ضربة أمريكية للحوثيين… أم حدث عابر!
تاريخ النشر: 3rd, January 2024 GMT
لن تعني مهاجمة البحريّة الأميركية لزوارق حوثية في البحر الأحمر شيئا، أقلّه في المدى المنظور. قد تعني الكثير يوما ما في حال حصول تغيير جذري في النظرة الأميركيّة إلى اليمن من جهة وإلى المشروع التوسّعي الإيراني على صعيد المنطقة كلّها من جهة أخرى. كان يمكن البناء على هذا الحدث لو كان في الإمكان إدراجه في سياق إستراتيجيّة أميركيّة تستهدف التصدي للمشروع التوسّعي الإيراني ببعده الإقليمي.
هل إدارة جو بايدن مستعدة لمثل هذه الخطوة… أم تفضل الانتظار والرهان على أنّ ما قامت به إلى الآن أكثر من كاف لردع “الجمهوريّة الإسلاميّة” ومنعها من توسيع حرب غزّة؟
يصعب أن يكون للهجوم الأميركي أي تأثير يذكر على سلوك “جماعة أنصارالله” الذين لديهم همّ واحد، إضافة في طبيعة الحال إلى وضع أنفسهم في خدمة المشروع الإيراني. يتمثل هذا الهمّ الواحد الوحيد في السيطرة على شمال اليمن وتحويله إلى قاعدة عسكريّة إيرانية في الجزيرة العربيّة ذات أسلحة فتاكة وصواريخ متطورة نسبيا. يفسر ذلك السعي الحوثي المستمرّ منذ وضع اليد على صنعاء في 21 أيلول – سبتمبر 2014 إلى توسيع هذه السيطرة. كان ممكنا أن تمتد السيطرة الحوثية لتشمل مدينة مأرب وجزءا من محافظة شبوة. كان ذلك احتمالا واردا لولا تدخل لواء “العمالقة”، الذي معظم عديده من المحافظات الجنوبيّة، في مرحلة معيّنة. وضع “العمالقة” حدّا للطموحات الحوثية في التمدد في كلّ الاتجاهات بعد إخراجهم، في 2015، من عدن ومن ميناء المخا الذي يتحكّم بمضيق باب المندب.
تبدو الحاجة أكثر من أي وقت إلى إستراتيجية جديدة في التعاطي مع الموضوع اليمني بعدما كشفت حرب غزّة أهمّية هذا البلد من زوايا عدّة في مقدمها موقعه الإستراتيجي. ليس ما يشير إلى استعداد أميركي للذهاب بعيدا في فهم ما يدور في اليمن وما سيترتب على بقاء الكيان الحوثي فيه حيّا يرزق… مع سيطرة هذا الكيان على ميناء الحديدة وامتلاكه في الوقت ذاته حدودا طويلة مع المملكة العربيّة السعوديّة.
تدفع الإدارة الأميركيّة حاليا ثمن غياب أي فهم لمدى خطورة السيطرة الحوثيّة على جزء من اليمن.
لم تفهم الإدارة الأميركية يوما خطورة الظاهرة الحوثيّة. لم يقتصر الأمر على فريق جو بايدن. منذ عهد الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، منذ السنة 2000 تحديدا، لدى الهجوم الذي تعرضّت له المدمرّة “يو.أس.أس كول” في ميناء عدن، كان لسان حال المسؤولين الأميركيين واحدا. بالنسبة إلى هؤلاء، لا وجود لخطر اسمه الخطر الحوثي، بل يوجد في اليمن خطر واحد هو وجود تنظيم “القاعدة” الذي استفاد طويلا من هيمنة الإخوان المسلمين على قطاعات معيّنة في الأجهزة الأمنيّة، إضافة إلى قطاعات عسكريّة مثل الفرقة الأولى/ مدرّع. كانت تلك الفرقة بقيادة اللواء علي محسن صالح الأحمر، قريب علي عبدالله صالح، الذي كان من أبرز المشاركين في الانقلاب عليه. في مرحلة ما بعد رحيل علي عبدالله صالح عن السلطة، صار علي محسن صالح في موقع نائب رئيس الجمهوريّة.
لم يحد المسؤولون الأميركيون عن هذا الرأي المتعلّق بالحوثيين وما يمثلونه من خطر على اليمن نفسه وعلى المنطقة. بمجرّد دخوله إلى البيت الأبيض، رفع جو بايدن الحوثيين عن قائمة الإرهاب. فعل ذلك نكاية بالمملكة العربيّة السعوديّة التي كانت تخوض منذ آذار – مارس 2015 حربا مع “جماعة أنصارالله”. لم تدرك المملكة خلال تلك الحرب، التي استمرت إلى ما قبل نحو سنتين تقريبا، أنّه كان من الضروري التفريق بين الحوثيين وعلي عبدالله صالح الذي ما لبث “جماعة أنصارالله” أن تخلّصوا منه كانون الأوّل – ديسمبر 2017.
يناور الحوثيون ومن خلفهم إيران في البحر. لكنّ ما يريدونه هو البرّ. لا يقدّم التصدي لهم في البحر ولا يؤخّر من دون استيعاب في العمق لمعنى وجود كيان تابع لـ“الجمهوريّة الإسلاميّة” في اليمن، في صنعاء وفي ميناء الحديدة وعلى الحدود السعودية تحديدا.
لا معنى للضربة الأميركية للحوثيين ولا معنى للتهديدات البريطانيّة في غياب فهم في العمق للنتائج المترتبة على الوجود الإيراني في اليمن وخطورته على المنطقة كلّها، خصوصا في ضوء امتلاك الحوثيين إمكانات عسكريّة كبيرة. من الضروري العودة بالذاكرة إلى الخلف قليلا. لا يزال السؤال الذي يطرح نفسه بحدة: لماذا كل تلك الجهود التي بذلتها بريطانيا في العام 2018 من أجل التوصل إلى اتفاق ستوكهولم ومنع قوات “الشرعيّة” اليمنيّة وأخرى متحالفة معها من إخراج الحوثيين من الحديدة؟
ثمّة أخطاء كبيرة ارتكبتها الإدارات الأميركية في تعاطيها مع الحوثيين. لم يدرك الأميركيون يوما، باستثناء خلال فترة وجيزة من عهد دونالد ترامب، أنّ لا فارق بين “القاعدة” أو “داعش” من جهة والميليشيات المذهبيّة التي تقف وراءها “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران من جهة أخرى.
تحصد أميركا في البحر الأحمر ما زرعته في اليمن. تحصد موقفها المتردد لسنوات طويلة من الاستثمار الإيراني في مشروع واضح المعالم يستهدف تحويل هذا البلد إلى قاعدة عسكريّة إيرانيّة في شبه الجزيرة العربيّة لا أكثر.
لا تقع المسؤولية على أميركا وحدها. هناك مسؤولية كبيرة تقع على الإخوان المسلمين الذين انقلبوا على علي عبدالله صالح ابتداء من شباط – فبراير 2011 تحت ستار “الربيع العربي”. جاء بعد ذلك الحقد الذي كان يمتلكه عبدربّه منصور هادي الرئيس المؤقت الذي خلف علي عبدالله صالح. هناك الآن وضع جديد في اليمن. هناك “شرعيّة” جديدة على رأسها الدكتور رشاد العليمي. لماذا لا دعم كافيا لهذه “الشرعيّة” كي تقيم توازنا عسكريا، عن طريق أسلحة نوعيّة، مع الحوثيين؟
سيتبين في الأيام المقبلة هل تغير شيء في واشنطن تجاه اليمن أم لا، وما إذا كانت الضربة التي تلقاها الحوثيون في البحر الأحمر تعني شيئا… أم أنّها مجرد حدث عابر!
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: حصاد 2023 التغير المناخي أحداث السودان سلطان النيادي غزة وإسرائيل مونديال الأندية الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الحوثي علی عبدالله صالح الجمهوری ة العربی ة فی الیمن فی البحر عسکری ة من جهة
إقرأ أيضاً:
واشنطن بوست تكشف أهدافًا أمريكية مُحتملة للحوثيين في بلدين عربيين
رجّحت صحيفة "واشنطن بوست" أن تلجأ جماعة الحوثيين إلى شن هجمات ضد القواعد العسكرية الأمريكية في الإمارات العربية المتحدة أو جيبوتي، ردًا على الضربات الجوية التي تشنها الولايات المتحدة حاليًا على الأراضي اليمنية.
ونقلت الصحيفة عن المحلل اليمني محمد الباشا قوله إن "الحوثيين قد يحاولون تنفيذ ضربات انتقامية تستهدف القواعد الأمريكية في المنطقة".
استمرار الضربات الأمريكيةتواصل القوات الأمريكية تنفيذ غارات جوية على مواقع الحوثيين، حيث استهدفت محافظة صعدة، التي تُعد معقل الجماعة، بالإضافة إلى محافظة مأرب الواقعة جزئيًا تحت سيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا. يأتي ذلك بعد إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عن بدء عمليات عسكرية "حاسمة وقوية" ضد الحوثيين، مُتعهدًا باستخدام "قوة ساحقة وقاتلة" لوقف تهديداتهم للملاحة الدولية.
أكد ترامب أن الهجمات الحوثية تسببت في "شل حركة الشحن في أحد أهم الممرات المائية العالمية"، مما أثر على التجارة الدولية وانتهك مبدأ حرية الملاحة. ويأتي هذا التصعيد بعد إعلان الحوثيين استعدادهم لاستئناف استهداف السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر، وذلك بعد تعليق عملياتهم عقب اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة "حماس" في 19 يناير الماضي.
في سياق متصل، أفادت مصادر يمنية بأن الضربات الأمريكية على المناطق السكنية في العاصمة صنعاء أسفرت عن مقتل 13 شخصًا وإصابة تسعة آخرين. كما قُتل ستة أشخاص على الأقل في مدينة صعدة، بينهم أربعة أطفال وامرأة، نتيجة قصف مبنيين سكنيين شمال المدينة، وسط تحذيرات من تصاعد الأوضاع العسكرية والإنسانية في اليمن.