نشر موقع "ناشيونال إنترست"، مقالا للكاتبة آن بيرس أشارت فيه إلى إن قصة الثورة السورية ضد الطغيان ملهمة بقدر ما هي مأساوية. كما كانت ردود الفعل الأمريكية والدولية على فظائع بشار الأسد والحرب الكارثية في سوريا تفتقر إلى الحكمة بقدر ما كان لها عواقب.

وقالت بيرس في المقال الذي ترجمته "عربي21": إذا نظرنا إلى الكيفية التي سار بها العقد الماضي بشكل خاطئ للغاية بالنسبة للشعب السوري، مع استمرار معاناة تلو الأخرى، وإلى الانفجار الحالي في الشرق الأوسط، مع تراجع النفوذ الأمريكي والديمقراطي بشكل حاد، فإننا نرى الحاجة الملحة إلى المزيد من السياسة الخارجية الأمريكية الحكيمة القائمة على المبادئ.



وأضافت: نحن نرى أنه، كما حذرت سوزان مالوني، زميلة معهد بروكينغز في عام 2018، فإن "ما يحدث في سوريا لا يبقى في سوريا"، وأنه حتى في هذا الوقت المتأخر، هناك حاجة لنهج جديد سليم تجاه سوريا والمنطقة. 

 وفي دعوة الكاتبة لسياسة أمريكية جديدة تتجاهل موافقة الحكومة الامريكية على فظائع "إسرائيل" المستمرة في غزة. وتبدو وكأنها تدين الطغيان في سوريا وتتغاضى بل وتبحث عن مبرر لتدمير غزة، عندما تحاول قراءة مسار السياسة الأمريكية من نظام الأسد وحلفاؤه. فهي تقول إن حقيقة نجاح الأسد وحلفائه روسيا وإيران وحزب الله في إبقاء النظام السوري البغيض في السلطة من خلال الحرب القاسية والجرائم ضد الإنسانية، وأن العالم لم يفعل الكثير لمنعهم، تشكل سابقة يتردد صداها اليوم.

وتضيف أنه "في فظائع الإبادة الجماعية التي شهدتها حرب روسيا على أوكرانيا، وهجوم حماس على إسرائيل في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، هناك أصداء للفظائع التي ارتكبها الأسديون ضد السوريين". دون أن تذكر أي شيء عن قتل الاحتلال أكثر من 22.000 فلسطيني على مدى ثلاثة أشهر.


وتابعت أنه ومنذ أن خرج المتظاهرون السلميون السوريون لأول مرة إلى الشوارع للمطالبة بالحقوق الأساسية، ليواجهوا بعنف ووحشية النظام القمعي، نرى الشوق والتلهف للحرية وحماقة وقصر نظر الاسترضاء وسادية وقسوة الحرب الأهلية. والتواطؤ الخبيث بين الأنظمة السورية والإيرانية والروسية، ودعمها للقوى المتطرفة. 

وأشارت إلى أنه عندما اندلعت الاحتجاجات السلمية المؤيدة للديمقراطية في أوائل عام 2011، قام نظام الأسد باعتقال وتعذيب المراهقين، وعندما تزايدت الاحتجاجات، أطلق النظام النار على المتظاهرين. وبينما أدت وحشية الدولة إلى تأجيج الثورة وحمل الثوار السلاح، نشر الأسد الدبابات، والمروحيات الهجومية، والطائرات المقاتلة، وفي نهاية المطاف، "البراميل المتفجرة" و"حصار المجاعة" ضد الثوار والمدنيين على حد سواء.

وبحلول أوائل عام 2012، كانت سوريا في "حرب أهلية". وكان رد إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما على الأعمال العدائية والفظائع المتصاعدة التي يرتكبها الأسد معيبة للغاية وفقا للتقرير. حيث لجأت الإدارة إلى مجلس الأمن مع علمها أنه كان سيتم استخدام حق النقض ضد أي إجراء ذي معنى. كما قامت بعرقلة أو تخفيف المقترحات الموضوعية للكونغرس، بما في ذلك فرض عقوبات قوية ورفض دعوة فرنسا لإنشاء ممر إنساني ونداء تركيا لإقامة "منطقة حظر طيران آمنة"، ثم قبلت خطة الأمم المتحدة المدعومة من روسيا والتي لم تدعو الأسد إلى التنحي وخذلت القضية الأخلاقية للشعب السوري. 

وشددت على أنه مع إصدار الولايات المتحدة والأمم المتحدة دعوات محايدة أخلاقيا لإنهاء "العنف"، أصبحت الحياة أكثر جحيما بالنسبة للسوريين، إذ فتح ضعف الولايات المتحدة والأمم المتحدة الباب أمام الجماعات المتطرفة الحريصة على اختطاف الثورة السورية أو الدفاع عن النظام السوري.  

وقالت الكاتبة إن تطرف الصراع كان مناسبا للأسد تماما. وبفضل النكسات التي تعرض لها الثوار المعتدلون وفشل الجيش السوري الحر في الحصول على المساعدات الخارجية، عمد الأسد إلى تضخيم حكمه الإرهابي. وعلى الرغم من أن الأسد أطلق سراح الكثير من قادة داعش من السجن، إلا أنه وضع نفسه بذكاء كحصن ضد التطرف الإسلامي. وبقدر ما اعتُبر داعش جزءا من "المعارضة"، فقد أعطى مصداقية لادعاء الأسد بأن أولئك الذين يقاتلون النظام كانوا إرهابيين. وبقدر ما قاتل تنظيم داعش ضد الجيش السوري الحر، فقد عجل بزوال المتمردين المعتدلين. ومن المثير للاهتمام أن قوات النظام ومسلحي تنظيم الدولة الإسلامية عادة ما يتجنبون بعضهم البعض أثناء استهداف الآخرين، وفقا للمقال.

ولفتت إلى أنه في حين ساهم النفور من نشر "قوات على الأرض" في مرحلة ما بعد حرب العراق في السلبية الأمريكية، فإن تقاعس الولايات المتحدة وغيرها سمح لتنظيم داعش ببناء معقل له في سوريا والعراق، وهو تطور خطير للغاية لدرجة أنه تطلب ردا عسكريا. وبينما كانت إدارة أوباما تأمل في إمكانية تحقيق تعاون إيران في القضايا النووية والإقليمية من خلال اتباع نهج الحد الأدنى في التعامل مع سوريا، رأت إيران ضعفا وتصرفت وفقا لذلك.

وما زاد الطين بلة، وفقا للكاتبة، أن الولايات المتحدة وافقت على "خطط السلام" المزعومة لروسيا في سوريا من خلال "مؤتمرات جنيف"، والتي لم تمنح الأسد سوى الوقت والغطاء لمزيد من العدوان. وفي غياب الانتكاسات العسكرية الكبرى، لم يكن لدى الأسد أي سبب لتقديم تنازلات. علاوة على ذلك، أدرك الثوار أنهم إذا ألقوا أسلحتهم، فإن الأسد سوف يسحقهم. 

وذكرت بيرس أن "إسرائيل" وفرنسا وبريطانيا وتركيا قدمت في نيسان/ أبريل 2013 أدلة على أن النظام السوري استخدم الأسلحة الكيميائية. ومع ذلك، أعلن وزير الخارجية الأمريكي حينها جون كيري وونظيره الروسي لافروف في شهر أيار/ مايو عن خطط لعقد مؤتمر يستند إلى بيان جنيف، الذي على الرغم من دعوته إلى تشكيل حكومة انتقالية، إلا أنه لم يدعو على وجه التحديد إلى رحيل الأسد.

وفي آب/ أغسطس 2013، أطلق الأسد العنان للأسلحة الكيميائية على آلاف المدنيين في دمشق، وهو التطور الذي، وفقا لـ "الخط الأحمر" الذي أعلنه أوباما سابقا، كان ينبغي أن يؤدي إلى شن غارات جوية أمريكية. ومع ذلك، فقد صممت روسيا خطة أخرى لتدمير الأسلحة الكيميائية السورية بحلول عام 2014 بشرط أن تمتنع الولايات المتحدة عن ضرب سوريا. لقد أدى تحرك الأمم المتحدة بناء على الاتفاق إلى إعادة الشرعية لنظام الأسد بشكل فعال من خلال دعوة الجانبين إلى التسوية وتأكيد دور الأسد في المفاوضات المستمرة، حسب ما ورد في المقال. 

ومع تراكم الفرص في عام 2015، دخلت روسيا الحرب إلى جانب الأسد، وشنت غارات جوية على الثوار المعتدلين. وبمساعدة روسيا وإيران وحزب الله، استعاد الأسد معظم الأراضي التي كان الجيش السوري الحر قد استولى عليها في ذلك الوقت.

وأشارت الكاتبة إلى أن ما زاد الأمور سوءا القرارات الأمريكية اللاحقة. وفي خطوة غير مبدئية وغير حكيمة، دعت إدارة أوباما إلى وقف الأعمال العدائية، وبعد ذلك وافقت على تنفيذ طلعات جوية "بالتعاون" مع روسيا ضد داعش. وقد تم تحذير المتمردين من أنهم أيضا سوف يتم استهدافهم إذا لم يقطعوا العلاقات مع متطرفي جبهة النصرة، الذين كان بعضهم قد انحاز إليها في ذلك الوقت على مضض. والجدير بالذكر أنه لم تكن هناك متطلبات لوقف القصف والمجازر والفظائع التي يرتكبها الأسد. وسرعان ما انهار وقف إطلاق النار المعيب بشكل قاتل. وفي هذه الأثناء، أدى العنف المدمر والفظائع الشديدة إلى فرار الملايين من منازلهم، مما يشكل واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية التي شهدها العالم. 

وقالت بيرس إن أفكار إدارة أوباما، أن روسيا يمكن أن تكون "شريكا" في محاربة داعش، وأن إيران يمكن أن تلعب "دورا بناء" في سوريا والعراق، وأن الشعب السوري يمكن أن "يتعايش" مع النظام الذي سبب لهم كل هذا الرعب والألم، كانت أوهام. وكانت إيران وروسيا تعملان ضد المصالح الأمريكية ودعما للأسد في كل منعطف. 


وأضافت أن فريق السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، رسم مسارا أفضل في البداية. فرضت الإدارة عقوبات جديدة كبيرة في مجال حقوق الإنسان، وردت بإجراءات عسكرية محدودة عندما استخدمت القوات الموالية للأسد الأسلحة الكيميائية مرة أخرى وهددت عسكريا التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. حتى أن مسؤولي ترامب ذكروا أنه "لا يمكن أن يكون هناك سلام أو استقرار أو عدالة طالما بقي الأسد في السلطة" وأن "روسيا وإيران تدعمان قتله لشعبه". ولكن على نحو متزايد، ركز ترامب بشكل ضيق على التهديد الذي يشكله تنظيم الدولة الإسلامية والمعركة، جنبا إلى جنب مع الأكراد السوريين، لطرد تنظيم الدولة الإسلامية من سوريا والعراق. 

ومرة أخرى وفقا للكاتبة، فقد استغلت روسيا الوضع حيث نظمت في كانون الثاني / يناير2017، مؤتمر أستانا الأول، حيث دفعت باقتراح إنشاء "مناطق خفض الاشتباك" ليتم تنفيذها من قبل روسيا وإيران وتركيا. أعرب مسؤولو ترامب عن شكوكهم لكنهم وافقوا على الرغم من العلامات التحذيرية: لقد ساعدت مناطق منع الاشتباك الفاشلة الأسد على تحقيق الانتصارات في الجزء الغربي من سوريا. وارتفعت الخسائر في صفوف المدنيين.  

وشددت على أنه بالرغم من أن ترامب كان يعمل على تحسين العلاقات مع الدول السنية التي يمكنها مواجهة إيران، وأعلن عقوبات على الحرس الثوري الإيراني، إلا أنه فشل في تشكيل استراتيجية للتعامل مع تواطؤ الأسد وروسيا وإيران وهجومهم الوحشي على الشعب السوري . في الواقع، عند إعلانه المفاجئ عن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا في كانون الأول/ ديسمبر 2018، غرّد قائلا: "لقد هزمنا داعش في سوريا، وهو السبب الوحيد لوجودنا هناك..." وقد أفادت هذه الدورة روسيا وإيران وفتحت الباب أمام تركيا. لشن هجوم مدمر على القوات الكردية التي دخلت في شراكة مع الولايات المتحدة لهزيمة داعش. وجعل ذلك الأكراد يتوجهون بشكل متزايد نحو روسيا والأسد طلبا للحماية، حسب تعبير الكاتبة. 

ومع معارضة فريق ترامب للسياسة الخارجية والكونغرس، عاد حوالي نصف القوات الأمريكية البالغ عددها 2000 جندي إلى سوريا في غضون عام واحد. لكن ترامب، مثل أوباما، نادرا ما أشار إلى معاناة أولئك الذين يقعون في قبضة الأنظمة التي ترتكب الفظائع، وفي بعض الأحيان، كما فعل أوباما، ذهب إلى حد تملق الطغاة البغيضين.

وقالت بيرس في مقالها، إن الشعارات التبسيطية مثل "إنهاء الحرب التي لا نهاية لها" و"أمريكا أولا" تهمل السوريين وغيرهم من الشعوب المضطهدة بشدة. علاوة على ذلك، فإن فعل القليل وقول القليل ردا على الأعمال العدائية والفظائع المتصاعدة لتجنب الحرب يزيد من احتمالية اضطرار الولايات المتحدة في النهاية إلى الحرب بسبب الأحداث التي تخرج عن نطاق السيطرة. 

وهكذا، وفقا للمقال، حققت روسيا نفوذا وقواعد، واختبرت عددا لا يحصى من الأسلحة في سوريا، والتي ستستخدمها بعد ذلك في أوكرانيا. كما اكتسبت الميليشيات الإيرانية موطئ قدم بالإضافة إلى العراق، حيث استهدفت القوات الأمريكية بالصواريخ والطائرات المسيرة. 

وأشارت إلى تكثيف الهجوم العسكري الوحشي الذي يشنه الأسد وروسيا ضد السوريين بشكل ملحوظ منذ أن هاجمت حركة حماس "إسرائيل". ومنذ ذلك الحين، شن وكلاء إيران ما يقرب من 100 هجوم على القوات الأمريكية في سوريا والعراق. ومع ذلك، فإن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، التي تحاول تجنب التصعيد بشكل مفهوم ولكنها تظهر بشكل غير مقبول الجمود الأخلاقي والاستراتيجي، لم تستجب إلا بالقليل للغاية وبعد فوات الأوان. 


وقد عارض أعضاء لجنتي الشؤون الخارجية بمجلس النواب والعلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ من كلا الحزبين قبول الرئيس بايدن لجهود تطبيع الدول العربية مع الأسد وضعف تطبيقه للعقوبات على سوريا، وفقا للكاتبة. 

وشددت بيرس على تخلي الولايات المتحدة والأمم المتحدة وأوروبا والعالم العربي عن سوريا كان بمثابة ضربة كبيرة للمعايير الدولية والمبادئ الديمقراطية. وقالت إن التحول من منطقة إلى أخرى، مع نسيان الترابط العالمي بين التهديدات الحديثة والمعادلات التبسيطية للقوة الصارمة، أعطى أعداء الحرية فراغا ليملأوه. وفي الشرق الأوسط ومختلف أنحاء العالم، نرى أن الردع الضعيف الذي يمارسه الغرب، والعقوبات الواهية التي يفرضها على المعتدين، واستعداده للتغاضي عن حقوق الإنسان، لم يشترِ الراحة التي طال انتظارها في مرحلة ما بعد الحرب الباردة.

واختتمت مقالها بالقول إن سياسة جديدة في التعامل مع سوريا تتسم بالوضوح الأخلاقي والاستراتيجي، من شأنها أن يتردد صداها بشكل إيجابي في المنطقة وأن تعمل على تحسين قدرة أميركا على ردع خصومها.

وفي النهاية، فإدانة الكاتبة لسياسات أمريكا من سوريا هي بالضرورة إدانة لدعمها المطلق وغير المشروط لإسرائيل في غزة، لكن الكاتبة تتعامى عن هذه الحقيقة

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية الأسد سوريا إيران إيران سوريا الأسد امريكا صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة القوات الأمریکیة سوریا والعراق روسیا وإیران فی سوریا من سوریا من خلال یمکن أن

إقرأ أيضاً:

انتخابات البلديات في شرق سوريا.. لماذا لا تدعمها واشنطن؟

رغم أن البيان الأخير الذي أصدرته "الإدارة الذاتية" في شمال وشرق سوريا بشأن "انتخابات البلديات" حَمل شكلا جديدا على صعيد عملية التنظيم والتحضيرات، إلا أنه قوبل، للمرة الثانية، بمعارضة عبّرت عنها الولايات المتحدة.

فما السر وراء تمسك "الإدارة" الكردية بهذه الانتخابات؟ وما الذي تريده من وراء ذلك؟ لاسيما في ظل وجود معارضة أميركية، وموقف تركي يستند على التلويح بالعصا العسكرية في حال تمت ترجمة هذه الخطوة على الأرض؟

وكانت "الإدارة" قد أجلت تنظيم الانتخابات لمرتين في مايو ويونيو الماضيين وللمرة الثالثة في شهر أغسطس. وجاءت الخطوة الأخيرة بعد بيان نشرته الخارجية الأميركية أكدت فيه أن "شروط الانتخابات الحرة والنزيهة في شمال وشرق سوريا غير متوفرة".

وعادت الخارجية الأميركية لتشدد على موقفها، الأسبوع الماضي، مشيرة إلى أنها "لا تدعم الإعلان الأخير الصادر عن الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا، الذي دعا اللجنة العليا للانتخابات لبدء الاستعدادات للانتخابات البلدية".

وأضافت أن الولايات المتحدة أعربت باستمرار عن ضرورة أن تتمتع أي انتخابات في سوريا بالحرية والنزاهة والشفافية والشمولية، بما يتوافق مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254"، وأنه "لا يتم حاليا استيفاء الشروط اللازمة لإجراء انتخابات مماثلة في سوريا، بما في ذلك في شمال البلاد وشرقها".

وتسيطر "الإدارة الذاتية" على مناطق واسعة في شمال وشرق سوريا، وتعتبر "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) ذراعها العسكري، وقبل الكشف عن الاستعدادات المتعلقة بتنظيم "الانتخابات" في مايو الماضي كانت أصدرت "قانون التقسيمات الإدارية".

وبموجب ذلك القانون قسّمت المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى 7 "مقاطعات" هي الرقة ودير الزور والجزيرة ومنبج وعفرين والطبقة والفرات"، وأوضحت حينها أن "الانتخابات" التي تنوي تنظيمها ستستهدف وتكون بناء على الشكل المذكور.

ماذا حصل مؤخرا؟

وفقا لقرار حمل رقم 7، أصدرته "الإدارة الذاتية" في الخامس من سبتمبر الحالي، فوضت الأخيرة "الهيئة العليا للانتخابات" التابعة لها بدء العمل على إجراء "انتخابات البلديات". وبينما لم تحدد موعدا ثابتا تركت الباب مفتوحا أمام عملية التنظيم.

وقالت في بيان ورد فيه نص القرار إن "الانتخابات ستجري في وقت تراه الهيئة العليا مناسبا، وبحسب وضع كل "مقاطعة" على حدة، وهو ما دفع الخارجية الأميركية للتأكيد على موقفها، الأسبوع الماضي.

وتواصل موقع "الحرة" مع سنيم محمد ممثلة "مجلس سوريا الديمقراطية" (مسد) في واشنطن للحصول على تعليقات بشأن أسباب تمسك "الإدارة الذاتية" بـ"انتخابات البلديات، لكنها رفضت التعليق على ذلك.

ومن جانبه أوضح القيادي السابق في "مسد"، رياض درار أنه "لا أحد يعرف السر وراء الموقف الأميركي والإصرار الحالي على عدم إجراء الانتخابات".

ويقول درار لموقع "الحرة" إن "المندوبين الأميركيين في مناطق شمال وشرق سوريا كانوا دائما يصرون على أن تجري انتخابات من أجل حوكمة سليمة في المناطق، ولتسليم البلديات للمؤهلين والأشخاص القادرين على إدارة مؤسسة بشكل جيد".

ولكنه يضيف: "وعندما بدأت الفكرة لاحظنا الموقف الأميركي الذي يقول إنه ليس من الوقت المناسب إجرائها.. وعلى أساس ذلك تم تأجيل الانتخابات مؤخرا".

وفي الوقت الحالي يتم مراجعة "التوجيهات الأميركية" و"التهديدات التركية"، "لأننا لا نريد أن ندخل في مواجهة لا مع أنقرة ولا مع الحليف الأميركي"، وفق حديث القيادي السابق في "مجلس سوريا الديمقراطية".

وكانت تركيا رفعت سقف تهديداتها ضد "الإدارة الذاتية" وهيكلها العسكري "قسد" خلال الأشهر الماضية، وارتبطت تلك الحالة على نحو كبير بالإعلان الأول الذي انتشر بخصوص التحضيرات والاستعداد لتنظيم "الانتخابات".

ويشير درار إلى أن الخطوة الأخيرة التي وقعت قبل أسبوع (تغيير شكل عملية التنظيم وترك القرار لكل مقاطعة على حدة) جاءت بموجب "اقتراح من اللجنة المشرفة، وبأن تكون هناك إجراءات انتخابية في المقاطعات ودون مواعيد محددة".

وبمعنى آخر أن "كل بلدية أو منطقة تحدد الظرف المناسب وتقيم انتخاباتها دون أي إعلان عام"، وفق القيادي السابق في "مسد"، وهو الممثل السياسي لـ"قوات سوريا الديمقراطية".

"سببان وعملية تدوير"

ولا يعرف حتى الآن ما إذا كانت كل منطقة تخضع لـ"الإدارة الذاتية" ستمضي باتجاه تنظيم "الانتخابات" بشكل فردي، بحسب ما أشار القرار الأخير الذي حمل الرقم 7، والصادر في 5 سبتمبر الحالي.

ويعتقد درار أنه "سيتم مرة أخرى تدوير هذا الأمر بحيث لا يشكل ذلك عرقلة لإدارة المنطقة ولا يزعج الحلفاء".

كما يضيف: "نحن نقدر الظرف وموقف الحليف الأميركي، وربما هناك ظروف تجعله يصدر مثل هذا البيان لرؤية مستقبلية بشأن ما يجري في سوريا ككل".

ويرى الباحث في مركز "عمران للدراسات الاستراتيجية"، سامر الأحمد، أنه يوجد سببان وراء تمسك "الإدارة الذاتية" بعملية تنظيم "الانتخابات"، الأول هو "كسب الشرعية والهروب من الاستحقاقات المحلية".

ويرتبط الثاني بمحاولة "الإدارة" الكردية "إظهار نفسها أنها لا تتعرض لضغوط دولية".

وكانت "الإدارة الذاتية" تعرضت خلال العامين الماضيين "لاستحقاقين مهمين"، وفق قول الأحمد لموقع "الحرة"، تركا "أثرا على مصداقيتها الدولية وفعلها السياسي".

الاستحقاق الأول هو "الحوار الكردي-الكردي وفشله بسبب إصرار الإدارة على عدم تقديم أي تنازل أو حتى عقد جلساته"، والثاني موضوع محافظة دير الزور، والمشكلة التي اندلعت مع أبناء المنطقة ومع العشائر، دون أن تتم معالجتها حتى الآن.

ويضيف الأحمد: "بعد عام من أحداث دير الزور لم تتحقق مطالب الناس، وبينما بقي الوضع الأمني على حاله لم تتمكن الإدارة الذاتية حتى الآن من السيطرة على تطورات الأحداث".

ويعتبر الباحث أن "خطوة الانتخابات هدفها الهروب من الاستحقاقات، وتحاول من خلال الإدارة الذاتية القفز إلى الأمام لكسب الشرعية"، بعدما كانت تستمدها في السابق من المعركة ضد تنظيم "الإرهاب" وتنظيم داعش.

"قضية الاعتراف السياسي منفصلة"

ومن جانبه يوافق الباحث السياسي الكردي، إبراهيم كابان على أن الفكرة المتعلقة بأن سبب التمسك بـ"الانتخابات" من قبل "الإدارة الذاتية" مرتبط بمحاولة "البحث عن الشرعية والدعم الدولي، وخاصة من التحالف الغربي".

ويضيف إلى ذلك أن "الإدارة تحاول أيضا إظهار قوتها على المستوى الإداري"، وهي "إحدى المسالك الاستراتيجية لتقوية نفسها".

ويعتبر كابان في حديثه لموقع "الحرة" أن الخطوة الأخيرة بخصوص إجراء الانتخابات "جاءت مخففة الحدّة"، وأن "يمكن الآن لكل مقاطعة أن تمضي بعملية التنظيم وفقا لظروفها المناسبة".

ولا يرى أن الموقف الأميركي يخص "الإدارة الذاتية" على نحو محدد، بل سبق أن شمل "انتخابات مجلس الشعب" التي أجراها النظام السوري، قبل شهرين، وفق حديثه.

وهذه ليست أول انتخابات للإدارة الذاتية خلال السنوات الماضية، لكنها الأولى التي كان ينبغي أن تشمل جميع مناطق سيطرتها.

وفي عام 2015، اقتصرت انتخابات المجالس البلدية على "مقاطعة الجزيرة" كما تصفها "الإدارة" الكردية، أي الحسكة. وفي عام 2017، على ثلاث "مقاطعات" فقط.

وتحظى "الإدارة الذاتية" بدعم من الولايات المتحدة.

وكان هذا الدعم قد انعكس خلال السنوات الماضية من طبيعة العلاقة بين التحالف الدولي و"قسد" والحملات العسكرية المشتركة التي أطلقت ضد تنظيم داعش.

ومع ذلك يشير الباحث الكردي كابان إلى أن قضية "الاعتراف العسكري" منفصلة عن قضية "الاعتراف السياسي".

ويوضح حديثه بأنه "لا يعتقد أن الولايات المتحدة أو قوى أخرى في سوريا قادرة على الاعتراف بالأجسام التي تدعمها بشكل فردي، لأن الحل يجب أن يكون عاما وليس محددا في منطقة".

ويعتقد كابان في المقابل أن "الوجود الأميركي في سوريا ليس من أجل دعم مشروع جانبي"، وأن "واشنطن تنظر إلى جميع القضايا كقضية واحدة".

"استعادة شرعية"

ولا تزال الولايات المتحدة تؤكد أن الحل السياسي في سوريا يجب أن يكون بموجب القرار الأممي 2254، وهو ما ينطبق على المناطق التي تديرها "الإدارة" الكردية في شمال وشرق سوريا.

ويشمل القرار الأممي 2254، الذي تقدمت به الولايات المتحدة، قبل سبع سنوات، 16 مادة.

وتنص الرابعة منه على دعم عملية سياسية بقيادة سورية، تيسرها الأمم المتحدة، وتقيم في غضون فترة مستهدفة مدتها ستة أشهر حكما ذا مصداقية يشمل الجميع، و"لا يقوم على الطائفية".

كما تحدد هذه الفقرة جدولا زمنيا وعملية لصياغة دستور جديد، فيما يعرب مجلس الأمن عن دعمه لانتخابات حرة ونزيهة تجرى عملا بالدستور الجديد، في غضون 18 شهرا تحت إشراف الأمم المتحدة.

ويعتقد الباحث الأميركي في شؤون الشرق الأوسط، راين بوهل أن "الأكراد في الوقت الحالي يتطلعون إلى استعادة بعض الشرعية في شرق سوريا، خاصة بعد تلك الاشتباكات التي شهدناها في وقت سابق من هذا العام بين قوات سوريا الديمقراطية والقبائل المحلية".

وكانت المواجهات اندلعت في محافظة دير الزور، ولا تزال تداعياتها قائمة حتى الآن على الأرض وبين أبناء العشائر العربية في تلك المنطقة.

ومن وجهة النظر الأميركية يشير بوهل لموقع "الحرة" إلى أن "الولايات المتحدة ترى أن الانتخابات قد تؤدي إلى تفاقم هذه العلاقات الداخلية".

ويضيف أن "آخر ما تريده واشنطن أن يتحول شمال شرق سوريا إلى صراعات متقطعة بين الجماعات التي تدعم الولايات المتحدة ظاهريا".

ويعتقد الباحث السوري الأحمد أن البيان الثاني للخارجية الأميركية "لافت" وينبه إلى أنه "لا يجب العمل بأي شيء يتجاوز الصلاحيات".

ويعتبر أن "واشنطن تعرف أن إجراء الانتخابات ترسيخ لسلطات الأمر الواقع، وفي حال تم تطبيقها في شرق سوريا قد تتبع قوى أخرى ذات المسار".

ومن ناحية أخرى، يقول إن "واشنطن لا تريد أن تضيف توترا إلى التوترات الأخرى المتعلقة بحرب غزة والمتعلقة بإيران"، في إشارة منه إلى طبيعة العلاقة مع أنقرة، وهي التي ترى "الإدارة الذاتية" جسما مرتبطا بـ"حزب العمال الكردستاني". وتنفي الأخيرة ذلك.

"موقف أميركي مثير للاهتمام"

ومن المرجح أن الأميركيين لا يرون في "الانتخابات" بشرق سوريا وسيلة مواتية في هذا الوقت لتعزيز مصالحهم في سوريا أو على نطاق أوسع، كما يرى ألكسندر لانغلويس الباحث الأميركي والكاتب في مجلة "ذا ناشيونال إنترست".

وفي النقطة الأخيرة يشير لانغلويس إلى أن "تركيا تشكل أهمية بالغة. فواشنطن تحتاج إلى أنقرة في صفها قدر الإمكان في ضوء الاضطرابات العالمية في أوكرانيا والشرق الأوسط (غزة) اليوم".

وقد تعتقد واشنطن أن أي انتخابات في شمال شرق سوريا من شأنها أن تؤدي إلى رد فعل عنيف من جانب تركيا، وقد تدفع أنقرة ودمشق إلى التقارب بشأن الملف السوري.

ويتابع الباحث الأميركي في حديثه لموقع "الحرة": "ونظرا لعدم الاستقرار في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، فمن المحتمل أنهما لا تريدان أن تضاف إليهما قضية أخرى الآن. وهذا يتماشى مع دعم واشنطن العام لتجميد الصراع في السنوات الأخيرة".

أما بخصوص الأسباب التي تدفع "الإدارة الذاتية" للتمسك بـ"الانتخابات" يشير الباحث إلى أنه "يبدو واضحا أن الأكراد يدفعون باتجاه إجرائها لزيادة شرعيتهم، وبالتالي زيادة أي قوة تفاوضية مستقبلية مع دمشق".

ومن المرجح أيضا أنهم "يعتقدون أن بإمكانهم السير في مسارين: أحدهما إجراء محادثات في نهاية المطاف مع الأسد، والآخر زيادة الحكم الذاتي من أجل الانفصال في نهاية المطاف".

ولا يعتقد لانغلويس أن العديد من الناس لديهم أوهام بشأن الفرضية الأخيرة (الانفصال)، ولذلك فإن المسار الأول هو الأكثر ترجيحا حتى الآن.

ويرى أن الموقف الأميركي "مثير للاهتمام الآن"، متحدثا عن تحول جذري منذ ما يقرب من عامين، ويتمثل بتحول الدعم الأميركي في شمال وشرق سوريا "من التركيز على الانتخابات إلى موضوعات أخرى تتعلق بالحكم وبناء السلام". 

مقالات مشابهة

  • "ستدفع ثمناً باهظاً".. بري يستبعد هجوماً برياً إسرائيلياً على لبنان
  • اعتقال روسي في أمريكا بتهمة تصدير تقنيات إلى روسيا
  • انتخابات البلديات في شرق سوريا.. لماذا لا تدعمها واشنطن؟
  • محمد غازي الجلالي رئيس وزراء سوريا المنحدر من الجولان
  • سوريا: الأسد بحث مع شويجو في دمشق ملفات متعلقة بالأمن الدولي والإقليمي
  • نتنياهو للحوثيين: ستدفعون ثمنا باهظا عند كل محاولة لاستهداف إسرائيل
  • نتنياهو محذرًا الحوثيون: "سيدفعون ثمنًا باهظًا"
  • نتنياهو يتوعد الحوثيين: ستدفعون ثمنا باهظا
  • سوريا.. بشار الأسد يكلف وزيرا سابقا بتشكيل حكومة جديدة
  • الرئيس الأسد يكلّف وزيرا سابقا تشكيل الحكومة الجديدة في سوريا