إثيوبيا تصل قريبا للبحر الأحمر.. توتر جديد بالقرن الأفريقي؟
تاريخ النشر: 3rd, January 2024 GMT
مع توقيع إثيوبيا اتفاقاً مع "جمهورية أرض الصومال"، تصاعدت المخاوف من انفجار بؤرة توتر جديدة في منطقة القرن الأفريقي غير المستقرة أصلاً. وفيما أدانت الصومال وجيبوتي الخطط الإثيوبية، لم يصدر أي رد فعل من مصر والسودان بعد.
بؤرة توتر جديدة في القرن الأفريقي توشك على الانفجار، مع توقيع إثيوبيا اتفاقاً مع ما يسمى بـ" جمهورية أرض الصومال (صوماليلاند)" الانفصالية، وهو الاتفاق الذي يمنح إثيوبيا منفذاً على البحر من خلال مرفأ في الجمهورية المعلنة من طرف واحد.
غضب في الصومال وجيبوتي
عقب الإعلان عن الاتفاق، أعلنت الحكومة الصومالية استدعاء سفيرها في إثيوبيا للتشاور. وصرح رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري أن بلاده ستدافع عن أراضيها "بشتى السُبل القانونية الممكنة" بعد الاتفاق الذي يمنح إثيوبيا منفذاً على البحر الأحمر من خلال مرفأ بربرة في أرض الصومال.
وبربرة ميناء أفريقي على الساحل الجنوبي لخليج عدن، عند مدخل البحر الأحمر المؤدي إلى قناة السويس. وتتيح المذكرة لإثيوبيا الاستحواذ على حصة غير محددة من الميناء، بعد أشهر على قول أبي أحمد إن بلاده بحاجة إلى تعزيز حقها في الوصول إلى البحر، في تصريح أثار مخاوف في المنطقة.
وأكدت الحكومة الصومالية في بيان أن "أرض الصومال جزء من الصومال بموجب الدستور الصومالي، بحيث أن الصومال تعتبر هذا الإجراء انتهاكاً فاضحاً لسيادتها ووحدتها"، مؤكدة أن الاتفاق لاغ ولا أساس قانونيا له.
على جانب آخر، أفادت مصادر مطلعة أن الرئيس الجيبوتي قام بتوبيخ السفير الإثيوبي لدى بلاده بسبب إخفائه تفاصيل المفاوضات الجارية مع صومالي لاند.
تم توقيع الاتفاق الاثيوبي بصورة مفاجئة مع زعيم المنطقة الانفصالية موسى بيهي عبدي، بعدما كانت الصومال وأرض الصومال اتفقتا الأسبوع الماضي على استئناف المفاوضات بينهما - بعد جهود وساطة قادتها جيبوتي - لتسوية المسائل العالقة، بعد سنوات من التوتر السياسي والعرقلة
ولم تحصل أرض الصومال على اعتراف دولي واسع النطاق، على الرغم من إعلانها الانفصال والحكم الذاتي عن الصومال في عام 1991. وتقول الصومال إن أرض الصومال جزء من أراضيها.
ويفتح الاتفاق - والذي يحمل أهمية سياسية بالغة - المجال أمام احتمال اعتراف إثيوبيا بأرض الصومال كدولة مستقلة في مرحلة لاحقة. ويشير خبراء إلى أن اعتراف دولة بحجم وقوة وتأثير إثيوبيا يمكن أن يكون له تأثير كبير في دفع مساعي أرض الصومال نحو الاعتراف الدولي.
وعلى الرغم من ردود الفعل العنيفة على بيانه من جانب جيبوتي وإريتريا والصومال، فقد خفف رئيس الوزراء أبي من لهجته وذكر أن إثيوبيا لن تغزو أي بلد من أجل حلمها في الوصول للبحر الأحمر. ولكن حتى لو لم يكن لدى آبيي احمد أي نية الآن لاستخدام القوة العسكرية، فإن كلماته أثارت الاستياء الذي من شأنه أن يزيد من عدم الاستقرار الإقليمي، وخاصة في الصومال.
منفذ على البحر الأحمر لإثيوبيا الحبيسة
وأعلن مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد في أول أيام العام الجديد عبر منصة إكس أن الاتفاق بين إثيوبيا وجمهورية أرض الصومال التي أعلنت إثر انشقاقها عن مقديشو عام 1991 ولم تعترف بها الأسرة الدولية، "سيفتح الطريق لتحقيق تطلعات إثيوبيا إلى ضمان وصولها إلى البحر وتنويع منافذها إلى الموانئ البحرية"، وأضاف أن الاتفاق يعزز أيضاً الشراكة الأمنية والاقتصادية والسياسية للطرفين الموقعين.
وذكر رضوان حسين، مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء الإثيوبي، أن مذكرة التفاهم التي وقعها أبيي ورئيس أرض الصومال موسى بيهي عبدي، تمهد الطريق لإثيوبيا للتجارة البحرية في المنطقة بمنحها إمكانية الوصول إلى قاعدة عسكرية مستأجرة على البحر الأحمر.
وقال إن أرض الصومال ستحصل أيضاً على حصة في الخطوط الجوية الإثيوبية المملوكة للدولة دون أن يدلي بمزيد من التفاصيل. ويشير خبراء إلى أن هذا الجزء من الاتفاق يمثل تقدماً مهماً أرض الصومال من الناحية الاقتصادية بتعزيز قدراتها في مجال النقل الجو وانفتاحها على العالم.
وتعتمد إثيوبيا - الدولة الحبيسة - على جيبوتي المجاورة في معظم تجارتها البحرية من صادرات وواردات. وتحاول إثيوبيا من خلال الاتفاق أيضاً الانضمام إلى مجلس الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن الذي تأسس عام 2020، ويضم مصر والسودان وإريتريا وجيبوتي والصومال من الضفة الأفريقية للبحر الأحمر، والسعودية والأردن واليمن من الجانب الآسيوي.
ويحذر خبراء من أن هذا الاتفاق يفتح - إن نجح - آفاقًا محتملة أمام إثيوبيا لإنشاء "قاعدة بحرية تحت الإيجار، وذلك بعد أن فقدت ميناءها البحري (عصب) عقب انفصال إريتريا في مطلع التسعينات. ومنذ تلك اللحظة، لم تتوقف جهود أديس أبابا الحثيثة للحصول على منفذ بحري دائم خاصة وانها تعد واحدة من أكبر الدول الحبيسة من حيث الكثافة السكانية على مستوى العالم.
ويرى هؤلاء أن إثيوبيا تحاول من خلال عودتها للبحر الأحمر الحفاظ على أمنها القومي بشكل أكثر فعالية مع تعزيز قدرتها على التدخل في الصراعات والأزمات الكبرى. ولهذا السبب أعرب أيي أحمد قبل عدة سنوات عن نية بلاده إعادة تأسيس القوة البحرية الإثيوبية التي تفككت مع تحولها لدولة حبيسة، كما سيقطع الطريق على أي محاولة لوقف إمدادات البلاد عبر البر بما تحتاج إليه وهو ما حاولت فعله جبهة تحرير تيغراي.
منطقة على برميل بارود
تقول حكومة الصومال إن الاتفاق الموقع بين إثيوبيا والدولة الانفصالية غير المعترف بها يشكل خطراً على الاستقرار والسلام في المنطقة.
وتواجه منطقة القرن الأفريقي بالفعل العديد من الأزمات الأمنية. وتعاني إثيوبيا نفسها من آثار الحرب في تيغراي وتخوض حالياً صراعات في إقليمي أمهرة وأوروميا.
واشار معهد "ال اي سي" البريطاني للدراسات الأفريقية إلى تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد بتاريخ 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023 بأن بلاده تحتاج إلى الوصول إلى ميناء على البحر الأحمر، قائلا إن هذه الكلمات بمثابة رسالة تجنيد للجماعات الإرهابية في المنطقة وتعزز عدم الاستقرار في منطقة لا تستطيع تحمل ذلك، بحسب ما أشار مصطفى أحمد الباحث بالمعهد.
وكان رئيس وزراء إثيوبيا قد أدلى بتصريحات جريئة بشأن تأمين وصول بلاده إلى موانئ البحر الأحمر بأي وسيلة ضرورية، بما في ذلك القوة العسكرية. وقد يكون لهذه الخطوة آثار كبيرة على منطقة القرن الأفريقي المضطربة بالفعل.
وبينما تتصارع المنطقة مع الأزمات الأمنية والسياسية على جبهات متعددة، فإن سعي إثيوبيا المحتمل إلى إنشاء ميناء بحري من خلال القوة العسكرية من شأنه أن يضيف المزيد من التعقيد إلى التحديات القائمة بالفعل.
دور إماراتي خفي؟
يشار إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة تعد من بين الدول القليلة للغاية التي تتعامل مع أرض الصومال كدولة مستقلة، كما أنها هي تدير ميناءها الهام على البحر الأحمر من خلال شركة DP World الإماراتية، المتخصصة في مجال الخدمات اللوجستية وإدارة الموانئ، من خلال عقد تم توقيعه في عام 2016 ويسري لمدة 30 عاماً باستثمارات تقدر بنحو 442 مليون دولار لتعزيز البنية التحتية اللوجستية للميناء، بحسب ما ذكر إدريس آيات الباحث بقسم العلوم السياسية بجامعة الكويت.
ويشير خبراء إلى أن هذا الأمر قد يعمق بشدة من الخلاف بين المصريين والإماراتيين، كما قد يؤثر سلباً على الدور المصري القيادي في البحر الأحمر فيما يخشى آخرون من تأثير الميناء الجديد تحت الإدارة الإثيوبية على قناة السويس والاستثمارات الهائلة التي تضعها مصر فيها، خاصة وأن أديس أبابا ستدخل بهذا الشكل ضمن الدول المستفيدة من حركة التجارة الدولية في البحر الأحمر وقد تقتطع حصة لا بأس بها.
مخاوف من الحركات الارهابية
وفي الصومال، تتعثر الحرب التي تشنها الحكومة ضد حركة الشباب، حيث من المقرر أن تخرج قوات بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال (ATMIS) من الصومال بحلول نهاية عام 2024، فيما لا يبدو أن هناك أفق لانتهاء الصراع الدامي في السودان حيث لقي أكثر من 10 آلاف شخص حتفهم ونزح الملايين، في حين تواجه إريتريا أزمة إنسانية وسياسية حادة تؤثر سلبًا على سكان الدولة الصغيرة.
وخاضت إثيوبيا والصومال حرباً في عام 1977 على إقليم أوغادين. وفي عام 2006، تدخلت إثيوبيا عسكرياً في الصومال لدعم الحكومة الفيدرالية الانتقالية الضعيفة في البلاد وهزيمة اتحاد المحاكم الإسلامية.
في هذا الوقت، ظهرت حركة الشباب الإسلاموية التي تتهم من عدة أطراف بالإرهاب على رأسها الولايات المتحدة، بسبب هذا التدخل وغذت من النظرة إلى إثيوبيا على أنها عدو الصومال على المدى الطويل، ونجحت الحركة في استغلال التاريخ السياسي المضطرب بين الصوماليين والدولة الإثيوبية لحشد وتجنيد المقاتلين في صفوفها.
وكانت دراسة أجراها معهد دراسات الأمن الدولي (ISS) قد حددت الاغتراب السياسي والهوية الجماعية باعتبارهما الدوافع الرئيسية للشباب الذين ينضمون إلى حركة الشباب في الصومال.
وأوضح أحد الأشخاص خلال الدراسة كيف عُرضت عليهم بشكل متكرر مقاطع فيديو تظهر تسجيلات فيديو "من جهاديين آخرين في العالم وكيف غزت بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال بلادنا".
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: على البحر الأحمر القرن الأفریقی رئیس الوزراء للبحر الأحمر أرض الصومال فی الصومال فی المنطقة من خلال إلى أن فی عام
إقرأ أيضاً:
معركة البحر الأحمر .. واشنطن بلا مخالب
فمنذ منتصف مارس الماضي، كثفت المقاتلات الأمريكية الغارات العدوانية على محافظات عدة، ولكن أهدافها تجمعات سكنية وبقايا ميناء ومستشفى للسرطان وخيام للبدو وكذلك الأسواق والطرقات والمحصلة سقوط المئات من الشهداء والجرحى، أما الصواريخ والطائرات المسيرة اليمنية فصافرات الإنذار وكاميرات الصهاينة المستوطنين تثبت أنها لا تزال بسلام وتؤدي مهامها على أكمل وجه.
هزائم نكراء تتلقها الولايات المتحدة على أكثر من صعيد، ففي سماء اليمن، حققت الدفاعات الجوية نتائج ملموسة في إمكاناتها وفاعلية عملياتها.
فخلال الأسبوع الماضي تمكنت من إسقاط ثلاث طائرات استطلاع مسلحة نوع “إم كيو 9” في أجواء محافظتي صنعاء والحديدة، ليرتفع عدد الطائرات الأمريكية المُسقطة خلال هذا الشهر إلى سبع، وإجمالي الطائرات المُسقطة منذ بداية عمليات الإسناد إلى 22 طائرة، بخسائر تجاوزت 200 مليون دولار، ما يمثل أعلى تكلفة يتكبدها البنتاغون في حملته ضد اليمن.
وتجدر الإشارة إلى أن تكلفة الطائرة المسيرة المتطورة “ريبر” تبلغ حوالي 30 مليون دولار وتحلق على ارتفاعات تزيد عن 12 ألف متر، ما يجعل إسقاطها إنجازاً عسكرياً نوعياً.  إن اللافت في المشهد هو التطور النوعي في قدرات الدفاع الجوي اليمنية.
فوفقًا لتقارير متطابقة من “فوكس نيوز” و”ذا وور زون” وشبكة (CNN) ووكالة أسوشيتد برس، نجحت القوات اليمنية في إسقاط ما لا يقل عن 7 طائرات أمريكية مُسيّرة من طراز “إم كيو-9 ريبر” المتطورة خلال أسابيع قليلة، والتي تُقدر قيمة الواحدة منها بعشرات الملايين من الدولارات، ليصل إجمالي الخسائر إلى 200 مليون دولار.
المفاجأة المدوية لواشنطن تأتي من قدرة اليمن المتطورة على إسقاط أحدث طائراتها المسيرة. ففي غضون أقل من ستة أسابيع، تمكنت الدفاعات اليمنية الجوية الباسلة من إسقاط سبع طائرات مسيرة أمريكية من طراز “ريبر” المتطور، وفقاً لما كشفته وكالة “أسوشيتد برس” نقلاً عن مسؤولين عسكريين. هذه الخسائر المادية الفادحة، التي تتجاوز قيمتها 200 مليون دولار، تمثل أغلى فاتورة يتكبدها البنتاغون في حملته العبثية ضد اليمن.
وإذا علمنا أن تكلفة الطائرة المسيرة الواحدة من هذا الطراز تقارب 30 مليون دولار وتحلق على ارتفاعات تزيد عن 12 ألف متر، فإن هذا الإنجاز اليمني يمثل صفعة مدوية للغطرسة الأمريكية وتفوقها التقني المزعوم.
 ويُعد إسقاط هذه الطائرات المُسيّرة، التي تعتمد عليها واشنطن بشكل كبير في عمليات الاستطلاع والمراقبة، خسارة استراتيجية كبيرة للولايات المتحدة، حيث أعاق قدرتها على الانتقال إلى “المرحلة الثانية” من عمليتها التي كانت تهدف إلى تحقيق التفوق الجوي واستهداف قادة “أنصار الله”.
وقد اعترف مسؤولون أمريكيون بأن “الخسارة المستمرة للطائرات بدون طيار جعلت من الصعب على الولايات المتحدة تحديد مدى تدهور مخزونات أسلحة الحوثيين بدقة”، مؤكدين أن أداء القوات اليمنية في استهداف هذه الطائرات يتحسن باستمرار.
-إخراج القوة البحرية عن الخدمة
وفي تطور لافت يُنذر بتغيير جذري في موازين القوى البحرية، تُحكم القوات المسلحة اليمنية قبضتها على المياه الإقليمية في البحر الأحمر، مُوسعة نطاق عملياتها لتتجاوز استهداف السفن التجارية التابعة للعدو الإسرائيلي ليشمل القطع البحرية الأمريكية نفسها.
هذا التصعيد، الذي يأتي في سياق الدعم اليمني المتواصل لفلسطين وغزة، يُلقي بظلال قاتمة على قدرة واشنطن على بسط نفوذها وإدارة عملياتها العسكرية في المنطقة الحيوية.
تأثير العمليات العسكرية اليمنية أعاق الخطط الاستراتيجية الأمريكية القائمة على سرعة الانتشار في أي نقطة في البحار الممتدة، إلا أن هذه الميزة فقدتها الولايات المتحدة مع إغلاق اليمن لمضيق باب المندب وهو الشريان الرئيسي للإمدادات العسكرية الأمريكية،
وفي هذا السياق ذكر تقرير صادر عن “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” إلى أن “التهديدات المتزايدة التي تواجه الإمدادات العسكرية الأمريكية بسبب هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، تُعيق بشكل كبير قدرة واشنطن على نشر قواتها وإدارة العمليات بفاعلية.”
هذا التقييم يعكس حالة الارتباك والقلق المتصاعد داخل المؤسسة العسكرية الأمريكية إزاء القدرات المتنامية للقوات اليمنية. كما يواصل اليمن إخراج القطع الأمريكية عن الخدمة منها حاملات الطائرات، وأول أمس صرح مسؤولون أمريكيون لقناة الجزيرة أنه سيتم سحب حاملة الطائرات “ترومان” في القريب العاجل،
وهذا التصريح جاء بعد أيام من تأكيد رئيس المجلس السياسي الأعلى بأن “ترومان” خرجت عن الخدمة بفعل الضربات اليمنية عند أول مواجهة لها، كما علّق الرئيس المشاط على التصريح الأمريكي في تصريح لوكالة الأنباء اليمنية (سبأ)، أن إدارة ترامب تمارس التضليل والكذب منذ اليوم الأول للعدوان على اليمن، من ضمن ذلك التضليل محاولة العدو الأمريكي عبر وسائله الإعلامية إثبات أن حاملة الطائرات “ترومان” لم تتعرض لعملية بطولية من قواتنا المسلحة الضاربة، أخرجتها عن الجاهزية، وأفقدتها زمام المبادرة في الأيام الأولى من مشاركتها في العدوان على بلدنا.
وقال: “إن من ضمن ذلك التضليل نشر مقاطع بتاريخ 22 أبريل كما يزعم من قام بنشرها”.. داعيا وسائل الإعلام الدولية بما فيها الأمريكية إلى مطالبة المجرم ترامب وقياداته الفاشلة بنشر بيانات الحاملة “ترومان” للفترة من 20 إلى 23 من مارس 2025م، بما فيها تصوير الكاميرات المثبتة على جوانبها وداخل غرفة قيادتها.
ما يعزز مصداقية صنعاء أن الجيش اليمني تمكن من إخراج ثلاث من حاملات الطائرات الأمريكية خلال الفترة الأولى من التصعيد على غزة، منها “آيزنهاور، لينكولين، وروزفلت”، كما أن اضطرار الأمريكي لاستقدام حاملات طائرات جديدة -بالرغم من الحاجة الأمريكية لها في ظل التصعيد مع الصين- يؤكد مدى المأزق الأمريكي في البحر الأحمر.
منصة “باي جياهاو” الصينية من جانبها أكدت أن حاملة الطائرات “كارل فينسون” تعرضت لأضرار بالغة، ما اضطرها للتراجع لمسافة 800 كيلومتر، وهو ما يُعد ضربة موجعة لصورة الأسطول الأمريكي القوي.
يُضاف إلى الخسائر في الطائرات المسيرة، التكاليف التشغيلية الهائلة للعمليات العسكرية الأمريكية. فالتكلفة التشغيلية لحاملة الطائرات الواحدة تتراوح بين 6 إلى 8 ملايين دولار يومياً، وقد ترتفع إلى 10 ملايين دولار في حالة تنفيذ مهام قتالية، بالإضافة إلى ملايين أخرى لتكاليف التشغيل والصيانة والتدريب.
كما أن استخدام الصواريخ الاعتراضية باهظة الثمن، حيث يتراوح سعر صاروخ “ثاد” الواحد بين 11 إلى 15 مليون دولار، وبطارية “ثاد” بين 800 مليون إلى 1.2 مليار دولار، يؤكد أن الولايات المتحدة تنزلق إلى “حرب استنزاف” مكلفة للغاية في اليمن.
ورغم قدرة واشنطن على الاستمرار لأشهر طويلة، إلا أن هذه التكاليف الباهظة، بالإضافة إلى الخسائر المتزايدة، تثير تساؤلات جدية حول جدوى هذه الحملة.
-تحديات هيكلية وتأخر في تطوير القدرات الأمريكية
يُسلط تقرير لمجلة الدفاع الإيطالية الضوء على التحديات الهائلة التي تواجه البحرية الأمريكية في سعيها لدمج أنظمة جديدة لاعتراض الطائرات بدون طيار على متن مدمراتها المتطورة، مُشيراً إلى معضلة تقنية وعسكرية معقدة تُعيق قدرتها على مواكبة التهديدات المتسارعة التي تشكلها القوات اليمنية.
كما يُبرز تقرير لمعهد البحرية الأمريكية التحديات الجسيمة التي تعرقل مساعي البحرية الأمريكية لتسريع تطوير ونشر أسطول فعال من السفن السطحية غير المأهولة لمواجهة التهديدات العالمية المتزايدة، مُحذراً من أن الرهان على السفن غير المأهولة لا يزال بطيئاً ومتعثراً وسط تحديات هيكلية وتكتيكية تُعيق هذا التحول الاستراتيجي الحيوي. 
هذه الحقائق تُشير بوضوح إلى أن العدوان الأمريكي الغاشم على اليمن لم يفلح في تحقيق أهدافها في ردع القوات اليمنية أو إضعاف قدراتها. بل على العكس فهذه الضربات قد زادت من تصميم اليمنيين على مواصلة دعمهم لفلسطين ومواجهة النفوذ الأمريكي في المنطقة.
إن اعترافات وسائل الإعلام الأمريكية والمسؤولين العسكريين بالتحديات المتزايدة التي تواجهها قواتهم في البحر الأحمر، والخسائر الفادحة التي تتكبدها، تُعد بمثابة شهادة على التراجع الأمريكي وتغيير موازين القوى البحرية في المنطقة.
فاليمن، بإمكاناته المتواضعة وإرادته الصلبة، يُعيد رسم قواعد الاشتباك ويُجبر أقوى قوة بحرية في العالم على إعادة حساباتها وتقييم استراتيجياتها في منطقة باتت عصية على الهيمنة الأمريكية المطلقة.
إن هذا الفشل المتواصل للولايات المتحدة في اليمن، وتكبدها خسائر مادية وبشرية متزايدة، سيكون له تداعيات عميقة على الداخل الأمريكي. فالتساؤلات حول جدوى هذه الحرب العبثية ستتعالى، وستزداد الضغوط على الإدارة الأمريكية لوضع حد لهذا النزيف المستمر للموارد.
والأهم من ذلك، أن هذا الفشل العسكري والسياسي يقوض من مكانة الولايات المتحدة كقوة عظمى أمام منافسيها على الساحة الدولية، الذين يراقبون عن كثب هذا التراجع الأمريكي في مواجهة صمود يمني أسطوري.
إن اليمن، بصموده الأسطوري وتضحياته الجسيمة، وبما حققه من تقدم ملحوظ في قدراته العسكرية، قد لقن الولايات المتحدة درساً قاسياً في فنون القتال وإرادة الشعوب.
هذا العدوان لن يزيد شعب الإيمان والحكمة إلا عزة وكرامة وإصراراً على مواصلة طريق الحق ونصرة قضايانا العادلة. وسيظل اليمن، بعون الله، شامخاً عصياً على الانكسار، شاهداً على تهاوي أوهام القوة الأمريكية وتراجع نفوذها في المنطقة