الأسبوع:
2024-09-17@00:31:36 GMT

الشهيد الساجد

تاريخ النشر: 3rd, January 2024 GMT

الشهيد الساجد

آذن الليل بالرحيل، لكنه قبل أن يغادر أبى إلا أن يهجم بظلامه على قطاع غزة، وأشد الظلمة هي التي تحتل الأفق قبيل انسلاخ الفجر. البيوت متلاصقة وكأن جدرانها تداخلت وأسسها تمددت في باطنو الأرض كجذور الأشجار العملاقة المعمرة. في بيت منها ند أنين مكتوم من أم رؤوم اشتدت عليها آلام المخاض فمكثت تتلوى وتتأوه في انتظار الفرج، والفلسطيني كجينوم لا يصرخ أبدا إلا للضرورة القصوى ولهذا لما صدرت عن الأم صرخة عالية جعلت زوجها يهرول خارجا دون أن يشغل نفسه بسبب الصرخة، لانتظاره مولوده في جزء من اللحظة كان يدق باب جيرانه بعنف ولهفة وقلبه في يده وروحه خلفه تركها عند حبيبة قلبه التي قاسمته ليالي الشهد وشاطرته الدموع.

لم يعد إلا وأم ليث القابلة خلفه تضع خطواتها المتسارعة فوق خطواته وأنفاسهما اللاهثة موحدة وكأنها تخرج من صدر واحد لا اثنين.

تركها تدلف لامرأته وذهب لتفقد أطفاله ووضع الأغطية على أبدانهم الرقيقة وفي لمح البصر كان يعد الماء الساخن، الذي تحتاجه القابلة عند الشروع في التوليد واستخلاص روح من روح.

اندهشت القابلة وهتفت ذاكرة ورفعت عقيرتها شاكرة، فقد فوجئت بأسهل ولادة في تاريخها العملي الطويل،

فقد نزل المولود ساجدا ولما أخذته لتنظف جسمه وتلقي عليه بعض المناشف وتطيبه رأته يرفع سبابته كأنه يرمز بها إلى توحيد ربه.

اقترحت إضافة الوصف الذي رأته بعينه إلى اسمه المختار الذي لم تتدخل فيه، ومن هنا توافقت الأسرة على تسميته محمدا فكان محمد الساجد.

ما لبث المولود إلا أن أخذ في نمو لافت خارق للمعتاد عند نظرائه وكأن يد العناية تشير إلى مستقبله المشهود

حيث يتم حصاد الثمار في ذات النهار الذي زرع فيه النبات كرمز لثواب الشهادة المضاعف.

محمد الساجد كان السجود مفتاح شخصيته.. سجد بروحه بقلبه بل طوع الله نفسه فانقادت له ساجدة، سجدت جوارحه سجدت خلاياه.. سجدت دماؤه في عروقه تجاوب الكون معه فرآه ساجدا، أينما يمم وجهه رأي كل ما تقع عليه عيناه في حال السجود مثلما تجاوبت الجبال مع داوود عليه السلام فأوبت معه ومثلما سبح الحصى في يد محمد صلى الله عليه وسلم، سجدت المخلوقات كلها تأييدا للحال الذي ميز محمدا الساجد: سجد الشجر والحجر والليل والقمر والطير والوحش وحيتان البحر.

كان محمد الساجد كأنه درويش جلال الدين الرومي اختزل الله العالم كله له عند جبهته.

أعطي محمد قوة خارقة فكان يواجه جنود الاحتلال بسجدته لا بحجارته زمن انتفاضة الحجارة، فأعياهم وهزمهم وأخافهم، فكانوا يفرون من طريقه كالجرذان المذعورة.

لم يجمعه بهم طريق واحد ولا شارع مشترك.. كان حضوره يلغى وجودهم، وطلته تحذف انتشارهم حتى سبب لهم فزعا دائما، وأصابهم برهاب السجود.

اجتمع مجلس الحرب وقرر مواجهة الساجد من وضع الطيران لاستحالة المواجهة على الأرض ولا من خلف الجدر كعادتهم.

فرد واحد تطارده طائرة!.. الساجد فى حال سجود روحي أثناء المطاردة الشوارع خالية من البشر والحيوانات، فسجد الهواء وسجدت الرياح وسجد النور والنهار والليل.

ضبط الوغد الجبان بوصلة المدفع على ظهر البطل وأطلق ذخيرته فهبط إلى الأرض صاعدا للسماء كان وقتها على قوة الملأ الأعلى بعدما انقطعت صلته بعالم المحو وسجل اسمه في قائمة الإثبات على رأس قائمة الخلود.

تلقى الطلقة كوخزة إبرة يكره الموت وربه يكره مساءته هبط جالسا اعتدل نحو القبلة سجد بتمكن واقتدار وهدوء السجدة الأخيرة والمسك يفوح من جرحه، فكان العمر سجدة.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: فلسطين الاحتلال القضية الفلسطينية مقالات الاحتلال الاسرائيلي اخبار فلسطين غزه محمد صلاح عبده الشهيد الساجد

إقرأ أيضاً:

“وصفي التل.. الملف رقم صفر” .. كتاب جديد عن الشهيد يحوي تفاصيل مثيرة

#سواليف

صدر حديثا للزميل الإعلامي والكاتب محمود كريشان كتاب «وصفي التل.. الملف رقم صفر» عن دار الهلال والذي يتوفر حاليا في (كشك حسن أبو علي للثقافة) وسط البلد، بعد استكمال كافة مراحل الموافقات الرسمية والطباعة التي تمت بصورة أنيقة في مطابع صحيفة الدستور.
والكاتب المعزز بالوثائق والصور النادرة التي تنشر لأول مرة والشهادات التاريخية أرخ إلى حقبة وصفي التل وأحداث أيلول وتداعياتها المؤسفة، كما يؤرخ الكتاب لشهادات صادقة ونادرة، ولأول مرة تتحدث عن وصفي التل وتلك الأحداث ومواقف عدة من مواقف الشهيد التل، بالإضافة إلى استعراضه شهادات لتيارات سياسية يمينية وإسلامية، وشهادات ناقمة وأخرى ثأرية، وشهادات نادمة، وشهادات مطبوعة في عواصم دول أوروبية، وأخرى رجعية ويسارية ملونة، ومليئة بروايات مظللة ومؤدلجة.
في حين يتضمن الكتاب معلومات تنشر لأول مرة مثل رواية إبراهيم سلامة «غدا ندخل المدينة» واعتراف وصفي التل له بصريح العبارة بأن المخابرات الأمريكية تخطط لاغتياله، وفي فصل سري للغاية، ينشر حوارا حصريا مع قائد الاستخبارات الأردنية في أحداث أيلول المرحوم اللواء محمد بشير الشيشاني، وشهادات الشيشاني هامة تاريخيا، ولأول مرة تنشر، ويفند الشيشاني كثير من سرديات مغلوطة ومخادعة عن أحداث أيلول والشهيد ووصفي التل.
وفي الكتابة عن أحداث أيلول والشهيد التل، بحسب المؤلف كريشان، نجد أن كثيرين من الشهود على الحقبة تحولوا وتلونوا سياسيا، ومن الأردنيين شخصيات سياسية كانت معادية ومناوئة لمشروع وصفي التل والدولة الأردنية، وسياسيون اعتنقوا «حركة اليسار العقائدية» ومشروعها في صناعة وترحيل الفوضى والفتن إلى البلاد العربية، والبندقية المأجورة، ونقلها من كتف إلى كتف في سفك الدم العربي البريء.
ويستعرض الكتاب شهادات تاريخية «كيف وصفي التل حمى ياسر عرفات في أحراش جرش»، لتفنيد تلك السرديات التي ظلمت وصفي التل، ونهشت في كثيرا في رمزية شخصية التل الوطنية، وعن أحداث «عين غزال»، وإصابة السوري غازي كنعان الذي أصبح فيما وزيرا للداخلية هناك، ودور الباشا عبدالوهاب النوايسة مع وصفي التل في عين غزال وإطفاء نيرانها، وما هي قصة الدبلوماسي الأردني أحمد علي مبيضين والشنطة السرية من بيروت إلى عمان، ومتى سلمها إلى سعدية زوجة وصفي التل، وماذا حمل مبيضين في الشنطة؟.. وكيف تم الإفراج عن صلاح خلف «أبو إياد»، وكيف حمت القوات الخاصة الأردنية شارع طلال في وسط البلد من الانفجار الدامي الكارثي، وأطفأت القوات الخاصة فتيل نيران قنابل إجرامية كانت تستهدف أمن الأردن وشارع طلال ومناطق قريبة؟
مؤلف الكتاب الزميل محمود كريشان يذهب إلى زوايا ومساحات غير مطروقة في حياة الشهيد وصفي التل، وينشر خبر قيام وصفي بإبعاد خبير أجنبي للتعذيب في السجون الأردنية، ويطرده طردا أثيما، كذلك «شجرة أيلول»، حيث اجتمع الملك الراحل الحسين مع عشرة من رجالات الدولة وقادتها عام 1970، وكان لقاء «النقطة صفر» في أحداث أيلول، وهو لقاء في سرديات معادية للأردن تصفه بأنه «لقاء الدم» والانتقام، ولكن في الحقيقة اللقاء حمى الدولة الأردنية، وكان النقطة صفر، وبداية الخلاص من الفتن والحرب الأهلية، ومشروع الأردن البديل.
لماذا نجح وصفي التل؟ وكيف حمى التل الأردن من حرب وفوضى، وانكسار وانجرار أمام مشروع إحلالي وبديل في حضن الدولة والمجتمع؟ ويجيب الزميل كريشان في الفصل قبل الأخير من الملف «رقم صفر» بالإشارة إلى اللحمة بين الجيش والمخابرات ووصفي التل، كما ويسجل في الكتاب شهادة لإمام الأضرحة الملكية الشيخ فؤاد العمري، وبعدما تم نقل جثمان الشهيد وصفي التل من الأضرحة الملكية إلى ضريحه الحالي في الكمالية، وماذا شاهد؟
الكتاب متوفر الآن في (كشك الثقافة العربية) في دخلة البنك العربي شارع فيصل وسط البلد.

مقالات مشابهة

  • شاهد بالصورة.. مظاهرات وتزاحم بين المواطنين داخل مستشفى شندي والسبب نجل الشهيد الراحل محمد صديق.. الرجال يتنازعون ويتسابقون مع بعضهم لدفع رسوم عملية إبن الشهيد
  • مبروكة: يوم الشهيد رمز للتضحيات الكبيرة
  • بشارة الانجيل بمجيء رسول الله محمد صل الله عليه وآله وسلم..
  • إعلام عبري: منفذ عملية الطعن في القدس هو الشهيد زايد أبو صبيح من النقب المحتل
  • عائلة الشهيد الجازي: لم نستلم جثمانه بعد
  • “وصفي التل.. الملف رقم صفر” .. كتاب جديد عن الشهيد يحوي تفاصيل مثيرة
  • الشهيد ماهر الجازى
  • السيد القائد يشيد ببطولة الشهيد الاردني ماهر الجازي
  • تخليد الشهيد الاردني الحويطي في صنعاء
  • مظاهرات حاشدة في الأردن تهتف باسم الشهيد ماهر الجازي