي من سلبياته التحفيز السلبي أحيانا بسبب رفع الشعارات السلبية وتبنيها.

جمهور عاطفي

بينما يرى عبد العزيز بن طالب السعدي اختصاصي اجتماعي بوزارة التنمية الاجتماعية أن الجمهور عاطفي بطبعه وكذلك الإعلام، لذلك فإن بعض الدول تستعين في دورياتها بحكام نخبة أجانب، يبتعدون عنها جغرافيا لكيلا يتأثر بما تقوله الصحافة والإعلام بشكل عام، ولا يكون لديه ميول لنادٍ دون ناد آخر، حيث يأتي لمهمة لمدة يوم واحد ويغادر، وبذلك يكون بعيدا عن الضغط الذي يسببه الإعلام له. وأشار إلى أن حكم أي مباراة هو محور أساسي في العملية، لكون أن قرارا بسيطا من شأنه أن يعطي نتيجة المباراة إلى الطرف الآخر، لذلك فإن الحكم لا بد أن يتسم بالشجاعة، ويكون حاضرا ذهنيا، لكون القرار يتخذه في ثوان معدودة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، وعليه أن يكون ممارسا لها سابقا ويكون معدا في دورات سابقة لهذه المهمة، وملما بقوانين كرة القدم وحافظا للضوابط المنصوص عليها، لكي يتغلب على القلق الذي يصاحبه ضغط المباراة وصياحات الجمهور، والضغط الإعلامي، وما نلاحظه في العديد من دوريات العالم وكذلك البطولات القارية والعالمية، أن هناك حكاما لهم ثقلهم، حيث إنه لا يهتم بما يطرح له عبر وسائل الإعلام المختلفة والضغط الجماهيري، حيث يتخذ قرارا في أقل من ثانية، سواء أكانت ضربة جزاء حاسمة في الدقيقة 90، أو إشهار البطاقة الحمراء مباشرة، وهو ما نشاهده عند الحكم الإيطالي ييرلويجي كولينا الذي لا يبالي بتاتا في اتخاذ القرار المناسب وسط أي ظرف من ظروف المباراة.

شخصية الحكم

ويؤكد السعدي أن شخصية الحكم قبل المباراة وعند إجراء القرعة بالتحديد عامل مهم في تحديد هوية القرارات من توجيه قائدي الفريقين، الذي من شأنه نقل المعلومات إلى لاعبيهم، لأن هذه المعلومات مهمة في توجيه وتهذيب اللاعبين، مما ينعكس لاحقا على أرضية الملعب، موضحا أنه من المستحسن أن يتم إدخال الحكام إلى دورات خاصة على أيدي متخصصين في مواجهة القلق والضغط النفسي، لكونه يمثل أمرا حاسما وقراراته تنعكس على نتيجة المباراة، فمن غير المعقول أن يذهب جهد فريق بأكمله على ضربة جزاء ظالمة وغير مستحقة نتيجة صيحات الجماهير التي من شأنها أن تؤدي إلى خسارة غير متوقعة، فلابد أن يكون متسلحاً بكل فنون المواجهة وعدم الرضوخ لأي تأثيرات جانبية لا من الجماهير ولا من البرامج الإعلامية أو الصحافة.

وأكد أنه من الملاحظ أن كثيرا من الحكام يعملون بمبدأ التعويض، وهذا نتيجة التردد، حيث إن هناك شكا في خطأ معين لم يتم احتسابه، فيلجأ الحكم لاحقاً إلى احتساب أي تدخل واعتباره خطأ فادحا من شأنه أن يتسبب في هزيمة فريق ضد آخر، وقد لاحظنا ذلك سابقا في بطولات عالمية، إلا أنه وبعد تدخل نظام الفيديو «تقنية الفار»، أصبح ذلك محدودا ولم يكن كالسابق حيث يعود الحكم إلى مشاهدة الخطأ عبر الشاشة أمام مرأى الجماهير، ليتخذ قراره بعد معاينة اللقطة أكثر من مرة، إلا أن هذه التقنية لا توجد في ملاعبنا المحلية في الوقت الراهن، وأتمنى أن توجد للتقليل من حجم الأخطاء، وتقنينها، وتأطيرها.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

خطيب المسجد الحرام: التعصب حجاب غليظ يحول بين الحق وصاحبه

أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام، الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد، المسلمين بتقوى الله عز وجل في جميع الأحوال.

وقال خطيب المسجد الحرام، في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم في الحرم المكي الشريف: إن التعامل بالرفق مع الحبيب يستديم المودة، ومع الغريب يجلب المحبة، ومع العدو يكف الشر، ومع الغضوب يطفئ الجمر، وكرام الناس أسرعهم مودة، وأبطؤهم جفوة، ولئام الناس أبطؤهم مودة، وأسرعهم عداوة، والسباق إلى الله بالقلوب والأعمال، لا بالمراكب والأقدام.

وبين أن داء التعصب ومرض العصبية يعدان داءً اجتماعيًا خطيرًا يورث الكراهية، وينبت العداوة، ويمزق العلاقات، ويزرع الضغائن، ويفرق الجماعات، ويهدد الاستقرار، وينشر القطيعة، مرض كريه، يبني جدارًا صلبًا بين المبتلى به وبين الأخرين، ويمنع التفاهم، ويغلق باب الحوار، يعمم في الأحكام، ويزدري المخالف.

وأكد أن التعصب داء فتاك، وهو علة كل بلاء، وجمود في العقل، وانغلاق في الفكر، يعمي عن الحق، ويصد عن الهدى، ويثير النعرات، ويقود إلى الحروب، ويغذي النزاعات، ويطيل أمد الخلاف، لافتًا النظر إلى أن التعصب عنف، وإقصاء، ويدعو إلى كتم الحق وسَتْرِه، لأن صاحبه يرى في الحق حجةً لمخالفه، كما أنه يقلل من فرص التوصل إلى الحلول الصحيحة، وينشر الظلم، وهضمَ الحقوق، ويضعف الأمة، وينشر الفتن والحروب الداخلية.

وأفاد أن التعصب يكون غلو في الأشخاص، وفي الأسر، وفي المذاهب، وفي القوم، وفي القبيلة، وفي المنطقة، وفي الفكر، وفي الثقافة، وفي الإعلام، وفي الرياضة، وفي كل شأن اجتماعي، مستدلًا بالموقف النبوي الحازم الصارم، حيث أخرج الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صل الله عليه وسلم في غزاة فكسع رجل من المهاجرين – أي ضرب – رجلًا من الأنصار فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجرون: يا للمهاجرين، فقال النبي صل الله عليه وسلم: ما بالُ دعوى الجاهلية ؟! ثم قال: دعوها فإنها منتنة.

وأبان الشيخ الدكتور صالح بن حميد أن الهجرة والنصرة وصفان شريفان كريمان، والمهاجرون والأنصار هم الأولون السابقون رضي الله عنهم ورضوا عنه، ولكن لما أراد هذان الرجلان توظيف هذه الألقابِ الشريفة والنعوتِ الكريمة توظيفًا عصبيًا فَزِع النبي صل الله عليه وسلم وبادر باحتواء الموقف بقوله: ( أبدعوى الجاهلية ؟! ) أي أن شرف الهجرة، وشرف النصرة تحول بالعصبية إلى نعت غير حميد، بل صار مسلكًا منتنًا مكروهًا، وصار من دعوى الجاهلية: ( دعوها فإنها منتنة ) لا أشد إنكارًا من هذا الوصف، ولا أعظم ذمًا من هذا النعت ، مبينًا أنه في الحديث الصحيح عنه صل الله عليه وسلم: من قاتل الناس تحت راية عِمِّيةٍ يغضب لعصبية، أو يدعو لعصبية، أو ينصر عصبية، فقتل، فِقتلةٌ الجاهلية، وفي لفظ " فليس من أمتي " رواه مسلم.

وأوضح أن المتعصب ينسُب نقائصه وعيوبه إلى غيره، المتعصب يعرف الحق بالرجال، ولا يعرف الرجال بالحق، المتعصب لا يود أن يكون الحق مع الطرف الآخر، فهو أسير أفكاره ورؤيته الضيقة، همه المراء، والترفع على الأقران، المتعصب يعتقد أنه على الحق بحجة وبغير حجة، ومن خالفه فهو على الباطل بحجة وبغير حجة، والمتعصب لا يرى إلا ما يريد أن يراه.

وبين أن من صفات المتعصب التشدد في الرأي، والجمود في الفكر، والميل إلى العنف ضد المخالف، موضحًا أن المتعصب يميز الناس ويقيِّمهم حسب انتماءاتهم الدينية، والقبلية، والمناطقية، والمذهبية، والطائفية، والسياسية.

وأضاف فضيلته أن المرء لا يولد متعصبًا ، وإنما يكتسب التعصب من أسرته، ومن أقرانه، ومن مدرسته، ومن الوسط المحيط به، لافتًا الأنظار إلى أنه من أجل علاج التعصب فلا بد من تقرير المساواة بين الناس، ونشر ثقافة الحوار، والتعايش، وقبول الآخر، والمحبة، والاعتذار، وبذل المعروف لمن عرفت ومن لمن تعرف.

وأردف قائلًا : يقي من التعصب - بإذن الله - الاعتقاد الجازم، واليقين الصادق، أنه لا عصمة لغير كتاب الله، ولا لبشر غير رسول الله صل الله عليه وسلم، والنظر إلى العلماء والشيوخ على أنهم أدلاء على الحق، مبلغون عن الله بحسب اجتهادهم وطاقتهم غير معصومين، ولا مبرأين من الأخطاء والأغلاط ، وكذلك القوة والعزيمة في نبذ العادات والأعراف الخاطئة ، والتقاليد المجافية للحق والعدل، هذا كله من مسؤولية أهل العلم، والفضل، والصلاح، والوجهاء، ورجالات التربية، والغيورين على الأمة، والعمل على بناء الإنسان السوي، وإشاعة الصلاح والإصلاح، ومقاومة الفساد بكل أشكاله، وقبل ذلك وبعده الإخلاص، وحسن السريرة، وقطع النفس عن شهوة الغلبة، والانتصار، والسلامة من فتنة التطلع، للمدح والرئاسات، ونشر المحبة في البيت، والمدرسة ، وفي السوق، وفي الإعلام بكل وسائله وأدواته، وسلامة النفس من الأحقاد، والتحرر من الأنانية، يجمع ذلك كله قول صلى الله عليه وسلم في كلمته الجامعة: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).

وبين أن أهل العلم قالوا : كل من نصب شخصًا كائنًا من كان فيوالي على موافقته ويعادي على مخالفته في القول والفعل فهو من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا كل حزب بما لديهم فرحون ، قالوا : وهذه طريقة أهل البدع والأهواء المذمومين، فمن تعصب لواحد بعينه ففيه شبه منهم، وكل ما خرج عن دعوة الإسلام والقرآن من نسب أو بلد أو جنس أو مذهب أو طريقة فهو من عزاء الجاهلية، "ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه".

وأكد الشيخ الدكتور صالح بن حميد أن التعصب حجاب غليظ يحول بين صاحبه وبين الحق وبينه وبين الحب، التعصب حجاب غليظ عن العلم النافع، والعمل الصالح، وعقبة كؤود عن الاستفادة من الآخرين، ويمنع الإبداع والابتكار، مبينًا أنه لا يقضي على التعصب إلا التسامح ، ذلك أن التسامح احترام التنوع، وقبول الاختلاف، ويسلم من التعصب من كان همه الوصول إلى الحق، وليس الانتصار للنفس، أو المذهب، أو الطائفة.

مقالات مشابهة

  • فرحة الجماهير العمانية بالتأهل لنصف نهائي خليجي 26
  • جدار صلب بين المبتلى به والآخرين .. خطيب المسجد الحرام يحذر من مرض كريه
  • خطيب المسجد الحرام: التعصب حجاب غليظ يحول بين الحق وصاحبه
  • إمام الحرم: التعصب داء خطير يفرق الجماعات ويهدد الاستقرار
  • أبومسلم: محمد الشناوي متأثر بأزمته مع الجماهير.. ويجب استمرار هذا اللاعب
  • أبومسلم: محمد الشناوي متأثر بأزمته مع الجماهير.. ويجب استمرار بيرسي تاو
  • استياء الجماهير من ظروف مباراة ليفربول وليستر ومطالبات بتأجيلها
  • لماذا يزداد الحديث عن الاستبداد وآثاره السلبية؟
  • التعادل الإيجابي يحسم نتيجة مباراة الإسماعيلي وحرس الحدود
  • الاتحاد العماني يحتج رسميا على الحكم العراقي