سلاح جديد قد يحسم لعبة القط والفأر بين الأدوية والبكتيريا
تاريخ النشر: 3rd, January 2024 GMT
ما إن ينجح المجتمع البحثي في تطوير مضاد حيوي جديد للتعامل مع البكتيريا حتى تقوم البكتيريا بعد مدة من الزمن بتشكيل مقاومة لهذا الدواء، فيما يشبه لعبة "القط والفأر" بين الطرفين.
ولكن فريقا بحثيا دوليا يقوده باحثون من جامعة "تكساس إيه آند إم" الأميركية، بات على بعد خطوة واحدة من حسم تلك اللعبة لصالح المريض، بفضل عائلة جديدة من البوليمرات تستهدف غشاء هذه الكائنات الحية الدقيقة، بما يؤدي إلى قتل البكتيريا دون إحداث مقاومة للدواء.
وأصبحت البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية تشكل خطرا متزايدا على الصحة العامة، حيث تتسبب كل عام بشكل مباشر في وفاة 1.27 مليون حالة، بالإضافة إلى تسببها بشكل غير مباشر في وفاة 4.95 ملايين حالة، وذلك وفق دراسة لدورية "ذا لانسيت" الشهيرة نشرت في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
وتشكل البكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية بعده طرق، هي:
تعديل الهدف: فهي تُحور مادتها الوراثية مما يؤدي إلى تغيير الموقع المستهدف، حيث يرتبط المضاد الحيوي عادة بالعمليات الخلوية ويعطلها، ويمنع هذا التغيير المضاد الحيوي من التفاعل بفعالية مع الهدف المقصود، مما يجعله غير فعال. مضخات التدفق: فبعض البكتيريا يقوم بتطوير بروتينات متخصصة تسمى مضخات التدفق التي تضخ المضادات الحيوية بشكل فعال إلى خارج الخلية البكتيرية، مما يقلل من تركيز الدواء داخل الخلية ويقلل من تأثيره. نقل الجينات المقاومة: إذ يمكن للبكتيريا نقل المواد الوراثية -بما في ذلك الجينات التي تمنح مقاومة للمضادات الحيوية- إلى البكتيريا الأخرى من خلال آليات مثل الاقتران، وتسمح هذه العملية للجينات المقاومة بالانتشار بسرعة بين المجموعات البكتيرية. التحلل الإنزيمي: فقد تنتج البكتيريا إنزيمات تقوم بتعديل المضادات الحيوية أو تدميرها كيميائيا قبل أن تتمكن من ممارسة عملها، وعلى سبيل المثال، تقوم إنزيمات "بيتا لاكتاماز" بتفكيك المضادات الحيوية من نوع البنسلين، مما يجعلها غير فعالة. تكوين الأغشية الحيوية: فيمكن للبكتيريا أن تشكل أغشية حيوية واقية تعمل كدروع ضد المضادات الحيوية، مما يجعل من الصعب على الأدوية اختراق الخلايا البكتيرية والوصول إليها. السكون أو النمو البطيء: فيمكن للبكتيريا أن تدخل في حالة سكون أو نمو بطيء، حيث تصبح أقل عرضة للمضادات الحيوية، لأن الأدوية تكون أكثر فعالية ضد الخلايا التي تنقسم بشكل نشط. استهداف الغشاء البكتيري.. آلية مضمونةويعد استهداف الغشاء البكتيري باستخدام بوليمرات معينة فعالا ضد البكتيريا مع تقليل احتمالية مقاومة المضادات الحيوية لعدة أسباب، هي:
الاضطراب الجسدي: حيث تعمل البوليمرات عن طريق التعطيل الجسدي لغشاء الخلية البكتيرية، بدلا من استهداف عمليات داخلية محددة أو جزيئات داخل البكتيريا كما تفعل المضادات الحيوية التقليدية. التفاعل غير النوعي: إذ تتفاعل البوليمرات مع الأغشية الدهنية التي تغلف الخلايا البكتيرية، مما يسبب ضررا على السلامة الهيكلية، ويؤدي هذا الاضطراب إلى تسرب محتويات الخلية وموت الخلايا في النهاية. الطبيعة المعقدة: فالغشاء البكتيري هيكل حاسم ومعقد لبقاء البكتيريا، ويؤثر استهداف هذه البنية بالبوليمرات على جوانب متعددة من الخلية بدلا من هدف واحد محدد، مما يجعل من الصعب على البكتيريا تطوير المقاومة. معدل طفرة منخفض: آلية تعطيل الغشاء لا تؤدي بطبيعتها إلى حدوث طفرة بكتيرية بمعدل مرتفع مقارنة بالمضادات الحيوية التقليدية، وغالبا ما تؤدي الطفرات في المواقع المستهدفة للمضادات الحيوية إلى المقاومة، ومع ذلك، فإن تغيير الغشاء بطريقة تتجاوز عمل هذه البوليمرات هو أكثر تعقيدا وأقل احتمالا لحدوثه بسرعة. البوليمر الجديد يستهدف غشاء البكتيريا بما يؤدي إلى قتلها دون إحداث مقاومة مستقبلية للدواء (شترستوك) محاولات سابقة.. مشكلة شائعةورغم أن البوليمرات تُظهر فعالية في حسم لعبة "القط والفأر" بين الأدوية والبكتيريا، فإن مشكلة شائعة حالت دون توظيفها في إنتاج الأدوية حتى الآن. ويزعم الباحثون في الدراسة الجديدة التي نشرتها دورية "بروسيدنجز أوف ذا ناشيونال أكاديمي أوف ساينس"، أنهم نجحوا في التغلب عليها.
والأسلوب الشائع لتصنيع البوليمرات المستخدمة في الأدوية، يعتمد على طريقة "التكثيف المتعدد" التي تحد من التحكم الدقيق في تصميمها بشكل يسمح بالإنتقائية، وهذه الانتقائية تجعلها تفرق بين البكتيريا والخلايا البشرية عند استهداف الغشاء الخلوي، وهي المشكلة التي نجح الباحثون في حلها عبر تصميم البوليمرات بطريقة جديدة.
والتكثيف المتعدد، هو طريقة لتصنيع البوليمرات عن طريق ضم المونومرات (وهو جزيء يشكل الوحدة الأساسية للبوليمرات) من خلال تفاعل التكثيف، والذي يتضمن عادة إزالة جزيئات صغيرة مثل الماء أو الكحول أو كلوريد الهيدروجين. وتحدث هذه العملية على خطوات، حيث تتفاعل المونومرات ذات المجموعات الوظيفية (على سبيل المثال، مجموعات الهيدروكسيل والكربوكسيل) لتكوين سلاسل بوليمر.
وتبدأ عملية التصنيع بتنشيط المونومر، حيث تخضع المونومرات ذات المجموعات الوظيفية التفاعلية للتنشيط، غالبا من خلال التسخين أو وجود محفز، ثم تتفاعل المونومرات المنشطة مع بعضها البعض، وتشكل روابط تساهمية بين مجموعاتها الوظيفية، وعندما تتشكل الروابط يتم التخلص من الجزيئات الصغيرة مثل الماء أو المركبات الأخرى كمنتجات ثانوية، وتستمر سلاسل البوليمر في النمو مع تفاعل المزيد من المونومرات، حتى يتم تحقيق طول السلسلة المطلوب.
غير أن أبرز عيوب تلك الطريقة هو "نقص التحكم"، فغالبا ما يفتقر"التكثيف المتعدد" إلى التحكم الدقيق في طول السلسلة، مما يؤدي إلى توزيع واسع للوزن الجزيئي وتباين خصائص البوليمر، وهي المشكلة التي عالجها الباحثون باستخدام تقنية "البلمرة المتحكم بها".
وتشير تقنية "البلمرة المتحكم بها" إلى مجموعة من التقنيات المستخدمة في كيمياء البوليمر للتحكم بدقة في نمو سلاسل البوليمر، مما يؤدي إلى أنواع ذات هياكل محددة جيدا، وأوزان جزيئية يمكن التحكم فيها، ووظائف محددة.
فعالية أكبر.. بوليمر جديدوإذا تخيلنا عملية بناء سلاسل البوليمر بأنها تشبه "بناء قطار لعبة بمكعبات خاصة"، فإنه باستخدام"البلمرة المتحكم بها" أنشأ الباحثون نوعا جديدا من مسارات القطارات عبر تصميم كتلة خاصة يمكن ربطها معا بسهولة عدة مرات لإنشاء مسار طويل، وكل كتلة لها شحنة خاصة تجذب بعضها البعض مثل جذب المغناطيس، مما يجعل المسار كله من نوع واحد من الشحنات، وتم استخدام محفز فريد وجديد يسمى "أكواميت" -الذي يشبه الغراء السحري- للصق هذه الكتل معا.
رسم توضيحي للتخليق الكيميائي للبوليمرات الجديدة كعوامل مضادة للبكتيريا (كوينتين ميشوديل)ويقول كوينتين ميشوديل الأستاذ المساعد في قسم الكيمياء بجامعة "تكساس إيه آند إم" في بيان صحفي نشره الموقع الإلكتروني للجامعة: إن "هذا الغراء مهم للغاية، لأنه يتحمل تركيزا عاليا من الشحنات، كما أنه قابل للذوبان في الماء، وهي ميزة غير شائعة في هذا النوع من العمليات".
واختبر ميشوديل وفريقه البحثي البوليمر الجديد ضد نوعين رئيسيين من البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، وهما "الإشريكية القولونية" و"المكورات العنقودية الذهبية"، وأثبت فعالية في استهدافهما، كما اختبر الباحثون أيضا سُمّية البوليمر ضد خلايا الدم الحمراء البشرية، وأعطى نتائج مشجعة للغاية.
ويهدف الفريق البحثي إلى تعزيز نشاط هذه البوليمرات ضد البكتيريا مع تحسين انتقائيتها للخلايا البكتيرية، ويقومون حاليا بتجميع إصدارات مختلفة من البوليمرات لتحقيق هذه الأهداف، ويخططون لإجراء تجارب على الجسم الحي في المستقبل القريب.
اختبارات طويلة المدىومن جانبه، يثني الأستاذ بكلية الصيدلة في جامعة بني سويف المصرية محمد منصور، على النتائج التي تحققت في هذه الدراسة على النطاق المعملي، ولكنه يشدد على أن البوليمر الجديد يحتاج إلى اختبارات طويلة المدى للتأكد من أن البكتيريا لن تطور مقاومة ضده.
ويقول منصور في حديث هاتفي مع "الجزيرة نت" إن: "التأكد من هذه الحقيقة يحتاج إلى اختبارات طويلة المدى للتأكد من عدم تطوير مقاومة مع مرور الوقت، كما يجب التأكد أيضا من دقة البوليمرات في التمييز بين الخلايا البكتيرية والخلايا البشرية، وهذا أيضا سيحتاج إلى وقت طويل لإثباته".
ويضيف أنه "إذا حُسم هذان الأمران، فإننا سنكون أمام اختراق مهم في حسم المعركة المستمرة بين الأدوية والبكتيريا".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: مقاومة للمضادات الحیویة المضادات الحیویة یؤدی إلى
إقرأ أيضاً:
بوشكيان: لا قيامة للبنان اقتصادياً من دون تكامل وتفاعل القطاعات الحيوية
لبّى وزير الصناعة النائب جورج بوشكيان دعوة رئيس المجلس اللبناني لمصنّعي الحليب ومشتقّاته (Lebanese Dairy Board-LDB) جاك كلّاسي إلى جولة في مصنع دانيكا لانتاج الألبان والأجبان في منطقة نهر ابراهيم الصناعية. وهدف كلاسي من الجولة تضمينها لقاء وحواراً مع أعضاء المجلس شارك فيه أيضاً وزير الشباب والرياضة جورج كلاس ومدير القوامة في اركان الجيش للتجهيز العميد جورج الخوري ورئيس بلدية نهر ابراهيم شربل خليل بو رعد. وضمّ الوفد المديرة العامة لمؤسسة المقاييس والمواصفات اللبنانية (ليبنور) المهندسة لينا درغام والمديرة العامة لوزارة الصناعة المهندسة شانتال عقل ومدير المختبرات في معهد البحوث الصناعية الدكتور جوزيف متى، وعدداً من الصناعيين. وشرح كلاسي في الاجتماع أن القطاع تطوّر بشكل كبير وسريع ويضمّ مصانع حديثة جداً تضاهي المصانع العالمية بجودة انتاجها، وتشكّل "فخر الصناعة الوطنية بامتياز".
ودعا إلى"وجوب تنظيم القطاع وضرورة الإسراع في هذا المخطط". وقال:" حجم الاستثمارات بقطاع الألبان والأجبان وصل في وقت من الأوقات الى مليار دولار بدءًا بمزارع الأبقار والعناية البيطرية وصولاً للأعلاف واليد العاملة والاستثمارات بالمصانع وشركات التوزيع والتسويق". بدوره، قال بوشكيان: "دور عجلة الانتاج بفضل ايمانكم ومثابرتكم وتضحياتكم ومواجهتكم التحدّيات. تعملون في المخاطر وتتخطّونها. قطاعكم واعد مليء بقصص النجاح. استثماراتكم كبيرة بمئات ملايين الدولارات. وأنا متأكد أنكم مستعدون للاقدام وتوسيع مشاريعكم وتحديثها وتطويرها وتنويعها". وأضاف: "أصبحت الأمور علينا أسهل بعدما حصل تطوّر نوعي في الرؤية الاقتصادية للقطاع الصناعي والانتاجي بشكل عام. النظرة الحكومية-التنفيذية والنيابية-التشريعية وعلى صعيد الرأي العام تغيّرت كثيراً إزاء الصناعة التي باتت تُعتبر ركناً أساسياً ومدماكاً فاعلاُ في بنيان الاقتصاد اللبناني، الى جانب القطاعات الأخرى". وأكد ان "لا قيامة للبنان اقتصادياً من دون تكامل وتفاعل القطاعات الحيوية بين بعضها، بحيث لا تقوم الواحدة بدور الثانية، ولا يحاول أحد الغاء دور أحد. وبانتظار استعادة القطاع المصرفي عافيته التي لن تتأخّر، وهناك مؤشّرات ايجابية على ذلك ستظهر تباعاً في المستقبل القريب. أضف إلى ذلك، آلةُ المغتربين الجبّارة الذين ينتظرون بفارغ الصبر المساهمة في احياء لبنان كوكبة الشرق، وصلة الوصل مع الغرب، وتعدّد الحضارات، ومنارة ثقافية وحضارية متوسّطية وعالمية". وتابع:"لا يُخفى عليكم ولا عليّي وجود طارئين على هذا القطاع يعملون بالخفاء وبوضح النهار بشكل غير قانوني. أطمئنكم أنّني مستمر بقطع دابر هؤلاء بقوّة القانون. يشبه هؤلاء المرتزقة المتخفّين. المشكلة تكمن فيهم وأيضاً في المحل أو السوبرماركت الذي يشتري منهم. ولذلك أذكّر بسلسلة القرارات التي أصدرتها لتنظيم القطاع وحمايته. وهي: وضع مكونات المنتج وتاريخ صلاحيته ومصدره على مواد التعبئة والتغليف، الزام المصانع بمعايرة أجهزة القياس في المصانع، الزام المصانع الغذائية وغيرها بالالتزام بالمواصفات اللبنانية الصادرة عن مؤسسة المقاييس والمواصفات اللبنانية (ليبنور)، وجوب تعاقد مصانع الغذاء مع اخصائي غذائي، قرار مشترك مع وزير الاقتصاد والتجارة بالزام نقاط البيع بالتزوّد بالألبان والأجبان من مصانع مرخّصة".